المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

هذه المسألة من المسائل التي كانت محل نزاع بين المعتزلة والأشعرية، وهي مترتبة على ما قبلها، لأن من جعل العقل حاكماً يقبح القبيح ويحسن الحسن؛ فإنه يقول بقبح بعض الأفعال منا ـ تعالى ـ ووجوب بعضها عليه ـ وبناءً على ذلك اشتهر عن المعتزلة قولهم بوجوب فعل الصلاح والأصلح عليه تعالى، كما اشتهر عن الأشعرية القول بعدم وجوب ذلك. فانقضت المعتزلة على أن كل فعل من أفعال الله تعالى لا يخلو من الصلاح والخير، لأنه حكيم، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وليس ذلك فحسب، بل إن الله تعالى فعل بعباده من الصلاح ما لا يقدر أن يزيد عليه، فليس في الإمكان أبدع مما أمكن 1.

ومما يوضح هذه المسألة، ويصور الخلاف فيها بين المعتزلة والأشعرية، المناظرة التي جرت بين أبي الحسن الأشعري، وشيخه الجبائي 2، فقد قيل: أن الأشعري سأل أبا علي الجبائي عن ثلاثة أخوة،

1 انظر: عبد الجبار: المغني في أبواب العدل والتوحيد (14/ 35)، والشهرستاني: المل والنحل (1/ 39)، ونهاية الإقدام (ص: 398) ، وزهدي حسن: المعتزلة (ص: 102)، وانظر أيضاً: الأشعري: المقالات (1/ 314) وما بعدها، والسافريني: لوامع الأنوار (1/ 332)

2 هو شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف، أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري، كان على بدعته ـ متوسعاً في العلم ـ مات سنة 303هـ بالبصرة. السير (14/ 183)

ص: 621

أحدهم تقيّ، والثاني كافر، والثالث مات صبياً؟ فقال أبو علي: أما الأول ففي الجنة، والثاني ففي النار، والصبي فمن أهل السلامة. قال الأشعري: فإن أراد أن يصعد إلى أخيه؟ قال: لا؛ لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هناك بعمله. قال: (يعني الأشعري) : فإن قال الصغير: ما التقصير مني، فإنك ما أبقيتني، ولا أقدرتني على الطاعة. قال: يقول الله له: كنت أعمل أنك لو بقيت لعصيت، ولاستحققت العذاب، فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الأخ الأكبر: يا رب كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلمَ راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي 1. قال ابن القيم معلقاً على هذه المناظرة: "فلعمر الله إنها مبطلة لطريقة أهل البدع من المعتزلة والقدرية الذين يوجبون على ربهم مراعاة الأصلح لكل عبد وهو الأصلح عندهم، فيشرعون له شريعة بعقولهم، ويحجرون عليه، ويحرمون عليه أن يخرج عنها

والمقصود أن هذه المناظرة وإن أبظلت قول هؤلاء وزلزلت قواعدهم فإنها لا تبطل حكمة الله التي اختص بها دون خلقه

" 2.

أما موقف رشيد رضا فأبينه مبتدئاً ببيان موقفه من طريق المتكلمين في هذه المسألة ـ وغيرها ـ إذ يقول: "إن نظريات متكلمي المعتزلة والجهمية والأشاعرة في مثل هذه المسألة، ونظريات من سبقهم إلى ابتداع الكلام مخالفة لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم من علماء الأمصار

فلم يكونوا جبرية ولا قدرية، ولا منكرين لشيء مما وصف الله تعالى به نفسه

ولم يبن أحد منهم عقيدته على استحالة المتسلسل والحوادث التي لا أول لها، ولا على إنكار حسن الأشياء وقبحها في نفسها، أو إنكار امتناع التكليف بما لا حسن فيه لذاته عند العقل

" 3.

