المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

وبعد إثبات العصمة عقلاً ونقلاً يحسن دفع ما يرد عليها من شبهات وهو ما فعله رشيد رضا في دفعه عن عدد من الأنبياء شبهات ترد على عصمتهم، منها:

أولاً: قصة آدم وحواء:

تمسك بعضهم بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2 قالوا: لا شك أن النفس الواحدة هي آدم، وزوجها المخلوق منها هي حواء، وهذا يقتضي صدور الشرك عنهما. وتمسكوا ببعض الآثار التي تشير إلى هذا المعنى، منها حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه مرفوعاً: "لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث

2 سورة الأعراف، الآية (189ـ 191)

ص: 716

فعاش، فكان ذلك وحياً من الشيطان" 1.

وقد أجاب أهل العلم على ذلك بوجوه:

الأول: إن الآية تشير إلى خلق الناس من آدم وحواء كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} 2.

وقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 3.

وإنما وقع الشرك في قوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ} من بعض ذريته، وروي ذلك عن الحسن 4، واختاره ابن كثير 5.

الثاني: إن النفس الواحدة في الآية ليست هي آدم، إذ لا دليل في نص الآية على ذلك ـ مع عدم صحة حديث سمرة ـ في رأيهم ـ بل الخطاب في الآية لقريش، والمعنى: خلقكم من نفس قصي وجعل منها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح سميا أولادهما الأربعة عبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار 6.

الثالث: على التسليم بأن الآية في آدم وحواء وأن الشرك فيها منسوب إليهما، وكما ورد في حديث سمرة، أن هذا الشرك لم يكن شركاً في العبادة، وإنما هو شرك في التسمية واللفظ، فقد قصدت بتسمية

1 أخرجه الترمذي: ك: التفسير، باب: ومن سورة الأعراف، ح: 3077 (5/ 267) وقال: حسن غريب. وأحمد في المسند (5/ 11) وأعله ابن كثير من ثلاثة أوجه، ورجح وقفه على سمرة. انظر: التفسير (2/ 263) ، وقد أخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك (2/ 545) وقد ضعفه أحمد شاكر، انظر: حاشية الطبري (13/ 310)

2 سورة النساء، الآية (1)

3 سورة الحجرات، الآية (13)

4 انظر: ابن كثير: التفسير (2/ 267) وقال: هذه أسانيد صحيحة عن الحسن. وانظر: الطبري: التفسير (13/ 303 و314) ط. شاكر.

5 ابن كثير: المصدر نفسه (2/ 267)

6 الرازي: عصمة الأنبياء (ص: 42 و43ـ44) وانظر: الطبري: التفسير (13/ 314)

ص: 717

عبد الحارث أن الحرث سبب لنجاة الولد، فالمعاتبة على ذلك من حيث أنها نظرت إلى السبب دون المسبب، والشرك في الألفاظ مما يقع وحكمه الاستغفار منه والتوبة منه، وعدم العود إليه 1.

وأما رشيد رضا فقد رجح في معنى الآية أن المراد جنس الذكر والأنثى ولا يقصد فيه إلى معين، آدم ولا غيره، فالمعنى خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضاً لتسكنوا إليها سكوناً زوجياً، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين ما حكي في الآية 2. فيرى رشيد رضا أن الآية ليست نصاً في آدم وحواء. وأما الحديث والآثار المروية كحديث سمرة فيهذب رشيد رضا إلى أنه ضعيف، ومأخوذ من الإسرائيليات لأن فيه طعناً صريحاً في آدم وحواء، ورمياً لهما بالشرك. وقد نقل كلام ابن كثير بطوله 3 واستحسنه، لأنه يؤيد رأيه في الآثار المروية وكونها من الإسرائيليات المروية عن أهل الكتاب. قال:"إن هذه الآثار مأخوذة من الإسرائيليات ولما كانت طعناً في عقيدة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام بما تبطله عقائد الإسلام، وجب الجزم ببطلانها وتكذيبهم فيها"4.

ثانياً: قصة يوسف عليه السلام:

وتمسك الطاعنون في العصمة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} 5.

