الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث الأشراط ثم قال: "إنه نقل ذلك لينسحب هذا البحث على السنة كلها لا أحاديث الأشراط فحسب"1.
وأبو رية من المعاصرين للشيخ رشيد وكتب في مجلة المنار تقريظاً للتفسير 2. ولكن الآراء التي ذكرها في أضوائه لم يكن ليوافق عليها الشيخ رشيد لو كان حياً حين صدر الكتاب 3.
ولا يقتصر هذا الأثر على أعداء السنة، بل امتد ليشمل "أنصار السنة" الذين ورثوا الشيخ رشيد رضا بكل ما فيه من حسنات وسيئات، فقد وقع من بعضهم إنكار للأحاديث الصحيحة، ولما دلت عليه كالمهدي والسحر 4، ولم يكن ذلك عاماً في هؤلاء بل كان يحدث فلتة بين الحين والآخر، كما كان هناك ميل إلى الاقتصار على الصحيحين دون سائر الكتب 5 عند آخرين 6.
1 المصدر نفسه (ص: 258)
2 انظر: مجلة المنار (34/ 212) وبينهما رسائل متبادلة: انظر: الشوابكة: مصدر سابق (ص: 159) بالحاشية.
3 انظر: السباعي: السنة (ص: 30) .
4 ألف أحد أعضاء الجماعة في الإسكندرية كتاباً يرد فيه أحاديث المهدي، وشافهني بعضهم بمسألة السحر. وأخبرني ببعض الحوادث الرئيس الحالي للجماعة، ليس هذا هو رأي الجميع، انظر: مجلة التوحيد، السنة 26، العدد 11 (ص: 52) وما بعدها.
5 ألف الشيخ "عبد العزيز بن راشد النجدي" المقيم والمتوفى بالإسكندرية كتاب "تيسير الوحيين بالاقتصار مع القرآن على الصحيحين" ط. السنة المحمدية، الثالثة، وانظر: مجلة التوحيد: السنة 26 العدد 3، ص:(46ـ 47)
6 يبحث أحد إخواننا في جامعة "أم القرى" جهود جمعية أنصار السنة في نشر العقيدة، ونسأل الله له التوفيق.
المطلب الثالث: الإجماع:
الإجماع هو الأصل الثالث من أصول الأحكام، وهو حجة في كل
عصر من حجج الشرع، ودليل من أدلة الإحكام 1.
وحقيقته ومعناه: أن يجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام 2. ويعتبر في الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد 3، والإجماع على ضربين:
أحدهما: إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء، والصلوات.
والثاني: إجماع الخاصة دون العامة مثل ما أجمع عليه العلماء من دقيق المسائل.. كـ "أن الوطء في الحج مفسد له، وكذا الوطء في الصوم، وأن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وأن لا وصية لوارث"4.
أما إجماع العامة فلا يعتبر وحده 5، ولا إجماع من فقد شرطاً من شروط الاجتهاد أو حصّل علماً دون باقي العلوم 6، ولا يكون الإجماع إلا عن نص أو دليل أو مستند 7، والدليل: إما كتاب أو سنة أو قياس 8،
1 انظر: الشافعي: الرسالة (ص: 475) ت: أحمد شاكر، والخطيب: الفقيه والمتفقه (1/ 154)، وابن عبد البر: جامع العلم (2/ 26)، وابن تيمية: المسودة (ص: 284) ت: عبد الحميد، ط. مطبعة المدني بمصر. وابن الحاجب: المختصر (1/ 529 مع شرح الأصفهاني) ط. ج: أم القرى، ت: محمد مظهر بقا.
2 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (20/ 10)، وانظر أيضاً: ابن النجار: شرح الكوكب المنير (2/211) . ط. أم القرى.
3 انظر: ابن الحاجب: المختصر مع الشرح (1/ 522)، وابن النجار: شرح الكوكب (2/ 211) ط. مكتبة العبيكان، ت: محمد الزحيلي ونزيه حماد.
