الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:
الرسول في لغة العرب مشتق من الإرسال، ومعناه: البعث والتوجيه، فإذا بعثت أحداً في مهمة؛ فهو رسولك فيها، كما قال تعالى عن ملكة سبأ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 1. ويجمع الرسول على أرسل ورسل، ورسلاء، وسمي الرسل بذلك لأنهم مبعوثون وموجهون من قبل الله عزوجل لتبليغ الخلق أمر الله تعالى ووحيه 2.
وأما النبي في اللغة فهو من النَّبْوَة أي: الرفعة، وسمي نبياً لرفعة محله عن سائر الناس. والنبوة والنباوة: الارتفاع، ومنه قيل: نبا بفلان مكانه، كقوله: قضّ عليه مضجعه 3. وقد تكون من النبأ ـ بالهمز ـ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة الذي يحصل به العلم أو الظن، وسمي النبي لكونه منبئاً بما تسكن إليه العقول الزكية 4.
ولقد عرّف رشيد رضا النبي في اللغة والاصطلاح، فقال عن "النبي" لغة: "والنبي في اللغة فعيل من مادة النبأ، بمعنى الخبر المهم العظيم الشأن
1 سورة النمل، الآية (35)
2 انظر: ابن منظور: لسان العرب (1/ 283 ـ 284) مادة رسل، والراغب: المفردات (ص: 352 ـ 353) رسل، والجوهري: الصحاح (4/ 1709)
3 الراغب: المفردات (ص: 790)
4 المصدر نفسه (ص: 789) .
أو بمعنى الارتفاع وعلو الشأن، والأول أظهر، وأكثر العرب لا تهمزه، بل نقل أنه لم يهمزه إلا أهل مكة
…
" 1.
وقال في موضع آخر: "النبيءُ في اللغة العربية: وصف من النبأ، وهو الخبر المفيد لما له شأن مهم، ويصح فيه معنى الفاعل والمفعول، لأنه منبئٌ عن الله ومنبأٌ منه، والنبيّ بالتشديد أكثر استعمالاً
…
" 2.
فيظهر من هذا موافقة رشيد رضا في المعنى اللغوي لما عليه أهل اللغة 3.
وأما معنى النبي في الاصطلاح، فقد تعددت أقوال العلماء فيه، والذي اختاره شيخ الإسلام: أن " النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ عما أنبأ الله به. فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي وليس برسول. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} 4، فذكر إرسالاً يعم النوعين، وقد خص أحدهما بأنه رسول، فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره الله بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح
…
" 5.
وأما رشيد رضا فقد وقفت له على تعريفين لمعنى النبي في الاصطلاح الشرعي.
الأول: هو التعريف المشهور، وهو:"من أوحى الله إليه وحياً فإن أمره بتبليغه كان رسولاً، فكل رسول نبي وما كل نبي رسولاً"6. وقد اعْتُرِضَ على هذا التعريف بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا
1 تفسير المنار (9/ 225)
2 الوحي المحمدي (ص: 47)
3 قارن مع الراغب: المفردات (ص: 789ـ 790)
4 سورة الحج، الآية (52)
5 النبوات (ص: 255) ط. دار القلم، بيروت.
6 الوحي المحمدي (ص: 47)
نَبِيٍّ} الآية 1. لأنها تدل على أن كلاً منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير 2. لكن للشيخ رشيد تعريف آخر، يقترب فيه من تعريف ابن تيمية الذي سبق ذكره، فقد قال معرفاً له: "وأما في الاصطلاح فالنبي من أوحى الله إليه وأنبأه بما لم يكن يعلمه بكسبه من خبر أو حكم، يعلم به علماً ضرورياً أنه من الله عزوجل، والرسول نبي أمره الله بتبليغ شرع ودعوة دين وبإقامته، بالعمل، ولا يشترط في الوحي إليه أن يكون كتاباً يقرأ وينشر ولا شرعاً جديداً يعمل به ويحكم بين الناس. بل قد يكون تابعاً لشرع غيره كله، كالرسل من بني إسرائيل كانوا متبعين لشريعة التوراة
…
، وقد يكون ناسخاً لبعضه كما نسخ عيسى عليه السلام بعض أحكام التوراة
…
، وجملة القول أن الرسول أخص في عرف شرعنا من النبي، فكل رسول نبي ولا عكس
…
" 3.
وكون الرسول أخص من النبي هو المتفق عليه، وإنما الخلاف في وجه هذه الخصوصية. وتعريف ابن تيمية السابق هو الأقرب، وقد اقترب منه رشيد رضا 4.
ولقد ذكر رشيد رضا تعريف النبي لغة واصطلاحاً عند أهل الكتاب فقال: "إن معنى أصل مادته في العبرانية القديمة: المتكلم بصوت جهوري مطلقاً، أو في الأمور التشريعية
…
" 5.
وأما اصطلاحاً فهو "يطلق عند أهل الكتاب على الملهم الذي يخبر بشيء من أمور الغيب المستقبلة"6.
ويشير رشيد رضا إلى مسألة "ختم النبوة" مستشهداً بقوله تعالى: {مَا
1 سورة الحج، الآية (52)
2 محمد الأمين الشنقيطي: أضواء البيان (5/ 735)
3 تفسير المنار (9/ 225)
4 وانظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 158)
5 الوحي المحمدي (ص: 47)
6 المصدر نفسه والصفحة.
