الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الحالة العلمية
المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر
…
المبحث الثاني: الحالة العلمية:
لا يعنينا أن نتطرق لجميع مظاهر هذه الحياة، لأنه موضوع طويل، وإنما أريد أن أعطي صورة عامة موجزة عن الحالة العلمية والثقافية في مصر والشام وهما القطران اللذان أمضى الشيخ رشيد فيهما حياته.
المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر:
شهدت مصر في عهد محمد علي وأسرته نهضة علمية وثقافية كبرى، ولئن كان التعليم في عهد محمد علي هو تعليم لا من أجل التعليم، ولكن تعليم من أجل "الجيش القوي" إلا أنه على كل حال قد نفع نفعاً كبيراً. فإنه قد وجد طريقاً إلى المدارس التي أنشئت من حربية وصناعية وهندسية وطبية، وكان لا بد للمصريين أن يحسنوا اللغات الأجنبية ليفهموا عنهم فوجدت الحاجة إلى مدرسة الألسن وإلى بعوث ترسل إلى الغرب، وأنشئ في أثناء ذلك كثير من المدارس الابتدائية والثانوية.
البعثات 1:
كان غرض محمد علي من هذه البعثات تخريج شبان في الفنون
1 يجب الاحتراز دائماً من مثل هذه البعثات فلربما كان إثمها أكبر من نفعها.
لعسكرية والاقتصاد والميكانيكا والطب والتعدين والترجمة. ففي سنة 1826 أرسل إلى فرنسا أول بعثة تعليمية أرسلت إليها وكانت مؤلفة من أربعين شاباً، معظمهم من تلامذة "القصر العيني" وبعضهم من طلبة مدرسة الطب وأمرهم بتعلم الفنون العسكرية والقوانين الإدارية والهندسة المدنية والحربية ولقد نجحت هذه البعثة نجاحاً كبيراً حمل محمد علي على إرسال نيف ومائة طالباً إلى باريس وعلى إبطال البعثات التي كان يرسلها قبل إلى إيطاليا وإنجلترا، والبلاد الأخرى 1.
وفي عهد "إسماعيل" الذي عني بالبعوث فاختار مجموعة من الشبان أوفدهم إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وغيرها لدراسة الطب والهندسة والقانون والفنون الجميلة وبلغ عدد أعضاء البعوث في عهده مائتي شخص. فسار "إسماعيل" على نهج جده في ذلك 2.
المدارس:
أنشأ "محمد علي" بمصر مجموعة من المدارس العليا مثل مدرسة الطب التي أنشأها "كلوت بك" 3، ومدرسة الهندسة ومدرسة الصيدلة ومدرسة الزراعة ومدرسة الألسن والمدارس الحربية المختلفة. كما أنشأ عدداً من المدارس الابتدائية والثانوية، كما وجه بعض الاهتمام كذلك إلى الأزهر الذي وجد فيه معيناً يسد حاجته من الطلاب لتغذية المدارس العليا والبعثات. وبلغت المدارس من الكثرة في عهد محمد علي أن أنشأ لها ديواناً لم تمض بضع سنوات حتى أصبحت المدارس التابعة له سبعين مدرسة منها ستة عشر مدرسة عليا 4.
1 انظر لمعرفة البعثات في عهده: جورجي زيدان: تاريخ مصر الحديثة (ص: 2193)، وإلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد إسماعيل (1/171)، ومحمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية (ص: 373)، وأحمد شلبي: مرجع سابق (5/356) .
2 وعن البعوث في عهده انظر: إلياس الأيوبي: مرجع سابق (1/228)، وأحمد شلبي: مرجع سابق (5/382) .
3 انظر: ترجمته: جورجي زيدان: تاريخ مصر الحديثة (ص189ـ 190) .
4 انظر تفصيلات عن هذه المدارس: الأيوبي: مرجع سابق (1/169) وما بعدها، وأحمد شلبي: مرجع سابق (5/356) .
