المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلا: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلا:

غيره؟ 1، والمقصود أن العلم بالأشراط ليس علماً بوقت الساعة، لأن الإخبار بها ـ أعني الأشراط ـ جاءت دون تحديد لوقت الظهور وأشخاص محددين، بل جاءت بصفات تحتمل وقد تقوى مع القرائن. فما خاف منه الشيخ رشيد لا يخيف.

فهذا جواب سريع مختصر على ما أورده الشيخ رشيد على أشراط الساعة الصغرى والكبرى، إجمالاً، ثم أنتقل بعد ذلك لعرض رأيه في مسائل منها معينة، تناولها بمزيد البحث، وهي المهدي والدجال وطلوع الشمس من مغربها، ولنرى شبهات الشيخ رشيد، وأهم من ذلك معرفة من أين جاءه هذا المذهب.

1 انظر: أبا عمرو الداني: مرجع سابق (6/ 1073) وما بعدها مع تعليق المحقق.

ص: 840

‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

أولاً: الدجال:

لقد أورد الشيخ رشيد على روايات الدجال إشكالات في المتن والسند، مجموعها خمسة، وخص حديث الجساسة بمزيد بحث في تسع نقاط 2.

أما أحاديث الدجال فقال إنها مشكلة من وجوه:

أولها ما استشكله آنفاً من كونها تنافي الحكمة في إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة، وقد تقدم الرد على هذه الشبهة قبل قليل 3، وأزيد هنا أن هذه الحكمة المشار إليها ليست بنص الشرع، بل هي مما استنبطه أهل العلم واجتهدوا فيه 4، وهي لا تنافي حكماً أخرى لم يصلوا

2 تفسير المنار (9/ 490 ـ 491) وسيأتي ذكر حديث الجساسة.

3 انظر (ص:772)

4 من هؤلاء القرطبي: التذكرة (ص: 732)، والحليمي: المنهاج (1/ 343)، وابن حجر: فتح الباري (11/ 350)

ص: 840

إليها، قال تعالى:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 1، فلا يصلح أن تعارض هذه الحكمة المستنبطة بالاجتهاد نصوص الكتاب والسنة.

وأما الإشكال الثاني عند الشيخ رشيد فهو ـ كما يقول ـ: "ما ذكر فيها من الخوارق التي تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من المرسلين، أو تفوقها، وتعد شبهة عليها

" 2.

وللجواب على هذه الشبهة أقول:

أولاً: قد سبق الكلام على معجزة الأنبياء، وبينت هناك أن المعجزة ليست وحدها السبيل لتصديق الرسل، بل يكون معها من القرائن ما يبين صدقهم، وبهذا فرقنا بين ما يكون مع الأنبياء من الخوارق وما يكون مع الأشقياء منها 3. ولا ريب أن الدجال من صنف هؤلاء الأشقياء، فلا يلتبس أمره على المؤمنين، لا سيما وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علامته، وأنه مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب 4، وأنه يدعي الألوهية، مع أنه أعور والله تعالى متصف بصفات الكمال والجمال والجلال، فليس بأعور 5.

وثانياً: أن الدجال لم يدع النبوة فيلتبس أمره وإنما ادعى الألوهية، وهو منافٍ لبشريته وصفاته التي وصفه بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتبس أمره والحمد لله 6.

وأما الإشكال الثالث عند الشيخ رشيد في أحاديث الدجال، فهو أن ما

1 سورة الأنعام، الآية (149)

2 تفسير المنار (9/ 490)

3 انظر (ص:692) من هذا البحث.

4 انظر: أحمد: المسند (6/ 456 و 455و 459) ومسلم: الصحيح: ك: الفتن، ح: 103 (2933)[4/2248]

5 انظر: مسلم: الصحيح: ك: الفتن، باب ذكر الدجال، ح: 100 (169)(4/ 2247)

6 انظر: مسلم: الصحيح: ك: الفتن، ح: 113 (2938)(4/2256ـ 2257)

ص: 841

عزي إليه من الخوارق مخالف لسنن الله تعالى في خلقه، وقد ثبت بنص القرآن أنه لا تبديل لسننه تعالى ولا تحويل 1، وقد سبق أن أثار الشيخ رشيد هذه المسألة عند الكلام على كرامات الأولياء، واستشهد بالآيات التي تصرح بهذا المعنى ـ ولا أدري من هو أول من دس هذا البلاء تحت معنى هذه الآيات، إن هذه الآيات لا تتحدث عن السنن الطبيعية والقوانين الكونية، وعدم حدوث التغيير والتبديل فيها، قال ابن تيمية في معنى الآيات:" والمقصود أن الله أخبر أن سننه لن تتبدل ولن تتحول، وسنته عادته التي يسوي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة"2.

ولو كان معنى الآية هو ما فهمه الشيخ رشيد لكان يرد مثل الذي استشكله على معجزات الأنبياء ـ صلى الله تعالى عليهم ـ، ومهما كان جوابه كان جوابنا لأنه لا يستطيع أن يفرق بينها في أصل التبديل والتحويل. فالمقصود من الآية بيان سنة الله تعالى في نصر الأنبياء ومن تبعهم، وخذلان أعدائهم ومن والاهم 3، وهذا المعنى الذي فهمه الشيخ رشيد مناقض لأكثر آيات القرآن التي تصف وقائع الأنبياء وغيرها من عجائب قدرة الله تعالى. وهناك جواب آخر على سبيل التنزل مع الشيخ على ما فهمه أن المعنى: من سنة الله تعالى أن يخلق أشياءً بأسباب لحكمة، وأشياء بلا أسباب لحكمة أخرى، ولن تجد لسنة الله تبديلاً 4.

وأيضاً فإن وقت ظهور الدجال هو من مقدمات اليوم الآخر، وفيه تكثر الخوارق، وكان ينبغي للشيخ رشيد أن يطبق قاعدته الصحيحة في أمور الغيب والآخرة، وهي الإيمان بما ورد منها مع تفويض الكيفية 5.

