الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا هو ما لاحظه وأكد عليه الشيخ رشيد، فإنه لم يذهب إلى أن الإيمان ـ لغة ـ هو التصديق فقط، بل قرر في تعريفه اللغوي، أنه تصديق وإذعان، أو تصديق مع ثقة وركون، وقد صرح بذلك في عدة مواضع، فقد قال في موضع: "الإيمان هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها واستسلامها، وآيته العمل
…
" 1 وقال في موضع آخر: "الإيمان هو التصديق الجازم مع إذعان النفس، فمن صدق بالشيء وأذعن له فقد دخل في أعماله وانقاد لأحكامه.." 2. وقال في موضع ثالث:"إن الإيمان يتعدى باللام إذا أراد بالتصديق الثقة والركون، أي فيكون تصديقاً خاصاً تضمن معنى زائداً.."3.
وكون الإيمان يتضمن التصديق وزيادة هي الإقرار والاطمئنان أو كما يقول رشيد رضا: الثقة والركون والإذعان، هو الصحيح، وهو مبطل لاستدلال المرجئة باللغة على مذهبهم في تعريف الإيمان الشرعي، بأنه " التصديق" لأنه كذلك في اللغة 4.
1 تفسير المنار (1/ 127)
2 المصدر نفسه (2/ 258)
3 المصدر نفسه (3/ 334)
4 انظر: الباقلاني: التمهيد (ص:389)
المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:
لقد اتفق أهل السنة على أن الإيمان: قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان الجوارج. 5.
5 انظر: الآجري: الشريعة (ص: 119) ط. الأولى، باكستان، ت: حامد الفقي، واللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 911) . ط. دار طيبة، الثالثة، ت: أحمد سعد حمدان، وابن منده: الإيمان (1/ 341) ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، ت: علي ناصر فقيهي، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 332) ط. المكتب الإسلامي، التاسعة، ت: الألباني. والسفاريني: لوامع الأنوار (1/246) ط. المنار، الأولى، سنة 1323هـ بمصر. وانظر: أيضاً: أبو بكر بن أبي شيبة: الإيمان (ص: 50) ط. المكتب الإسلامي، الثانية،1403هـ، ت: الألباني، وأبو عبيد: الإيمان (ص: 19) ط. المكتب الإسلامي، الثانية، ت: الألباني.
قال الإمام مالك: "الإيمان قول وعمل" 1، وورد هذا القول عن الإمام الشافعي 2، والإمام أحمد 3، رحمهم الله، وهو قول الصحابة، منهم: ابن مسعود وحذيفة وعمر وعلي ومعاذ وابن عباس وأبو الدرداء 4، ومن التابعين: الحسن 5، وعمر بن عبد العزيز 6، وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم 7، ومجاهد 8، ومن الفقهاء: عبد العزيز بن أبي سلمة 9، والليث 10، والأوزاعي 11 12، والثوري 13، وابن عيينة 14، وفضيل بن
1 انظر: أبو عبيد: الإيمان (ص: 35) ط. المكتب الإسلامي، الثانية، 1403هـ، واللالكائي: شرح اعتقاد أهل السنة (4/ 913)، والآجري: الشريعة (ص:118) وعبد الله بن أحمد: السنة (317) ط. دار رمادي والمؤتمن، الثانية، ت: محمد سعيد القحطاني.
2 انظر: البيهقي: مناقب الشافعي (1/ 385) ط. مكتبة دار التراث، مصر الأولى 1391هـ، ت: السيد صقر.
3 انظر: عبد الله بن أحمد: السنة (1/307)
4 انظر: اللالكائي: شرح الأصول (4/ 913)
5 هو البصري: انظر: اللالكائي: المصدر السابق، وابن أبي شيبة: الإيمان (ص: 38)
6 اللالكائي: شرح الأصول (4/ 913) وابن أبي شيبة: المصدر السابق (ص: 48)
7 اللالكائي: المصدر السابق، والصفحة نفسها.
8 المصدر السابق والصفحة.
9 هو الماجشون: انظر: اللالكائي: المصدر نفسه والصفحة.
10 اللالكائي المصدر نفسه، وانظر: عبد الله بن أحمد: السنة (ص: 318)
11 هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، عالم أهل الشام، أبو عمرو، ولد في حياة الصحابة رضي الله عنهم. انظر: الذهبي: السير (7/107ـ 134)
12 انظر: اللالكائي: المصدر نفسه، وأبو عبيد: الإيمان (ص:35)
13 أبو عبيد: المصدر نفسه. والثوري، هو سفيان بن سعيد بن مسروق، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو عبد الله، ولد سنة 97هـ وتوفي سنة 126هـ. السير (7/230)
14 اللالكائي: مصدر سابق.
عياض 1 وجماعة 2.
