الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اكتشاف هذه المجهولات الكثيرة
…
" 1.. ويقول أيضاً: "
…
وجود أي شيء من الموجودات لا يعرف بالأدلة العقلية، وإنما يعرف بالحس أو بالخبر الصادق، فإننا نعتقد وجود كثير من الحيوانات والنباتات والمعادن ولم نرها. أما العقل فإنه يدلنا مع الاختبار بأن في الكون موجودات كثيرة لا نعرفها
…
لأنها لا تدرك بحواسنا هذه، ولو خلق لنا حواس غيرها لأدركنا ما لا ندركه الآن
…
" 2، ويقول في موضع آخر: "إن عدم وجدان الشيء لا يقتضي عدم وجوده، فتكذيب جميع أصناف البشر في الاعتقاد بوجود عالم خفي لا تظهر آثاره إلا نادراً لبعض الناس بناءً على أن المكذب لم يدرك ذلك بحواسه ـ غير سديد ـ" 3. ويقرر رشيد رضا أن الإيمان بوجود الجن واجب وثابت بخبر الشرع فيقول عن الجن إنه: "عالم خفي أو غيبي أخبرنا بوجوده الأنبياء المؤيدون من خالق الكون بالوحي والإلهام فوجب التصديق بذلك
…
" 4.
وهذا الموقف من رشيد رضا في مسألة الإيمان بالجن موقف سديد موافق لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، فوجود الجن قطعي لثبوته بهذه الأدلة. ولكن وقع الخلاف بعد إثباتهم في مسائل، منها إمكان رؤيتهم على صورتهم الحقيقية، وكذلك مسألة تلبسهم بالإنسي وهو ما أود بيان موقف رشيد رضا منهما.
1 مجلة المنار (7/ 702)
2 المصدر نفسه (6/ 267)
3 المصدر نفسه (7/ 702)، وانظر: الوحي المحمدي (ص: 49)
4 المصدر نفسه (6/ 267)
المطلب الثاني: رؤية الجن:
اختلف في جواز رؤية الجن، فذهب بعض أهل العلم إلى أن أحداً لا يراهم في الدنيا واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا
تَرَوْنَهُمْ} 1، والصواب في معنى هذه الآية هو ما قاله شيخ الإسلام لما سئل عنها:" الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس، وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها، وليس فيه أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال، بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضاً لكن لا يرونهم في كل حال"2.
وهذا هو الصواب فليس في الآية ما يدل على عدم رؤيتهم أبداً، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه، وليس فيها أنا لا نراه أبداً، فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقاً 3.
وأما السنة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم وخاطبهم، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان ابن عباس يجزم بعدم رؤيتهم إلا أن ابن مسعود مثبت فهو مقدم، وابن عباس رضي الله عنه لم يعلم ما علمه ابن مسعود 4.
وقد بدا رشيد رضا متشدداً في مسائل الجن ـ بعد إثبات وجودهم ـ كما يظهر في هذه المسألة، والمسألة التي تليها، وسبب ذلك ما عرفنا عند تصوير الحالة الدينية يومئذ، والتي كان من أبرز سماتها انتشار البدع والخرافات ومنها عبادة الجن.
ورد سؤال لرشيد رضا عن دعوى بعضهم أن بعض الجن كان يدرس في الأزهر ويحضر الدروس ويلقي الأسئلة على بعض العلماء على مسمع ومرأى من الناس، فأجاب: "إن الجن من العوالم الغيبية، واسمهم يدل على
1 سورة الأعراف، الآية (27)
2 مجموع الفتاوى (15/ 26)
3 انظر: صديق حسن خان: فتح البيان في مقاصد القرآن (3/ 305)
4 انظر: رأي ابن مسعود: البخاري: الصحيح، ك: المناقب، باب: ذكر الجن، ح: 3859، ومسلم: الصحيح، ك: الصلاة، ح: 150 (450) ورأي ابن عباس: مسلم: الصحيح، ك: الصلاة، ح: = = 149 (449)، البخاري: الصحيح، ك: التفسير، باب: سورة قل أوحي إلي، ح: 4921، وانظر: فتح الباري (8/ 543) ، ومجمع الزوائد (7/ 106)، وابن تيمية: مجموع الفتاوى (19/ 37 ـ 38)، وانظر أيضاً: ابن كثير في التفسير (4/ 166) وما بعدها.
خفائهم واستتارهم، وقد قال الله في إبليس وهو من الجن:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} 1 وقد نقل عن الإمام الشافعي تشديد عظيم على من يدعي رؤيتهم
…
وقد اختلف النقل عن الصحابة في رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم، فروي عن ابن مسعود أنه رآهم، وروي عن ابن عباس أنه لم يرهم وأنه لو رآهم لما قال تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} 2، وقال بعض العلماء: إن ابن عباس قال بما يدل عليه القرآن، وابن مسعود قال بما ثبت عنده ولا منافاة. وادعى بعضهم أن رؤيتهم تكون كرامة للأولياء وسيأتي البحث فيه في موضعه
…
ولكن لم يقل أحد من المسلمين ولا من غيرهم أن الجن يظهرون ويسألون العلماء على مرأى من الناس ومسمع. وأن للناس من الحكايات عن الجن في كل قطر وكل شعب ما يكاد يصل إلى حد الجنون. والله يعلم إنهم لكاذبون" 3.
والذي يدفع رشيد رضا إلى اتخاذ هذا الموقف هو الأمر الذي وصلت إليه البدع من عبادة الجن والتقرب إليهم لاعتقاد الناس أنهم يمرضون الأجسام ويخطفون الأطفال ويشفون المرضى ويردون المفقودين. "ومن ذلك الزار الذي يخرجون به الشياطين من الأجساد بزعمهم، ولهذه الخرافات مضار ورزايا كثيرة في الأبدان والأرواح والأموال والأعراض
…
" 4.وبينما يقر رشيد رضا بالطب الشرعي أو الروحي إلا أنه ينعى على الناس ما تسرب إليهم من هذا الباب من الخرافات والبدع، فيقول: "ومن المصائب على البشر أن أكثر المؤمنين بطب الدين الروحي في هذه القرون الأخيرة لا يقفون عند حدود ما أنزل الله على رسوله وما فهمه من حملته من السلف الصالح، بل زادوا وما زالوا يزيدون من الخرافات والبدع والضلالات، ما جعلهم حجة على دينهم وفتنة للذين كفروا
…
" 5.
1 سورة الأعراف، الآية (27)
2 سورة الجن، الآية (1)
3 مجلة المنار (6/ 266 ـ 267) وانظر أيضاً: تفسير المنار (8/ 368)
4 تفسير المنار (8/368)
5 المصدر نفسه (8/367)