1 تفسير المنار (9/ 490)

2 مجموع الفتاوى (13/ 23)

3 انظر: الشوكاني: فتح القدير (4/356) ط. البابي الحلبي، بمصر الثانية، 1383هـ

4 مجلة المنار (11/ 912) من رد لأحد العلماء على الشيخ رشيد.

5 لقد كرر الشيخ هذه القاعدة وقد سبق ذلك مراراً. انظر: مجلة المنار (10/ 289)

ص: 842

الدعوى الأخيرة التي ادعاها الشيخ رشيد هي التعارض بين روايات الدجال، تعارضا يوجب تساقطهما 1، وقد ضرب أمثلة لهذا التعارض.

منها؛ أعني في حديث الدجال: التردد في زمن ظهوره، فبينما تشير بعض الروايات إلى أنه يخرج بعد الملحمة وفتح القسطنطينية 2، تجوز بعض الروايات خروجه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كأحاديث ابن صياد 3. ويرى الشيخ رشيد تعارضاً بين الروايات فيما يتعلق بشخص الدجال، وهل هو ابن صياد أو غيره 4. وأيضاً التردد في مكانه: هل هو في بحر الشام ـ أي المتوسط ـ أو بحر اليمن ـ وهو في الجنوب ـ أو جهة المشرق؟ 5، وأيضاً؛ وفيما يتعلق بالفتن التي مع الدجال، هل هي حقيقية أو وهمية، فإنه يظهر من بعض الروايات أنها فتن حقيقية، ومع ذلك فقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم:"هو أهون على الله من ذلك"6. هذه أهم أوجه التعارض عند الشيخ رشيد والتي جعلته يشك في صدور أحاديث الدجال عن النبي صلى الله عليه وسلم مع رواية البخاري لها ـ والذي يشيد الشيخ رشيد دائماً بروايته ويشك فيما لا يخرجه منها ـ إلا أنه هنا لا يجعل لما يرويه منها كرامة.

وأما سبب هذا التعارض عند الشيخ رشيد، هو أكبر من رد أحاديث الدجال، فهو:

1 تفسير المنار (9/ 490)

2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن، باب: 18، ح: 2920 (4/ 2238) عبد الباقي.

3 ابن صياد: اسمه صاف، من يهود المدينة، أسلم وتسمى بـ:"عبد الله". انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 94 (2929)(4/2243ـ 2244)

4 انظر: البخاري: الصحيح، ك: الاعتقاد، باب: من رأى النكير من النبي حجة، ح: 7355 (13/ 335) مع الفتح، ومسلم: ك: الفتن، باب ذكر ابن صياد، ح: 95 (2930)، وانظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 337) وما بعدها، وابن كثير: النهاية (1/60)

5 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن، باب: قصة الجساسة، ح: 119 (2942)(4/ 2261)

6 انظر: البخاري الصحيح، ك: الفتن، باب: ذكر الدجال، ح: 7122 (13/ 96) مع الفتح.

ص: 843

أولاً: أن أحاديث الأشراط ـ كأكثر الأحاديث ـ قد رويت بالمعنى، قال:"واتفق عليه العلماء" 1، ويدلل عليه باختلاف رواة الصحاح في ألفاظ الحديث الواحد حتى المختصر منها، وكذلك بوجود الإدراج 2، وقد كرر الشيخ رشيد هذه الشبهة، وهي شبهة ترد على السنة جميعها، فتكون هي ـ ومسألة الكتابة ـ ساقين قامت عليهما دعوى رد السنة ودفع الثقة بها، وهو يأتي على كل أبواب الشريعة التي احتج فيها بالسنة لأنه يقال فيها ما يقال في غيرها، لذا يجب دفع هاتين الشبهتين دفعاً، وإقامة البراهين على بطلانهما، لتسلم السنة، وهو ما أرجو أن أكون أديته في الباب الأول 3.

ثانياً: أرجع الشيخ رشيد الاختلاف والاضطراب في أحاديث الدجال إلى أن الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم صادق وغير صادق دون تمييز، ثم إنهم لم يكونوا يفرقون في أداء ما سمعوه، بين ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وما سمعوه من غيره 4، قال: "

وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتى عن كعب الأحبار وأمثاله، والقاعدة عند أهل السنة أن جميع الصحابة عدول فلا يخل جهل اسم رواٍ منهم بصحة السند، وهي قاعدة أغلبية لا مطردة، فقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منافقون

" 5. ثم خرج من كل ذلك بتقعيد قاعدة عامة في طرح الأحاديث، فقال: "كل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية، أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق، أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية، فهو مظنة لما ذكرنا في هذه الشبهات، فمن صدق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق ومن ارتاب في كل شيء منها أو أورد عليه بعض المرتابين أو

1 تفسير المنار (9/ 506)

2 الإدراج: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، وقد يقع في السند. انظر: ابن الصلاح: المقدمة (ص: 125)، وابن كثير: الباعث الحثيث (ص: 73)

3 انظر (ص:127) من هذا البحث.

4 تفسير المنار (9/ 506)

5 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 844

المشككين إشكالاً في متونها، فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى

" 1. وأقول: لقد انتفع بهذه النصائح كل من جاء بعد الشيخ رشيد وأراد الطعن في السنة، فإنه قلد الشيخ رشيد في دعاويه ـ مع التوسع ـ وردد نفس الشبهات والطعون، ومن ذلك ما فعل أبو رية 2.

وأكتفي هنا ببيان ما استشكله الشيخ رشيد في مسألة الدجال، تاركاً ما بقي من المسائل التي بحثت عند الحديث عن السنة وموقفه منها.

إن أحاديث الدجال ليست مشكلة وليست متعارضة لتتساقط، وإنما هو احتجاج أهل الأهواء الذين قصر علمهم عن الاتساع، وعييت أذهانهم عن وجوهها فلم يجدوا شيئاً أهون عليهم من أن يقولوا: متناقضة فأبطلوها كلها 3.

