المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

على جميع صفات الأفعال، دون الحياة والقيومية الدالتين على صفات الذات

" 1.

وعن الفرق بينهما يقول: "فما له مبدأ خاص في النفس واستقرار فيها جدير بأن يسمى صفة ذاتية، وما ليس كذلك حقيق بأن يسمى صفة فعل"2.

وأما تقسيم المتكلمين فلا يرضاه الشيخ رشيد لأنه: "اصطلاح ما أنزل الله به من سلطان" 3، ويقول: "إنما نختار طريقة السلف الصالحين فهي باتفاق الخلف أسلم وأحكم، ونقول أيضاً إنها أعلم خلافاً لكثيرين يتوهمون أن هذه الاصطلاحات في علم العقائد تعطي الباحث بصيرة

" 4.

1 المصدر نفسه (1/ 75)

2 مجلة المنار (3/ 441)

3 المصدر نفسه (3/ 398)

4 المصدر نفسه (3/ 399)

ص: 394

‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

عرّف الشيخ رشيد صفات الذات بأنها "ما له مبدأ خاص في النفس واستقرار فيها.." 5، ومثّل للعقلية منها بصفات العلم والقدرة والمشيئة والحكمة والوحدة 6.

وسأتناول من هذا القسم من الصفات الذاتية العقلية ما تكلم عنه الشيخ رشيد وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام.

أولاً: الحياة:

ولا يعزب عن ذكرك أن الجهمية لا يصفون الله تعالى بأنه حي، لأن ذلك ـ زعموا ـ تشبيه له بالأحياء 7.

5 مجلة المنار (3/ 441)

6 المصدر نفسه (1/ 135)

7 انظر: البغدادي: الفرق بين الفرق (ص: 211ـ 212)، والأشعري: المقالات (1/ 338)

ص: 394

وأن المعتزلة يجعلونها صفة غير زائدة عن الذات فهو حي بحياة، وحياته ذاته، أو عالم لذاته، قادر لذاته

1.

وأما الشيخ رشيد رحمه الله فأثبت لله تعالى صفة الحياة صفة ذاتية، وجعلها من أصول الصفات التي يرجع إليها غيرها، ولو بطريق اللزوم، فيقول: "فالحي ذو الحياة، وهي بأعم معانيها: الصفة الوجودية التي هي الأصل في معقولنا لجميع صفات الكمال في الوجود من صفات ذات أو صفات أفعال كالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام

وكمال الحياة يستلزم الاتصاف بهذه الصفات وبغيرها من صفات الكمال

" 2.

ويستدل الشيخ رشيد رحمه الله على صفة الحياة لله تعالى بالكتاب العزيز، فيقول عن قوله تعالى:{ألم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 3 أنها: "تثبت له مع الوحدانية الحياة التي تشعر بكمال الوجود وكمال الإيجاد بإفاضة الحياة على الأحياء

" 4.

ويستدل عليها الشيخ رشيد أيضاً من العقل، من وجهين: "أحدهما: أنه تعالى عليم مريد، قدير: وهذه الصفات لا تعقل إلا للحي، وفيه انه من قياس الغائب على الشاهد كما يقولون، أو من قياس الواجب على الممكن.

وثانيهما أن الحياة كمال وجودي، وكل كمال لا يستلزم نقصاً يستحيل على الواجب فهو واجب له

" 5 ويقول عن صفة الحياة: "فهي كمال وجودي ويمكن أن يتصف به الواجب 6 وكل كمال وجودي يمكن أن يتصف به وجب أن يثبت له

ولو لم يتصف بهذه الصفة لكان في

1 انظر: القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: 182)

2 تفسير المنار (1/ 73)

3 سورة آل عمران، الآية (1ـ2)

4 تفسير المنار (3/ 28 ـ 29)

5 تفسير المنار (3/ 24)

6 الواجب ليس من أسماء الله تعالى، وإنما يطلق عليه تعالى من باب الخبر، فلا يسمى الواجب ولا يدعى به فيقال:"يا واجب". وانظر (ص:320) من هذا المبحث.

ص: 395

الممكنات ما هو أكمل منه وجوداً ـ وقد تقدم أنه أعلى الوجودات وأكملها فيه ـ والواجب هو واهب الوجود وما يتبعه، فكيف لو كان فاقداً للحياة يعطيها؟ فالحياة له كما أنه مصدرها" 1.

