المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

التدريجي ـ لأننا سوف نجد له كلاماً في خلال هذه السنوات مخالفاً لذلك ـ لأنه وكما قلت: لا تتغير الأفكار طفرة ولا فجأة وإنما على سنة الترقي والصعود التدريجي، وأرى أن الشيخ رشيد ـ عندما كان يحكي لنا قصة أبي الحسن الأشعري 1 في تحوله لمذهب السلف ـ إنما كان يرى فيها قصته هو نفسه، إذ يقول: ".. وكان أبو الحسن الأشعري من المعتزلة المتأولين ثم رجع عن أشهر قواعد الاعتزال واتبع فيها أهل السنة وظل على ما اعتاد من بعض تأويلات الاعتزال حتى صفا له مذهب أهل السنة من الشوائب، ورجع إلى مذهب السلف كما صرح به في آخر كتابه المسمى بـ الإبانة

" 2.

وأستطيع أن أقول: إن كتاب الشيخ رشيد الذي يصور لنا مذهبه الذي صفا له أخيراً والذي يوازي الإبانة للأشعري، هو: كتاب "السنة والشيعة"3.

1 هو علي بن إسماعيل بن أبي بشر، إمام المتكلمين، ولد 260هـ وتوفي 324هـ ببغداد، كان أولاً على معتقد المعتزلة ثم تحول تدريجياً إلى عقيدة أهل السنة، ويمثل هذا الطور كتابه " الإبانة: انظر: السير (15/ 85ـ 89) وفوقية حسن: مقدمة الإبانة (ص: 28 وما بعدها)

2 انظر: المجلة (29/ 535) .

3 المصدر نفسه (29/ 671) وتابع قصة هذا المؤلف: المجلة (29/ 424 ـ 441) و (29/ 531 ـ 538 و 595، 30/ 47ـ 61) وقد طبع الشيخ رشيد هذه الرسائل في شكل كتاب مفرد. باسم:" السنة والشيعة"

ص: 181

‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

ومنذ ذلك الحين أصبح رشيد رضا عدواً للمتكلمين يخالفهم في كل طريق، ويحمل عليهم وعلى منهجهم وعلى كتبهم في كل مناسبة، ولا اختاروا سبيلاً إلا سلك غيره.

فقد نقل عن أئمة السلف ذمهم لعلم الكلام والنهي عن الخوض فيه 4. كما أن الشيخ رشيد أضحى يرى:" أن علم الكلام ليس من علوم

4 انظر: مجلة المنار (3/ 813ـ 815) وتفسير المنار (8/ 53)

ص: 181

الدين الأصلية وإنما هو ضرورة الجأ إليها العلماء الرد على المبتدعة والفلاسفة فيما خالفوا فيه النصوص القطعية، فهو كحرس الحجيج الذي يحرسهم من قطاع الطريق ما وجد المعتدون على الحجيج، فإذالم يوجد من يعتدي عليهم يستغنى عن الحرس لأنه ليسن من أركان الحج ولا من واجباته ولا من سننه 1. إن علم الكلام إذاً ليس له من الدين نسب، ولا يتعلق منه بسبب، لذلك يعد الشيخ رشيد مذهب المتكلمين بدعة في الدين 2، ومن سوء أثر طريقة المتكلمين أن العامة تأثروا بها فـ"صار كل عاميّ يجادل في الله بغير علم ولا كتاب منير، ويخوض في القدر ويذهب مذهب الجبر، ويكون هذا أكثر جدلاً كلما كان أقرب من الشيوخ في العلم والطريقة، فلا هو مجتهد يفهم، ولا مقلد يسلم" 3.

لقد سلك المتكلمون مناهج مختلفة في محاولتهم إثبات قضايا الدين فيحتجون مثلاً على وجود الله تعالى بالعقل وحده 4، على طريقة نظرية جدلية، ولذا فإن الشيخ رشيد يرفضها، ويقول: " المسلم لا يحتاج إلى الاستدلال على وجود الله تعالى بالطريقة الكلامية، وإن الدلائل التي تبنى على فرض خلاف المطلوب قد يكون إثمها أكبر من نفعها لأنها تثير الشبهات، وتوقع كثيراً من السامعين في الشك، وإنما الطريقة المثلى في ذلك طريقة القرآن الحكيم.. 5.