والدليل على ذلك: أن كل الذي استشكله الشيخ رشيد غير مشكل وكل ما زعم تعارضه غير متعارض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أوحي إليه بصفات الدجال العامة، ولم يوح إليه شيء في شخصه وعينه، وكذلك زمنه ومكانه، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بكونه الدجال، وكان أيضاً لا يعلم زمن خروجه، ثم تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال ليس هو ابن صياد، وأنه يخرج زمن كذا وكذا، ومكانه كذا، فتبين له صلى الله عليه وسلم بعد التردد ما لم يكن يعلم، كما قال تعالى:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} 4، وأما ابن صياد فليس هو الدجال الأكبر، وإنما هو دجال من الدجاجلة من أصحاب الأحوال الشيطانية وإلى ذلك ذهب جمع من العلماء 5.

1 تفسير المنار (9/ 507)

2 انظر: أبو رية: أضواء (ص: 181 ـ 182، و368) وأيضاً: (ص: 238 وص: 241 ـ 243)، وانظر:(ص:119) من هذا البحث.

3 انظر: أبو عبيد القاسم بن سلام: الإيمان (ص: 40)

4 سورة النساء، الآية (113)

5 انظر: ابن كثير: النهاية (ص: 1/65)، وابن حجر: فتح الباري (13/ 338)، وابن تيمية: الفرقان (ص: 69) ط. مكتبة المعارف، الرياض.

ص: 845

والذي يدل على صحة هذا الرأي حديث الجساسة الشهير، فعن فاطمة بنت قيس 1 ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت ـ وذكرت قصة تأيمها من زوجها ـ:"فلما انقضت عدتي، سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان، ثم قال: أتدرون لماذا جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجّال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب 2 السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة، أهلب كثيرة الشعر، لا يدرون ما قُبُله من دُبُرِه من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقال: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير 3 فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خَلْقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم 4، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قُبُله من

1 هي: إحدى المهاجرات ـ رضي الله تعالى عنها ـ وأخت الضحاك بن قيس، زوجها النبي (من زيد، وتوفيت في خلافة معاوية. السير (21/ 319)

2 أقرب: بضم الراء: سفن صغار تكون مع السفن الكبار، واحدها قارب، والجمع: قوارب وأقرب. النهاية (4/ 35)، والنووي: شرح مسلم (18/ 81)

3 الدير: بيت يتعبد فيه الرهبان. الحموي: معجم البلدان (2/ 495)

4 اغتلم: هاج واضطرمت أمواجه. النهاية (3/ 382)

ص: 846

دُبُره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. قال: أخبروني عن نخل بيسان 1؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها: هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال أخبروني: عن بحرية طبريّة 2؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر 3؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب 4 منها ملائكة يحرسونها" قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته 5 في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ ألا هل كنت

1 بيسان: بفتح فسكون: مدينة بالأردن، بين حوران وفلسطين، توصف بكثرة النخل. الحموي: معجم البلدان (1/ 625) ، وقد رآها ياقوت وليس بها إلا نخلتان

2 طبرية: بحيرة في بلاد الشام على حدود سوريا حالياً.

3 زعر: قرية بمشارف الشام. ياقوت (3/161) معجم البلدان

4 النقب: الخرق في الجدار، جمعه أنقاب، المعجم الوسيط (2/943) ط. مطبعة مصر، 1380هـ

5 المخصرة: ما يتوكأ عليها كالعصا أو يشار بها في أثنا الخطبة والكلام. المعجم الوسيط (1/237)

ص: 847

حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم "فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل هو من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق"1.

ولقد وجه الشيخ رشيد عدة سهام لهذا الحديث على وجه الخصوص في تسع نقاط. منها أنها رواية لم تتواتر مع توفر الدواعي لذلك، ولم يرضِ جواب الحافظ ابن حجر عن ذلك بأنه روي أيضاً عن أبي هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم 2.

ومهما يكن من شيء فإن التواتر ليس شرطاً في قبول الأحاديث، ولا يلزم من صدور الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وفي حشد من الناس أن يروى ذلك متواتراً فها هي ذي خطبة حجة الوداع وكانت في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلم تتواتر ولم ينقلها إلا عدد قليل من الصحابة 3.

ولم يمتنع البخاري عن إخراج الحديث ـ كما زعم الشيخ رشيد 4 ـ وأين قال البخاري ذلك، وأين قال أنه خرج كل حديث صحيح؛ إن الذي صرح به البخاري عكس ذلك، إذ قال:"لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً وما تركت من الحديث أكثر"5.

وفوق ذلك فقد نقل تواتر أحاديث الدجال 6.

1 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 119 (2942)[4/2261]

2 انظر: تفسير المنار (9/ 492)، وانظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 340)

3 انظر: حمود بن عبد الله التويجري: إتحاف الجماعة (2/ 61)

4 تفسير المنار (9/ 492)

5 انظر: ابن حجر: هدي الساري (ص: 9)، وانظر أيضاً: ابن الصلاح: المقدمة (ص: 30) مع شرح العراقي، وابن كثير: الباعث الحثيث (ص: 25) بشرح: أحمد شاكر، والقاسمي: قواعد التحديث (ص: 83)

6 انظر: الكتاني: نظم المتناثر (ص:146)

ص: 848

لقد بلغ الشيخ رشيد مبلغاً بعيداً في رد هذا الحديث حتى يشم من كلامه تكذيب تميم الداري رضي الله عنه في روايته هذه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس معصوماً من تصديق الكاذبين 1.

وما كان للشيخ رشيد أن يقحم نفسه في هذا الميدان ويضع نفسه بين هؤلاء الفرسان، اللهم إلا أن تكون كلمات قرائه ومحبيه وأوصافهم المبالغ فيها، التي خلعوها عليه، كمحيي السنة وغيرها قد أثرت فيه وظن بذلك أنه يطاول السماء ويفاخر الشهب، وهو الذي قد أقر على نفسه بقصر باعه في هذا الميدان 2، كما أقر بذلك على شيخه 3.

