الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك المسمى بالروح القدس، وكما يقول الشيخ رشيد:"فهو ما يلقيه ملك الوحي المرسل من الله إلى رسول الله، فيراه متمثلاً بصورة رجل، أو غير متمثل ويسمعه منه أو يعيه بقلبه"1.
1 الوحي المحمدي (ص: 45)
المطلب الثاني: الوحي النفسي:
يتبين لنا من أنواع الوحي السابقة أنها كلها تأتي من خارج نفس الإنسان، في كل نوع منها، أي أنه لم يسر إليها بل هي التي سارت إليه، وأنه لم يصعد إليها بل هي نزلت عليه، وأن الناس لم يعرفوا ربهم بنور العقل بل بنور الوحي.
ولكنّ فريقاً من الماديين، وقد أعيتهم حجج النبوة، وبراهين صدق الأنبياء، فلم يكن لهم بد من التسليم بوقوع الوحي، إلا أنهم قالوا إنه وحي من داخل الإنسان، بتأثير عوامل نفسية من نوع الملاحظات والتأملات الفردية، أو من جنس التأثيرات والضرورات الاجتماعية، اللاشعورية. وسموا هذا النوع من الوحي: الوحي النفسي 2.
ويلخص لنا الشيخ محمد رشيد رأي هؤلاء الماديين فيقول مصوراً شبهتهم: "إن الوحي إلهام كان يفيض من نفس الموحى إليه لا من الخارج، وذلك أن منازع نفسه العالية وسريرته الطاهرة، وقوة إيمانه بالله وبوجوب عبادته، وترك ما سواها من عبادة وثنية وتقاليد وراثية رديئة، يكون لها في جملتها من التأثير ما ينجلي في ذهنه، ويحدث في عقله الباطن الرؤى والأحلام الروحية فيتصور ما يعتقد وجوبه إرشاداً إلهياً نازلاً عليه من السماء بدون واسطة
…
" 3.
وأول ما أجاب به الشيخ رشيد على هذه الشبهة إيراده لحديث بدء
2 انظر: الوحي المحمدي (ص:87)، ودراز: الدين (ص: 172 ـ 173)
3 الوحي المحمدي (ص: 87 ـ 88)
الوحي في صحيح البخاري 1 ففيه صفة الوحي وكيف كان بدؤه ثم فتوره، وأثر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدفع شبهة التخيل والرؤى والوهمية 2. ثم عقب ذلك بما يراه الشيخ:"أقوى دليلاً، وأقوم قيلاً، وهو موضوع الوحي الذي هو آية نبوته الخالدة، وحجته الناهضة، ومصدر جميع تلك الأنوار الفائقة، وهو آية الله الكبرى ـ القرآن العظيم" 3، ووجه الشيخ رشيد الكلام هنا إلى هداية القرآن بأسلوبه وتأثيره وعلومه المصلحة للبشر، وهو القدر الذي يعلم منه أن هذه العلوم أهدى من كل ما حفظه التاريخ عن جميع الأنبياء والحكماء، وواضعي الشرائع والقوانين، فإعجازه من هذه الناحية أقوى البراهين على كونه وحياً من الله تعالى تقوم به الحجة على جميع البشر. "ومن كان لا يؤمن بوجود هذا الرب الحكيم فهذا القرآن حجة ناهضة على وجوده الحق، بكونه ليس من المعهود في الخلق، وبما اشتمل عليه من الآيات البينات في الأنفس والآفاق"4.
وأما ما وصفوا به الأنبياء، لا سيما نبينا ـ عليهم الصلاة والسلام، من صفاء النفس وحب الخير فهو حق، ولكنه استعداد فطري لا كسبي، فهو عبارة عن جعل الله تعالى روحه الكريمة كمرآة صقيلة حيل بينها وبين كل ما في العالم من التقاليد الدينية والأعمال الوراثية والعادات المنكرة
…
" 5.
وهذا هو حقيقة الاستعداد الفطري لتلقي الوحي، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 6 وأما الحوادث التي احتج بها هؤلاء الماديين وزعموا أن الوحي النفسي لنبينا صلى الله عليه وسلم من جنسها، كقصة جان دارك 7، فيرد عليها الشيخ
1 انظر: البخاري: ك: بدء الوحي، باب: 3، ح: 3 (1/ 30) مع الفتح.
2 الوحي المحمدي (ص: 111) وما بعدها.
3 الوحي المحمدي (ص: 136)
4 المصدر نفسه (ص:139)
5 المصدر نفسه (ص: 133)
6 سورة الأنعام، الآية (124)
7 هي فتاة فرنسية ريفية، كثيرة التخيل، كانت تحلم بتحرير فرنسا من أعدائها ثم خيل لها أنها دعيت لتخلص بلادها، وتوسلت إلى الحكام فعينوها قائداً للجيش وحاربت معهم فانتصرت ومعها عشرة آلاف جندي، ثم زال ما بها من الخيال فهوجمت من السنة التالية فهزمت وانكسرت. انظر: المعلم بطرس البستاني: دائرة المعارف (6/360 ـ 362) مطبعة المعارف، بيروت، 1882، ومحمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (3/ 13 ـ 20) ط. الثالثة، 1971، دار المعرفة، بيروت.