وأما في اليوم الآخر فيذهب المتكلمون إلى إثباته بطريق السمع فقط 6، وهذا أيضاً يرفضه الشيخ رشيد، فيقول:"كان الذين ألفوا كتب

1 انظر: مجلة المنار (29/ 538) وهذا تشبيه غير مسلّم، فإن علم الكلام على طريقة اليونان أفسد العقيدة، ولم يحرسها

2 انظر: الوحي المحمدي (ص: 46ـ 47)

3 انظر: مجلة المنار (4/ 289 في الحاشية)

4 انظر: مثلاً الباقلاني: التمهيد (ص: 439)

5 مجلة المنار (11/ 942)

6 انظر: البغدادي: أصول الدين (ص: 246) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة سنة 1401هـ

ص: 182

الكلام على طريقة فلسفة اليونان النظرية يرون أن الدليل على البعث لا يكون إلا سمعياً، إذ لا يمكن عندهم أن يستدل عليه بالعقل بأدلة علمية، ولم يفهم هؤلاء قوله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 1 وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 2. وغيرها من الآيات" 3.

وأما الطريقة الصحيحة عند الشيخ رشيد لتلقي العقائد وعرضها على الناس فهي طريقة القرآن لأن "مسائل العقائد في الإلهيات قد فصلت أبلغ تفصيل بأساليب القرآن العالية الجامعة بين الإقناع والتأثير، كبيان صفات الله في سياق بيان أفعاله وسننه في الخلق والتكوين، والتصيير والتدبير، وآياته في الأنفس والآفاق.. وتأثير العقائد في الأعمال وما يترتب عليها في الدارين من الجزاء

4 ". وهذه العقائد: " إنما يجب تعلمها على طريقة القرآن، لا على طريقة المتكلمين وفلاسفة اليونان..5".

ولكن المتكلمون لم يسيروا على طريقة القرآن فقد" أضلت الفلسفة اليونانية علماء الكلام عن هذه الأساليب العليا فلم يهتدوا بها، ولا اقتدوا بشيء منها، بل طفقوا يلقنون النشء الإسلامي صفات الله مسرودة سرداً معدودة عداً، معرفة بحدود ناقصة، أو رسوم دارسة، مقرونة بأدلة نظرية، وتشكيكات جدلية، لا تثمر إيمان الإذعان، ولا خشية الديان، ولا حب الرحمن، بل تثير رواكد الشبهات، وتتعارض في إثباتها دلائل النظريات

6".

والسبب في إعراض المتكلمين هذا عن طريقة القرآن: " افتتانهم

1 سورة الأعراف: الآية (29)

2 سورة الأنبياء: الآية (14/ 104)

3 مجلة المنار (14/ 155)

4 تفسير المنار (8/ 271) وانظر: أيضاً: المجلة (3/ 399)

5 تفسير المنار (7/ 287)

6 المصدر السابق (8/ 271 ـ 271)

ص: 183

بالطريقة النظرية التي أخذوها عن كتب اليونان.. 1" ولقد فشلت تلك النظريات الفلسفية على مرّ العصور، والدليل على ذلك أن أحداً من الناس لم يهتد بها بينما: "اهتدى بحجج القرآن الألوف وألوف الألوف

"2.

ويقارن الشيخ رشيد بين أثر الفلسفة في النفس وبين أثر الدين، ويأخذ "الفضيلة" ميداناً لهذه المقارنة، فبينما يعمل المؤمن بالدين ابتغاء مرضاة الله تعالى وثوابه، و"صاحب تلك النظرية الفلسفية قلما يعمل بها، وإن عمل بها أحياناً فقلما يكون مخلصاً في عمله، وإذا تعارض هواه مع شهوته مع خير غيره ومنفعته، فإنه يؤثر نفسه ولو بالباطل، على غيره من أصحاب الحق، فإذا كان مما وصف الله تعالى به المؤمنين أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة 3، فهؤلاء الفلاسفة ومقلدتهم يؤثرون أنفسهم على غيرهم، ولو عن ظهر غنى، ثم إنهم يميلون في تأويل الخير والنفع مع الهوى.. 4.

والسرقة والخيانة والفاحشة وجميع الرذائل حتى القتل، يمكن أن تعد من الفضائل عند الفلاسفة المتأخرين، يقول الشيخ رشيد واصفاً هذا المذهب الجديد:"فهذا المذهب الجديد في الفلسفة العملية هو شر مذهب أخرج للناس، فإن الرذائل فيه قد تسمى عقائل الفضائل، والمفاسد تعدّ فيه من أنفع المصالح، والحاكم في ذلك الهوى.."5.