وأقول ـ وبكل أسى ـ لقد طاولت هذه الشبهة العقلية المتوهمة غير الشيخ رشيد وبناءً على نفس الحجة، ردت أحاديث أخرى وتؤولت لأن البحارة "قد مسحوا البحرين مسحاً، وجابوا سطحهما طولاً وعرضاً، وقاسوا مياههما عمقاً عمقاً، وعرفوا جزائرهما فرداً فرداً، فلو كانت في أحدهما جزيرة فيها دير أو قصر حبس فيه الدجال وله جساسة فيها تقابل الناس وتنقل إليه الأخبار لعرف ذلك كله كل الناس "4. وما هكذا ترد الأحاديث، وما هكذا تورد يا سعد الإبل.

فبناءً على شبهة مثل هذه ردت وتؤولت أحاديث يأجوج ومأجوج 5،

1 تفسير المنار (9/ 495)

2 مقدمة مفتاح كنوز السنة (ص: ق)

3 انظر: مجلة المنار (32/ 21)

4 انظر: تفسير المنار (9/ 494)

5 انظر: عبد الرزاق العباد: الشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص: 247) وما بعدها. وابن سعدي: معاصر للشيخ رشيد، وبينهما رسائل متبادلة. انظر: مجلة المنار (29/ 143)، وانظر أيضاً: د. محمد مصطفى الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (1/ 28) ، وقد ترددت هذه الأفكار عند الكتاب العصريين، مثل أحمد أمين. انظر: ضحى الإسلام (3/ 244) وقد ردد نفس الاتهامات التي وجهها الشيخ رشيد للثقات مثل كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وانظر: تفسير المنار (9/ 498) وأيضاً (9/ 502) وأنكره أيضاً محمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (8/788ـ 797)

ص: 849

وبهذه الجرأة على الحديث والمحدثين ردت غيرها من الأحاديث، وطعن في الرواة حتى من الصحابة والتابعين، وربما كان ذلك كله رجع صدى لما ينشره الشيخ في مجلته الذائعة الصيت.

ولا ريب أن تكذيب الرواة وتخطئتهم بغير بينة إنما هو شطط وتجاوز للمعقول، لا سيما إن كان الرواة هؤلاء مجمع على صدقهم وعدالتهم، وأمانتهم، كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لا لشيء إلا لشبه واهية وحجج داحضة ليست بناهضة.

وأما ما استشكله الشيخ رشيد فيما يتعلق بالفتن التي تكون مع الدجال، وهل هي حقيقية أو خيالية، وتعارض الروايات في ذلك ـ كما زعم ـ باعتبار الروايات التي تثبت أن معه جنة وناراً وأنهاراً وجبالاً خبزاً وماءاً، والروايات التي تصرح بأنه أهون على الله من ذلك. فالجواب عنه: أن معنى هذه الجملة أن الدجال أهون على الله من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلاً للمؤمنين وتشكيكاً لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيماناً ويرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون لا أن قوله هو أهون على الله من ذلك أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد: أهون من أن يجعل شيئاً من ذلك آية على صدقه 1.

ومن ذلك كله يتبين أن ما استشكله الشيخ رشيد غير مشكل وما زعم أنه تعارض يوجب التساقط، غير متعارض، وبقي أن أقول إن الشيخ رشيد قفى ما ليس له به علم فاتهم المحدثين بالتكلف 2 وعدم التحري 3، وتكلم في الرواة بغير بينة وخطأ الثقات حتى اتهم الصحابة المتفق على عدالتهم بالغفلة لأنهم يروون عن الكذابين، بل اتهم تميماً الداري بالكذب 4، كل

1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 99)

2 تفسير المنار (9/ 491 و493)

3 المصدر نفسه (9/ 492) فيفهم من قوله: "

ويؤيده امتناع البخاري عن إخراجه في صحيحه لشدة تحريه" يعني حديث الجساسة ـ أن الإمام مسلم الذي أخرجه بطوله وغيره من الأئمة ليسوا متحرين!!.

4 انظر: تفسير المنار (9/ 506)

ص: 850

ذلك من أجل شبهة في غير محلها، وأقل ما يوصف به موقف الشيخ رشيد من أحاديث الدجال بأنه موقف متسرع ومتكلف وغير مبرر.

وبقي أن أقول إن هذا البلاء قد أتى للشيخ رشيد من جهة شيخه المتأثر بالفلسفة القديمة والحديثة، فهو الذي أطلق هذه البلية فقال:"إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح"1. وفيما يتعلق بأشراط الساعة عموماً فإن الشيخ محمد عبده ـ كما يقول عنه الشيخ رشيد ـ كان لا يثق إلا بأقل القليل مما روي في الصحاح من أحاديث الفتن 2.

ولقد حاول الشيخ رشيد الاعتذار عن هذا الموقف بأنه يدفع الشبهات عن الدين وتبرئة الرسول صلى الله عليه وسلم من كل طعن ويزيل الإشكالات والشبهات التي عند كثير من الناس لا سيما في عصره، ولكنه عذر ضعيف، فهو قد كان كمن يدفع عن نفسه طعان أعدائه بأن يطعن هو أيضاً في جسده 3.

ثانياً: المهدي:

يخرج في آخر الزمان رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد الله به الدين، يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً، تنعم الأمة في عهده نعمة عظيمة، ويعم السلام والرخاء 4، وقد يبن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم هذا الرجل يوافق اسم النبي صلى الله عليه وسلم أي "محمد بن عبد الله" 5، والمهدي لقبه، وقد تواترت

1 تفسير المنار (3/ 317)

2 المصدر نفسه (9/ 506)

3 انظر: مجلة المنار (28/ 475) وانظر أيضاً: تفسير المنار (1/ 10) فقد صرح فيه بأنه يراعي حال العصر في تفسيره.

