الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:
عرف الشيخ رشيد الصحابي بقوله: "الصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً، واشترط بعضهم طول الاجتماع به والرواية عنه، وبعضهم أحدهما، وقال بعضهم هم كغيرهم من الناس"1.
ومعتمداً على قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
…
} الآية 2. قسم رشيد رضا الصحابة إلى ثلاث طبقات: الأولى: السابقون الأولون من المهاجرين، والثانية: السابقون الأولون من الأنصار، والثالثة: الذين اتبعوا هؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار 3. قال: "ولفظ الاتباع فيها نص في الصحابة المتأخرين الذين اتبعوا الأولين من المهاجرين والأنصار في صفتيهم: الهجرة والنصرة، وهو بصيغة الماضي، فلا يدخل في عمومه التابعون الذين تلقوا الدين والعلم من الصحابة ولم ينالوا شرف الصحبة والهجرة والنصرة، وتسمية هؤلاء بالتابعين اصطلاحية حدثت بعد نزول القرآن"4. وأما حكم هذه الطبقات الثلاث، فيقول عنهم: "هذه الشهادة من
1 مجلة المنار (34/ 117)
2 سورة التوبة، الآية (100)
3 تفسير المنار (11/ 13 ـ 17) بتصرف.
4 المصدر نفسه.
رب العالمين للطبقات الثلاث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدفع حقها باطل الروافض الذين يطعنون فيهم، ويحثو التراب في أفواههم، والذي سن لهم هذا الطعن في جمهورهم الأعظم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام لأجل إيقاع الشقاق بين المسلمين وإفساد أمرهم ثم نظم الدعوة لذلك زنادقة المجوس بعد فتح المسلمين لبلادهم
…
ثم جُعل الرفض مذهباً، له فرق ذات عقائد، منها ما هو كفر صريح ومنها ما هو ابتداع قبيح ومنها ما هو دون ذلك
…
" 1.
ويرى رشيد رضا أن هذه الطبقات الثلاث من الصحابة قد جاوزوا القنطرة، فيقول: "إن جميع أفراد هذه الطبقات الثلاث قد جاوزوا القنطرة واستبقوا الصراط وما يؤثر في كمال إيمانهم شيء، لأن نورهم يمحوا كل ظلمة تطرأ على أحد منهم بإلمامه بذنب
…
" 2.
وعند قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} 3، قال: "هذا خبر مؤكد بلام القسم على حرف التحقيق بين به الله فضل عطفه على نبيه وأصحابه المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار وتجاوزه عن هفواتهم
…
لاستغراقها في حسناتهم الكثيرة، على كونهم لا يصرون على شيء منها، وإنما كانت هفواتهم هذه مقتضى الطباع البشرية، واجتهاد الرأي فيما لم يبينه الله تعالى لهم بياناً قطعياً يعد مخالفه عاصياً
…
" 4.
وقال رداً على سؤال عن عدالة الصحابة: "
…
وورد من الأحاديث النبوية في تعديلهم والثناء عليهم، والنهي عن سبهم وحظر بغضهم، ما لا محل لذكر شيء منه في هذا الجواب الوجيز" 5. وأيضاً فقد "كان من سيرتهم المتواترة في نشر الإسلام في العالم وإصلاح البشرية، ما هو أكبر
1 تفسير المنار (11/ 16)
2 المصدر نفسه (11/ 17)
3 سورة براءة، الآية (117)
4 تفسير المنار (11/ 64)
5 مجلة المنار (34/ 118)
حجة علمية تاريخية على تفضيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على جميع أصحاب الأنبياء والمرسلين
…
" 1.
وهذه المكانة العالية لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنع أن يرتكب بعضهم الذنوب ومنها الكبائر ـ يقول رشيد رضا ـ إلا أن هذا "لا يبيح هتك حرمة هؤلاء الأخيار في جملتهم"2.
إلا أن رشيد رضا يرى أن القول بعدالة جميع الصحابة على اصطلاح من لا يشترط في الصحبة طول العشرة وتلقي العلم والتربية النبوية مطلقاً فيه إفراط، ويفرق بين من رأى النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً ـ مثلاً ـ ولا يعي وبين من عاشر النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه 3.