1 انظر: الطبري: التفسير (13/ 315) وهذا هو الذي اختارد ابن جرير، وانظر: صديق حسن خان: فتح البيان (3/ 475)، وانظر: سليمان بن عبد الله: تيسير العزيز الحميد (ص: 593)، والميلي: الشرك ومظاهره (ص: 276 ـ 277)

2 انظر: تفسير المنار (9/ 517 و520)

3 تفسير المنار (9/ 521 ـ 525) وقارن مع ابن كثير: التفسير (2/ 263 ـ 264)

4 انظر: تفسير المنار (9/ 525)

5 سورة يوسف، الآية (24)

ص: 718

وقد اختلف في معنى الهم في الآية، فقيل هو: الهم منها بالفاحشة 1، وقيل المراد به منه: حديث النفس 2، كقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: "إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة

وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة

" 3.

ولكن الشيخ رشيد يذهب في ذلك مذهباً خاصاً، فإنه يرى أن الهم بالفاحشة لم يقع منها ولا منه عليه السلام وإنما الذي وقع منها هو المراودة، فلما امتنع وكان ذلك إهانة لها وكسراً لطبيعة الأنثى التي فطرت على أن تكون مُرَاوَدة لا مراوِدة، من عبدها العبراني، وعدّت هذا احتقاراً منه، أرادت الانتقام منه بالاعتداء عليه والبطش به في ثورة غضبها وهو انتقام معهود من مثلها ومن دونها في كل زمان ومكان، والهم منه كان هماً بدفع اعتدائها عليه، والبرهان الذي رآه يوسف ـ كما يرى رشيد رضا ـ هو آية رآها يوسف في نفسه، وهي إما النبوة التي آتاه الله إياها بعد الحكم، أو مقدمات هذه النبوة من مقام الصديقية العليا وهي: مراقبته لله تعالى، ورؤية ربه متجلياً له ناظراً إليه، فهذا هو البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام 4، ويرفض رشيد رضا كل ما روي في معنى الهم منها ومنه، ويعده من الإسرائيليات التي انخدع بها كثير من الناس 5، كما يرفض الروايات في البرهان الذي رآه يوسف 6.

ومهما يكن من شيء في معنى الهم فإن يوسف عليه السلام كان

1 انظر: ابن جرير: التفسير (16/ 35 ـ 37)

2 انظر: ابن كثير: التفسير (2/ 456)، والرازي: عصمة الأنبياء (ص: 76)، وانظر أيضاً: الطبري: التفسير (16/ 34)

3 رواه مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 203 (128) و204 و205 (129)[1/ 117]

4 تفسير المنار (12/ 275 ـ 276) وقريب منه أيضاً رأي عند الطبري: انظر: التفسير (16/ 38)

5 المصدر نفسه (12/ 280)

6 المصدر نفسه (12/ 279) وانظر: الآراء في هذا البرهان: الطبري: التفسير (16/ 39 ـ 43)

ص: 719

معصوماً كالأنبياء ولم يرتكب الفاحشة قط، فقد شهد ببراءة يوسف من الذنب كل من له تعلق بتلك الواقعة من زوج وحاكم ونسوة وملك، وادعى يوسف ذلك واعترف له خصمه بصدق ما قال مرتين، وشهد بذلك رب العالمين وهو أصدق القائلين 1.

ثالثاً: سحر النبي صلى الله عليه وسلم:

ومما يشبه أن يكون شبهة على عصمة الأنبياء، ما روي من "أن اليهود سحروا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه كان يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله" 2. وفي رواية:"حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" 3، وطعن بعض الملحدة في الشرع متمسكين بهذا الحديث 4، كما أن بعض المبتدعة أنكرته بزعم أن تجويز ذلك يطرح الثقة بالشرائع. وممن أنكر أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ محمد عبده 5.

