الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس والثلاثون: طواف الوداع
إذا أراد الحاج الخروج من مكة إلى بلده، فلا يخرج حتى يطوف طواف الوداع (1)؛لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجهٍ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((لا ينفرنّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أُمِر الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض)) (3)، فالحائض ليس عليها وداع وكذلك النفساء.
وعن عائشة رضي الله عنها ((أن صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت فذكرْتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحابستنا هي؟)) قالوا: إنها قد أفاضت، قال:((فلا إذن))، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: عن عائشة
رضي الله عنها قالت: حاضت صفية بنت حُيَيّ بعدما أفاضت، قالت عائشة:
(1) الأطوفة المشروعة في الحج ثلاثة أطوفة:
الطواف الأول: الطواف عند الدخول، ويُسمَّى طواف القدوم، والدخول، والورود، وهو سنة لا شيء على تاركه، وهو للقارن، والمفرد.
الطواف الثاني: طواف الإفاضة، وهو بعد التعريف، ويقال له: طواف الزيارة، وهو طواف الفرض الذي لا بد منه؛ فإنه ركن لا يتم الحج إلا به بغير خلاف، كما قال اللَّه تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج، الآية: 29].
الطواف الثالث: طواف الوداع، وهو لمن أراد من الحجاج الخروج من مكة إلى بلاده، وهو و (3) من واجبات الحج، ينوب عنه الدم إذا تركه. [المغني، لابن قدامة، 5/ 316، وفتاوى ابن تيمية، 26/ 127]، وأضواء البيان، 5/ 213، وفتاوى اللجنة الدائمة، 11/ 223.
(2)
مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض، برقم 1327.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1328.
فذكرت حيضتها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:((أحابستنا هي؟))، قالت: فقلت: يارسول اللَّه لِلَّهِ إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((فلتنفر)) (1).
فيطوف سبعة أشواط بالبيت ثم يُصلِّي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام (2)، ثم يخرج من المسجد الحرام ويقول دعاء
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، برقم 1757، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوادع وسقوطه عن الحائض، برقم 1211.
(2)
قال العلماء: ((وإن أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع))؛ لأن المقصود من طواف الوداع: أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل، فيكون مجزئاً عن طواف الوداع، حتى لو كان الحاج متمتّعاً أو قارناً أو مفرداً لم يسعيا بعد طواف القدوم، فإنه عند طواف الإفاضة يطوف سبعة أشواط، ثم يصلي خلف المقام ركعتين، ثم يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ثم يسافر، وهذا الفصل بالسعي بعد الطواف لا يضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تأتي بعمرة بعد تمام الحج، فطافت وسعت وسافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم[البخاري، برقم 1560، ومسلم، برقم 1211]، فقد حال السعي بين الطواف والخروج ولم يضر، وكذلك طاف النبي صلى الله عليه وسلم طواف الوداع، وصلى الفجر وقرأ بالطور [البخاري، برقم 4853]، فهذا يدل على أن مثل هذا الفضل لا يضر، [الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 400].
والأفضل أن يطوف طواف الإفاضة يوم النحر، ثم يطوف طواف الوداع عند الخروج من مكة. ولكن إذا أخر طواف الإفاضة أجزأه عن الوداع بشرط أن ينوي طواف الإفاضة؛ فإن نوى طواف الوداع ولم ينوِ طواف الإفاضة؛ فإن طواف الإفاضة لا يصح؛ لأنه لم يعينه بالنية.
فإجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع أو عدمه له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينوي طواف الوداع فقط، فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأنه لم ينوِ الوداع.
الحالة الثانية: أن ينوي طواف الإفاضة فقط، فهذا يجزئ كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد.
الحالة الثالثة: أن ينوي طواف الإفاضة، وطواف الوداع، فهذا يجزئ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907]. قال الإمام الخرقي في مختصره المطبوع مع المغني، 5/ 346:((وإن طاف طواف الوداع لم يجزه لطواف الزيارة)).
