المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: شيوخه: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: شيوخه:

‌المبحث الثالث: شيوخه:

ترك الشيخ رشيد المدارس وتحول إلى التلقي عن المشايخ، وقد تلقى الشيخ رشيد عن عدد منهم هم:

1 ـ الشيخ حسين الجسر: وهو أول شيوخ الشيخ رشيد 1.

واسمه: الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن الحاج مصطفى الجسر، وأصله من مدينة دمياط بمصر، فقد هاجر والد جده إلى الشام حوالي عام 1178هـ. فقطن دمشق مدة قليلة ثم تركها إلى طرابلس الشام. وبدأ الشيخ حسين الجسر في تلقي علومه في طرابلس فقرأ القرآن ولازم بعض المشايخ 2، ومنهم الشيخ محمود نشابة. شيخ الشيخ رشيد، وشيخ والده من قبل 3.

ولما بلغ الثالثة عشرة هاجر إلى مصر وذلك سنة 1279هـ. قاصداً

1 انظر: المنار والأزهر (ص141) ومجلة المنار (7/99) ومحمد الجسر: مقدمة الرسالة الحميدية (ص: ب) ط. إدارة الطباعة المنيرية سنة 1352هـ.

2 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (21/160) ومحمد الجسر: المرجع السابق (ص: د)

3 انظر: مجلة المنار (8/553) و (21/160)

ص: 67

الانتظام في صفوف طلبة الأزهر، وسكن في رواق الشوام 1. وقد بقي هناك خمس سنوات، ولكنه لم يتم دراسته به إذ اضطرته الظروف للعودة إلى بلده سنة 1284= 1867م. 2. وكان الشيخ حسين الجسر أشعرياً فقد ألف كتابه " الحصون الحميدية" وسلك فيه طريقة المتكلمين الأشاعرة 3. وألّف "الرسالة الحميدية" ليوفق بين النصوص الدينية ونظرية النشوء والارتقاء 4.

وكان الشيخ حسين الجسر مقلداً أيضاً 5.

وأخذ الشيخ رشيد عنه العلوم العربية والشرعية والعقلية ما عدا الحديث وفقه الشافعية، وشرح الشيخ حسين الجسر للشيخ رشيد حاشية البيجوري على الجوهرة في العقائد على الطريقة الأشعرية 6.كما قرأ عليه كتباً في المنطق 7. ويبدو أن عدم اكتمال الدرس المنهجي للشيخ حسين الجسر قد كان له أثر عليه فرغم أنه كان يشرح الكتب العالية في الكلام إلا أنه كان يزعجه ما كان يوجه إليه من أسئلة، وقال ذات مرة للشيخ رشيد:"..لا تسألني في الدرس عن شيء فإن كل ما أعرفه أقوله ولا يبقى عندي غيره"8. وبينما كان توجيه الأسئلة المحرجة إلى المشايخ وجوابهم عنها في جامع الأمويين هو الدليل الوحيد على رسوخ هؤلاء العلماء وإجازتهم للتدريس، إلا أن الأمر تغير وأصبح العلماء ينفرون من أسئلة طلابهم 9. وكثيراً ما كان الشيخ رشيد لا يقنع بشرح شيخه فيراجعه فيه 10.

1 محمد الجسر: المرجع السابق (ص: ج)

2 نفس المرجع والصفحة.

3 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (19/69)

4 انظر: محمد الجسر: قصة الإيمان (ص:211ـ 212)

5 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (21/162)

6 انظر: المنار والأزهر (ص:145) ومجلة المنار (9/69)

7 انظر: المنار والأزهر (ص144)

8 المنار والأزهر: (ص145)

9 انظر: أكرم حسن العلبي: دمشق (ص:170و171)

10 انظر: المنار ولأزهر (ص:145) ومجلة المنار (21/ 162)

ص: 68

2ـ الشيخ محمود نشابه: 1.

وعلى العكس من الشيخ حسين الجسر كان الشيخ محمود نشابة الذي أقام بالأزهر زهاء ثلاثين سنة طالباً ومدرساً وأتقن جميع العلوم التي تدرس فيه آنذاك حتى علم الجبر والمقابلة. وحصل الشيخ محمود نشابة على إجازات بثمانية عشر علماً. وتلقى كتب الحديث عن مشايخ الأزهر 2. ثم عاد إلى طرابلس وقضى بقية عمره هناك، فتخرج به كثيرون، وكان شيخ الشافعية والحنفية جميعاً، وقلما أتقن أحد فقه المذهبين مثله، وكان يُشبَّه بالشافعي 3. وقد أدركه الشيخ رشيد في أوائل طلبه للعلم وقرأ عليه الأربعين النووية وأجازه بها قبل الشروع في الطلب، وحضر درسه لشرح البخاري في الجامع الكبير، وقرأ عليه صحيح مسلم وشرح المنهاج بداره، وحضر عليه طائفة من شرح التحرير في فقه الشافعية.