وكان رشيد رضا قد أورد هذه الأحاديث ضمن الأحاديث التي ينبغي أن ترد لعلة في متنها لأنها تمثل شبهة على الدين، ولأن نفس النبي صلى الله عليه وسلم أقوى من أن يكون لمن دونه تأثير فيها 6، ونسب رشيد رضا رد هذه الرواية للأستاذ الإمام. ولكن رشيد رضا أورد هذا الحديث في السياق الذي أشرت إليه ليمثل للأحاديث التي ترد لعلة في متنها، وإن صح بحسب صناعة تعديل الرجال سندها 7. إلا أنه عندما هاجمه يوسف الدجوي ـ

1 انظر: الرازي: عصمة الأنبياء (ص: 75 ـ 76)

2 انظر: البخاري: الصحيح، ك: الطب، باب: السحر، ح: 5763 و5766، ومسلم: الصحيح، ك: السلام، ح: 43 (2189)

3 البخاري: الصحيح، ك: الطب، باب: هل يستخرج السحر، ح:5765.

4 انظر: القاضي عياض: الشفا (ص: 160)، وابن القيم: زاد المعاد (4/ 124)، وابن حجر: فتح الباري (10/ 237)

5 انظر: محمد عبده: تفسير جزء عم (ص:183 ـ 184) ط. الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة، ط. الثانية، بمطبعة مجلة المنار، مصر، 1329هـ

6 مجلة المنار (14/ 623)

7 المصدر نفسه (14/ 624)

ص: 720

محرر مجلة الأزهر ـ أنكر رشيد رضا رده للحديث واعتبر كلام الدجوي بهتاً له. وقال: "

إنني ناقل لهذه المسألة عن الأستاذ الإمام ولست أنا الذي رددت الحديث، فإسناد الرد إليّ، بهت لي وافتراء عليّ" 1.

ولكن أليس السكوت في موطن الحاجة بيان وهو علامة الموافقة؟ لقد أورد رشيد رضا عبارة "الأستاذ الإمام" من تفسير جزء عم بطولها، وفيها حجته ومنها قوله: "ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه فعل شيئاً وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} 2 وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله، وخيل له أن شيئاً يقع وهو لا يقع، فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه وقد قال كثير من المقلدة الذين لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح، فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين

" 3. ثم علق رشيد رضا قائلاً: "هذه حجة "الأستاذ الإمام" على إنكاره لوقوع السحر على تلك النفس القدسية العليا

فهو يجلها أن يؤثر فيها سحر ذلك اليهودي الرجيم

وإننا لم نرَ من علماء الملة متقدميهم ومتأخريهم من بين لنا من فضل تلك النفس الزكية العلوية، والشخصية الشريفة المحمدية، ما بينه لنا هذا الإمام الجليل

" 4، وهذا التعليق من الشيخ رشيد يدل على استحسانه لرأي الشيخ محمد عبده وموافقته له وإعجابه به.

والذي أريد أن أشير إليه هنا هو حديث الشيخين هنا محمد عبده ورشيد رضا عن النفس وسيأتي أيضاً كلام لرشيد رضا عن "قوى النفس"،

1 مجلة المنار (33/ 39)

2 سورة الفرقان، الآية (8)

3 مجلة المنار (33/ 41)

4 مجلة المنار (33/ 43)

ص: 721

فقول محمد عبده عن المثبتين للسحر المتمسكين بالحديث أنهم "لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها" وإنكاره عليهم قولهم: "إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به

" هو صحيح، إذ أن النبوة عند الفلاسفة الذين أعجب بهم محمد عبده بعد درسه للإشارات، هي من قوى النفس فالطعن في "قوى النفس" طعن في النبوة. وغني عن البيان أن هؤلاء الفلاسفة هم الذين "لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها" ولا أحد يطعن في الأنبياء طعنهم، إذا أنهم يقولون إن الأنبياء لا يخبرون بالحقائق على ما هي عليه، بل يتابعون "الجمهور" في ما يعتقدون ويخبرونهم بما "يفهمونه ويتخيلونه" بضروب من التمثيل والتخييل 1. كما أنني أريد أن أشير إلى قول رشيد رضا أيضاً أنه "لم ير من علماء الملة متقدميهم ومتأخريهم، من بين لنا فضل تلك النفس الزكية العلوية.... ما بينه لنا هذا الإمام الجليل" وأقول إن هذا "بهت وافتراء" على علماء الملة "متقدميهم ومتأخريهم" إذ أنهم رحمهم الله تعالى قد قاموا ببيان حقيقة النبوة ووضعوها في موضعها، ونقلوا لنا حقيقة هذه "النفس العلوية" بما لم تقم به أمة من الأمم، حتى صار عملهم ذلك من علامات نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. وبعد ذلك كله ذكر رشيد رضا أقوالاً أخرى لمنكري السحر ثم ختم ذلك بقوله: "وإن لنا في هذا الحديث كلمتين:

