الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبين الشيخ رشيد حقيقة الشرك في موضع آخر فيقول: "حقيقة الشرك في الألوهية وهو الشعور بسلطة وراء الأسباب والسنن الكونية لغير الله تعالى، وكل قول أو عمل ينشأ عن ذلك الشعور. والشرك في الربوبية: وهو الأخذ بشيء من أحكام الدين والحلال والحرام عن بعض البشر دون الوحي
…
" 1.
ومن هذا النص نأخذ ـ مع بيان حقيقة الشرك مطلقاً ـ تقسيم الشيخ رشيد للشرك إلى قسمين: شرك في الربوبية، وشرك في الألوهية. وهو ما أبينه بتوسع في الفقرة التالية.
1 تفسير المنار (5/ 148) وانظر أيضاً (5/ 277)
المطلب الثاني: أقسام الشرك:
لقد بين الشيخ رشيد رحمه الله مرات بعد مرات أن الشرك ينقسم إلى قسمين أساسين: شرك في الربوبية وشرك في الألوهية، وأن كلا القسمين وقع فيه الناس. وقد تكرر هذا كثيراً من الشيخ رشيد كما ذكرت، وأقتصر هنا على ما يدل على ذلك دون استقصاء:
يقول الشيخ رشيد: "والشرك به نوعان: أحدهما يتعلق بالألوهية والعبادة وهو أن يعتقد المرء أن في الخلق من يشاركه تعالى أو يعينه في أفعاله، أو يحمله على بعضها ويصده عن بعض بشفاعته عنده لأجل قربه منه. كما يكون من بطانة الملوك المستبدين، وحواشيهم وحجابهم أعوانهم، فهو يتوجه إلى هذا المؤثر عند الله بزعمه عندما يتوجه إليه تعالى في الدعاء فيدعوه معه، وقد يدعوه من دونه عند شدة الحاجة، لكشف ضر أو جلب نفع أعيته أسبابه، وهذا مخ العبادة
…
" 2.
ثم يبين النوع الثاني من أقسام الشرك فيقول:
"
…
وثانيهما: يتعلق بالربوبية وهو: إسناد الخلق والتدبير إلى غيره
2 تفسير المنار (2/ 55) وقارن مع المقريزي (ص: 14) وما بعدها.
معه، أو أن تأخذ أحكام الدين في عبادة الله تعالى والتحليل والتحريم من غيره أي غير كتابه ووحيه الذي بلّغه عنه رسله بحجة أن من يؤخذ عنهم الدين من غير بيان الوحي أعلم بمراد الله فيترك الأخذ من الكتاب لرأيهم وقولهم. وهو المراد بقوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 1
…
" 2.
ويبين الشيخ رشيد أن الشرك في الربوبية كان قليلاً ـ وإن كان موجوداً ـ إلا أن الشرك في الألوهية كان هو الكثير الفاشي وعليه سواد الجاهلية 3.
وذلك على عكس ما يتوهم بعضهم من أن الشرك الذي نعاه الله تعالى في القرآن كثيراً هو إنكار وجود الله تعالى. أو اعتقاد أن في الكون آلهة يخلقون كما يخلق الله ويرزقون كما يرزق الله تعالى، يقول الشيخ: "
…
إن هذين القسمين من الناس كانوا أقل الكفار والمشركين في كل زمان ومكان
…
" 4.
وأم شرك العرب فبينه الشيخ رشيد بقوله عنهم: "كانوا يعتقدون ـ كما يعتقد أكثر البشر ـ أن مبدع الكون وخاقه واحد، ولكنه لما كان مطلقاً، جعلوا وجهتهم في عبادته بعض مظاهر قدرته الباهرة من خلقه من جماد وحيوان وإنسان، وزعموا أن تلك المظاهر هي الواسطة بين الله وبين عباده في نفعهم وضرهم ويُعلِّل علماؤهم ذلك بأن عامة الناس من الخطاة والمذنبين، لا يليق بخستهم أن يخاطبوا الجناب الإلهي الرفيع بحاجتهم، فلا جرم كانوا في حاجة إلى واسطة بينهم وبينه
…
هذا وإن كان في ظاهره تعظيماً لله تعالى فقد عده القرآن شركاً وذكر شبهة ذويه في معرض التشنيع والإنكار حيث قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ
1 سورة التوبة، الآية (31)
2 تفسير المنار (2/ 55)
3 المصدر نفسه (8/ 272)
4 مجلة المنار (2/ 213)
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 1
…
" 2. ويقول الشيخ رشيد: "
…
فالشرك في العبادة هو الذي كان فاشياً في الأمم بألوان مختلفة وأسماء متعددة، وصور متنوعة
…
" 3.
ولا يرى الشيخ رشيد فرقاً بين صور الشرك المختلفة، ما دام أن حقيقة الشرك موجودة، فالصور المختلفة تكون أوجهاً لعملة واحدة، أو بمثابة الأعراض العديدة للمرض الواحد، فيقول: "
…
أما من يتوهم أن عند الله فرقاً بين المشركين باختلاف من أشركوهم معه في الدعاء أو غيره من خصائص الألوهية والربوبية فهو.. جاهل أحمق إذ العبرة بحقيقة الشرك لا بأصناف الشركاء، فلا فرق بين من أشرك به ملكاً أو نبياً ومن أشرك به كوكباً أو حجراً أو شيطاناً
…
" 4.
ويزيد هذا المعنى وضوحاً فيقول: "
…
والأنداد عند جمهور المفسرين أعم من الأصنام والأوثان، فيشمل الرؤساء الذين خضع لهم بعض الناس خضوعاً دينياً، ويدل عليه الآيات الآتية:{إِذْ تَبَرَّأَ. ..إلخ} 5 فالمراد إذاً من الند من يُطلب منه ما لايطلب إلا من الله عزوجل، أو يؤخذ عنه ما لا يؤخذ إلا من الله تعالى
…
" 6.. فهذا يشمل الشرك في الألوهية والشرك في الربوبية، ثم يخص الشيخ رشيد شرك الألوهية ببعض بيان فيقول: "وهذا الذي يُلجأ إليه من إنسان مكرم، كالأنبياء والصالحين، أو ملك من الملائكة المقربين، أو ما دون ذلك من مظاهر الخليقة، أو صنم أو تمثال ـ جعل تذكاراً لشيء من هذه ـ يسمى
1 سورة الزمر، الآية (2، 3)
2 المصدر نفسه والصفحة، وأيضاً (2/ 630) ، وأيضاً التفسير (2/ 65) ، والمجلة (10/ 285ـ 286)
3 مجلة المنار (2/ 630)
4 مجلة المنار (16/ 430)
5 سورة البقرة، الآية (166، 167)
6 تفسير المنار (2/ 68)