4 انظر: ابن كثير: النهاية (1/27)، والقرطبي: التذكرة (ص:701) ط. الريان، وابن القيم: المنار المنيف (ص: 139) ت: محمود مهدي الإستانبولي، والبرزنجي: الإشاعة (87ـ 90)، وصديق حسن خان: الإذاعة (94) ط. دار المدني، جدة، 1406هـ

5 انظر: ابن كثير: النهاية (1/27) والبرزنجي (ص: 87)

ص: 851

الأحاديث بهذا 1 وأجمع عليه أهل السنة 2. وفي زمن المهدي ينزل المسيح عليه السلام ويساعده في قتل الدجال، لعنه الله 3.

ولم ينكر المهدي من المتقدمين أحد يعرف، وأول من نقل عنه الإنكار أو التردد: ابن خلدون 4 في مقدمته 5. والحق "أن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحماً لم يكن من رجالها وغلبه ما شغله من السياسة وأمور الدولة

تهافت في هذا الفصل تهافتاً عجيباً وغلط فيه أغلاطاً واضحة

إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين "الجرح مقدم على التعديل" ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال، وقد يكون قرأ وعرف ولكنه أراد تضعيف أحاديث المهدي، بما غلب عليه من الرأي السياسي في عصره

" 6.

ومن المحدَثين من أنكر المهدي وتكلم على الأحاديث المروية فيه،

1 نقل التواتر: أبو الحسن الآجري (ت: 363هـ)، نقلاً عن القرطبي: التذكرة (ص: 701)، وأثبته أيضاً: البرزنجي (ت: 1103هـ) الإشاعة (ص: 112)، والسفاريني (ت: 1188هـ) : لوامع الأنوار (2/ 84)، وصديق حسن خان (ت: 1307هـ) : الإذاعة (ص: 113)، والكتاني: نظم = = المتناثر (ص: 144 ـ 145)، وانظر أيضاً: السيوطي: العرف الوردي (2/ 57) ضمن الحاوي للفتاوي، وعبد المحسن العباد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر (ص: 171)،وحمود بن عبد الله التويجري: إتحاف الجماعة (2/ 21) وما بعدها، ط. الأولى.

2 انظر: السفاريني: لوامع الأنوار (2/ 84)

3 انظر: القرطبي: التذكرة (ص: 699) ط. الريان.

4 هو: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مؤرخ مصنف، نشأ في تونس، ثم رحل إلى مصر، وتولى قضاء المالكية فيها، وتوفي بالقاهرة سنة 808هـ، رحمه الله. انظر: ابن العماد: شذرات الذهب (7/ 76 ـ 77)، والزركلي: الأعلام (3/ 330)

5 المقدمة (1/ 574)، وأما ما روي عن بعض السلف من قولهم: إن المهدي هو المسيح بن مريم، بناءً على حديث ضعيف. انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 139) ومن قال منهم: إنه عمر بن عبد العزيز [انظر: أبو عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن (5/ 1073) ، وابن القيم: المنار المنيف (ص: 148) ] فإنه في الحقيقة إثبات لوجود المهدي واختلاف في شخصه.

6 أحمد شاكر: شرح المسند (5/ 197 ـ 198)

ص: 852

وكلهم ليسوا من أهله، ويصح القول عليهم بمثل ما قيل في ابن خلدون، لأنهم أنكروا بناءً على دوافع سياسية غلبت عليهم 1.

وقد كان الشيخ رشيد من المنكرين لخروج المهدي على الصفة التي وردت في السنة 2. ورد الأحاديث التي جاءت في ذلك بنفس الدعوى التي رد بها أحاديث الدجال، وهي دعوى تعارضها واضطرابها، ومن مظاهر هذا التعارض عند الشيخ رشيد، الاختلاف في اسم المهدي واسم أبيه، فهو عند أهل السنة محمد بن عبد الله وفي رواية أحمد بن عبد الله، وعند الشيعة الإمامية محمد بن الحسن العسكري 3، وعند الكيسانية 4 هو محمد بن الحنفية.

ومن مظاهر الاختلاف أيضاً ـ عند الشيخ رشيد ـ الاختلاف في نسبه، فتشير بعض الروايات إلى أنه علوي فاطمي حسني، وفي بعضها أنه من ولد الحسين، كما أنه في بعض الأحاديث من ولد العباس. قال: "وأهل الرواية يتكلفون الجمع بين هذه الروايات وما يعارضها باحتمال أن يكون لكل من العباس والحسن والحسين فيه ولادة بعضها من جهة الأب وبعضها من جهة الأم

" 5.

ويرجع الشيخ رشيد هذا الاختلاف إلى أسباب سياسية وخلافات بين الشيعة والعباسيين أدت إلى وضع أحاديث المهدي ممثلاً بحديث ثوبان المرفوع في سنن ابن ماجه ولفظه: "يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن

1 انظر: أحمد أمين: ضحى الإسلام (3/ 244)، ومحمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (10/ 480)، ومحمد رشيد رضا: تفسير المنار (10/ 393 ـ 394)

2 انظر: مجلة المنار (7/ 394 و4/ 6 ـ 7 و7/ 340 ـ 341 و7/ 145 ـ 146)

3 ولد سنة 256هـ وتوفي 275هـ، على أن وجوده مشكوك فيه. انظر: ابن تيمية: منهاج السنة (2/ 131)، والزركلي: الأعلام (6/ 80) .

4 الكيسانية: أتباع المختار ابن أبي عبيد الثقفي وينسبون إلى كيسان مولى علي ـ (ـ، وقيل إن كيسان لقب محمد بن الحنفية. انظر: الشهرستاني: الملل والنحل (1/ 145)، والبغدادي: الفرق بين الفرق (ص: 38)

5 تفسير المنار (9/ 502)

ص: 853

خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونهم قتلاً لم يقتلهم قوم ـ ثم ذكر شيئاً لا أحفظه ـ فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي" 1.

