الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا
المطلب الأول: القرآن الكريم
…
المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا:
تنقسم مصادر التلقي عند أهل السنة إلى قسمين:
مصادر رئيسة هي: الكتاب والسنة والإجماع. ومصادر ثانوية هي: العقل السليم والفطرة القويمة، وفيما يلي نتعرف على موقف الشيخ رشيد من هذه المصادر جميعاً:
المطلب الأول: القرآن الكريم:
القرآن الكريم عند جميع المسلمين حجة في جميع قضايا الدين العلمية والعملية، الإنشائية والخبرية، وهو الفرقان بين الحق والباطل، كما قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} 1، وأقام الله تعالى به الحجة على العالمين:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 2، فكل من بلغه هذا القرآن فقد أنذر به وقامت عليه حجة الله 3، وأمر الله تعالى
1 سورة الفرقان: الآية (1)
2 سورة الأنعام: الآية (19)
3 انظر: ابن القيم: مختصر الصواعق، للموصلي (ص75) ط. دار الكتب العلمية، الأ، لى1405هـ.
بالتحاكم إليه فقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} 1، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 2.
واعتمد الشيخ رشيد ـ كجميع المسلمين ـ على كتاب الله تعالى، مصدراً أساسياً في استمداد وبحث مسائل العقيدة، والاستدلال عليها. فمهما وجد في كتاب الله دليلاً على شيء منها أورده وقدمه على غيره من الأدلة. لأن الله تعالى إنما أنزل القرآن هداية للناس.
لقد اعتنى الشيخ رشيد ببيان الحكمة من إنزال القرآن وكونه أُنزل هدايةً عامة للناس، وأوْرد الآيات والأحاديث التي تبين هذه الحكمة، وحمل على الذين اتخذوا قراءته هدفاً وحرفة دون الاهتداء به 3. وخلاصة ما قاله في ذلك: إن الله تعالى أنزل القرآن نوراً وهدى للناس ليهتدوا به ويسعدوا في الدنيا والآخرة. قال: "والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها ناطقة بأن القرآن أنزل عبرة وتذكرة وشفاءً لما في الصدور أي القلوب من أمراض الجهل بالله وبما على عباده من الحقوق"4. واحتج أيضاً في تقرير هذا المعنى بالأحاديث الواردة في القرآن فقال وقد أورد عدداً منها 5:" وأما الأحاديث الواردة في القرآن فمنها ما ورد في حفظه وتعلمه وتعليمه وهذا مطلوب لأمرين:
أحدهما: فرض عيني وهو معرفة العقائد الصحيحة والآداب الكاملة وفقه الأعمال التعبدية، والدنيوية التي فصَّلت السنة كيفياتها وبيّنت صورها.
والثاني: فرض كفاية؛ وهو تبليغه بلفظه على الوجه الذي أُدّي إليه.." 6.
1 سورة الشورى: الآية (10)
2 سورة النساء: الآية (105)
3 وللشيخ رشيد فتويان في ذلك: الأولى مطولة في مجلة المنار (8/ 258) والثانية مختصرة في = = التفسير (1/ 4) وما بعدها
4 مجلة المنار (8/ 260)
5 انظر نفس المصدر والصفحة.
6 نفس المصدر (8/ 261)
ولما كانت هذه الحكمة من إنزال القرآن فقد تكفل الله تعالى بحفظه لحفظ هذه الهداية العامة والخاتمة، وقد تبدَّى هذا الحفظ في توثيق نص القرآن الكريم توثيقاً منقطع النظير على مرّ الأيام والعصور، فالقرآن كما يقول الشيخ رشيد هو:"الكتاب الإلهي الوحيد الذي نقل بنصه الحرفي تواتراً عمن جاء به بطريقي الحفظ والكتابة معاً.."1.
وفيما يتعلق بهذا الحفظ ترد شبهة نسخ بعض الآيات والتي وقع فيها الشيخ رشيد، ورفض القول بنسخ بعض الآيات، وسوف أتناول هذه المسألة بعد قليل.