وفيما يتعلق بالمسألة نفسها يرى رشيد رضا أنه تعالى لا يجب عليه

1 انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء (14/ 184)، والسبكي: طبقات الشافعية (3/ 356)، وابن القيم: شفاء العليل (ص: 440)، ومفتاح دار السعادة (ص: 62) ، والبغدادي: أصول الدين (ص: 151)

2 شفاء العليل (ص: 440 ـ 441)

3 تفسير المنار (8/ 50)

ص: 622

إلا ما أوجبه وكتبه على نفسه ـ فيقول مرجحاً مذهب السلف ـ: "

مذهب السلف الصالح هو الحق في المسألة، وما كانوا ينكرون الوجوب ولا يقولون به على إطلاقه، وإنما مذهبهم أنه لا يجب على الله تعالى إلا ما أوجبه وكتبه على نفسه، وما هو مقتضى صفاته ومتعلقاتها، فكما وجب له تعالى في حكم العقل الاتصاف بصفات الكمال، وجب أن يترتب على تلك الصفات ما يسمونه متعلقاتها، كالعدل والحكمة والرحمة {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1 وأنه لا يجب عليه سبحانه شيء بحكم غيره ولا سلطان فوق سلطانه، فيوجب عليه

" 2. ويقول: "ولا يمكن أن يظن عاقل أن قانوناً يحكم على الألوهية" 3.

فالمسألة إذاً ثابتة في نفسها، إلا أنه لا يصح أن يوجب أحد على الله شيئاً، ولا شك أن فعله تعالى كله صلاح وخير وعدل وحكمة، ولكنه تعالى لم يوجب على نفسه رعاية الأصلح لكل واحد من عباده. ولا شك أن الله سبحانه يفعل ما فيه صلاح العباد ونفعهم وكل ذلك تفضل منه تعالى، وليس شيء من ذلك بواجب عليه تعالى، يقول رشيد رضا: "والذي عليه المحققون أن مسألة الصلاح والأصلح ثابتة لا ريب فيها وأن الخطأ والضلال إنما هو في قولهم أن ذلك واجب عليه سبحانه وتعالى

وإنما يقال في كل ما ثبت له من صفات الكمال وما يتعلق به من الأفعال المطردة أنها واجبة له لا عليه، لأنه سبحانه هو الأعلى فلا يعلو عليه شيء في شيء، ومذهب الأشعرية أن مراعاة المصلحة ليست من الكمال الواجب له تعالى ويحتجون على ذلك بأمراض الأطفال والبهائم، وفي هذه الحجة بحث لا محل له هنا

" 4.

1 سورة الأنعام، الآية (54)

2 تفسير المنار (8/ 50)

3 المصدر نفسه (4/ 442)

4 تفسير المنار (7/ 390)

ص: 623

ويعلق رشيد رضا على المناظرة التي قيل إنها وقعت بين الأشعري والجبائي متخذاً موقف الحكم بينهما، فيقول: "فأما جواب الجبائي الأول في المؤمن الطائع والكافر الفاسق فهو الحق الذي بينه الله في كتابه

والنصوص في ترتيب الجزاء على الإيمان والكفر مع الأعمال، كثيرة جداً. وكذلك جوابه الأول عن مسألة الصبي، فإنه لا يستحق الدرجات التي نالها المؤمن الذي عمل الصالحات بحسب وعد الله الحق وجزائه العدل، ولكن ذرية المؤمنين تلحق بالأصل. وأما جوابه الثاني فهو خطأ نشأ عن غفلته عن فساد السؤال في نفسه، وذلك أن عدم حياة الصبي إلى أن يبلغ ويعمل ما يعمل مسألة عدمية لا وجه لسؤال الخالق عنها، ولا يأتي فيها مسألة الأصلح في مذهب المعتزلة" 1.

كما أن رشيد رضا يرى أن هذا الجدال بين الأشعرية والمعتزلة وما يشوبه من احتجاج بعضهم على بعض بعبارات مبتدعة هي من سوء الأدب مع الله تعالى وهو مما يجب الاستغفار منه 2.

1 المصدر نفسه (8/ 59 ـ 60)

2 المصدر نفسه.

ص: 624