الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: العبادة
أولاً: تعريف العبادة:
إذا كان معنى توحيد الألوهية هو: عبادة الله وحده وهو ما قرره الشيخ رشيد موافقا لمنهج السلف1 فما هي العبادة؟
لقد تنوعت أقوال السلف في التعبير والتعريف بالعبادة، ولكن أشمل تعريف لها هو تعريف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إذ يقول:"العبادة اسم جامع لما يحبه اله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه إخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة"2.ويعرف الشيخ رشيد العبادة تعريفاً لغوياً فيقول: "العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود
…
"3.
فإذا كان معنى العبادة لغة: الخضوع والتذلل4، فإنها في الشرع يضاف إليها عنصر آخر هو "التعظيم الناشئ عن الشعور بأن للمعظم سلطة
1 تفسير المنار (8/442) .
2 العبودية (ص:38) ط. المكتب الإسلامي، الخامسة، 1399هـ، وانظر: المقريزي تجريد التوحيد (ص:22)، وعبد الرحمن بن حسن: فتح المجيد (ص:14) .
3 تفسير المنار (1/56) .
4 انظر: الراغب: المفردات (ص/542)، والرازي: مختار الصحاح (ص: 172) .
غيبية وأسراراً معنوية وراء الأسباب الظاهرة
…
"1. والدليل على ذلك: "أنهم لا يطلقون لفظ العبادة على الخضوع والتذلل للملوك والأمراء مهما بولغ فيهما ولا يسمون تذلل العاشق المستهتر لمن يعشقه عبادة وإن غلا فيه أشد الغلو
…
"2.
وهذه ملاحظة دقيقة من الشيخ رشيد، فإن العبادة شيء زائد عن مجرد الخضوع والتذلل، وأما المعنى الشرعي للعبادة، فيعرفها الشيخ رشيد أكثر من مرة وفي غير مناسبة، فيقول: "إن العبادة هي التوجه بالدعاء وكل تعظيم قولي أو عملي إلى ذي السلطان الأعلى على عالم الأسباب وما هو فوق الأسباب
…
"3. ويقول في موضع آخر: "
…
وكل تعظيم واحترام ودعاء ونداء يصدر عن هذا الاعتقاد فهو عبادة حقيقية أي: ليس له هذا السلطان الذي اعتقده له العابد لا بالذات ولا بالتوسط
…
"4.
ويفصل الشيخ هذا المعنى أكثر فبقول: "
…
ذلك أن عبادة الشيء عبارة عن اعتقاد أن له سلطة غيبية يترتب عليها الرجاء بنفعه لمن يعبده أم دفع الضرر عنه، والخوف ممن لا يعبده أو لمن يقصر في تعظيمه، سواء كانت هذه السلطة ذاتية لذلك الشيء المعبود، مستقل بالنفع والضرر أو كانت غير ذاتية له، بأن يعتقد أنه واسطة بين من لجأ إليه وبين المعبود الذي له سلطة ذاتية
…
"5.
وقد ذكرت قبلاً - نقلاً عن الشيخ رشيد - تقسيم الشرك في العبادة من جهتين: التعظيم والواسطة وأن الأول هو ما سماه الوثنية السافلة، ومثلت لها بقوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الكواكب لذاتها، وأن الثاني: هو الوثنية
1 مجلة المنار (6272) .
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 تفسير المنار (7/568) .
4 تفسير المنار (3/23) .
5 مجلة المنار (16/677) .
الراقية التي كان عليها العرب زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم1. فهذا تأييد لما هناك.
وعن صور هذه العبادة المجملة ومفرداتها، يقول الشيخ - رحمه الله تعالى - مبينا بعض هذه الصور: "وصور العبادة تختلف عند الأمم اختلافا عظيما، وأعلاها عند المسلمين: الأركان الخمسة والدعاء. وقالوا: كل عمل غير محظور تحسن فيه النية لله تعالى فهو عبادة. كأن المعنى الذي يجعل جميع الأعمال عبادة هو التوجه إلى الله تعالى وحده وابتغاء مرضاته
…
والمؤولون يخصون هذه الصور بالله تعالى وإذا ابتدعوا صورة فيها معنى العبادة يسمونها باسم آخر يستحلونها بل يستحبونها، ولكنهم لا يخرجون بالتسمية والتأويل عن حيز من يتخذ من دون الله أنداداً
…
"2.
ونأخذ من هذا النص أن عند الشيخ رشيد مفهومين للعبادة، أحدهما أوسع من الآخر. فالأول: هو الأركان الخمسة: الشهادة والصلاة والصيام والحج والزكاة والدعاء، وهي عبادات مطلوبة شرعاً، والآخر وهو الأوسع: أنها تشمل كل حركة أو فعل أو قول يقوم به الإنسان ابتغاء وجه الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.
ومن هذا النص أيضا يظهر رأي الشيخ في أن صور العبادة التي شرعت لله، إذا صرفت لغيره كانت شركا ولو تغير اسمها4.
ثانياً: شرط صحة العبادة:
ولا تقبل العبادة إلا بشرطين مجتمعين، إذا فقد أحدهما أو كلاهما، لم تقبل العبادة، هما: الإخلاص والمتابعة5.
1 انظر: (ص 469) من هذا البحث.
2 تفسير المنار (1! /189) .
3 سورة الأنعام، الآية (162) .
4 وانظر: المقريزي: تجريد التوحيد (ص: 21-23)، والشيخ محمد بن عبد الوهاب: الدرر السنية (2/411) .
5 انظر: ابن القيم: إعلام الموقعين (1/83) ، ط. دار الكتب الحديثة، مصر. ت: عبد الرحمن الوكيل. ابن رجب: جامع العلوم (ص:11)، والمقريزي: تجريد التوحيد (ص:42) .
ولقد قرر الشيخ رشيد رحمه الله هذين الشرطين، فقال عن الشرط الأول وهو الإخلاص:
"
…
العبادة الصحيحة لله تعالى لا تتحقق إلا إذا خلصت له وحده فلم تشبها شائبة ما من التوجه إلى غيره كما قال: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} 1 وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} 2 والآيات في هذا المعنى كثيرة
…
ومتى انتفى الإخلاص انتفت العبادة، ولذلك قال:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} 3 الآية
…
ويدل عليها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه - وفي رواية - فأنا منه بريء، هو للذي عمل له
…
" 4.
وهذا الذي ذهب إليه الشيخ مستدلاً بالكتاب والسنة هو الحق، فكل عمل من الأعمال وطاعة من الطاعات إذا لم تصدر عن إخلاص نية وحسن طوية لا اعتداد بها ولا التفات إليها.
الشرط الثاني لصحة العبادة: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الشرط يقول الشيخ رشيد: "اعلم أيها الأخ المستفهم أن أصول دين الله تعالى وفروعه مبنية على أساسين: أحدهما: أن لا يعبد إلا الله تعالى. وثانيهما: ألا يعبد إلا بما شرع
…
فعبادات الدين لا تثبت إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يزيد فيها برأيه شيئاً فإن الله تعالى قد أكمل دينه على لسان رسوله بنص الآية المشهورة5
…
"6.
1 سورة الزمر، الآية (14) .
2 سورة البينة، الآية (5) .
3 سورة الزمر، الآيتين (2 و3) .
4 مسلم: الصحيح، ك: الزهد، ح: 46 (2985)(4/2289) .
5 يعني قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} سورة المائدة، الآية (3) .
6 مجلة المنار (23/476) .