وإذا كانت الحكمة من إنزال القرآن هي الاهتداء به فإن ذلك يتوقف على فهم معانيه. فما هو منهج الشيخ رشيد في هذا الصدد؟
بين الشيخ رحمه الله المنهج الواجب اتباعه في تفسير القرآن وبيان معانيه، فقال: إن هناك علوماً لا بد منها في فهم هذا الكتاب كفنون العربية، واصطلاحات الأصول وقواعده الخاصة بالقرآن وقواعد النحو والمعاني، ومنها أيضاً معرفة سنن الله تعالى في هذا الكتاب 2. كل ذلك مما يعين على فهم معاني القرآن.
ولكن الشيخ رشيد يحمل على بعض المفسرين الذين شغلوا قرّاءه عن مقاصده العالية وهدايته السامية، بمباحث الإعراب، وقواعد النحو ونكت المعاني ومصطلحات البيان، وكذلك ما يصرف عن هدايته من جدل المتكلمين وتخريجات الأصوليين وتعصب الفرق والمذاهب بعضها على بعض، كما أن بعضها صرف الناس عن هدايته بكثرة الروايات وما مُزِجت به من خرافات الإسرائيليات 3. وزاد بعضهم صارفاً آخر عن هذه الهداية بما
1 الوحي المحمدي (ص:84)
2 انظر: تفسير المنار (1/ 7)
3 الإسرائيليات: جمع إسرائيلية، نسبة إلى بني إسرائيل، والمراد بها هنا: الأخبار المروية عن كتب أهل الكتاب في التفسير والقصص والتاريخ والمواعظ. انظر: محمد أبو شهبة: الإسرائيليات والموضوعات (ص: 12ـ 13) ط مكتبة السنة ـ القاهرة، الرابعة سنة 1408هـ وعمر حسن فلاتة: الوضع في الحديث النبوي (1/330) مكتبة الغزالي، دمشق. 1401هـ
يورده من العلوم الرياضية والهيئة الفلكية اليونانية من المتقدمين والمتأخرين 1.
فيرى رحمه الله أنه لا ينبغي الإسراف في تناول هذه العلوم ويكتفى منها بالقدر الذي يعين على فهم هذا الكتاب على الوجه الذي أنزل من أجله "إذ أن الإكثار في مقصد خاص من هذه المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود بالكتاب الإلهي"2.
وقد ظهر لي أن المنهج الذي سار عليه الشيخ رشيد في فهم معاني القرآن أنه أولاً يفسر القرآن بالقرآن، أعني يفسر الآية بما يوضحها من آيات الكتاب الكريم. وهذه الطريقة هي أعلى مراتب التفسير، إذ أن القرآن يصدِّق بعضه بعضاً. وهو منهج صحيح ومعتبر عند أهل السنة والجماعة 3. ويتضح هذا المنهج عند الشيخ رشيد بأدنى بحث وتأمل. ونأخذ على ذلك أمثلة:
من تفسيره للفاتحة: فعند تفسيره لقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 4 يقول: ويشبه هذا قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} 5.
وعند قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 6، قال:"وفي ذلك اليوم يوفى كل فرد من أفراد العالمين جزاءه كاملاً لا يظلم شيئاً منه، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 7."
1 انظر: تفسير المنار (1/7)
2 نفس المصدر (1/18)
3 انظر: ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير (ص: 41) ط السلفية، الرابعة، 1399هـ. وابن كثير: التفسير (1/4) ط. الأولى 1408هـ ط. الريان، مصورة دار الحديث، ومحمد الأمين الشنقيطي:= = أضواء البيان (1/3) ط. مكتبة ابن تيمية.
4 سورة الفاتحة: الآية: (6)
5 سورة العصر. وانظر: تفسير المنار (1/37)
6 سورة الفاتحة: الآية: (4)
7 سورة الزلزلة: الآية: (7و8) وانظر: تفسير المنار (1/55)
وعند قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1، قال:" والاستعانة بهذا المعنى ترادف التوكل على الله، وتحل محله، وهو كمال التوحيد والعبادة الخالصة، ولذلك جمع القرآن بينهما في مثل قوله:{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} 2.
