المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

ومهما يكن من شيء فإن السحر مرض من الأمراض، وعارض من العوارض والعلل، يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر، ولا يقدح في نبوته 1، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما 2.

1 انظر: عياض: الشفا (2/ 160)

2 انظر: ابن القيم: زاد المعاد (4/ 124)، وابن حجر: فتح الباري (10/ 237)

ص: 724

‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

ويقارن رشيد رضا بين العصمة التي قررها المسلمون للأنبياء، وبين مذهب أهل الكتاب في عدم عصمة الأنبياء ونسبتهم إلى سائر الشرر والمعاصي. إلا أنه لا يسلم لهم هذه الدعوى، ويستدل بنصوصهم المقدسة على ذلك.

وأريد هنا ـ وقبل أن أعرض لمقارنة الشيخ رشيد هذه ـ أن أذكر ـ وباختصار ـ بعض الآيات القرآنية التي تبين تزكية الله تعالى لأنبيائه في كتابه، وتبين موقف المسلمين من هؤلاء الأنبياء صلى الله تعالى عليهم؛ يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

} 3. ونلاحظ أن الأمر الأخير بالاقتداء بهم ـ صلى الله تعالى عليهم ـ قد جاء بعد ذكرهم والثناء عليهم وذكر صلاحهم، وإحسانهم وهدى الله تعالى لهم. وهذا

3 سورة الأنعام، الآيات (84 ـ 90)

ص: 724

هو ما نقول أنه موجب العصمة. إلا أن أهل الكتاب لا يقولون بهذه العصمة للأنبياء يقول رشيد رضا: "وأهل الكتاب لا يقولون بهذه العصمة، وكتبهم المقدسة ترمي بعض الأنبياء بكبائر الفواحش المنافية لحسن الأسوة، بل المجرئة على الشرور والمفاسد.."1.

ولا يقف الأمر بأهل الكتاب عند مجرد الدعوى النظرية بل ينسبون إلى الأنبياء في كتبهم ارتكاب جميع الموبقات التي يستنكف عامة المسلمين عن مجرد الحديث عنها. وسأقتصر هنا على ذكر أسماء بعض الأنبياء الذين ورد ذكرهم في الآية السابقة، فمثلاً تنسب التوراة إلى يعقوب عليه السلام أنه سرق مواشي من حميه وخرج خلسة دون أن يراه أحد 2. وأما إبراهيم الخليل عليه السلام فقد قدم ـ بحسب رواية التوراة ـ امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها 3. ومن ذلك أيضاً: أن لوطاً عليه السلام شرب خمراً حتى سكر، ثم قام على ابنتيه فزنا بهما الواحدة بعد الأخرى كما تزعم رواية التوراة 4. وأما دواد الذي يقول في صفته القرآن {إِنَّهُ أَوَّابٌ} 5 فيقول العهد القديم: إنه زنا بزوجة رجل من قواد جيشه ثم دبر حيلة لقتل الرجل، فقتل وأخذ داود الزوجة وضمها إلى نسائه فولدت له سليمان 6. وأما سليمان الذي يصفه القرآن بأنه {نِعْمَ الْعَبْدُ} 7، فيقولون: إنه ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام، وبنى لها المعابد بسبب حب النساء الوثنيات اللاتي أملن قلبه 8. ويقولون: إن هارون صنع عجلاً وعبده مع بني إسرائيل 9.

1 الوحي المحمدي (ص: 51)

2 انظر: التوراة: سفر التكوين: إصحاح: 31 عدد17

3 المصدر نفسه الخروج: إصحاح: 12 عدد 114

4 المصدر نفسه تكوين: إصحاح: 19: عدد30

5 سورة ص: الآية (17) والأواب: التواب (الراغب: المفردات، ص: 97، أوب)

6 صموئيل الثاني: إصحاح: 11/ عدد: 1

7 سورة: ص: الآية (30)

8 الملوك: الأول: (11/5)

9 الخروج: (32/ 1) .

ص: 725

واستغل النصارى هذه الروايات الغريبة لصالحهم، ـ وبما أنهم لا بدّ أن يؤمنوا بالتوراة ـ فقد اتخذوا من هذه الروايات سنداً يستندون إليه في تصحيح عقيدتهم في المسيح عليه السلام كما يقول الشيخ رشيد:" والنصارى منهم يحعلون معاصي الأنبياء دليلاً على عقيدتهم، وهي أن المسيح هو المعصوم وحده لأنه رب وإله، ولأنه هو المخلص للناس من العقاب على الخطيئة اللازبة اللازمة لكل ذرية آدم بالوراثة عنه، وأنه لا شفيع ولا مخلص لهم غيره، لأن المخطئ لا يخلص المخطئين وهو منهم، وهذه العقيدة الوثنية مخالفة لدين الأنبياء وكتبهم وللعقل، ومطابقة للأديان الوثنية الهندية وغيرها"1.

