الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى
الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه
المبحث الأول: تعريف الإيمان
المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة
…
المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة:
يكون من الخطأ أن نلجأ إلى المعاجم اللغوية لنبحث فيها عن معنى حقيقة من حقائق الدين، مثل البحث عن معنى كلمة إيمان أو عبادة أو دعاء، إنه يجب أن نتنبه إلى أن المعاجم اللغوية وضعت لأهداف محددة، حتى لا نطلب منها فوق ما تستطيعه، هذه الأهداف هي: ضبط الألفاظ لا تحديد المعاني. وإذا تقدمت هذه المعاجم بعض الشيء وأرادت أن تساعد الباحث فتحدد وتعرف له بعض التحديد، فإنها لا تبالي بأن تعرف الشيء بنفسه أو بأنه غير ضده. فيقال: البلاغ ما يتبلغ به، والدواء ما يتداوى به، والدين هو الملّة، والحلال ضد الحرام، وإذا أردت أن تعرف موقع مكة أو صفتها، فإنك لن تجد هناك إلا قولهم: بلد معروف. وعند تفسير الدعاء، يقال: النداء، وإن لم يكن كل نداء دعاء، كما سوف يأتي في موضعه إن شاء الله، وعند البحث عن كلمة عبادة ستجد أنها ـ في المعجم ـ: الخضوع والتذلل، ولكن ليس كل خضوع وتذلل عبادة ـ كما سوف ترى ـ.
وفيما يتعلق بكلمة: "الإيمان" فإن المعاجم اللغوية تقول: " إنه
التصديق"1، ولكن هل التصديق مطابق للفظ الإيمان؟ وهل كل تصديق إيمان؟ أي ألا يوجد فرق بين التصديق والإيمان؟
الحق أن ثمة فروق بين "آمن " و" صدق" فالأول مثلاً يتعدى بالحرف، إما بالباء وإما باللام، كما قال تعالى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} 2، وكما قال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} 3. أما "صدق" فإنه يصح تعديته بنفسه فيقال: صدقه.
وكذلك فإنه من حيث الاشتقاق اللغوي نجد أن الإيمان مشتق من الأمن4، الذي هو ضد الخوف، فآمن: أي صار داخلاً في الأمن. فهو متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة، كما قال: أخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} 5 أي: لا تقرّ بخبرنا ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين، فالتصديق وحده لا يدل على ذلك. 6.
وأيضاً فإن الإيمان لا يقال إلا في الأمور الغيبية التي تعتمد على أمانة المخبر، أما المشاهد المحسوس فيقال فيه: صدوق. كما أن مقابل الإيمان: الكفر، ومقابل التصديق: الكذب.
فالخلاصة إذن أن الإيمان تصديق وزيادة، وهو للإقرار أقرب منه إلى التصديق 7.
1 انظر: الأزهري: تهذيب اللغة (15/ 513، 514) ط. شركة ومطبعة البابي الحلبي، مصر، الثانية، 1389هـ، ت: عبد السلام هارون، والفيروزآبادي: القاموس المحيط (4/ 199) ط. المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت. وابن منظور: لسان العرب (54/21) مادة أمن، ط. دار صادر ودار بيروت. وابن فارس: معجم مقاييس اللغة (1/ 133) والرازي: مختار الصحاح (ص:11) ط. مكتبة لبنان.
2 سورة العنكبوت: الآية (26)
3 سورة البقرة: الآية (285)
4 انظر: الراغب: المفردات (ص: 90ـ 91)
5 سورة يوسف: الآية (17)
6 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (7/ 292)
7 ولقد بسط شيخ الإسلام هذا المعنى في عدة مواضع. انظر: مجموع الفتاوى (كتاب الإيمان الكبير: 7/ 122) وما بعدها، و (ص:290) وما بعدها.