وعند قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 3، فسر الشيخ رشيد الهداية فيها بآيات مشابهة كقوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} 4، وقوله:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} 5، وبقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 6، قال:" وإنما المراد بهذا ما جاء في قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من الأمم السالفة، فقد أحال على معلوم أجمله في الفاتحة وفصله في سائر القرآن.."7.
وعند قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} 8 قال: "فهو كقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 9. وقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} 10 وقوله: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 11 ومن هذا القبيل قوله عز وجل {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
1 سورة الفاتحة: الآية: (5) وانظر: التفسير (1/60)
2 سورة هود: الآية: (123)
3 سورة الفاتحة: الآية: (6)
4 سورة البلد: الآية: (10) .
5 سورة فصلت: الآية: (17)
6 سورة الأنعام: الآية (90)
7 انظر: تفسير المنار (1/64 و66ـ67)
8 سورة النساء؛ الآية (1)
9 سورة الروم: الآية (21)
10 سورة النحل: الآية (72)
11 سورة الشورى: الآية (11)
مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 1 وقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} 2 ومثلها في سورة البقرة 3 وسورة الجمعة 4، فلا فرق بين عبارة الآية التي نفسرها وعبارة هذه الآيات" 5.
وعند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} 6، قال مفسراً:"أي جعل لها زوجها من جنسها فكانا زوجين ذكراً وأنثى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} 7، كما أنه خلق من كل جنس وكل نوع من الأحياء زوجين اثنين، قال عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 8.."9.
ويلي هذا عند الشيخ رشيد تفسير الآية بما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لأن ما صح من المرفوع لا يقدم عليه شيء"10. كما أنه يستند ـ مع السنة ـ إلى ما جرى عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين في الصدر الأول 11. يقول الشيخ رشيد مفصلاً منهجه بعد وفاة شيخه محمد عبده: "هذا وإنني لما استقللت بالعمل بعد وفاته خالفت منهجه ـ رحمه الله تعالى ـ بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيراً لها وفي حكمها أو في تحقيق بعض المفردات أو الجمل اللغوية والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة.." 12
1 سورة التوبة: الآية (128)
2 سورة آل عمران: الآية (164)
3 الآية (151)
4 الآية (2)
5 تفسير المنار (4/ 330)
6 سورة الأعراف: الآية (189)
7 سورة الحجرات: الآية (13)
8 سورة الذاريات: الآية (49)
9 تفسير المنار (9/ 517) وانظر: أيضاً أمثلة أخرى (8/ 284) وايضاً (8/ 9ـ 10)
10 تفسير المنار (1/ 7)
11 نفس المصدر والصفحة، و (6/ 196)
12 نفس المصدر (1/16)
وهذا المنهج صحيح أيضاً معتمد عند أهل السنة 1. كما أن الشيخ رشيد يستعين أيضاً بلغة العرب 2، لأن القرآن نزل بلغتهم ولا يفهم إلا بها. فيجب لذلك تعلمها على كل مسلم 3. ويورد الآيات المصرحة بكون اللغة العربية هي لغة القرآن 4، ويقف بشدة ضد ترجمة القرآن ترجمة لفظية لأن ذلك غير مقدور عليه، وإن كان يجوز ترجمة معانيه. وأطال الشيخ في ذلك وطبع كتاباً حول هذا المعنى مستلاً من مجلة المنار 5.
ومعتمداً على ابن تيمية ـ يبين الشيخ رشيد أنواع الاختلاف في التفسير فيقول:" إن الاختلاف في التفسير على نوعين: الأول: ما مستنده النقل فقط، والثاني: مستنده الاستدلال بالعقل، والأول: إما منقول عن النبي أو غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه، ومنه ما لا يمكن ذلك، وهذا الأخير غالباً ـ مما لا فائدة في معرفته، كالمنقول عن أهل الكتاب، ومنه الصحيح وهو كثير. وأما الخطأ فيما طريقه الاستدلال فيرجع إلى أمرين حدثا بعد القرون المفضلة:
الأول: حمل ألفاظ القرآن على معان اعتقدوها لتأييدها به كجميع الفرق والمذاهب في الأصول والفروع، فإنهم قد جعلوا مذاهبهم أصولاً والقرآن فرعاً لها يحمل عليها.