4 الخطيب: الفقيه والمتفقه: وقيل لا يعتبر العامة في هذا ولا ذاك. انظر: ابن النجار: مصدر سابق (2/ 224) .
5 المجد: المسودة (ص: 296) .
6 المصدر السابق: نفس الصفحة.
7 المصدر السابق: نفس الصفحة، وابن الحاجب: مصدر سابق (1/ 586) ، وابن النجار (2/ 259) .
8 المسودة (ص: 296) ، وابن الحاجب (1/ 587) .
ويكون الإجماع في مسائل الاعتقاد كرؤية الله تعالى، ونفي الشرك، لتعضيد الأدلة وتقويتها، ولدفع احتمال الخطأ 1، وقد حكي الإجماع في مسائل الاعتقاد 2.
وقد ظهر لي من خلال قراءة عبارات الشيخ رشيد أنه ـ ومعه ـ الأستاذ الإمام وحزبه لم يكونوا يفهمون الإجماع الشرعي الذي يتحدث عنه مؤلفو المسلمين، فالشيخ رشيد ـ وإن كان يرى أن الإجماع أصل من أصول الشرع ـ إلا أنه اختلط عليه بغيره، لاسيما المصالح المرسلة 3، وبناءً على ذلك لم يعرف الشيخ رشيد أهل هذا الإجماع الشرعي، وأدخل فيهم من ليس منهم وأخرج منه أهله.
يرى الشيخ رشيد أن الإجماع أصل من أصول الشرع فيقول: "الأصل الثالث: إجماع أولي الأمر ـ وهم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء والرؤساء في الجيش والمصالح العامة كالتجارة والصناعة والزراعة، وكذا رؤساء العمال والأحزاب، ومديرو الجرائد المحترمة، ورؤساء تحريرها، وطاعتهم حينئذ هي طاعة أولي الأمر..4.
لقد قلد الشيخ رشيد في هذا شيخه محمد عبده الذي لا يعرف معنى الإجماع الشرعي أيضاً، إذ يقول: "إن المراد بأولي الأمر جماعة أهل الحلّ والعقد من المسلمين وهم: الأمراء، والحكئم والعلماء ورؤساء الجند.. وسائر المصالح العامة، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر أو حكم واجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا منَّا
…
ولا يخالفوا أمر الله ولا سنة
1 انظر: ابن الحاجب (1/ 618) .
2 انظر: ابن حزم: مراتب الإجماع (ص:167) وما بعدها، ط. دار الكتب العلمية، بيروت.
3 هي الوصف الذي لم يشهد الشرع لا بإلغائه ولا باعتباره. انظر: محمد الأمين: مذكرة أصول الفقه. (ص: 168) ، وابن قدامة الروضة (1/ 271ـ 275) ط. مكتبة العلوم والحكم (مصورة عن دار إحياء الكتب العربية، مصر)
4 تفسير المنار (5/ 187)
رسوله صلى الله عليه وسلم..وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة وهو ما لولي الأمر سلطة فيه ووقوف عليه، وأما العبادات وما كان من قبيل الاعتقاد الديني فلا يتعلق به أمر أهل الحلّ والعقد..1"
ومن الواضح البين أن "الأستاذ الإمام" يخلط بين الإجماع وبين المصالح المرسلة. وتبعه في ذلك رشيد رضا. إذ يقول عن صورة الإجماع:"هو أن يجتمع العلماء النابغون الموثوق بهم ويتذاكروا في المسائل التي لا نص فيها، ويكون ما يتفقون عليه هو المجمع عليه.."2، ويؤيد رأيي في عدم فهمهم وخلطهم، المثال الذي مثل به "الأستاذ الإمام" ونقله لنا الشيخ رشيد لأمور أُجمع عليها، فيقول:.."وذلك كالديوان الذي أنشأه عمر باستشارة أهل الرأي من الصحابة رضي الله عنهم وغيره من المصالح التي أحدثها برأي أولي الرأي من الصحابة ولم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.."3.