ويقول عنه الشيخ رشيد: " وما عرفت قيمته وتفوقه على جميع من لقيت من علماء الإسلام في علومه إلا بقراءة صحيح مسلم عليه، فإنني كنت أقرأ عليه المتن فيضبط لي الرواية أصح الضبط، من غير مراجعة ولا نظر في شرح، وأسأله عن كل ما يشكل عليَّ من مسائل الرواية والدراية فيجيبني عنه أصح جواب، وكنت أراجع بعض تلك المسائل بعد الدرس في شرح مسلم وغيره، ولا أذكر أنني عثرت له على خطأ في شيء منها"4.

ويبدو أن طول المكث في طلب العلم وتدريسه هو السبب في نبوغ 5 الشيخ نشابة، وكان ينبغي للشيخ رشيد أن يفطن لذلك، لكنه للأسف يرى

1 انظر: محمد منير آغا: نموذج من الأعمال الخيرية (ص:449) ومجلة المنار (21/155)

2 انظر: مجلة المنار (21/ 155) والمنار والأزهر (ص:142)

3 انظر: محمد منير آغا الدمشقي: نموذج من الأعمال الخيرية (ص:449)

4 انظر: مجلة المنار (21/155)

5 كان طول الملازمة للمشايخ يعني الرسوخ في العلم، إذ أن طول صحبة العلماء وملازمتهم والأخذ عنهم يزيد القوة العلمية للطلاب، بينما صار طول المكث في المدارس على النظام الحديث يعني كثرة الرسوب مما يعكس البلادة.

ص: 69

ـ كما يرى شيخه محمد عبده ـ أن طول المكث في المدارس ضار 1. وتوفي الشيخ نشابة سنة 1307هـ. 2.

3 ـ الشيخ عبد الغني الرافعي:

وهو من مشاهير القطر الشامي في عصره 3. وقد حصل العلوم والفنون الدينية واللغوية في طرابلس ودمشق الشام، وكان فيها يومئذ نفر من أكبر علماء الإسلام. وقد امتاز بين فقهاء عصره بالجمع بين النبوغ في علوم الشرع والتصوف والأدب. ولي الإفتاء في طرابلس وهو أعلى منصب لرجال العلم آنذاك، وولي قضاء اليمن 4، واستفاد من إقامته هناك فوائد عظيمة، منها أن مذاكرته ومناظراته لعلماء الزيدية قوى في نفسه ملكة الاستقلال في الفهم، وهناك عثر على كتاب "نيل الأوطار" للشوكاني، ولما عاد إلى طرابلس كان يقرأه درساً للنابغين من طلابه 5. وأدركه الشيخ رشيد وهو في شيخوخته، وحضر عليه بعض دروسه في نيل الأوطار لكنه لم يكن ـ لكونه مبتدئاً ـ يفهم الاصطلاحات الأصولية والحديثية فيه ـ لذلك لم يستفد منه شيئاً يذكر 6.

وإلى الشيخ نشابة والرافعي انتهت رياسة العلم في طرابلس. ويقارن الشيخ رشيد بين هذين الشيخين فيقول: " إن الشيخ نشابة كان أوسع اطلاعاً من الشيخ الرافعي، إلا أن الشيخ نشابة كان مقلداً والرافعي كان مستقلاً في الفهم، وقد وقع بينهما مناظرة حول قوله تعالى:{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا} 7 فقد استخرج الشيخ عبد الغني مائة سؤال من هذه الآية وطرحها

1 انظر المنار والأزهر (ص:196)

2 انظر: محمد منير آغا الدمشقي: نموذج (ص:449)

3 انظر: محمد منير آغا: نموذج (ص:449) ورشيد رضا: مجلة المنار (21/157)

4 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (21/ 157)

5 المصدر السابق (21/ 159)

6 نفس المصدر والصفحة

7 سورة البقرة: من الآية: (32)

ص: 70

على الشيخ نشابة، فكان يقول له: إسأل هيه، إسأل هيه، فما زال السائل حتى فرغ مما عنده ولم يعجز المسؤول، ولا توقف في سؤال من تلك الأسئلة 1.

4 ـ الشيخ محمد القاوقجي (أبو المحاسن) 2:

ويصفه الشيخ رشيد بأنه "العالم المحدث العابد الشهير"3. أخذ عنه الشيخ رشيد كتابه في الأحاديث المسلسلة، ومنها المسلسل بالأولية 4. وكتابه "المعجم الوجيز" في الحديث 5. وكان الشيخ القاوقجي من أهل الطريقة الشاذلية 6. وتأثر به الشيخ رشيد في هذا الاتجاه أول الأمر.