والثاني: التفسير بمجرد دلالة اللغة العربية من غير مراعاة المتكلم بالقرآن وهو الله عز وجل والمنزَّل عليه والمخاطب به.."6.
ومن المسائل الهامة التي ناقشها الشيخ رشيد في منهج الاستدلال
1 انظر: ابن تيمية مقدمة في أصول التفسير (ص: 41ـ 42)
2 انظر: تفسير المنار (1/21) و (6/ 196) و (9/ 310) وما بعدها
3 المصدر السابق (9/ 311)
4 المصدر السابق (9/ 314) ومجلة المنار (26/ 2) وما بعدها
5 انظر: مجلة المنار (26/411و491و493و481و 492و574و580و681) وأيضاً فتوى في حظر ترجمته (26/ 485) وانظر التفسير (9/ 325) حاشية.
6 تفسير المنار (1/ 908) وقارن مع ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير (ص:18) وما بعدها.
بالقرآن الكريم: وجوب الإيمان بظاهر القرآن، فقد ردّ على من يقول: إن الإيمان بظاهر القرآن كفر، فقال:"وإننا لم يبلغنا أن أحداً من مبتدعة هذه الأمة ولا من أهل الكتاب تجرأ على مثل هذا القول في كتاب ربه، فزعم أن المؤمن به على ظاهره هو الكافر به، أي دون من يحرفه أو يتأوله برأيه أو تقليده ولو لبعض أدعياء العلم.."1. ويرد هذه الدعوى علمياً فيقول: "وأكتفي من جهة العقيدة بأن الإيمان بظاهر القرآن واجب بالإجماع، فإن أوهم تشبيهاً جزمنا بأن التشبيه غير مراد بدليل العقل والنقل، وفوضنا الأمر في كيفية ذلك وتأويله ـ أي ما يؤول إليه ـ إلى الله عز وجل
…
2.
ويرفض الشيخ رشيد التأويل في آيات الكتاب رفضاً قاطعاً لأننا وكما يقول: "نرى كثيراً من المحرمات قد انتهكت في المسلمين بمثل تلك التأويلات.. ولقد صارت هذه الحيل على الله عز وجل، والتأويلات الباطلة الهادمة لدينه محدوده من علم الدين..3. ويقول مخاطباً المتأولين: "وليعلموا أنه لا يوجد كلام قط لا يمكن حمله على غير المراد منه، حملاً يقبله الكثير من الناس المشتغلين بالعلم، وليطالعوا كتاب "حجج القرآن"4 ويتأملوا كيف استدل جميع أصحاب المذاهب المبتدعة في الإسلام بآياته التي هي في منتهى البلاغة في البيان على تلك المذاهب المتناقضة.." 5.
وهذان الموقفان من الشيخ رشيد من هاتين المسألتين أعني: الإيمان
1 مجلة المنار (33/ 373) والحق أن القائل بهذا وهو الشيخ يوسف الدجوي، قد قلد في ذلك المتكلمين قبله: انظر: ابن القيم: (مختصر الصواعق للموصلي)(ص: 18و22) وما بعدها.
2 مجلة المنار (33/ 373)
3 تفسير المنار (1/ 406)
4 كتاب "حجج القرآن" لأبي الفضائل أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي الحنفي من أعيان القرن السابع، كان موجوداً إلى سنة 630 هـ جمع فيه خلاف الفرق المختلفة وحجج كل فرقة. انظر: حجج القرآن. ط: دار الكتب العلمية بيروت، الأولى 1406هـ.
5 مجلة المنار (13/ 421)
بظاهر القرآن ورفض التأويل، موقفان صحيحان ولا يعكر عليهما إلا وقوع الشيخ رشيد فيما رفضه وعارضه من التأويل، ومن ذلك ما فعله ـ متابعة لشيخه محمد عبده ـ عند تأويله للحوار الذي دار بين الله تبارك وتعالى والملائكة 1،وسكوته عن هذا التأويل أو بالأحرى عن هذا العبث، وكذلك تأويله لقصة البقرة في سورتها 2،وتأويل "محمد عبده" للملائكة 3. مما جعل الشيخ رشيد هدفاً للطعن عليه فيما بعد4، وكثيراً ما حاول الشيخ رشيد أن يجد تفسيراً لبعض الآيات يكون "مقبولاً" لدى العقول العصرية، مثلما فعل في حجارة قوم لوط 5، وسيأتي بيان موقفه من التأويل تفصيلاً إن شاء الله تعالى في موضعه.
