الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة ليالي منى
؛ لحديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص للرعاء في البيتوتة، يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعدهما يجعلونهما في أحدهما)) (1)، فدلّت هذه الرخصة على أنه يقابلها عزيمة.
خامساً: ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:
أنه كان ينهى أن يبيت الحاج وراء العقبة خارج منى، فعن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب قال: ((لا يبيتنَّ أحدٌ من الحجاج لياليَ منى وراء العقبة)) (2).
وهذه الأدلة تدل على أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من واجبات الحج، ونسك من أنساكه إلا لهؤلاء، المعذورين، ومن كان في حكمهم (3).
(1) النسائي، برقم 3071، والترمذي، برقم 954، 955، وابن ماجه، برقم: 3037، وأبو داود، برقم 1975، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 280، برقم 1080.
(2)
الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب البيتوتة بمكة ليالي منى، برقم 209،والبيهقي،5/ 153.
(3)
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم المبيت في منى ليالي أيام التشريق على أقوال:
القول الأول: قول الإمام أحمد ومن معه: المبيت بمنى ليالي منى واجب، فلو ترك المبيت بها في الليالي الثلاث فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، والإمام مالك، فاتضح: أن القول بأن المبيت في منى واجب يجبر تركه بدم هو قول الجمهور؛ للأدلة المذكورة في متن هذا البحث [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 324، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف،
9/ 236، والكافي لابن قدامة، 2/ 448، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 313].
القول الثاني: المبيت بمنى ليس بواجب، وتركه مكروه، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وأصحابه، وهو رواية عن أحمد.
القول الثالث: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق سنة وليس بواجب، وهو قول للشافعي، ولكن الأصح عندهم أنه واجب كما تقدم.
والصواب أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من تركه فعليه دم، وفي مذهب أحمد في الذي يترك المبيت روايات: إذا ترك الليالي الثلاث فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وعنه يتصدق بشيء، وعنه لا شيء عليه، فإن ترك المبيت في ليلة من لياليها ففيه ما في الحصاة الواحدة من الأقوال المذكورة فيها، كما سيأتي إن شاء اللَّه. [المغني،5/ 325،وأضواء البيان، 5/ 313].
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان، 5/ 384:((فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فاعلم أن أظهر الأقوال دليلاً أن المبيت في منى نسك من مناسك الحج يدخل في قول ابن عباس: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) [مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152]، وتقدم تخريجه في مواقيت الحج والعمرة.
والحاج الذي يرغب في الثواب يجتهد في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في المبيت في منى، وفي أداء الأنساك كلها، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:((خذوا عني مناسككم .... )).
وقد قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه الله: ((أماكن الحج وأزمنته محدودة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد، وقد حجَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقال فيها: ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (1)، وبين فيها [صلى الله عليه وسلم] الأزمنة والأمكنة، وحدود منى: من وادي محسر إلى جمرة العقبة، فعلى من حجَّ أن يلتمس مكاناً له داخل حدود منى، فإن تعذر عليه حصول المكان نزل في أقرب مكان يلي منى ولا شيء عليه)) (2)،
واللَّه المستعان (3).
(1) مسلم، برقم 1297 بنحوه، والبيهقي بلفظه، 5/ 125.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 266.
(3)
كان شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه الله يفتي: أن المبيت في منى يسقط عن أصحاب الأعذار: كالسقاة، والرعاة، والمريض الذي يشقق عليه المبيت بمنى، والعاملين على مصلحة الحجاج، والذي لا يجد له مكاناً في منى بعد الاجتهاد في البحث فعجز عن ذلك [مجموع الفتاوى له، 16/ 16/ 149، 226، 17/ 362، 363].
ويفتي رحمه الله: أن من ترك المبيت في منى جاهلاً حدودها مع القدرة على المبيت فعليه دم، لأنه ترك واجباً من غير عذر شرعي [16/ 149]، ومن ترك المبيت ليلة، الحادي عشر والثاني عشر فعليه دم [16/ 150، 17/ 246]، ومن ترك المبيت ليلة واحدة فعليه في ذلك أن يتصدق بشيء مع التوبة والاستغفار [17/ 386]، ومن أدركه غروب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو في منى وقد ارتحل، فهو في حكم النافر ولا شيء عليه، أما إذا أدركه الغروب وهو لم يرتحل فإنه يلزمه المبيت ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الزوال [16/ 150]، ويكفي في المبيت ليال أيام منى أكثر الليل إذا تيسر ذلك [16/ 226، و 17/ 226].
وسمعته يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1748، 1749:((من نزل في الليل لطواف الإفاضة ولم يرجع إلا بعد طلوع الفجر، فإنه يتصدق بشيء، وإذا كانت ليلتين فدم)).
وذكر شيخ الإسلام أن السنة للحاج أن لا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجع إلى منى بعد طواف الإفاضة فبات بها هو وجميع من معه، وقد قال:((لتأخذوا عني مناسككم))، وهذه السنة الموروثة عنه التي تناقلتها الأمة خلفاً عن سلف، إلا أن أهل السقاية الذين يسقون الحجيج يرخص لهم في المبيت بمكة
…
وكذلك يرخص للرعاة، وذكر الأدلة رحمه الله (1).
(1) شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 556.