ولكن الحقيقة لا تزول أبداً فلا بدّ أن نجد طريقاً لها، يقول الشيخ رشيد: "

إن كتب العهدين القديم والجديد المقدسة عندهم والمحرفة في اعتقادنا لا تشهد لهم برمي جميع أنبيائها بالذنوب فضلاً عن المعاصي التي هي أشد من الذنوب، فإن يوحنا المعمدان: يحيى بن زكريا عليهما السلام لم يوصم بخطيئة قط، بل شهدت له أناجيلهم بما يدل على أنه كان أعظم من المسيح في عصمته، ففي إنجيل لوقا:"إنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس" 2 وفيه: "كانت يد الرب معه" 3، وقال المسيح فيه:"الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" 4، ثم قال فيه:"جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب فيقولون فيه شيطان، وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر محب العشارين والخطاة" 5 بل شهدت الأناجيل أن المسيح عليه السلام أهان أمه وأخواته

1 الوحي المحمدي (ص: 51)

2 انظر: لوقا (1:65)

3 لوقا (1: 66)

4 متى (11: 11)

5 متى (11: 18)

ص: 726

ولم يسمح لهم بلقائه، وقد استأذنوا عليه ليكلموه، وعلل ذلك بأنهم مخالفون لمشيئة أبيه كما تراه في آخر الفصل الثاني عشر من إنجيل متى وآخر الثالث من مرقس بالمعنى

نعم إن إخوته لم يكونوا مؤمنين به كما هو مصرح به في موضع آخر، ولكن هل كانت أمه كذلك؟ وهل يجازيها هذا الجزاء؟

وإهانة الأم ذنب في جميع الشرائع والآداب، كما أن المبالغة في شرب الخمر ذنب حتى في الشرائع التي لم تحرمها مطلقاً، وجاء في هذه الأناجيل أن الشيطان استولى عليه أربعين يوماً يجربه ويدعوه إلى عبادته 1

ونحن نبرئه من كل ذلك. وهنا شهدت الأناجيل أيضاً بأن يوحنا كان يعمد الناس للتوبة ومغفرة الخطايا، وأنه عمد المسيح نفسه، وبأن أباه زكريا وأمه إليصابات " كان كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" 2، وهذه شهادة بالعصمة التامة. وهناك أنبياء آخرون شهدت لهم نبوات العهد القديم بالبر ولم ينسب إلى أحد منهم أدنى خطيئة، وآدم عندما ارتكب الخطيئة لم يكن نبياً مرسلاً إلى أحد، ولا كان معه قوم يسيئون الاقتداء به، وكان قد نسي النهي عن الأكل من الشجرة

" 3.

ويريد الشيخ رشيد من هذا كله إثبات العصمة للأنبياء حتى بدلالة الكتب المقدسة عند أهل الكتاب، وأن عصمة المسيح من الذنوب التي يدعيها النصارى دليلاً على ألوهيته ليست كذلك.

وقد سبق الجواب عن الآيات القرآنية التي تتحدث عن استغفار الأنبياء من الذنوب ومغفرتها لهمن كقوله تعالى لخاتمهم: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} 4 وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 5

1 انظر: لوقا (4:1ـ 13)

2 لوقا (1: 6)

3 الوحي المحمدي (ص: 52 ـ 53)

4 سورة الفتح، الآية (2)

5 سورة محمد، الآية (19)

ص: 727

فالذنب فيه ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ: "جاء على أصل معناه اللغوي المشتق من ذنب الدابة، وهو كل عمل له عاقبة ضارة أو منافية للمصلحة، أو لما هو أولى وأنفع، ويدخل فيه الاجتهاد في الرأي المباح شرعاً كإذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وعاتبه الله عليه بقوله:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} 1، وإنما العصمة للأنبياء من معصية الله بمخالفة وحيه إليهم، إذ لو عصوه لكان أتباعهم مأمورين من الله بالمعصية لأنه أمرهم باتباعهم، وقال في نبينا صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} 2

" 3.

ومهما يكن من شيء فإن الله تعالى يعصم الأنبياء بعد الأخطاء فيبينها لهم فيعرفونها ويتوبون منها ويتوب الله عليهم فيغفرها لهم، فلا خوف من ذلك على الأنبياء ولا أتباعهم.

1 سورة التوبة، الآية (43)

2 سورة الأحزاب، الآية (21)

3 الوحي المحمدي (ص: 53)

ص: 728