وموقف آخر لا نحمده له ـ فيما يتعلق بمنهجه في الاستدلال بالقرآن هو موقفه من نسخ التلاوة، وأريد أن أقف قليلاً عنده.
النسخ:
النسخ من مباحث علمي "الأصول وعلوم القرآن" فهو يُبحث في العلمين.
وهو في اللغة: الرفع والإزالة 6. كما أنه يستعمل في النقل أيضاً 7.
وشرعاً هو: إزالة الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً به مع تراخيه عنه8.والنسخ ثلاثة أنواع:
1 تفسير المنار (1/281و3/ 253و458، و8/ 332) والمجلة (5/87ـ88)
2 انظر: تفسير المنار (1/ 351)
3 نفس المصدر (1/ 254ـ 255)
4 انظر: مجلة المنار (32/679و753)
5 انظر: تفسير المنار (8/ 516و517) ومثله في خلق عيسى: التفسير (3/ 308)
6 انظر: الأصفهاني: المفردات (801) ط. دار القلم بيروت، الأولى 1412هـ مادة نسخ. والخطيب: الفقيه والمتفقه (1/ 80)، الأصفهاني: بيان المختصر (2/ 489) ط. أم القرى، الأولى 1406هـ. ت. محمد مظهر بقا.
7 الخطيب: المصدر السابق: نفس الصفحة، وكذا الأصفهاني.
8 الخطيب: المصدر السابق: نفس الصفحة، وهناك تعاريف أخرى: انظر: الأصفهاني: بيان المختصر: نفس الصفحة، واخترت تعريف الخطيب ليدخل فيه منسوخ التلاوة.
نسخ الحكم دون الرسم، وهو المشهور، وصنفت فيه الكتب، ونسخ الرسم دون الحكم، ونسخ الرسم والحكم 1. والأدلة على ثبوت النسخ آيات منها قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 2وقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} 3، وترشدنا الآية الأخيرة إلى أن نسخ التلاوة كان مثار شبهة عند الكفار4. وقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} يرد شبهة البداء 5عند منكري النسخ إذ أن العلم يدفع هذا 6، ومثل هذه الآية قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} 7 أي أن تنساه 8ولا يثبت النسخ إلا بوحي. قال تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 9.
ولقد أثبت الشيخ رشيد من النسخ النوع الأول، وهو منسوخ الحكم دون التلاوة 10، وأنكر نسخ التلاوة مع الحكم أو وحدها 11.
1 انظر: الخطيب: المصدر السابق: نفس الصفحة، والسيوطي: الإتقان: 3/ 62. ط. المكتبة العصرية، 1408هـ. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. والزرقاني: مناهل العرفان (2/214) ط. دار إحياء الكتب العربية، فيصل الحلبي. ومحمد علي السايس: تفسير آيات الأحكام (1/28) ط. صبيح بمصر
2 سورة البقرة: الآية (106)
3 سورة النحل: الآية (101)
4 انظر: ابن كثير: التفسير (2/567)، وصديق حسن خان: فتح البيان: (5/298) ط. دار أم القرى، القاهرة، 1965م.
5 البداء: هو الظهور بعد الخفاء، وأيضاً حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، وهذان المعنيان مستحيلان على الله تعالى لكمال علمه تعالى. ويعتقد الرافضة جوازه على الله تعالى. انظر: غالب العواجي: فرق معاصرة (1/250ـ 251)
6 انظر: الأمين الشنقيطي: أضواء البيان (3/328)
7 سورة الأعلى: الآية (6،7)
8 الأمين الشنقيطي: المصدر السابق: نفس الصفحة.