ويتخذ نفس الموقف من كتب الكلام لأنها "لم توضع لأجل تلقين المسلمين ما يجب عليهم اعتقاده، وإنما وضعت لرد شبهات الفلاسفة والمبتدعة..6". وبسب هذه الكتب التي راجت في المسلمين انتشرت

1 المصدر نفسه (1/ 481)

2 المصدر نفسه والصفحة.

3 انظر: سورة المجادلة: الآية (9)

4 انظر: تفسير المنار (5/ 408)

5 المصدر السابق (5/ 409)

6 مجلة المنار (11/ 942)

ص: 184

تأويلات المتكلمين "المخالفة للسلف فلا يسلم منها أحد اعتمد في طلبه لعلوم الدين على كتب العقائد الرائجة في مصر وأكثر الأمصار.."1.

ويرفض الشيخ رشيد لغة المتكلمين ولسان الفلاسفة فإنهم يأتون إلى المعاني الواضحة البسيطة ويركبونها فتتعقد وتنغلق، كالموت وغيره فإن معناها ظاهر معروف "ولكنهم أوردوا عليها إشكالات بحسب علوم الفلسفة التي تغلغلت اصطلاحاتها في كتب المسلمين"2. وللمتكلمين لغة خاصة لا يشاركهم فيها أحد لا من المحدِّثين ولا من الفقهاء، ولا من اللغويين، فإنهم قد يفسرون الشيء بما يباينه تمام المباينة، ومن ذلك كلمة "الأفول" التي وردت في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} 3، قال الشيخ رشيد:"وقد فسر بعض النظار وعلماء الكلام الأفول بالانتقال من مكان إلى مكان، وجعلوا هذا هو المنافي للربوبية لدلالته على الحدوث والإمكان، وهو تفسير للشيء بما قد يباينه، فإن المحفوظ عند العرب أنها استعملت "الأفول" في غروب القمرين والنجوم.." 4. ويقول في موضع آخر: "فإن جعل السؤال بـ "ما" خاصاً بالسؤال عن الماهية والحقيقة من اصطلاح علماء المنطق لا من أساليب العربية.. وليس أسلوب القرآن جارياً على مذهب أرسطو في منطقه وإنما هو بلسان عربي مبين..5".

وفيما يتعلق بالمنطق 6 يقول الشيخ رشيد:"إننا نجزم بأن ما ذكروه في تعريف المنطق لا يصح باطراد، وإن حكماء اليونان وغيرهم ممن كانوا يحاولون إثبات العلوم العقلية بأنواعها حتى الإلهيات بتطبيقها على قواعد

1 المصدر السابق (33/ 680)

2 تفسير المنار (4/ 270)

3 سورة الأنعام: الآية (76)

4 تفسير المنار (7/ 559)

5 المصدر السابق (2/ 308)

6 المنطق كما يعرفه أهله: "علم يعصم الذهن عن الخطأ في التفكير" انظر: الجرجاني: التعريفات (ص: 208) ط. الحلبي وأولاده بمصر. وانظر: ابن سينا: الإشارات (1/ 117) ت. سلمان دنيا. ط. دار المعارف بمصر، الثالثة

ص: 185

المنطق لم يستطيعوا مراعاة أحكامه لا في التصورات 1 ولا في التصديقات 2

" 3.

والحق ما قال الشيخ رشيد: إن المنطق لم يعصم واضعيه عن الخطأ في التفكير، وكل الذين استخدموه أخطأوا ولم يعصم المنطق أحداً من الخطأ أبداً. لقد فشل المنطق كما فشلت الفلسفة وأصبح المنطق مجرد مراس ومران عقلي على أشكال عدة وضروب منتجة أو غير منتجة، ولا نتيجة له 4.

1 التصورات: هي إدراك الماهية من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات. أنظر: الجرجاني: التعريفات (ص: 52) ط. الحلبي بمصر، ود. جميل صليبا: المعجم الفلسفي (1/ 277) ط. دار الكتاب العربي اللبناني، الأولى 1971م.

2 التصديقات: التصديق تصور معه حكم، وهو: إسناد أمر لأمر، والتصور يكتسب بالحد مثل تصورنا لماهية العالم والتصديق هو إدراك الماهية مع الحكم عليها بالنفي أو الإثبات مثل تصديقك بأن العالم حادث. مؤلف من تصور العالم وتصور الحدوث ومن إدراك وقوع النسبة بينهما. انظر: جميل صليبا: المصدر السابق (1/277) .

3 مجلة المنار (23/ 321) .

4 انظر: د. عبد الحليم محمود: الإسلام والعقل (ص: 58) وما بعدها.

ص: 186