قال ابن قدامة في المغني، 5/ 346:((وإنما لم يجز عن طواف الزيارة؛ لأن تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا، فمن طاف للوداع فلم يعين النية له، فلذلك لم يصح)).
الخروج من المسجد كما تقدم ثم يذهب إلى بلاده (1).
(1) الحائض إذا لم تطف طواف الإفاضة، وسافر أهلها، فلها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: الواجب أن لا تسافر حتى تطهر ثم تطوف طواف الإفاضة ويجزئها عن طواف الوداع كما تقدم.
الحالة الثانية: إذا لم يبق معها أحد وخافت على نفسها، وكان بالإمكان أن ترجع بعد الطهر، فلا بأس أن تسافر مع أهلها، ولا يقربها زوجها إن كان لها زوج، وتبقى محرمة لم تتحلل التحلل الثاني، فإذا طهرت سافر معها بعض محارمها، وطافت طواف الإفاضة، وسعت بعده إن كان عليها سعي.
الحالة الثالثة: أن تكون من أهل البلاد البعيدة جداً، ولا يمكن أن تعود إلى مكة بأي حال من الأحوال، ففي هذه الحالة اختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنها تتحفظ، وتطوف طواف الإفاضة؛ لأنها مضطرة إلى ذلك، ولا شيء عليها. [انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 185 - 187،
و26/ 171 - 211].
واختاره أيضاً ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، 3/ 25 - 28: ((فقد تكلم في هذه المسألة كلاماً نفيساً، وقسم أحوال الحائض في طواف الإفاضة إلى ثمانية أقسام، ثم قال: ((القسم الثامن: أن يقال: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، كما يسقط عنها طواف الوداع بالنص، وكما يسقط عنها فرض السترة إذا شلحتها العبيد، أو غيرهم، وكما يسقط عنها فرض طهارة الجنب إذا عجزت عنها لعدم الماء، أو مرض بها، وكما يسقط فرض اشتراط طهارة مكان الطواف والسعي إذا عرض فيه نجاسة تتعذر إزالتها، وكما يسقط شرط استقبال القبلة في الصلاة إذا عجز عنه، وكما يسقط فرض القيام والقراءة والركوع والسجود إذا عجز عنه المصلّي، وكما يسقط فرض الصوم عن العاجز عنه إلى بدله وهو الإطعام، ونظائر ذلك من الواجبات والشروط التي تسقط بالعجز عنها، إما إلى بدل أو مطلقاً، فهذه ثمانية أقسام لا مزيد عليها، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا القسم الثامن
…
)).
وأفتى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى: أن من حاضت قبل طواف الإفاضة تبقى على إحرامها حتى تطهر وتطوف، وأما من كانت من أهل الديار البعيدة، ولا يمكنها الرجوع جاز لها على الصحيح أن تتحفظ وتطوف)) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 148، 17/ 328].
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث 757:((إن المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة إذا لم يبق معها أحد من رفقتها؛ فإنها تسافر معهم وترجع بعد الطهر، أما إذا كانت من بلاد بعيدة: كأمريكا، وإندونيسيا، وغيرها من البلاد البعيدة، ولا تستطيع الرجوع فقد ذكر بعض أهل العلم كابن تيمية وغيره، أنها تتحفظ وتطوف، ولا يكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، وهذا قول قوي)).
واختار هذا القول أيضاً من المعاصرين العلامة ابن عثيمين رحمة اللَّه على الجميع. [انظر: الشرح الممتع، 7/ 299].
ومن ترك طواف الوداع للحج، أو شوطاً منه، فعليه دم يذبحه في مكة، ويوزّعه على فقرائها، ومن سافر، ثم رجع للإتيان بطواف الوداع بعد أن تركه، فإن الدم لا يسقط عنه (1)، وقال بعض أهل العلم: لو رجع بنية طواف الوداع أجزأه ذلك، وسقط عنه الدم، ولكن هذا فيه نظر، والأحوط للمؤمن ما دام سافر مسافة قصر، ولم يودِّع البيت؛ فإن عليه دماً يجبر به حجه (2).
(1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 150.
(2)
المرجع السابق، 17/ 395.