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 1 فيقول: إنه "يدل على انقطاع النبوة والرسالة معاً بعد محمد صلى الله عليه وسلم " 2، وذلك بناءً على كون النبوة أعم من الرسالة.
ويقرر رشيد رضا أن النبوة فضل من الله تعالى، ليس لأحد فيها شيء، ولا هي من نوع العبقريات، فيقول: "الرسالة فضل من الله تعالى يختص به من يشاء من خلقه، ولا ينالها أحد بكسبه، ولا يتوسل إليها بسبب ولا نسب، على أنه لا يختص بهذه الرحمة العظيمة والمنقبة الكريمة إلا من كان أهلاً لها بما أهله هو من سلامة الفطرة وعلو الهمة، وزكاء النفس وطهارة القلب وحب الخير والحق
…
" 3.
ويبين رشيد رضا أن النبوة والرسالة من مقتضى صفات الله تعالى وربوبيته، فيقول: "إن إرسال الرسل وإنزال الكتب شأن من شؤونه سبحانه ومتعلق صفاته في النوع البشري، فإنها من مقتضى الحكمة، وأجل آثار الرحمة
…
" 4.
ويقول: "إن الإيمان بالنبوة والرسالة ينبني على الإيمان بالربوبية والإلهية"5.
موقف الناس من الرسل:
ولقد أرسل الله الرسل لهداية الناس إلى سعادة الدارين، ولكن تباينت مواقف الناس من رسل الله تعالى بين مؤمن ومنكر، فيبين الشيخ رشيد هذا وشبهة كل فريق من المنكرين، ثم يبين حكم الإيمان بهم، فيقول أولاً إن العرب كانت تنكر الوحي والرسالة، إلا قليلاً منهم، وكانت شبهتهم في
1 سورة الأحزاب، الآية (40)
2 الوحي المحمدي (ص: 47 ـ 48)
3 تفسير المنار (8/ 39) وقارن مع ابن حجر: فتح الباري (1/16 ـ 17)
4 المصدر نفسه (7/ 612)
5 المصدر نفسه (1/ 216)
ذلك: "استبعاد اختصاص الله تعالى بعض البشر بهذا التفضيل على سائرهم وهم متساوون في الصفات البشرية بزعمهم
…
" 1.
وقريباً من موقف العرب، يقف اليهود "الذين أنكروا أن يختص الله تعالى بهذه الرحمة والمنة من يشاء من عباده، وأوجبوا عليه أن يحصر النبوة في شعب إسرائيل وحده
…
على أنهم وصفوا الأنبياء بالكذب والخداع والاحتيال
…
ووافقهم النصارى على حصر النبوة فيهم وأثبتوا قداسة غير الأنبياء من رسل المسيح وغيرهم من البابوات والعباد
…
" 2.
ومن بين هذه المواقف يأتي موقف المسلمين الوسط بين الأمم، فالمسلمون ـ وكما يقول الشيخ رشيد ـ "يؤمنون بأن رب العالمين أرسل في كل الأمم رسلاً هادين مهديين، فهم يؤمنون بهم إجمالاً، وبما قصه القرآن عن بعضهم تفصيلاً
…
فالمسلم صديق ومحب وحبيب لجميع الأنبياء والمرسلين في الدنيا والآخرة، وتجاه هذا يصح أن يقال: إن غير المسلم عدو لله ولهم كلهم، لأن تكذيب بعضهم تكذيب لرسالتهم ولمرسلهم سبحانه
…
" 3.
والحق ما قال الشيخ رشيد، فإن المسلم هو صاحب أصح موقف بين الأمم باتخاذه الموقف الوسط بينها في الإيمان بجميع رسل الله تعالى، وعدم تفريقه بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم، وفي هذا يقول الشيخ رشيد: "ومما بينه القرآن في مسألة الأنبياء والرسل أنه يجب الإيمان بجميع رسل الله تعالى وعدم التفرقة بينهم في الإيمان، وأن الإيمان ببعضهم والكفر ببعض كالكفر بهم كلهم لأن إضافتهم إلى الله تعالى واحدة
…
قال تعالى في خواتيم سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} 4، وبين في
1 الوحي المحمدي (ص: 198)
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 المصدر نفسه (ص: 203)
4 سورة البقرة، الآية (285)
سورة النساء أن التفرقة بينهم في الإيمان هي الكفر حق الكفر، وأن الإيمان بالجميع بغير تفرقة هو الإيمان حق الإيمان 1
…
وقد انفرد بهذه الحقيقة العادية المسلمون دون أهل الملل الوثنية من المجوس والهندوس، ودون أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إلا بأنبياء بني إسرائيل
…
" 2.
وموقف المسلمين هذا يستند إذاً إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما سداه ولحمته، ولذلك جاء موقفها هذا موقفاً معتدلاً وسطاً، لا غلو فيه ولا إفراط 3
1 انظر: سورة النساء، الآية (150 ـ 151)
2 الوحي المحمدي (ص: 202 ـ 203)
3 انظر: د. محمد باكريم با عبد الله: وسطية أهل السنة (ص: 277)