9 سورة يونس: الآية (15) وانظر: الأمين الشنقيطي: المصدر السابق (ص:329)
10 انظر: تفسير المنار (1/413ـ 414) والمجلة (12/693) و (7/ 611ـ 612)
11 انظر: مجلة المنار (7/ 611) و (12/ 208) حاشية و (292) حاشية و (12/694) و (31/ 49)
وتعلل الشيخ رشيد في إنكاره لمنسوخ التلاوة مع الحكم أو وحده بأنه قد يعد شبهة على الدين 1. وبأن ما روي مما قيل أنه منسوخ لا يتفق مع أسلوب القرآن وبلاغته 2، وبأن القرآن لا يثبت بطريق الآحاد، وكون الآية منسوخة فرع كونها آية فلا بد فيه من التواتر المشروط لإثبات القرآن 3. ثم طعن في الأحاديث الواردة في ذلك ولم يستثن منها ما روي في الصحيحين.
فأما إثباته لنسخ الأحكام مع بقاء لفظ الآيات فمن قوله: " وإنّ نسخ حكم في الشريعة بحكم آخر هو كنسخ شريعة بشريعة أخرى، معقول المعنى موافق لحكمة التشريع في انطباقها على مصالح الناس التي تختلف باختلاف الزمان والأحوال، لا شبهة فيه على أصل الدين
…
"4. وفي حكمة بقاء الآية مع رفع الحكم، يقول: " حكمة بقاء الآية التي نسخ حكمها التذكر بنعمة النسخ والتعبد بتلاوتها
…
"5.
وأما إنكاره لمنسوخ التلاوة فقد ذكره في عدة مواضع من المجلة ففي المجلد السابع، قال: " أما نسخ لفظ الآية مع بقاء حكمها أو نسخ لفظها وحكمها معاً فمما لا يجب علينا اعتقاده وإن قال به القائلون ورواه الراوون، وقد علله القائلون به والتمسوا له من الحكمة ما هو أضعف من القول به وأبعد عن المعقول
…
" 6.
ويقول عن حكمة هذا النوع: " وأما نسخ التلاوة فلم تظهر لنا حكمته ولم يأت اليافعي 7 ولا من قبله من العلماء الذين اطلعنا على أقوالهم
1 انظر: مجلة المنار (7/ 612 و 33/35) .
2 المصدر السابق (7/612) .
3 المصدر السابق والصفحة.
4 نفس المصدر (12/693) .
5 نفس المصدر (7/611) ، وتفسير المنار (1/414) .
6 مجلة المنار (7/611) .
7 هو الشيخ صالح اليافعي من علماء اليمن ـ أقام في الهند ـ وهو الذي تولى الرد على من أنكر نسخ التلاوة في مجلة المنار. انظر: مجلة المنار (12/125) .
بحكمة مقنعة لمن كان مستقلاً في فهمه غير مقلد فيه لا سيما نسخ اللفظ مع بقاء الحكم" 1.
وفيما يتعلق بالأدلة التي يسوقها المثبتون يقول: " وأما الدليل على وقوع ذلك فهو بعض الروايات عن الصحابة وهي وإن صحح مثل البخاري أسانيدها محل إشكال في متنها كأحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما
…
" 2. ويقول: " وجملة القول أنه لم يرد في هذا المقام حديث صحيح السند إلا قول عمر 3 في الشيخ والشيخة إذا زنيا وهو من رواية الآحاد
…
وأنا لا أعتقد صحته وإن روي في الصحيحين
…
" 4.
هذا هو حاصل ما قاله في إنكاره لمنسوخ التلاوة وقد خالف الشيخ رشيد في ذلك أهل السنة الذين يثبتون النسخ اعتماداً على الكتاب العزيز وعلى السنة المتواترة. وهو ما أود بيانه فيما يلي:
لقد تواترت الأحاديث في منسوخ التلاوة 5 بحيث أصبح ذلك حقيقة لا تدفع، وكان الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون أن من القرآن ما يرفع وينسخ وأن ذلك جائز ويقع. وكان بعضهم يرى جواز قراءة المنسوخ، فأعرض عن قراءته الصحابة. قال عمر رضي الله عنه:" عليٌّ أقضانا وأبيٌّ أقرؤنا وإنا لندع كثيراً من لحن أبيّ، وأبيّ يقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أدعه لشيء، والله تبارك وتعالى يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 6". وعن أبيٌّ قال: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الفجر وترك آية فجاء أبيّ وقد فاته بعض
1 مجلة المنار (12/694) .