ويفرق الشيخ رشيد بين حياة الخالق تعالى وحياة المخلوق، فلا يفهم من القياس السابق، وهو قياس الأولى الذي اعتمد عليه في الدليل العقلي، أن حياة الخالق تشبه حياة المخلوق، فيقول: "حياة الخالق تعالى أعلى وأكمل من حياة جميع خلقه من الجن والإنس والملائكة، وهي لا تشبهها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 2 وإنما نفهم من إطلاقها اللغوي مع التنزيه أنها الصفة الذاتية الأزلية الأبدية التي يلزمها اتصافه بما وصف به نفسه من صفات الكمال بدونها، فهي لا يتوقف تعلقها على غيرها من الصفات ويتوقف تعقل الصفات عليها

" 3.

العلم:

أثبت أهل السنة "العلم" لله تعالى. صفة من صفات ذاته تعالى 4.

وقد أنكرها الجهمية 5 وأثبت المعتزلة الاسم ونفوا الصفة كمذهبهم في سائر الصفات الإلهية، لأن إثباتها يوجب ـ زعموا ـ تعدد القدماء عندهم، فقالوا: إن الله عالم قادر حي بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة 6، وقد تأثر المعتزلة في ذلك بالفلاسفة.

1 تفسير المنار (3/ 25 ـ 26)

2 سورة الشورى؛ الآية (11)

3 المصدر نفسه (1/ 73)

4 انظر: الدارمي: الرد على الجهمية (ص: 58)، وابن خزيمة: التوحيد (ص: 9)، والبيهقي: الأسماء = = والصفات (1/ 195)، وابن منده: التوحيد (2/ 64)

5 ابن خزيمة: التوحيد (ص: 9)، وانظر: البغدادي: الفرق بين الفرق (ص: 211)، والشهرستاني: الملل والنحل (1/ 73)

6 انظر: القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص:162ـ 163)، وانظر: الأشعري: المقالات (1/ 244ـ 247) والشهرستاني: نهاية الإقدام (ص: 90 ـ 91، 100) .

ص: 396

وأثبت الشيخ رشيد صفة العلم لله تعالى كأهل السنة مستنداً في إثباته إلى كتاب الله تعالى.

يقول: "أما الذي قام عليه البرهان من علم الله تعالى فهو أنه بكل شيء عليم، وأن هذا العلم ثابت له أزلاً وأبداً، فهو المحيط بجميع المعلومات قبل وجودها وبعده، وعلمه بها قبل وجودها يسمى علم الغيب، وبعد وجودها يسمى علم الشهادة، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة

" 1.

وعن الأدلة التي يستند إليها في ذلك يقول: "أما البرهان على علمه تعالى فحسبك ما أرشد إليه الكتاب العزيز بقوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} 2 بلى، فإن العقل لا يتصور أن صانع آلة الساعة ومبدعها غير عالم بها، وبكل ما يتوقف عليه اختراعها وعملها من الفنون الأخرى

" 3.

ويقول أيضاً مستشهداً على ثبوت صفة العلم لله تعالى: "

ورد وصفه تعالى بعالم الغيب والشهادة في الأنعام 4، والتوبة 5، والرعد 6، والمؤمنون 7، وألم السجدة 8، والحشر 9، والتغابن 10، ووصف بعالم فقط في سور أخرى 11

" 12.

وعن إطلاق الاسم عليه يقول: "وأما لفظ عليم فهو الذي كثر إطلاقه عليه

1 مجلة المنار (3/ 441)

2 سورة الملك، الآية (14)

3 مجلة المنار (3/ 441)

4 الآية (73)

5 الآية (94)

6 الآية (9)

7 الآية (92)

8 الآية (6)

9 الآية (22)

10 الآية (18)

11 مثلاً: سورة الجن: الآية (26)

12 مجلة المنار (12/780)

ص: 397

تعالى بصيغتي التعريف والتنكير، لأن وزن فعيل يدل على الصفات الثابتة.. قال تعالى:{وَهُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ} 1 وقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 2.

ويقول: "ولم يرد إطلاق لفظ العالم على الله تعالى في القرآن إلا مضافاً إلى المعلوم، كقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} 3، وورد: علام الغيوب 4.. "5.

وبهذا يكون الشيخ رشيد قد وافق السلف في إثبات هذه الصفة لله تعالى مع إطلاق الاسم عليه عزوجل.

صفة القدرة:

والأقوال فيها كالأقوال في سابقتيها، فأثبتها أهل السنة 6، وأنكرها المعتزلة والفلاسفة، إلا أن الجهم أثبتها لأنها عنده لا تقتضي التشبيه بالمخلوق لأنه يقول: إنه لا قدرة له 7.

وأثبت الشيخ رشيد القدرة صفة لله تعالى فقد عرف القدرة بأنها: "الصفة التي يكون بها الفعل والتأثير والتحويل والتغيير"8.

