الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الإنجيل:
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ} 1. وقد عرف الشيخ رشيد الإنجيل بحسب اللغة، ثم عرفه بحسب اصطلاح النصارى والمسلمين، فقال عن معنى الإنجيل في اللغة: "أما لفظ الإنجيل فهو يوناني الأصل، ومعناه: البشارة، قيل: والتعليم الجديد
…
" 2.
وكانت البشرى هي أهم ما احتواه الإنجيل، وأهم ما أخبر عنه المسيح عليه السلام {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} 3.
وأما الإنجيل في اصطلاح القرآن فهو ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ: "ما أوحاه الله إلى رسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من البشارة بالنبي الذي يتمم الشريعة والحكم والأحكام وهو ما يدل عليه اللفظ
…
" 4.
والإنجيل "يطلق عند النصارى على أربعة كتب تعرف بالأناجيل الأربعة وعلى ما يسمونه العهد الجديد وهو هذه الكتب الأربعة مع كتاب أعمال
1 سورة آل عمران، الآية (3، 4)
2 تفسير المنار (3/ 158)
3 سورة الصف، الآية (6)
4 تفسير المنار (3/ 159)
الرسل (أي الحواريين) ورسائل بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب ورؤيا يوحنا
…
" 1.
ومن الفرق بين الاصطلاحين ـ الإسلامي والمسيحي ـ يتبين أن النصارى لا يقولون إن هذه الأناجيل نزلت من السماء ـ كما هو المفهوم من تعبير القرآن، بل إنهم يقولون: إنها كتبت بأيدي تلامذته لتحوي سيرته التي شاهدوها، فهي ـ وكما يقول الشيخ رشيد: "
…
عبارة عن كتب وجيزة في سيرة المسيح عليه السلام وشيء من تاريخه وتعليمه، ولهذا سميت أناجيل وليس لهذه الكتب سند متصل عند أهلها، وهم مختلفون في تاريخ كتابتها على أقوال كثيرة
…
" 2.
وفيما يتعلق أيضاً بتاريخ كتابة هذه الكتب يقول الشيخ رشيد: "وأما كتب النصارى فلم تعرف ولم تشتهر إلا في القرن الرابع للمسيح، لأن أتباعالمسيح كانوا مضطهدين بين اليهود والرومان، فلما آمنوا باعتناق الملك قسطنطين النصرانية سياسة ظهرت كتبهم ومنها تواريخ المسيح المشتملة على بعض كلامه الذي هو إنجيله، وكانت كثيرة فتحكم فيها الرؤساء حتى اتفقوا على هذه الأربعة
…
" 3.
فالمسلمون يقولون إن الإنجيل هو موحى به من الله تعالى، بينما يقول النصارى إنها كتب ألفت لتحتوي سيرة المسيح، كتبها تلامذته. والحق أن نصوص الإنجيل ـ الحالي ـ تشهد لقول المسلمين. إن المسيح نفسه قال ـ بحسب الإنجيل المتداول ـ إن الإنجيل أوحي إليه من عند الله كما يعتقد المسلمون وخاطبه به جبريل الأمين، فقال:"الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم"4. ويقول بولس: "كل الكلام هو موحى به من عند الله" 5.
1 المصدر نفسه (3/ 158)، وانظر: صابر طعيمة: الأسفار المقدسة (ص: 253) ط. عالم الكتب، الأولى، 1406هـ.
2 تفسير المنار (3/ 158)
3 المصدر نفسه (3/ 159)
4 يوحنا (17: 7)
5 رسالة بولس الثانية إلى ثيموثاوس (3: 16)
وتشير الأناجيل المتداولة الآن إلى إنجيل آخر مفقود، هو إنجيل المسيح، وهو بالضرورة مختلف عن الأناجيل الموجودة حالياً والمنسوبة إلى كاتبيها 1.
وهذا هو ما أراد الشيخ رشيد أن يقرره بقوله: "الإنجيل في الحقيقة واحد، وهو ما جاء به المسيح عليه السلام من الهدى والبشارة بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وهو ما كان يدور ذكره على ألسنة كتاب تلك التواريخ الأربعة وغيرهم حكاية عن المسيح وعن ألسنتهم أنفسهم. قال متى حكاية عنه "الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها" 2، أي ما فعلته المرأة التي سكبت قارورة الطيب على رأسه. أوجب عليهم أن يخبروا كل من يبلغونهم الإنجيل في عالم اليهودية كلها بما فعلته تلك المرأة، فخبر تلك المرأة ليس من الإنجيل الذي جاء في كلام المسيح وقد ذكر في تلك التواريخ امتثالاً لأمره. وسميت تلك التواريخ أناجيل لأنها تتكلم عن إنجيل المسيح وتجيء بشيء منه. ولذلك بدأ مرقس تاريخه بقوله "بدء إنجيل يسوع المسيح" 3 ثم قال حكاية عن المسيح "فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" 4 فالإنجيل الذي أمر الناس أن يؤمنوا به ليس هو أحد هذه التواريخ الأربعة ولا مجموعها. وهو الذي سماه بولس في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي 5 "الإنجيل" المطلق (2: 4) وإنجيل الله (2: 8 و9) وإنجيل المسيح (3: 2)
…
" 6.
وتحدث الشيخ رشيد باستفاضة عن تاريخ هذه الأناجيل وعن أدلة
1 انظر مثلاً: مرقس (1/ 14) ومتى (26/ 13)
2 انظر: متى (26/ 13)
3 انظر: مرقس (1/ 1)
4 مرقس (1/ 14)، وانظر للتوسع: صابر طعيمة: الأسفار المقدسة (ص: 237 و254)
5 تسالونيكي: كانت تسالونيكي قصبة مكدونية في أيام لرومان، واسمها الحالي: سالونيك في اليونان حالياً. انظر: وليم ادّى: الكنز الجليل في تفسير الإنجيل (7/ 308)
6 تفسير المنار (6/ 290)، وانظر هذه النصوص المشار إليها في العهد الجديد: رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي: المواضع التي أشار إليها الشيخ رشيد.
وظروف تحريفها وضياعها، وعن أسباب عدم الثقة فيها. والحق أن للشيخ رشيد بحوثاً وتحقيقات هامة وطويلة في مقارنة الأديان وتاريخها تستحق أن تدرس على حدة، وأسأل الله تعالى أن ينسأ في أجلي وأن يوفقني لبيان جهود رشيد رضا في "مقارنة الأديان وتاريخها" والله تعالى ولي التوفيق.