المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

الرسول في لغة العرب مشتق من الإرسال، ومعناه: البعث والتوجيه، فإذا بعثت أحداً في مهمة؛ فهو رسولك فيها، كما قال تعالى عن ملكة سبأ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 1. ويجمع الرسول على أرسل ورسل، ورسلاء، وسمي الرسل بذلك لأنهم مبعوثون وموجهون من قبل الله عزوجل لتبليغ الخلق أمر الله تعالى ووحيه 2.

وأما النبي في اللغة فهو من النَّبْوَة أي: الرفعة، وسمي نبياً لرفعة محله عن سائر الناس. والنبوة والنباوة: الارتفاع، ومنه قيل: نبا بفلان مكانه، كقوله: قضّ عليه مضجعه 3. وقد تكون من النبأ ـ بالهمز ـ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة الذي يحصل به العلم أو الظن، وسمي النبي لكونه منبئاً بما تسكن إليه العقول الزكية 4.

ولقد عرّف رشيد رضا النبي في اللغة والاصطلاح، فقال عن "النبي" لغة: "والنبي في اللغة فعيل من مادة النبأ، بمعنى الخبر المهم العظيم الشأن

1 سورة النمل، الآية (35)

2 انظر: ابن منظور: لسان العرب (1/ 283 ـ 284) مادة رسل، والراغب: المفردات (ص: 352 ـ 353) رسل، والجوهري: الصحاح (4/ 1709)

3 الراغب: المفردات (ص: 790)

4 المصدر نفسه (ص: 789) .

ص: 676

أو بمعنى الارتفاع وعلو الشأن، والأول أظهر، وأكثر العرب لا تهمزه، بل نقل أنه لم يهمزه إلا أهل مكة

" 1.

وقال في موضع آخر: "النبيءُ في اللغة العربية: وصف من النبأ، وهو الخبر المفيد لما له شأن مهم، ويصح فيه معنى الفاعل والمفعول، لأنه منبئٌ عن الله ومنبأٌ منه، والنبيّ بالتشديد أكثر استعمالاً

" 2.

فيظهر من هذا موافقة رشيد رضا في المعنى اللغوي لما عليه أهل اللغة 3.

وأما معنى النبي في الاصطلاح، فقد تعددت أقوال العلماء فيه، والذي اختاره شيخ الإسلام: أن " النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ عما أنبأ الله به. فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي وليس برسول. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} 4، فذكر إرسالاً يعم النوعين، وقد خص أحدهما بأنه رسول، فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره الله بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح

" 5.

وأما رشيد رضا فقد وقفت له على تعريفين لمعنى النبي في الاصطلاح الشرعي.

الأول: هو التعريف المشهور، وهو:"من أوحى الله إليه وحياً فإن أمره بتبليغه كان رسولاً، فكل رسول نبي وما كل نبي رسولاً"6. وقد اعْتُرِضَ على هذا التعريف بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا

1 تفسير المنار (9/ 225)

2 الوحي المحمدي (ص: 47)

3 قارن مع الراغب: المفردات (ص: 789ـ 790)

4 سورة الحج، الآية (52)

5 النبوات (ص: 255) ط. دار القلم، بيروت.

6 الوحي المحمدي (ص: 47)

ص: 677

نَبِيٍّ} الآية 1. لأنها تدل على أن كلاً منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير 2. لكن للشيخ رشيد تعريف آخر، يقترب فيه من تعريف ابن تيمية الذي سبق ذكره، فقد قال معرفاً له: "وأما في الاصطلاح فالنبي من أوحى الله إليه وأنبأه بما لم يكن يعلمه بكسبه من خبر أو حكم، يعلم به علماً ضرورياً أنه من الله عزوجل، والرسول نبي أمره الله بتبليغ شرع ودعوة دين وبإقامته، بالعمل، ولا يشترط في الوحي إليه أن يكون كتاباً يقرأ وينشر ولا شرعاً جديداً يعمل به ويحكم بين الناس. بل قد يكون تابعاً لشرع غيره كله، كالرسل من بني إسرائيل كانوا متبعين لشريعة التوراة

، وقد يكون ناسخاً لبعضه كما نسخ عيسى عليه السلام بعض أحكام التوراة

، وجملة القول أن الرسول أخص في عرف شرعنا من النبي، فكل رسول نبي ولا عكس

" 3.

وكون الرسول أخص من النبي هو المتفق عليه، وإنما الخلاف في وجه هذه الخصوصية. وتعريف ابن تيمية السابق هو الأقرب، وقد اقترب منه رشيد رضا 4.

ولقد ذكر رشيد رضا تعريف النبي لغة واصطلاحاً عند أهل الكتاب فقال: "إن معنى أصل مادته في العبرانية القديمة: المتكلم بصوت جهوري مطلقاً، أو في الأمور التشريعية

" 5.

وأما اصطلاحاً فهو "يطلق عند أهل الكتاب على الملهم الذي يخبر بشيء من أمور الغيب المستقبلة"6.