5 ـ الشيخ محمد عبده:

وهو خاتمة شيوخ الشيخ رشيد رضا 7. وهو الذي أطلق عليه لقب "الأستاذ الإمام" وكان " محمد عبده" يقول عن الشيخ رشيد: إنه: " ترجمان أفكاره" 8 ويأمل أن يكون خليفته في الإصلاح 9. وبقي الشيخ رشيد على علاقته بشيخه إلى آخر حياته، ودفن بجواره في مقابر المجاورين.

1 مجلة المنار (1/160)

2 انظر المنار والأزهر: (ص:147) ومحمد منير آغا: نموذج (ص:449)، وانظر: مجلة التقوى اللبنانية: العدد 27 سنة 1413هـ. (ص: 18ـ 19) .

3 انظر: المنار والأزهر (ص: 142) .

4 انظر المنار والأزهر (ص: 142) ومجلة المنار (14/ 428) والوحي المحمدي (ص: 153) وتفسير المنار (7/ 468) .

5 انظر تفسير المنار (7/ 468) بالهامش. والمنار والأزهر (ص: 142) .

6 انظر المنار والأزهر (ص: 147) ومجلة المنار (14/ 428) .

7 انظر: مجلة المنار (1/2) وألف الشيخ رشيد كتاباً في ترجمة شيخه "محمد عبده" ربما يكون أكبر ترجمة لشيخ في التاريخ. إذ بلغ ثلاث مجلدات. انظر: مجلة المنار (8/379) وما بعدها.

8 انظر: محمد رشيد رضا: تاريخ الأستاذ الإمام (1/1025) .

9 المصدر السابق (1/ 1024ـ1026) .

ص: 71

لقد اختلف الناس اختلافاً كثيراً حول الشيخ " محمد عبده" ومذهبه الديني والسياسي. فبينما يعده البعض إمام المصلحين المجددين 1 يعتبره البعض الآخر سبب كل شر أتى من بعده 2.

ومن خلال بحثي هذا ظهر لي أن الشيخ محمد عبده كان متأثراً بالفلاسفة القدماء والمحدثين على السواء، لقد قرأ الإشارات لابن سينا بشرح الطوسي مع الأفغاني 3. وكان يدافع عن مذاهب الفلاسفة في حاشيته على شرح الدواني على العقائد العضدية 4. كما أنه أعلن في الأزهر على الملأ رفضه لدليل الأشعرية والمتكلمين على وجود الله ـ واتُهِم يومئذ بالكفر لإنكاره وجود الله 5. ولما ذهب إلى فرنسا لقي هناك عدداً من الفلاسفة وعاشرهم وناقشهم وأفشى بعضهم عنه أنه كان يقول بقدم العالم 6.

وفي كلامه ما يدل على ذهابه مذهبهم، فإنه يقول كثيراً في آيات القرآن الكريم إنها وردت مورد التمثيل والتخييل 7، ويتأول الرجوع إلى الله تعالى 8، كما هو مذهب الفلاسفة. ولا ريب أن مذهب الفلاسفة جاءه من طريق الأفغاني 9.

1 انظر: أحمد أمين: زعماء الإصلاح (ص 280) .

2 انظر: مصطفى صبري: موقف العقل (1/345)، ومحمد حسين: الإسلام والحضارة الغربية (ص 85) وما بعدها.

3 انظر: مجلة المنار (1/716ـ 721) ، ولمحمد عبده شرح البصائر النصيرية في المنطق وشرحه في الأزهر، انظر: تاريخ الأستاذ الإمام (1/ 778)

4 انظر: سليمان دنيا: مقدمة حاشية محمد عبده على الدوانية: ط الحلبي، مصر (ص:6) وما بعدها، وانظر: مجلة المنار (5/ 361ـ 380)

5 انظر: مجلة المنار (5/ 395)

6 انظر: مجلة المنار (32/ 588)، وانظر: محمد حسين: الإسلام والحضارة الغربية (ص: 79 و96) .

7 انظر مثلاً في التأويل: تفسير المنار (2/ 456، و2/ 470و213) ومجلة المنار (7/ 181) والتفسير أيضاً (1/ 438ـ 439) و (1/ 254ـ 255)

8 انظر تفسير المنار (4/ 198و 3/ 104)

9 انظر: محمد حسين المرجع السابق (ص: 70) وما بعدها

ص: 72

موقف الشيخ محمد عبده من "حدوث العالم":

ومما يوضح اتجاه الشيخ محمد عبده معرفة موقفه من مسألة "حدوث العالم" التي خالف فيها الفلاسفةُ جميع أهل الملل، فنستطيع بوقوفنا على رأيه أن نعرف مع من يقف.