ومن الأسباب التي دفعت الشيخ رشيد إلى إنكار المهدي ورد أحاديثه ما يصرح هو به، إذ يقول: "

وقد كان شيوع هذا بين المسلمين من أسباب تقاعدهم عما أوجبه الله تعالى في كل وقت من إعلاء دينه وإقامة حجته، وحماية دعوته، وتنفيذ شريعته، وتعزيز سلطته، اتكالاً على أمور غيبية مستقبلة، لا تسقط عنهم فريضة حاضرة،

إن أحاديث المهدي لا يصح منها شيء يحتج به، وأنها مع ذلك متعارضة متدافعة، وإن مصدرها نزعة سياسية شيعية معروفة، وللشيعة فيها خرافات مخالفة لأصول الدين

" 2. وأيد الشيخ كلامه في رد أحاديث المهدي لاختلافها، بأن البخاري ومسلماً لم يعتدا بشيء منها، فأعرضا عن إخراجها 3، هذا هو كل ما اعتمد عليه الشيخ رشيد من الحجج في رده لأمر المهدي.

وللجواب عن هذه الشبه أقول:

أولاً: لا ينكر أن الوضع قد وقع في الحديث النبوي، فإنكاره إنكار لأمر محسوس، وكذلك فإن من أكبر أسباب الوضع في الحديث هو الخلافات السياسية، والفتن التي وقعت بين المسلمين 4. إلا أنه يكون أيضاً من إنكار المحسوس والمعلوم بالضرورة إنكار جهود علماء السنة رحمهم الله تعالى في مقاومة هذه الأحاديث الموضوعة وبيانها والكشف عن رواتها، وقد سلكوا في ذلك كل سبيل، وحيث أن المقام هنا لا يسمح ببيانها على وجه

1 انظر: ابن ماجه: السنن: ك: الفتن، باب خروج المهدي، ح: 4084 (4/ 1367) وصححه الحاكم: المستدرك (4/463ـ 464)،والبوصيري: مصباح الزجاجة (2/314) وابن كثير: النهاية (1/55)

2 تفسير المنار (10/ 393ـ 394)

3 تفسير المنار (9/ 499) وردد نفس الشيء: أحمد أمين: ضحى الإسلام (3/ 237)

4 انظر في تفصيل ذلك: د. عمر حسن فلاته: الوضع في الحديث (1/ 173 ـ 306)

ص: 854

التفصيل 1، إلا أنني يمكنني أن أقول: إن أئمة الحديث قد بينوا الصحيح من غيره، وصنفوا في الموضوعات، وسجلوها حتى تعرف فلا تشتبه على أحد، ووضعوا قانوناً في الرواية عن الثقات، وبينوا الضعفاء والمتروكين والمتهمين بالكذب، حتى لم يبق صاحب بدعة أو كذب إلا وأظهروا أمره فحفظ الله تعالى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بهم.

ثم إن الوضع في الحديث لم يقتصر على باب دون باب، بل تعددت دوافعه فتعددت موضوعاته 2 ولا يدفعنا ذلك إذن إلى طرح الثقة بالروايات الصحيحة خوفاً من الوقوع فيما نحذر. فإذا كانت هناك روايات وضعت في المهدي تعصباً فإن ذلك لا يجعلنا نترك ما صح منها، فقد جاءت الروايات الصحيحة التي فيها ذكر المهدي وصفته واسمه واسم أبيه، فإذا عين إنسان شخصاً وقال: إنه المهدي دون أن يساعده على ذلك الدليل فهي من الدعاوى الباطلة المردودة، ولا يدفعنا ذلك إلى إنكار ما جاء في الصحيح من أمر المهدي 3.

ثانياً: إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها مؤلفون وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم، تدل على حقيقة ثابتة بلا شك، ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند أهل السنة بالعقيدة الشيعية، فإن ما يعتقده الشيعة على اختلاف فرقها من مهديين لا حقيقة له ولا أصل، بل هو شيء موهوم لا يقوم على ساق من الأدلة 4. ولذلك فإن الخلاف بين الشيعة والسنة في ذلك ليس خلافاً معتبراً فيه حقيقة الخلاف العلمي، بل خلاف بين الدليل والوهم، فلا يعارض بهذا.

1 انظر هذه الجهود: د. عمر حسن فلاته: المصدر السابق (3/ 329)، وانظر أيضاً: د. محمد مصطفى الأعظمي: منهج النقد عن المحدثين (ص: 5 ـ 18)، وأيضاً (ص: 40 ـ 42) ، ومصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع (ص: 90 ـ 102)

2 انظر: مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع (ص: 78) وما بعدها، ود. عمر حسن فلاته: الوضع في الحديث (1/ 173، 177)

3 انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 145 ـ 153)

4 انظر: الشيخ عبد المحسن العباد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر (ص: 221)

ص: 855

ثالثاً: إنه ليس للمسلمين في أي زمن أن يتركوا ما أوجبه الله تعالى عليهم من نصرة الدين اتكالاً على ما جاء في أحاديث المهدي، ولو وقع ذلك منهم لكان خطأ يجب تصحيحه لهم، وإرشادهم إلى ما يجب عليهم من التصديق بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بها كلها، فتلك التي ترشد ـ مع آيات القرآن الكريم ـ إلى وجوب نصرة الله ورسوله والأخذ بأسباب القوة، والنصر، يجب الإيمان بها، كما يجب الإيمان بأن ظهور المهدي ما هو إلا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دينه، ذلك الزمن الذي يستشري فيه الشر والظلم، وينزل فيه الدجال 1.

ثم إنني أقول فوق ذلك: إن الأحاديث المروية في المهدي ترجع إلى عصور الإسلام الأولى، واعتقد ما جاء فيها المسلمون الأولون، في القرون المفضلة ومن بعدهم، وكانت عندهم هذه الأحاديث وهذا الاعتقاد، فلم يحل ذلك بين أخذهم بأسباب القوة والنصر فمكن الله تعالى لهم في الأرض، مع اعتقادهم بهذه العقيدة، وإنما ساء حال المسلمين أخيراً بسبب سوء اعتقادهم، وفشو البدع فيهم ومنها رد الأحاديث الصحيحة وحملها على غير وجهها والتكذيب بما ورد في الشرع بتأويله أو تضعيفه فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا ينكرون.

