الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل ما في القرآن من نسبة الاسم لله تعالى وذكر الأسماء له عز وجل، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"اللهم باسمك أموت وأحيا"1. وقوله: "باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء.." 2 وقوله: "إن الله هو السلام" 3 ومع ذلك فقد اختلفت مواقف الناس في أسماء الله تعالى من مثبت ونافي وملحد فيها وفي معانيها، كما وقع خلاف في عددها وتعيينها وفي الاسم الأعظم، وفي معنى إحصائها، وفيما يلي نتعرف على موقف رشيد رضا من هذه المسائل.
1 البخاري: الصحيح: ك: الدعوات: باب: ما يقول إذا قام، ح: 6312 (11/117)
2 الترمذي السنن: أبواب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، ح: 3388 (5/465) وقال: حسن صحيح غريب.
3 البخاري: الصحيح، ك: الأذان: باب التشهد في الآخرة، ح: 831 (الفتح 2/ 363)
المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:
كان الواجب أن لا يقع خلاف حول ثبوت الأسماء الحسنى لله تعالى، وقد تواتر على ثبوتها الكتاب والسنة، ولا معارض لذلك من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ولا صارف لها يصرفها عن ظاهرها، ولكن الأمر جرى على غير سنته، فلقد نفت "الجهمية" 4 الأسماء وما دلت عليه من معان وأحكام.
وأثبت "المعتزلة" 5 الأسماء دون معانيها، فقالوا: عليم بلا علم، سميع بلا سمع.. ألخ 6.
ونفاة الأسماء لا ينكرون إطلاق الأسماء على الله تعالى، إلا أنهم
4 سبق تعريفها، انظر (ص:308)
5 أتباع واصل بن عطاء، نسب إليهم القول بإنكار القدر، ونفي الصفات والقول بخلق القرآن. انظر: الملل والنحل (1/ 38)، والفرق بين الفرق (ص: 20 ـ 21)
6 انظر: ابن ابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 169) ، ط. دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت، وانظر أيضاً: الرازي: شرح الأسماء الحسنى (ص: 29)، والرد على المريسي للدارمي (ص: 7) ، وعبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: 200) وما بعدها، ط. الكليات الأزهرية، القاهرة، 1396هـ.
يقولون إن إطلاقها عليه تعالى مجازي لا حقيقي 1.
وفي مقابل هؤلاء النفاة وقف فريق المثبتين لأسماء الله الحسنى، وما دلت عليه من الصفات العليا، وهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح ومن تبعهم. ومذهبهم في ذلك: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون فيها التوقيف 2.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "..وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظاً ولا معنى بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم برياً من التشبيه، وتنزيههم خلياً من التعطيل.."3.
وكان الشيخ محمد رشيد رضا من فريق المثبتين، أهل السنة والجماعة، فأثبت الأسماء لله تعالى وأثبت ما دلت عليه من معان وأحكام، وبيّن أنواع الإلحاد فيها.
فيقول عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4
"..والمعنى: ولله دون غيره جميع الأسماء الدالة على أحسن المعاني وأكمل الصفات"5.
1 الأشعري: المقالات (1/ 261)، ابن تيمية: درء التعارض (5/ 186)، وابن القيم: ببدائع الفوائد (1/ 164)، وأحمد بن عطية الغامدي: البيهقي (ص: 122) ط. مكتبة العلوم والحكم، الثالثة 1412هـ.
2 انظر مثلاً: الدارمي: الرد على المريسي (ص: 7)، والبيهقي: الأسماء والصفات (1/ 25) ، ط. دار الكتاب العربي، الأولى 1405هـ وابن منده: التوحيد ومعرفة أسماء الله (2/ 14)، والخطابي: شأن الدعاء (ص:111) ، ط. دار المأمون للتراث، دمشق، الأولى 1404هـ. وابن القيم: بدائع = = الفوائد (1/ 170)
3 بدائع الفوائد (1/ 170)
4 سورة الأعراف، الآية (180)
5 تفسير المنار (9/ 431)
ويقول في موضع آخر: "وأسماء الله كثيرة وكلها حسنى بدلالة كل منها على منتهى كمال معناه وتفضيلها على ما يطلق منها على المخلوقين كالرحيم والحكيم والحفيظ والعليم"1.
فمع إثباته للأسماء يرى الشيخ رشيد أن معنى الحسن فيها يرجع إلى أمرين:
أحدهما: دلالتها على المعاني والصفات الكاملة.
الثاني: علوها وفضلها ومفارقتها في الحقيقة لما يطلق منها على المخلوق.
فوافق الشيخ رشيد في ذلك أهل السنة وخالف فريقين:
الأول: من قال إن أسماء الله جامدة لا تدل على معنى، بل هي أعلام محضة كحروف المعجم في دلالتها على مسمياتها دون ملاحظة معنى زائد 2.
الثاني: من نفى الأسماء فراراً من التشبيه، ونفى لذلك أن يسمى الله بهذه الأسماء، ونفى حتى أن يقال إنه شيء، حتى لا يشبهه بالأشياء 3.
فبين الشيخ رشيد أن ما أطلق على المخلوقين من هذه الأسماء لا يقتضي تشبيهاً ولا تمثيلاً، لأن أسماء الله تعالى وصفاته تعلو وتشرف على صفات المخلوقين، وتدل على أكمل المعاني وأصدقها بخلاف صفات المخلوقين. فيقول في ذلك: "فحاصل ما تقدم أن جميع ما أطلق على الله تعالى من الأسماء والصفات هو مما أطلق قبل ذلك على الخلق إذ لو وضع لصفات الله تعالى ألفاظاً خاصة وخوطب بها الناس لما فهموا منها شيئاً..
1 المصدر نفسه (9/ 432)
2 انظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: 8)، وابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 170)
3 انظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: 23)، وابن خزيمة: التوحيد (ص: 27) ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1398هـ ت: خليل هراس، والأشعري: المقالات (1/ 259)