إحداهما في سنده: وهي: أن الذين أعلوا الحديث بهشام بن عروة 2، ورد عليهم العلامة ابن القيم باتفاق الجماعة على تعديله لهم وجه

1 انظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 8 ـ 10 وص: 179 ـ 180)

2 هو: هشام بن عروة بن الزبير، الإمام الثقة، شيخ الإسلام، راى ابن عمر ودعا له ومسح برأسه، كان مثل الحسن وابن سيرين، ثقة ثبت حجة. السير (6/ 34 ـ 46) .

ولم يقتصر طعن رشيد رضا هنا في هشام بن عروة بل طعن في ابن حجر أيضاً بأنه "من الرجال الذين انحصرت قوة تحقيقهم في الروايات وحفظ ما قاله أهل الجرح والتعديل في أسانيدها وسائر العلماء في متونها، والترجيح بينها بمقتضى قواعدهم التي هي آراء لهم. فبضاعته ضعيفة في تحقيق مسائل المتون وبنائها على قواعد المعقول والمنقول

" مجلة المنار (33/ 48) . بل إنه طعن بهذه المناسبة، في جميع المحدثين، فقال: "أما علماء الروايات فليسوا ممن يطلب منهم معرفة هذه الحقائق في نقد المتون". مجلة المنار (33/ 44) . فإذا كنا لا نأخذ الحديث من المحدثين، ولا من "علماء المناقشات اللفظية" يعني الفقهاء، فلا بد أن نأخذها من الفلاسفة ومنهم "الأستاذ الإمام" حكيم الإسلام".

ص: 722

وجيه ومستند من أقوال أئمة الجرح والتعديل

فالقول بوقوع الخطأ منه أهون من قبول روايته هذه وهو أوثق من روى هذا الحديث.

الثانية في متنه: وهو أن الروايات عن عائشة تدور على أمر واحد وهو ما يتعلق بالنساء، فقولها كان يخيل إليه إنه يفعل الشيء وهو لم يفعله كناية عن ذلك الأمر حياء من التصريح به على أنها صرحت في رواية أخرى فظن بعض الرواة أنه عام في كل فعل فعظمت الشبهة فيه على علماء الأصول والعقائد، ويؤيد حصر التأثير فيما ذكر ما في طبقات ابن سعد عن ابن عباس: مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عن النساء والطعام والشراب، وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق: سحر النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة حتى أنكر بصره. فجملة القول أنه مرض مرضاً أثر في الجهاز الهضمي والجهاز التناسلي فقط، وما زالت الناس تعد هذا من أنواع السحر ويعبر عنه العوام في زماننا بالعقد ويسمون الواقع عليه "معقوداً" وكانت العرب تسميه مطبوباً،

"1. ثم قال الشيخ رشيد مبيناً قصده من ذلك: "وإننا على هذا قد محصنا أقوال علماء المعقول والمنقول في الراوية متناً وسنداً بما يهون فيها أمر منكري الرواية بما قيل في هشام، وبما يرجع أقوال مثبتيها إلى كون التأثير الذي وقع على قولهم هو خاص بمباشرة الراوية له (عائشة) على أن أستاذنا ـ رحمه الله تعالى ـ فوض الأمر في تأويل الحديث لأهله، ولم يرد روايته كغيره" 2.

وأما الشيخ محمد عبده فإن دفاع رشيد رضا عنه لا يجديه، فإن رده للمسألة هو ردٌ للحديث بلا شك.

1 مجلة المنار (33/ 46)

2 المصدر نفسه (33/ 49)

ص: 723