وأما شبهة عدم ورود شيء من أحاديث المهدي في الصحيحين فقد سبق الكلام عليها 2، ومع ذلك ففي الصحيحين من ذكر المهدي أحاديث أذكر منها:

أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري 3: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم". وفي

1 انظر: عبد المحسن العباد: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (ص: 133)

2 انظر (ص:781) من هذا البحث.

3 ك: أحاديث الأنبياء، باب: نزول عيسى، ح: 3449، ورواه أيضا: مسلم: الصحيح: ك: الإيمان، باب: تزول عيسى، ح: 244 (1/136)

ص: 856

صحيح مسلم 1 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول: أميرهم: تعال صلِّ لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة".

وفي رواية عن غير مسلم: "يقول أميرهم المهدي

" الحديث 2، فهذه الرواية تدل على أن ذلك الأمير المشار إليه في رواية مسلم يقال له: المهدي. ولا محمل له ولأمثاله إلا المهدي 3.

وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر كذلك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً" قال الجريري 4 ـ أحد رواة الحديث ـ: "قلت لأبي نضرة 5 وأبي العلاء 6: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا"7.

فهذه الأحاديث وإن لم يكن فيها ذكر اسم المهدي أو لقبه، إلا أنه لا محمل لها إلا عليه كما قال أهل العلم.

أثر إنكار الشيخ رشيد لأحاديث المهدي:

لقد كان لإنكار الشيخ رشيد لخروج المهدي أثر واسع، نظراً لانتشار

1 ك: الإيمان، باب: نزول عيسى بن مريم، ح: 247 (156)[1/ 137]

2 رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر. انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 144)، وانظر: الداني: السنن الواردة في الفتن (6/ 1236 ـ 1237) ، وانظر حاشية (6/ 1237)

3 انظر: صديق حسن خان: الإذاعة (ص:118)

4 هو أبو مسعود: سعيد بن إياس، محدث أهل البصرة، ثقة. انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب (4/ 5ـ 7)

5 هو: المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة، توفي 108هـ. انظر: ابن حجر: المصدر السابق (10/ 302ـ 303)

6 هو: يزيد بن عبد الله الشخير، تابعي ثقة، توفي 108هـ. انظر: ابن حجر: المصدر السابق (11/ 341)

7 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 67 (2913)[4/2234] .

ص: 857

مجلته "المنار" فقد تلقف ذلك منه كثيرون، فتأثروا به ورددوا دعاويه التي رددت عليه آنفاً.

لقد ردد أحمد أمين 1، نفس الشبه التي ذكرها الشيخ رشيد 2، وكذلك أبو ريه 3، وابن محمود 4 وغيرهم. وورث تلامذة الشيخ رشيد فيما ورثوا منه هذه الأفكار في إنكار المهدي ورد الأحاديث بلا بينة بل بالتشهي، فقد وجد ـ من أنصار السنة تلامذة رشيد رضا ـ من ينكر المهدي، ويرد الأحاديث بنفس الطريقة التي اتبعها الشيخ رشيد 5.

ثالثاً: نزول المسيح عليه السلام:

ومما هو ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة أن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إلى السماء حياً عندما تكالبت عليه اليهود وأرادوا قتله، فهو حي في السماء، وسينزل إلى الدنيا قبل القيامة فيقتل الدجال، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ونزوله هذا ثابت بالكتاب وبالسنة المتواترة وإجماع المسلمين.

فأما الكتاب، فقد قال الله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} 6، والضمير في قوله {قَبْلَ مَوْتِهِ} عائد على عيسى عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة 7.

1 انظر: ضحى الإسلام: (3/ 235ـ 245) وقد ردد نفس شبهات صاحب المنار.

2 قارن مع رشيد رضا، مجلة المنار (7/ 394 و340ـ 341و7/ 145ـ 146)

3 أضواء (ص: 232 و 241ـ 243)

4 انظر: ابن محمود: "لا مهدي ينتظر"(ص: 3) وما بعدها.

5 ألف رئيس فرع الاسكندرية، وهو الأستاذ عبد المعطي محمود، كتاباً يرد فيه أحاديث المهدي، وقرظ له: الأستاذ بخاري عبده، موافقاً، وحكى لي فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم الرئيس السابق حكاية هذا المؤلف وذكر لي بعض من رد عليه.

6 سورة النساء، الآية (159)

7 انظر: الأقوال عند: الطبري (9/379 ـ 382)، وقد رجح هذا الرأي واختاره الطبري: التفسير (9/386)، وانظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 18) ط. مكتبة السنة، الأولى، 1410هـ=1990م.

ص: 858

وقال تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} 1، وقال:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} 2، فأشارت هاتان الآيتان إلى آيتين من آيات المسيح عليه السلام: الأولى: تكلمه في المهد، والثانية: تكلمه بعد نزوله قبل يوم القيامة وهو في حال الكهولة، وإلا فإن كلام الكهل في معتاد الأحوال أمر مألوف فلا وجه لعطفه على كلام الطفولة 3.

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ} 4، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بأنه خروج عيسى بن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة 5، أي: وإن عيسى لعلم للساعة تعلم بنزوله فلا تشكن فيها 6.

وأما الأحاديث في نزوله صلى الله عليه وسلم فمتواترة 7، وعلى نزوله وقع إجماع المسلمين 8.

ولقد أنكر الشيخ محمد عبده أحاديث النزول في آخر الزمان، وبنى إنكاره على طريقين: الأول: أنها أحاديث آحاد متعلقة بأمر اعتقادي والتي لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي الذي يورث اليقين 9. والطريق الثاني: التأويل، وقد

1 سورة آل عمران، الآية (46)

2 سورة المائدة، الآية (110)

3 انظر: ابن جرير: التفسير (6/ 420)، والآلوسي: روح المعاني (4/ 179)، وانظر أيضاً: محمد خليل هراس: الصدر السابق (ص: 20)

4 سورة الزخرف، الآية (61)

5 انظر: أحمد: المسند (4/ 328 ـ 329) ح: 2921، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

6 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 21)

7 انظر: صديق حسن خان: الإذاعة (ص: 160)، والكتاني: نظم المتناثر (ص: 147)، وأنور شاه الكشميري: التصريح بما تواتر في نزول المسيح.