لقد اتهم "محمد عبده" بالقول بقدم العالم، ولكن ردّ رشيد رضا هذه التهمة رداً شديداً 1، وقد ادعى أحد أصدقائه من فلاسفة أوروبا أنه صرح له بهذا الرأي 2، وإنني لا أستبعد ذلك، بل أقول: إن الشيخ "محمد عبده" كان متأثراً بالفلسفة القديمة التي أخذها من الأفغاني، وبالفلسفة الحديثة التي أخذها من حياته في أوروبا، ومن إتقانه للغة الفرنسية لغة الفلاسفة المحدثين 3. ولدي أدلة على ذلك 4:

الأول: أن الشيخ محمد عبده حضر دروس الإشارات لابن سينا وشرحه له شيخه الأفغاني 5. فلا يبعد أن يقع في قلبه مذهب ابن سينا، المتبع لأرسطو في هذه المسألة.

الثاني: دفاعه عن الفلاسفة، وشرحه لمذاهبهم بما يدل علىمعرفته التامة بها، وإيمانه بمبادئها.

فقد ردّ على أحد النصارى رداً طويلاً لأنه تناول ابن رشد بالنقد في مجلته 6.

الثالث: قوله بعدم تكفير الفلاسفة ـ ولو بناء على قولهم بقدم العالم ـ "محتجاً بأنه اجتهاد واقع مواقع القبول عند الله تعالى"7.

1 انظر: مجلة المنار (32/ 588) .

2 المصدر نفسه

3 انظر: مجلة المنار (1/ 846) وانظر: تفسير المنار (7/ 237) .

4 ويجوز أن يكون رجع عن ذلك كما يحاول رشيد رضا أن يقنعنا، كما سيأتي قريباً.

5 انظر: مجلة المنار (1/ 716ـ 721)

6 مجلة المنار: (5/ 361ـ 380) .

7 محمد عبده: حاشية على شرح الدواني (1/ 181) .

ص: 73

فإن قيل: لقد برهن الشيخ محمد عبده في حاشيته على شرح الجلال الدواني للعقائد العضدية ـ على حدوث العالم ـ فيجب أن يكون كافياً لإزالة المخاوف، فأجيب: بأنه ليس كافياً، لأمور:

الأول: أن تقريره لحدوث العالم كان بعد ردّ لكثير من أدلة حدوثه ومناقشته للمتكلمين فيها، فكان تقريره لحدوث العالم ضعيفاً 1.

الثاني: أن طريقة الفلاسفة هي: مخاطبة "الجمهور" بما يوافق معتقداتهم، مع الإشارة إلى حقيقة ما يرونه، بالإشارة أحياناً، وصريح العبارة أحياناً أخرى2.

ولقد هوجم الشيخ محمد عبده كثيراً واتهم بأنه ينكر وجود الله ـ بناء على مهاجمته لطريقة المتكلمين، وما ثم بعد طريقتهم إلا مذهب الفلاسفة. فلا يمكن أن يكون محمد عبده يريد إثبات وجود على الله على مذهب السلف ولا يكفي أيضاً دفاع الشيخ رشيد عنه، لأنه هكذا يفعل دائماً، فلا نركن كل الركون إلى دفاعه.

إلا أن الشيخ رشيد يقول إن الأستاذ الإمام كان يدعو لمذهب السلف 3، ويقول بقولهم في الإيمان 4 وأنه مات عليه 5. ولو كان ما يقوله الشيخ رشيد حقاً ـ وإنا لنرجو ذلك ـ فإن الفضل في ذلك إلى الشيخ رشيد نفسه، الذي انتفع به الأستاذ الإمام في الوقت الذي تضرر منه الشيخ رشيد.

1 انظر: د. سليمان دنيا: محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين ـ مقدمة لحاشية: محمد عبده على العقائد العضدية. ط. الحلبي، مصر (1/21ـ 22) .

2 انظر: المصدر نفسه.

3 مجلة المنار (29/ 290) و31/ 123) وتفسير المنار (1/ 395)

4 انظر: تفسير المنار (2/ 405)

5 انظر: تفسير المنار (3/ 364) غير أن الشيخ رشيد يقرر أن أستاذه على عودته إلى مذهب السلف كان لا يزال متأثراً بمذهب الأشعرية. انظر: تفسير المنار (1/ 395) وانظر أيضاً تاريخ الأستاذ الإمام (1/ 778)

ص: 74