فأهل السنة متفقون على هذا المعنى مع اختلاف عباراتهم فيه 3، واتبع الشيخ رشيد رضا أهل السنة في ذلك فإنه ربط بين الإيمان والعمل برباط وثيق، ولا يزال يبدي ويعيد في هذا المعنى "لعل التكرار في المقامات المختلفة يؤثر في صخرة التقليد الصماء فيفتتها أو ينسفها نسفاً، فيعود المسلمون إلى إيمان القرآن الذي كان عليه السلف وصفوة الخلف
…
" 4. وأما إيمان القرآن فهو كما يقول: "
…
والقرآن لا يكاد يذكر الإيمان إلا مقروناً بذكر العمل الصالح، وورد في السنة الصحيحة أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان 5، وهذه السنة مؤيدة بخمس وسبعين آية من القرآن" 6.
ويردد رشيد رضا هذه العبارات بقوة ليحطم الجدار الذي ضربه الإرجاء بين الناس وبين الإيمان الشرعي، فصار الإيمان عندهم ـ كما يقول ـ: "قولاً باللسان ورسماً يلوح في الخيال، تكذبه الأعمال، وتطمسه السجايا الراسخة والخلال، وهذا هو الإيمان الذي لا قيمة له عند الله تعالى
…
" 7.
وأما الإيمان الصحيح المقبول عند الله تعالى، فهو كما فهمه السلف من الكتاب والسنة "وقد فهم السلف الصالح من الكتاب والسنة: أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل وله شعب كثيرة" 8، ويحكي رشيد رضا
1 عبد الله: السنة (ص:315ـ 317)
2 انظر: عبد الله: المصدر السابق (ص: 315ـ 318) واللالكائي (4/ 913) وابن أبي شيبة: الإيمان (ص: 38) وما بعدها.
3 انظر: ابن تيمية: الإيمان (ص: 162) ط. المكتب الإسلامي، الثانية 1392هـ.
4 رشيد رضا: تفسير المنار (3/ 251)
5 روي هذا المعنى مرفوعاً ولا يصح لفظه، وإنما دلت السنة على معناه. انظر: اللالكائي: شرح الأصول (4/ 921 ـ 922) وانظر: الهيثمي مجمع الزوائد (1/35)
6 مجلة المنار (5/ 437)
7 تفسير المنار (1/ 379)
8 المصدر السابق (4/ 54)
إجماع السلف على ذلك، فيقول:"ولإجماع السلف على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد"1. وعلى هذا يحمل قول رشيد رضا "الإيمان الصحيح يقتضي العمل" 2، وقوله "العمل الصالح أثر لازم للإيمان
…
"3، ولأنه يصرح بتعريف الإيمان شرعاً فيقول: "ويطلق الإيمان في عرف الشرع على مجموع العلم والاعتقاد والعمل بموجبه" 4، ويقول: "وهذا هو الإيمان الصحيح المرضي عند الله تعالى" 5. إذن فلا يلتبس قول رشيد رضا بقول مرجئة الفقهاء الذين يقولون: إن العمل لازم للإيمان وليس داخلاً في تعريفه 6.
ويبقى أن نشير إلى أن رشيد رضا قد استقى مذهبه هذا من كتابات ابن تيمية والشاطبي، فيقول:"الإيمان الصحيح يقتضي العمل.. وقرره الأئمة المحققون كحجة الإسلام الغزالي 7 وشيخ الإسلام ابن تيمية 8 والمحقق الشاطبي 9 والأستاذ الإمام 10."11.
ومهما يكن من شيء فإن هذا الموقف الذي اتخذه الشيخ رشيد رضا من تعريف الإيمان موقف صحيح، دلت عليه آيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه السلف.
1 تفسير المنار (3/ 251)
2 المصدر السابق (2/ 405)
3 الوحي المحمدي (ص: 185)
4 تفسير المنار (9/ 590)
5 المصدر نفسه (1/ 335)
6 انظر: ابن تيمية: الإيمان (ص: 184)
7 انظر: إحياء علوم الدين (1/ 109 ـ 111) ، ط. دار القلم بيروت، الثالثة. ولم يظهر لي ما ظهر لرشيد رضا بل إن الغزالي يقول: إن الإيمان تصديق والعمل مكمل أو متمم. ولا يسلم بأن الغزالي هو حجة الإسلام، بل هو لقب خلعه عليه أنصار الصوفية.
8 وهذا القول مشهور في كتبه كلها، اظر مثلاً: الإيمان (ص: 149 و 152) وما بعدها.
9 انظر: الموافقات (1/ 66) ط. دار المعرفة، بيروت. وانظر: تفسير المنار (2/ 258)
10 انظر: تفسير المنار (3/ 250 ـ 251)
11 تفسير المنار (2/ 405) وانظر أيضاً (2/ 258و 3/ 251)