ويتضح من قولهم: "لا نص فيها" ومن ترديدهم كلمة: " المصالح" أن حزب الأستاذ الإمام" اختلط عليهم الأمر، فبينما يقول الأصوليون: إن الإجماع لا يكون إلا عن نص، إما كتاب أو سنة أو اجتهاد ـ أي قياس ـ 4، يقول هؤلاء: " لا نص فيها"، وبينما يكون الإجماع في العبادات فنجد كتب الفقه القديمة والحديثة تقول في كل مسألة من المسائل الرئيسة كوجوب الطهارة للصلاة، مثلاً: الأصل فيها ـ بعد الكتاب والسنة ـ الإجماع 5. يريد حزب الأستاذ الإمام أن يخرج العبادات من دائرة الإجماع، لأنه فهم أن الإجماع هو إنشاء أمر لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعني يكون قريباً من
1 تفسير المنار (5/ 181)
2 المصدر نفسه (5/ 208)
3 المصدر نفسه (5/ 181)
4 انظر: ابن الحاجب: المختصر (1/ 586 مع شرح الأصفهاني) وابن النجار: شرح الكوكب (2/ 259) وابن تيمية: المسودة (ص: 296)
5 انظر مثلاً: ابن قدامة: المغني: كتاب صلاة الجمعة (2/ 295) والزكاة: 2/572) والحج (3/ 217) وانظر: الاختيار لتعليل المختار (1/ 131) ط. الأزهر، والإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع (1/ 332) ط. الأزهر. 1399هـ.
البدعة ـ وكذلك يريد أن يخرج من دائرة الإجماع العقائد، ربما لنفس السبب، بينما نرى كثيراً من أهل العلم يحكي الإجماع في مسائل العقيدة كما أشرت آنفاً وبناءً على هذا الفهم أدخل الشيخ رشيد رؤساء المصالح كالجيش ورؤساء العمال والزرّاع ورؤساء تحرير الصحف في إجماعه هذا. وأخرج منه الفقهاء المجتهدين، لأنهم وبناءً على تعريف الأصوليين للمجتهد الذي " لا يتفق مع قول القائلين: إنهم أهل الحل والعقد ولا على المصلحة العامة، فإن العالمين بما ذكروه من شروط المجتهد لا يعرفون مصالح الأمة، والدولة والإدارة والسياسة، بل لا يوثق بعلمهم الذي اشترطوه في أحكام القضاء في هذا العصر..1" وأيضاً" إن حصر المجتهد بالمعنى الذي ذكروه لا يمكن، والعلم باتفاقهم على تفرقهم لا يمكن.." 2، ولا أدري لماذا يمكن حصر رؤساء العمال والزراع وتحرير الصحف ومديريها، ولا يمكن حصر الفقهاء والمجتهدين في الأمة؟ ، وأقول مرة أخرى: إن الشيخ رشيد يتحدث عن شيء آخر غير الإجماع الأصولي الذي يُذكر في مؤلفات علماء المسلمين، إنه ربما يتحدث عن كلمة "إجماع" التي كثر سماعها في تلك الأيام بعد إنشاء " البرلمانات" الحديثة. هذا هو ما أراه، وإذا أردت أن أحسن الظن بالشيخ رشيد وأسيئه بنفسي فليس أمامي إلا أن أتبع "جولد تسهير" 3 في رأيه أن رشيد رضا وحزب الأستاذ الإمام كانوا يقررون إجماعاً جديداً 4.
ورد الشيخ رشيد استدلال العلماء بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى..} 5، على
1 تفسير المنار (5/ 205)
2 نفس المصدر (5/ 206)
3 هو أجنانس: مستشرق مجري، صحب الشيخ طاهراً الجزائري وعدداً من علماء الأزهر، له مؤلفات في الدين والأدب باللغات الأوروبية، وترجم بعضها للعربية. انظر: الزركلي: الأعلام (1/84)
4 انظر: جولد تسهير: "مذاهب التفسير الإسلامي"(ص: 352)
5 سورة النساء: الآية (115)