وقد تابع رشيد رضا في ذلك أبو رية وغيره 4. ولا ريب أن الاعتقاد بعدالة كافة الصحابة هو قول جمهور أهل السنة. وكافة المحدثين، وعليه سلف الأمة وجماهير الخلف 5.
وعدالة الصحابة كافة هي ما تدل عليه آيات القرآن الكريم دون استثناء. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} 6، وقال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 7،وقال:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 8، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 المصدر نفسه.
3 المصدر نفسه.
4 انظر: أضواء (ص: 324)، وأحمد أمين: فجر الإسلام (ص: 216 ـ 217)
5 انظر: الأعظمي: منهج النقد عند المحدثين (ص: 105)
6 سورة البقرة، الآية (143)
7 سورة الفتح، الآية (18)
8 سورة الحشر، الآية (9)
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ..} 1.
وهذه الآيات وغيرها ترد مذهب رشيد رضا إذ أنها تشير إلى تعديل كافة الصحابة دون استثناء، بما فيهم معاوية رضي الله عنه والذي اتخذ منه رشيد رضا موقفاً غير مرضي كما سيأتي بيانه بعد قليل.
ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل والخلافة:
يرى الشيخ رشيد أن ترتيب الصحابة في الخلافة هو على ترتيبهم في الفضل، وأن ذلك بحكمة الله ورحمته. فيقول: "وكان من حكمة الله ورحمته أن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خير أصحابه علماً وحكمة وإخلاصاً ليكونوا قدوة لمن بعدهم وحجة لله عليهم، وألهم أهل الحل والعقد أن يقدموا أقصرهم فأقصرهم عمراً من حيث لا يدرون لتستفيد الأمة من كل واحد منهم، وهذه حكمة ألهمني الله تعالى إياها منذ عشرات السنين لم أروها ولم أسمعها من أحد، وهاك وجه كل واحد منهم رضي الله عنهم أجمعين ـ
…
" 2. ثم طفق يبين وجه الحكمة تفصيلاً. والشاهد من ذلك تقرير الشيخ رشيد لمنهج السلف في ترتيب الخلفاء في الخلافة والفضل.
حكم سب ولعن الصحابة:
ويرى الشيخ رشيد أن سب الشيخين معصية فيقول جواباً على سؤال عن حكم من فعل ذلك، وهل تطلق زوجته: "سب الشيخين عليهما الرضوان معصية، والمعاصي لا تحل عقد الزوجية، وإلا لما صح لفاسق زوجية ولا نسب
…
" 3.
وفيما يتعلق بالصحابي معاوية رضي الله عنه، فإن الشيخ رشيد يرى تحريم لعنه مطلقاً ـ كغيره من الصحابة ـ لأسباب عديدة منها: النهي الوارد
1 سورة التوبة، الآية (100)
2 مجلة المنار (35/ 7)
3 مجلة المنار (7/ 380)
في السنة عن اللعن الذي يتساهل فيه أهل الأهواء من السفهاء 1. ولأنه لا يستحق اللعن إلا من مات كافراً بالله وغضب الله عليه، وهذا لا يعرف إلا بوحي من الله تعالى، ولأن الخاتمة مجهولة 2 ووراء ذلك كله: "إن السواد الأعظم من المسلمين يعدون سب معاوية ولعنه من الكبائر، ويرمون سابه بالرفض والابتداع، وأن السني من المسلمين ليعادي الشيعي على سب معاوية وأبي سفيان بلهَ الخلفاء الثلاثة، ويعادي الخارجي على سب عثمان وعلي ما لا يعادي غيرهما على ترك فريضة من الفرائض أو ارتكاب فاحشة من الفواحش، فهذا الطعن في عظماء الصحابة وحملة الدين الأولين لو كان جائزاً في نفسه لكفى في تحريمه ما يترتب عليه من زيادة التفريق بين أهل القبلة وتمكين العداوة في قلوبهم حتى يكفر بعضهم بعضاً. لهذا لا أبالي أن أقول لو اطلع مطلع على علم الغيب فعلم أن معاوية مات على غير الإسلام لما جاز له أن يلعنه
…
" 3. وقد استفتي الشيخ رشيد في لعن معاوية غير مرة فلم يفتِ به ولم يرضه 4.