وأما أدلتها فيستدل الشيخ رشيد على إثبات هذه الصفة بالكتاب وبالعقل.

فأما الكتاب فإنه استدل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 9

1 سورة يس: الآية (81)

2 سورة البقرة الآية (29)

3 سورة الرعد، الآية (9)

4 انظر:: سورة المائدة: الآية (109) ، والآية (116)

5 مجلة المنار (3/441)

6 انظر: البيهقي: الأسماء والصفات (1/ 208)، والخطابي: شأن الدعاء (ص: 85 ـ 86)، وابن تيمية: درء التعارض (3/ 21 و123)

7 الشهرستاني: الملل والنحل (1/ 73)

8 مجلة المنار (3/ 465)

9 سورة البقرة، الآية (19)، وانظر: تفسير المنار (1/ 179، 421، 2/ 22) ، ومجلة المنار (3/465)

ص: 398

واستدل أيضاً بالعقل فقال: " ودليلها: ما بيناه أولاً من أن جميع الممكنات صادرة عن الواجب تعالى ثم ما بينّاه أخيراً من أن صدورها عنه إنما هو بتخصيصه المطابق لعلمه، وهل يعقل أن الفاعل بإرادة عن علم لا يكون قادراً؟ كلا

" 1.

ويقول عن القدرة مبيناً لبعض أحكامها: "إن قدرة الله تعالى إنما تجري بما خصصته إرادته واقتضته مشيئته"2.

صفة الإرادة:

وأثبت الإرادة صفة لله فيقول: "ما تقدم من البحث في العلم من حيث كونه صفة يأتي في الإرادة وفي غيرها من الصفات الذاتية

" 3. وتنقسم الإرادة إلى كونية وشرعية، وسيأتي عند الكلام عن القدر أن رشيد رضا فرق بين الكونيات والشرعيات.

ويعرف رشيد رضا الإرادة قائلا: "الإرادة صفة يخصص بها الفاعل في فعله بعض الوجوه الممكنة المتقابلة على بعض

" 4.

ويبين الشيخ رشيد موقف الفرق من هذه الصفة، من المؤولين لها والمشبهين لها بإرادة الإنسان، فيقول:"وقد اشتبه على كثير من الناس فهم الإرادة، فمن الناس من يظن أنها بمعنى المحبة، والرضا، ولذلك قالوا إن ضدها الكراهية. والصواب أن ضدها "عدم الإرادة"

ومنهم: من لا يفرق بين إرادة الله وإرادة الإنسان

" 5.

ويورد الشيخ رشيد دليلاً عقلياً فيقول: "الدليل على إثبات الإرادة للباري تعالى فهو لازم لدليل إثبات العلم

أن الإرادة هي التي رجحت

1 مجلة المنار (3/ 465)

2 تفسير المنار (7/ 476)

3 مجلة المنار (3/ 464)

4 المصدر نفسه والصفحة.

5 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 399

بحسب العلم ما كان على ما لم يكن من الوجوه الممكنة

" 1. كما أن الشيخ رشيد يثبت الإرادة عند تفسيره لآيات القرآن، فيقول عند قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 2: "أي: إن اختصاص الناس بهذه المزايا هو أثر إرادته وتخصيصها فلا مرد له

" 3. وعند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} 4 يقول: "أي: يمنع ما أراد منعه

وإرادته تكون على حسب علمه المحيط وحكمته البالغة

" 5. وإثبات هذه الصفة هو مذهب أهل السنة 6.

السمع والبصر:

تقرر بالأدلة من الكتاب والسنة أن الله سميع بصير، فمن الكتاب قوله تعالى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} 7 وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} 8 وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 9، وأما السنة النبوية فأحاديث، منها: قوله صلى الله عليه وسلم على المنبر: " {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} 10 ووضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه"11. وقصده صلى الله عليه وسلم تحقيق اتصاف الله

1 المصدر نفسه والصفحة.

2 سورةالبقرة، الآية (253)

3 تفسير المنار (3/ 8)

4 سورةالمائدة، الآية (2)

5 تفسير المنار (6/ 124)

6 انظر: البيهقي: الأسماء والصفات (1/ 230)، وابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 46) ط. مكتبة الرشد الرياض، الأولى، 1415هـ.

7 سورة طه، الآية (46)

8 سورة آل عمران، الآية (75)

9 سورة الشورى، الآية (11)

10 سورة النساء، الآية (58)

11 أبو داود: السنن، ك: السنة، باب في الجهمية، ح: 4728 (5/ 96) ت: الدعاس، وقال الحافظ: سنده قوي على شرط مسلم. الفتح (13/ 385)

ص: 400

بهاتين الصفتين. ودل العقل أيضاً على ذلك 1، وبناءً على ورود هذه الصفة في الكتاب والسنة أثبتها السلف على طريقتهم في إثبات ما ورد فيهما 2.