2 نفس المصدر والصفحة.
3 سيأتي تخريجه بعد قليل إن شاء الله.
4 مجلة المنار (7/612) . وحاول الشيخ رشيد أن ينكر إنكاره ذلك في مناظراته للشيخ يوسف الدجوي، والحق أن إنكاره ثابت. انظر: مجلة المنار (33/33) وما بعدها.
5 انظر: الألباني: الصحيحة (6/961) ط. مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1417هـ.
6 سورة البقرة: الآية (106)، وانظر هذا الأثر عند البخاري: الصحيح: كتاب: فضائل القرآن، باب: القراء من أصحاب النبي (، ح: 5005 (8/664)، وقوله: من لحن أبيّ أي: ترك من قراءته مما نسخ من القرآن. انظر: البنا الساعاتي: الفتح الرباني (18/57) بالحاشية، ط. مطبعة الأخوان المسلمين، الأولى.
صلاة، فلما انصرف قال يا رسول الله: نسخت هذه الآية أو أنسيتها، قال: لا، بل أنسيتها" 1. وعن ابن عمر رضي الله عنهما:" قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها فقاما ذات ليلة يصليان بها، فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه مما نُسخ أو نُسي"2. ولقد كانت سورة الأحزاب تساوي أو تزيد على سورة البقرة، وكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عليم حكيم" 3. وكانت سورة البينة أطول مما هي عليه الآن، وقد قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبيّ، وفيها:"إن ذات الدين الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولاالنصرانية ولا المجوسية، من يعمل خيراً لن يكفره"، وقرأ عليه: "لو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً ولو كان له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً
…
" 4. ثم رفعت هذه الآيات وبقيت السورة كما هي الآن في المصحف. لقد رفعت سور بأكملها، ومنها سور طوال كسورة براءة 5.
وتقول عائشة رضي الله عنها: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"6.
1 هذا الحديث من زوائد عبد الله بن أحمد في المسند ورجاله ثقات، انظر: البنا الساعاتي: الفتح الرباني (18/ 58) بالحاشية.
2 قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد 7/156) .
3 انظر: أحمد: المسند (5/132) ط. المكتب الإسلامي، والحاكم (4/ 359) وصححه وأقره الذهبي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ ت: مصطفى عبد القادر عطا. وحسّن ابن كثير إسناده: انظر التفسير (3/ 448)، ورواه النسائي في السنن الكبرى: ك: الرجم، ح: 7150 (4/271) ط. دار الكتب العلمية، الأولى 1411هـ.
4 انظر: الترمذي: ك: المناقب، باب: من فضائل أُبي بن كعب، ح: 3898 (5/ 711) وقال: هذا حديث حسن. ط. الحلبي بمصر، تحقيق أحمد شاكر، وأحمد في المسند (5/ 132) وقد حكم الألباني بتواتر هذا الحديث. انظر: الصحيحة (6/ 961)
5 انظر: مسلم: الصحيح: ك: الزكاة، ح: 119 (1050)(2/ 726ـ عبد الباقي) .
6 رواه مسلم: الصحيح: ك: الرضاع، ح:24 (1452)(2/ 1075)، وقولها:"وهن مما يقرأ من القرآن" فالظاهر أنها نسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس فتوفي (وبعضهم يقرؤها ثم رفعت من صدورهم جميعاً كغيرها من المنسوخ. انظر: السيوطي: الإتقان (3/ 631) .
وقال عمر رضي الله عنه:"كان فيما أنزل من القرآن: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) "1. وعنه أيضاً أنه كان في القرآن: "أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" 2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاته بهذا القرآن قبل نسخه ورفعه 3.
وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما ترك إلا ما بين الدفتين"4. فإنه إنما أراد من القرآن الذي يتلى، وابن عباس نفسه روى شيئاً من المنسوخ 5.
وإذا ثبت في كل ذلك الوقوع فقد ثبت الجواز، فهو أول أدلته، ومن جهة العقل، نقول: إن ما يتعلق بالنصوص القرآنية من التقيد بلفظها وجواز الصلاة بها، وحرمتها على الجنب في قراءتها ومسها شبيه كل الشبه بما يتعلق بها من دلالتها على الوجوب والحرمة ونحوهما، في أن كلاًّ من هذه المذكورات حكم شرعي يتعلق بالنص الكريم، وقد تقتضي المصلحة نسخ الجميع وقد تقتضي نسخ بعضها دون بعض، وإذن يجوز عقلاً أن تنسخ الآية تلاوة وحكماً، ويجوز أن تنسخ تلاوة لا حكماً، ويجوز أن تنسخ حكماً وتلاوةً 6.
ونسخ اللفظ والتلاوة يكون بأن ينسيها الله ويرفعها من الصدور، ويأمر
1 رواه البخاري: الصحيح، ك: الحدود: باب: رجم الحبلى من الزنا، ح: 683 (12/148) . وانظر: الألباني: الصحيحة (6/972)
2 رواه البخاري: الصحيح: نفس الموضع السابق.
3 انظر: الطحاوي: مشكل الآثار (2/419) ط. مؤسسة الرسالة، الأولى، 1415هـ ت: شعيب الأرناؤوط. والبزار (4/244ح:3634) ط. مؤسسة علوم القرآن بيروت، الأولى 1409هـ.
4 انظر: البخاري: الصحيح: ك: فضائل القرآن، باب: من قال: لم يترك النبي (إلا ما بين الدفتين، ح: 5019، وانظر: ابن حجر: فتح الباري (8/683)
5 انظر: أحمد: المسند (5/117) وصحح الألباني إسناده على شرط مسلم، وانظر: الصحيحة (6/966)
6 انظر: الزرقاني: مناهل العرفان (2/216)
بالإعراض عن تلاوتها وكتبها في المصحف 1، فتندرس على مر الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها الله في كتابه في قوله:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} 2، ولا يعرف اليوم منها شيء 3.
وأما ما احتج به الشيخ رشيد من وجوب ثبوت القرآن بالتواتر؛ فنعم، لكن ليس المقام مقام إثبات القرآنية، بل إثبات النسخ، وهو لا يحتاج إلى التواتر، على أنه متواتر كما ذكرت، ولا يقول أحد بقرآنية المنسوخ، وبصحة التعبد بقرآته، ليلزمه ذلك، فإثبات النسخ شيء وإثبات القرآنية شيء آخر 4.
وأما طعنه في الأحاديث ـ ولو في الصحيحين ـ فهو تعدٍ ومجازفة، وسوف أفصل وأرد على موقفه هذا في الكلام عن السنة كمصدر من مصادر التلقي ـ إن شاء الله ـ.
وأما الحكمة في ذلك ـ والتي خفيت على الشيخ رشيد ـ فقد بين العلماء بعضها 5، ولا بد أنه يخفى على الجميع بعضها ـ فالله تعالى ذو الحكمة البالغة.
والذي ظهر لي والله أعلم ـ أن هذا يجري على سنة الله تعالى في الاختبار وامتحان المؤمنين، ليعلم الراسخين في العلم والإيمان ويتميز هؤلاء عن غيرهم من ضعاف الإيمان والعلم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
1 وقد رفض النبي (أن يستكتب عمر رضي الله عنه آية الرجم، انظر: أحمد: المسند (5/183) والنسائي: الكبرى (4/270/ 7145) والحاكم (4/401) وصححه وأقره الذهبي. وانظر: الألباني الصحيحة (6/ 974)
2 سورة الأعلى: الآية (19)
3 انظر: السيوطي: الإتقان (3/75)
4 انظر: مناع القطان: مباحث في علوم القرآن، ط. المعارف، الرياض (ص:238) والألباني: الصحيحة (6/970ـ 971)
5 انظر: السيوطي: الإتقان (3/72)