ورغم ذلك فإن موقف الشيخ رشيد من معاوية رضي الله عنه غير مرضي. إنه يقول: "إن سيرة معاوية تفيد بجملتها وتفصيلها أنه كان طالباً للملك ومحباً للرياسة، وإنني لأعتقد أنه قد وثب على هذا الأمر مقتاتاً، وأنه لم يكن له أن يحجم عن مبايعة علي بعد أن بايعه أولو الأمر
…
وإنني على اعتقادي هذا لا أرى للمسلمين خيراً في الطعن في الأشخاص والنبز بالألقاب واللعن والسباب، وإنما عليهم أن يبحثوا عن الحقائق ليعلموا من أين جاءهم البلاء فيسعوا في تلافيه مع الاتحاد والاعتصام، والاقتداء بالسلف الصالح في حسن الأدب مع الصحابة الكرام" 5.
ويقول أيضاً: "
…
ونحن من أولياء علي عليه السلام والرضوان ـ لا
1 المصدر نفسه (8/ 629 ـ 630)
2 مجلة المنار (8/626)
3 مجلة المنار (8/630)
4 المصدر نفسه والصفحة
5 المصدر نفسه (9/ 213)
من أولياء معاوية وفئته الباغية ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ ولكننا لسنا بسبابين ولا لعانين كما ورد في وصف المؤمنين. وقد ذكرت في ترجمة الوالد رحمه الله من المجلد الثامن ـ أنه كان يقول: "لا نحب معاوية ولا نسبه" وكيف نحب من بغى على جدنا وخرج عليه 1 وكان سبباً في تلك الفتن التي كانت نكتة سوداء في تاريخ عصر النور الأول لنور الإسلام. وبه تحول شكل الحكومة الإسلامية عن القاعدة التي وضعها لها الله تعالى في كتابه بقوله في المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 2 إلى حكومة شخصية استبدادية
…
" 3.
والحق أن في هذا الموقف من الشيخ رشيد ـ رغم رفضه للعن والسب ـ قصور شديد وبخس لحق هذا الصحابي الجليل، وقد قال الله تعالى:{وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} 4 ومعاوية رضي الله عنه هو من جملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينطبق عليه ما ينطبق عليهم.
فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين 5، ولاه عمر رضي الله عنه الشام، وأقره عليها عثمان 6. أسلم يوم العقبة وكتم إسلامه خوفاً من أبيه 7. كنيته: أبو عبد الرحمن 8.
1 ليست المسألة مسألة عصبية للآباء والأجداد، ويجب أن يكون الكلام علمياً لا عصبياً على سنن الجاهلية.
2 سورة الشورى، الآية (38)
3 مجلة المنار (12/ 954)
4 سورة هود، الآية (85)
5 ابن عساكر: تاريخ دمشق (59/ 55) ط. دار الفكر، الأولى، سنة 1418هـ، وانظر: الطبراني: المعجم الكبير (19/ 304)، والذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 306) ، والسير (3/ 119)، وأخته أم المؤمنين حبيبة بنت أبي سفيان. الذهبي: تاريخ الإسلام (ص: 308)
6 ابن عساكر: المصدر السابق (59/ 111)
7 ابن عساكر (59/ 55)، والذهبي: السير (3/ 120)، والتاريخ (ص: 308)
8 ابن عساكر (ص: 59)
ولي الخلافة حين سلم الأمر إليه الحسن بن علي رضي الله عنهما وذلك سنة إحدى وأربعين 1. شهد له ابن عباس رضي الله عنهما بالأمانة والفقه 2. كان أبيض طويلاً أبيض الرأس واللحية 3، إذا ضحك انقلبت شفته العليا 4. اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم كاتباً بوصية جبريل عليه السلام 5. وبشره بالخلافة وأوصاه بالمسلمين 6، ودعا له كثيراً 7.
ولما كان معاوية هو أحد الذين أكرمهم الله تعالى بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فكل كلام يقال في الصحابة فإن معاوية يدخل فيه، وللسلف كلام فيه يخصه رضي الله عنه.
فقد روى البخاري أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال:"دعه فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية: فقال ابن عباس: "إنه فقيه"8.
وروى أحمد في مسنده عن مجاهد عن ابن عباس أن معاوية أخبره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر شعره بمشقص" فقلت لابن عباس: ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية! فقال: " ماكان معاوية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً 9.
وعن أبي الدرداء: "ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ـ يعني معاوية ـ"10.