ونفت المعتزلة هاتين الصفتين، وأرجع بعضهم معناها إلى الحياة وبعضهم إلى العلم 3.

وأما الأشعرية فإنهم يجعلون السمع متعلقاً بجميع الموجودات لا المسموعات فقط، وكذلك البصر عندهم يتعلق بجمبع الموجودات لا المبصرات فقط 4. وفي هذا إخراج لهاتين الصفتين عن حقيقتهما إلى حقيقة العلم، وبعضهم يثبتهما متعلقتين بالمسموعات والمبصرات 5.

وتبعاً لمذهب السلف يثبت الشيخ رشيد هاتين الصفتين لله تعالى، مستنداً في ذلك إلى الكتاب والسنة، مع تنزيهه تعالى عن مشابهة سمع المخلوقين وبصرهم.

وينتقد الشيخ رشيد المتكلمين في تحكمهم وتكلفهم في الكلام على هاتين الصفتين، ويرده مبيناً أن الاعتقاد الصحيح هو ما ورد في القرآن في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 6.

1 انظر: ابن خزيمة: التوحيد (ص: 46 ـ 47)، وابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص:103 ـ 119)

2 انظر: ابن خزيمة: التوحيد (ص: 44)، والأشعري: الإبانة (ص: 22) ت: فوقية حسين، والدارمي: الرد على الجهمية (ص: 2)، والرد على المريسي (ص: 41) ، والبيهقي: الأسماء والصفات (1/ 293)، وابن منده: التوحيد (3/ 43)

3 البغدادي: أصول الدين (ص: 96)، والشهرستاني: المل والنحل (1/ 49)، ونهاية الإقدام (ص:341) ، وابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 103)، وانظر أيضاً: الدارمي: الرد على المريسي (ص:41 ـ 43)، والأشعري: المقالات (1/ 255)

4 انظر: السنوسي: أم البراهين (ص: 4)[ضمن مهمات المتون] ، ط. الحلبي، مصر. والبيجوري: تحفة المريد (ص: 88)

5 انظر: البغدادي: أصول الدين (ص: 97)

6 سورة الشورى، الآية (11)

ص: 401

فيقول الشيخ رشيد أولاً مبيناً ما يجب اعتقاده في مسألة السمع والبصر: "الواجب اعتقاده هو الوقوف عند ما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وهو: أن الله تبارك وتعالى سميع لأقوال العباد بصير بأعمالهم، وأحوالهم من غير بحث عن كنه هذا السمع وهذا البصر وكيف يحصلان

ومن غير مقارنة بينهما وبين العلم ولا البحث في النسبة بينهما

" 1.

ثم يقول: "لكن الذين ساروا في تقرير العقائد على طريقة قياس الغائب على الشاهد والقديم على الحادث

أوجبوا على الناس أن يعتقدوا بهذه الفلسفة الدينية والتحكم النظري، وإن كان لم يشهد له كتاب ولا سنة ولا لغة، ولم يقل بها أحد من سلف الأمة

" 2.

ويقول جواباً لمن زعم أن السمع يتعلق بجميع الموجودات: "وذهب بعض من كتب في علم الكلام إلى سمع الباري تبارك وتعالى يتعلق بجميع الموجودات، لا يختص بالكلام أو بالأصوات، وهو رأي تنكره اللغة ولا يعرفه الشرع وليس للرأي أو العقل أن يتحكم في صفات الله تبارك وتعالى بنظرياته وأقيسته

" 3.

وبوضوح يثبت الشيخ رشيد هاتين الصفتين لله تعالى، مع التنزيه اللائق به سبحانه.

فيقول عند قوله عزوجل: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} 4: "أي: كان السمع والعلم ولا يزالان من صفاته الثابتة فلا يفوته تعالى قول من أقوال من يجهر بالسوء، ولا يعزب عن علمه السبب الباعث له عليه

" 5. ويتضح لنا من هذا النقل عن الشيخ رشيد تفرقته بين السمع والعلم مخالفاً بذلك من أرجع السمع للعلم.

1 مجلة المنار (3/ 647)

2 المصدر نفسه (3/ 645)

3 تفسير المنار (4/ 262) ، وقارن مع مجلة المنار (3/ 645)

4 سورة النساء، الآية (58)

5 تفسير المنار (6/ 6)

ص: 402