ويشير رشيد رضا إلى مسألة "ختم النبوة" مستشهداً بقوله تعالى: {مَا

1 سورة الحج، الآية (52)

2 محمد الأمين الشنقيطي: أضواء البيان (5/ 735)

3 تفسير المنار (9/ 225)

4 وانظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 158)

5 الوحي المحمدي (ص: 47)

6 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 678

كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 1 فيقول: إنه "يدل على انقطاع النبوة والرسالة معاً بعد محمد صلى الله عليه وسلم " 2، وذلك بناءً على كون النبوة أعم من الرسالة.

ويقرر رشيد رضا أن النبوة فضل من الله تعالى، ليس لأحد فيها شيء، ولا هي من نوع العبقريات، فيقول: "الرسالة فضل من الله تعالى يختص به من يشاء من خلقه، ولا ينالها أحد بكسبه، ولا يتوسل إليها بسبب ولا نسب، على أنه لا يختص بهذه الرحمة العظيمة والمنقبة الكريمة إلا من كان أهلاً لها بما أهله هو من سلامة الفطرة وعلو الهمة، وزكاء النفس وطهارة القلب وحب الخير والحق

" 3.

ويبين رشيد رضا أن النبوة والرسالة من مقتضى صفات الله تعالى وربوبيته، فيقول: "إن إرسال الرسل وإنزال الكتب شأن من شؤونه سبحانه ومتعلق صفاته في النوع البشري، فإنها من مقتضى الحكمة، وأجل آثار الرحمة

" 4.

ويقول: "إن الإيمان بالنبوة والرسالة ينبني على الإيمان بالربوبية والإلهية"5.

موقف الناس من الرسل:

ولقد أرسل الله الرسل لهداية الناس إلى سعادة الدارين، ولكن تباينت مواقف الناس من رسل الله تعالى بين مؤمن ومنكر، فيبين الشيخ رشيد هذا وشبهة كل فريق من المنكرين، ثم يبين حكم الإيمان بهم، فيقول أولاً إن العرب كانت تنكر الوحي والرسالة، إلا قليلاً منهم، وكانت شبهتهم في

1 سورة الأحزاب، الآية (40)

2 الوحي المحمدي (ص: 47 ـ 48)

3 تفسير المنار (8/ 39) وقارن مع ابن حجر: فتح الباري (1/16 ـ 17)

4 المصدر نفسه (7/ 612)

5 المصدر نفسه (1/ 216)

ص: 679

ذلك: "استبعاد اختصاص الله تعالى بعض البشر بهذا التفضيل على سائرهم وهم متساوون في الصفات البشرية بزعمهم

" 1.

وقريباً من موقف العرب، يقف اليهود "الذين أنكروا أن يختص الله تعالى بهذه الرحمة والمنة من يشاء من عباده، وأوجبوا عليه أن يحصر النبوة في شعب إسرائيل وحده

على أنهم وصفوا الأنبياء بالكذب والخداع والاحتيال

ووافقهم النصارى على حصر النبوة فيهم وأثبتوا قداسة غير الأنبياء من رسل المسيح وغيرهم من البابوات والعباد

" 2.

ومن بين هذه المواقف يأتي موقف المسلمين الوسط بين الأمم، فالمسلمون ـ وكما يقول الشيخ رشيد ـ "يؤمنون بأن رب العالمين أرسل في كل الأمم رسلاً هادين مهديين، فهم يؤمنون بهم إجمالاً، وبما قصه القرآن عن بعضهم تفصيلاً

فالمسلم صديق ومحب وحبيب لجميع الأنبياء والمرسلين في الدنيا والآخرة، وتجاه هذا يصح أن يقال: إن غير المسلم عدو لله ولهم كلهم، لأن تكذيب بعضهم تكذيب لرسالتهم ولمرسلهم سبحانه

" 3.

والحق ما قال الشيخ رشيد، فإن المسلم هو صاحب أصح موقف بين الأمم باتخاذه الموقف الوسط بينها في الإيمان بجميع رسل الله تعالى، وعدم تفريقه بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم، وفي هذا يقول الشيخ رشيد: "ومما بينه القرآن في مسألة الأنبياء والرسل أنه يجب الإيمان بجميع رسل الله تعالى وعدم التفرقة بينهم في الإيمان، وأن الإيمان ببعضهم والكفر ببعض كالكفر بهم كلهم لأن إضافتهم إلى الله تعالى واحدة

قال تعالى في خواتيم سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} 4، وبين في

1 الوحي المحمدي (ص: 198)

2 المصدر نفسه والصفحة.

3 المصدر نفسه (ص: 203)

4 سورة البقرة، الآية (285)

ص: 680

سورة النساء أن التفرقة بينهم في الإيمان هي الكفر حق الكفر، وأن الإيمان بالجميع بغير تفرقة هو الإيمان حق الإيمان 1

وقد انفرد بهذه الحقيقة العادية المسلمون دون أهل الملل الوثنية من المجوس والهندوس، ودون أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إلا بأنبياء بني إسرائيل

" 2.

وموقف المسلمين هذا يستند إذاً إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما سداه ولحمته، ولذلك جاء موقفها هذا موقفاً معتدلاً وسطاً، لا غلو فيه ولا إفراط 3

1 انظر: سورة النساء، الآية (150 ـ 151)

2 الوحي المحمدي (ص: 202 ـ 203)

3 انظر: د. محمد باكريم با عبد الله: وسطية أهل السنة (ص: 277)

ص: 681