1 المصدر نفسه (ص: 60)
2 المصدر نفسه (ص: 166 ـ 167)، وانظر: البخاري: الصحيح: فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية، ح: 3765 (7/130) مع الفتح.
3 ابن عساكر (ص: 109) وانظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 356)
4 الذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 308)
5 ابن عساكر: المصدر السابق (ص: 68) وما بعدها.
6 المصدر نفسه (ص: 109)، وانظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 356)
7 ابن عساكر (ص: 71) وما بعدها.
8 البخاري: الصحيح، ك: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية، ح: 3764و3765 (7/130)
(4/ 102) ورواه مسلم: ك: الحج: ح: 210 (1246)[2/ 913]
10 انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 357) وقال: رجاله رجال الصحيح غير قيس وهو ثقة.
وروى أحمد في مسنده 1 عن العرباض بن سارية السلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: "هلموا إلى الغداء المبارك" ثم سمعته يقول: "اللهم علم معاوية الكتاب وقه العذاب"
وعن قبيصة بن جابر قال: "صحبت معاوية فما رأيت أحداً أنبل حكماً ولا أبعد أناة منه"2. وسئل سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من مات محباً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب" 3. وسئل عبد الله بن المبارك عنه فقال: "ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سمع الله لمن حمده"، فقال: معاوية من خلفه: "ربنا ولك الحمد". فقيل له: ما تقول في معاوية ـ هو أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: "لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ـ أو أفضل ـ من عمر بن عبد العزيز" 4، وقال الربيع بن نافع 5:"معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه" 6. وسئل أحمد عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال إنه رافضي؟ قال: "إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، وما يبغض أحد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء" 7. وقال ابن المبارك: "معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية
(4/ 101) وقال الهيثمي: فيه الحارث بن زياد ولم أجد من وثقه، ولم يرو عنه غير يونس، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف. مجمع الزوائد (9/ 356)
2 المصدر نفسه (59/ 178) وكان يضرب المثل بحلمه (، وألف ابن أبي الدنيا، وابن أبي عاصم تصنيفاً في ذلك. انظر: الذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 315)
3 ابن عساكر: تاريخ دمشق (59/ 207)
4 المصدر نفسه والصفحة.
5 الربيع بن نافع: الإمام الثقة الحافظ ولد سنة 150، حدث عنه أبو حاتم، وأبو داود في سننه، وروى عنه البخاري ومسلم بالواسطة، توفي سنة 241 (السير 10/ 653)
6 ابن عساكر (59/ 209)
7 المصدر نفسه (59/ 210)
شزراً، اتهمناه على القوم يعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من لعن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما
…
فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين، وتنازع العلماء هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل
…
" 2. وقال أيضاً: "
…
"ومعاوية لم يدّع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنهن ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدوا علياً وأصحابه بالقتال
…
" 3. وقال: "
…
فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله
…
" 4.
فهذا موقف السلف من "أمير المؤمنين ملك الإسلام" 5 "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنهما وقد روى المحدثون في فضائله أحاديث وأفردوا لذلك أبواباً وفصولاً 6، ومن هنا تعلم مدى تقصير الشيخ رشيد في حق هذا الصحابي الجليل المشهود له بالفقه والأمانة، وبكل أسى فقد اشتهر الطعن فيه، لا سيما في المتأخرين، ومن المنتسبين لأهل السنة 7، وذاع ذلك حتى بين العامة، ورحم الله تعالى أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، وكاتب الوحي الأمين، وسائر أصحاب نبينا، والتابعين لهم بإحسان ومن أحبهم وترضى عنهم.
1 المصدر نفسه.
2 مجموع الفتاوى (35/ 58)
3 المصدر نفسه (35/ 72)
4 المصدر نفسه (35/ 66)
5 انظر: الذهبي: السير (3/ 120)
6 انظر: البخاري: الصحيح: ك: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية (7/ 103) مع الفتح، وانظر أيضاً: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 354) وما بعدها، والطبراني: المعجم الكبير (19/ 304) وما بعدها.
7 انظر مثلاً: محمد الطيب النجار: تاريخ العالم الإسلامي، (ص:68ـ 69) ط. مكتبة المعارف، الرياض، وانظر: ربيع بن هادي المدخلي: مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله (مكتبة الغرباء، الثانية 1416هـ ـ 1995م.