وفي عهد إسماعيل أعيد ديوان المدارس الذي يعتبر النواة لوزارة المعارف، وأصدر لائحة التعليم، ونشر التعليم الابتدائي في المدن والقرى، فقد أنشئ في عهد إسماعيل أربعة آلاف وثمانمائة وسبعة عشر مدرسة، وكان عدد المدارس قبله مائة وخمسة وثمانين مدرسة فقط، وربط إسماعيل بين الكتاتيب وبين المدارس الابتدائية، وأكثر من المدارس التجهيزية والفنية والعالية. وكان نشاط إسماعيل في التعليم الفني والعالي نشاطاً مزدوجاً، فقد أعاد من جانب المدارس العالية والفنية التي كان محمد علي قد أنشأها ثم أهملت من بعده. ومن جانب آخر أنشأ طائفة جديدة من المدارس كمدرسة الإدارة التي تحولت من بعد إلى مدرسة الحقوق، ومدرسة الألسن التي تحولت بعد ذلك إلى مدرسة المعلمين العليا، ودار العلوم التي كانت مصدر إزعاج من بعد للاحتلال الإنجليزي 1.
الطباعة:
كان بونابرت قد ترك لنا مطبعة قبل رحيله، ولكنها أهملت فيما بعد، وضربت عليها العنكبوت بنسجها. وربما أخذ نابليون معه أجزاءها الرئيسة. حتى جاء محمد علي وأنشأ المطبعة الأهلية في بولاق على أنقاض مطبعة بونابرت. فاستحضر لها العدد والحروف واستقدم العمال من أوروبة وسوريا فأداروها واصطنعوا حروفاً جديدة تشبه حروفها الأصلية. ولا يمضي النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى تكثر المطابع ويكثر طبع الكتب العربية القديمة ودواوين الشعر. وكان لذلك تأثير واسع في حياتنا الأدبية 2. وفي عهد إسماعيل صارت دار الطباعة أكبر مطبعة عربية في العالم حتى بلغ متوسط المؤلفات المطبوعة فيها سنوياً ـ على عهده ـ نيفاً وعشرين مؤلفاً،
1 انظر لمعرفة جهود إسماعيل في ذلك: الأيوبي: مرجع سابق (1/187) وما بعدها، وأحمد شلبي: = = مرجع سابق (5/382) وما بعدها.
2 انظر عن المطبعة الأميرية: جورجي زيدان: مرجع سابق (ص:197) وأحمد شلبي: مرجع سابق (5/356) وشوقي ضيف: الأدب العربي المعاصر في مصر (ص:30) ، ط. دار المعارف، مصر، السادسة.
فضلاً عن الكتب المترجمة وخلافه 1. وعلى كل حال كانت المطبعة عاملاً مهماً ومؤثراً في إيقاظ العقل المصري في القرن الماضي، فقد كان المؤلفون يعتمدون على النسخ باليد قبل ظهور المطبعة، وكان هذا النسخ يكلف أثماناً باهظة، ولم يكن كل الناس يستطيع أن يتكلف ذلك، فلما ظهرت المطبعة عملت على نشر الكتب وأصبح الكتاب الواحد يطبع منه مئات النسخ بل آلافها.
الصحف:
ولقد سهلت المطبعة إصدار الصحف، وأول صحيفة ظهرت هي:"الوقائع المصرية" التي أنشأها "محمد علي" وكانت تصدر أول ما صدرت باللسانين: العربي والتركي. حتى إذا كان عصر إسماعيل كثرت الصحف وكان يصدرها الوطنيون وغيرهم على السواء 2.
الأزهر:
والأزهر هو المعهد العلمي الديني الكبير الذي بقي بعد سقوط بغداد، وتوقف الدراسة بجامع بني أمية في دمشق، وأصبح هو الموئل لطلاب العلوم الشرعية والعربية، ولم تزل قوته ونهضته باقية على عهد المماليك، إلا أنه أخذ في الضعف بدءاً من فتح العثمانيين لمصر، وفي عهد "محمد علي" وأسرته ومع ميلهم إلى التعليم على الطريقة الغربية، بقي الأزهر شامخاً في وسط هذه الموجة العاتية، وتحمل كل ما وجه إليه من انتقادات 3. لقد أصبح في مصر تياران: عربي يمثله الأزهر، وغربي: تمثله
1 انظر الأيوبي: مرجع سابق (1/243) وشوقي ضيف: مرجع سابق (ص:30)
2 انظر الأيوبي: المصدر نفسه (1/244) وشوقي ضيف: المصدر نفسه (ص:33) وما بعدها.
3 انظر هذه الانتقادات: محمد رشيد رضا: مجلة المنار (5/686ـ 687) وعبد المتعال الصعيدي: تاريخ الإصلاح في الأزهر (ص:9) وما بعدها. ط. مطبعة الاعتماد بمصر، الأولى. وشوقي ضيف: مرجع سابق: (ص:19) وما بعدها.