8 نقل الإجماع: ابن عطية: المحرر الوجيز (3/ 105)، والسفاريني: لوامع الأنوار (2/ 94)

9 تفسير المنار (3/ 317)

ص: 859

تأول الشيخ محمد عبده نزول المسيح بغلبة روحه وسر رسالته على الناس وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم 1.

فأما مسألة أحاديث الآحاد فقد سبق لي أن بينت ما فيها في الكلام على موقف الشيخ رشيد من السنة 2. ويضاف هنا أن أحاديث نزول المسيح متواترة كما بينت آنفاً، فهي تفيد اليقين الذي يطلبه الشيخ محمد عبده. وأما تأويله فحكايته كافية في رده، وهل غلبة روح المسيح هي التي سوف تكسر الصليب وتقتل الخنزير والدجال؟!؟ 3.

وأما الشيخ رشيد فقد علق على قوله شيخه بقوله: "هذا ما قاله الأستاذ الإمام في الدرس مع بسط وإيضاح، ولكن ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك تأباه"4. إلا أنه عطف على ذلك مباشرة ـ وربما كان ذلك مجاملة لشيخه وحفظاً لماء وجهه ـ وجهاً يرد به أصحاب التأويل فقال: "ولأهل التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى كأكثر الأحاديث والناقل للمعنى ينقل ما يفهمه" 5، وربما لم يكن الشيخ محمد عبده يستطيع أن يصل إلى هذا المخرج، لولا أن إمكانات الشيخ رشيد الحديثية ساعدته، ومهما يكن من شيء، فإن هذه العبارة من الشيخ رشيد قد انطوت على أمرين سيئين: الأول: خدمته الجليلة لأهل التأويل وعلى رأسهم شيخه بهذه الفائدة وتجويز تأويلهم مستندين إليها. والثاني: وهو أشد الأمرين: زعمه أن أكثر الأحاديث قد رويت بالمعنى، وقد عرفت ما فيه عند مناقشة موقفه من السنة 6.

وأريد أن أتجاوز هذا الموضع إلى موضع آخر تكلم فيه الشيخ رشيد

1 المصدر نفسه والصفحة.

2 انظر (ص:119) من هذا البحث.

3 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 58)

4 تفسير المنار (3/ 317)

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 انظر (ص: 127) من هذا البحث.

ص: 860

عن نزول المسيح بعد وفاة شيخه. ففي المجلد الثامن والعشرين من مجلة المنار أجاب الشيخ رشيد عن سؤال حول موضوعنا، وتحدث عن نزول المسيح في القرآن وفي السنة، فماذا قال؟، لقد بدا الشيخ رشيد متردداً أيضاً، فقد قال إن القرآن "ليس فيه نص صريح بأنه ينزل من السماء وإنما هذه عقيدة أكثر النصارى وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الإسلام إلى الآن بثها في المسلمين، وممن حاول ذلك بإدخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار

" 1.

وأما الأحاديث الكثيرة المتواترة في نزول المسيح، فيقول: عنها الشيخ رشيد: والأحاديث الواردة في نزوله عليه السلام كثيرة في الصحيحين والسنن وغيرها، وأكثرها واردة في أشراط الساعة، وممزوجة بأحاديث الدجال، وفي تلك الأشراط ولا سيما أحاديث الدجال والمهدي المنتظر اضطراب واختلاف وتعارض كثير" 2.

ويقول: "وأما من اطلع على الأحاديث الواردة في نزوله وقتله للدجال، واعتقد صحتها فلا يسعه إلا أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها بأعلام من الله تعالى لأنها ليست من الآراء الدنيوية التي يتكلم فيها الأنبياء كغيرهم بحسب الظن

وحينئذ يجب عليه الأيمان بصدقه فيها، فإن أنكره ورده عالماً بصحته غير متأول لمدلوله؛ يكفر، والعياذ بالله تعالى.. " 3. هذا الحكم لو كان يعتقد صحتها غير متأول، كما تأول "الأستاذ الإمام" فقد أعاد الشيخ رشيد تأويله هنا فقال:"وقد ذكر "الأستاذ الإمام" أن بعضهم تأولها بأن روح المسيح ومقاصده التي جاء بها لإصلاح جمود اليهود على ظواهر الألفاظ.." 4، ثم كرر الشيخ رشيد ما قاله هناك من أن هذا التأويل " بعيد عن ظواهر الألفاظ في تلك الأحاديث ولكن المتأول يقول: إنها وأمثالها من

1 مجلة المنار (28/ 755ـ 756)

2 المصدر نفسه والصفحة.

3 المصدر نفسه (28/ 757)

4 المصدر نفسه والصفحة

ص: 861

أشراط الساعة وأمور الغيب قد نقلت بالمعنى فغير الرواة ما سمعوا بما فهوا. وقد تقدم البحث في أشراط الساعة

" 1.

ويعطي الشيخ رشيد خلاصة رأيه قائلاً: "والخلاصة أنه لا يجب على مسلم أن يقف على تلك الأحاديث وأمثالها لأنها ليست من أركان الإيمان ولا من أركان الإسلام.. ولا يضره في إيمانه وإسلامه الاشتباه في صحتها.."2.

والذي يتضح لي أن موقف الشيخ رشيد من نزول المسيح هو امتداد لموقفه من أشراط الساعة كالدجال والمهدي، وهذا الموقف سيمتد أيضاً ليشمل طلوع الشمس من مغربها، وهو في كل هذا يضطرب وينكر معتمداً على أوهام ليست من الحقيقة على شيء.

ولقد كنا نرجو جميعاً أن يكون موقف الشيخ رشيد قد تغير بعد وفاة شيخه، كما حدث في مسائل أخرى، إلا أن ذلك لم يكن وبدا وكأن هذا الموقف هو عن قناعة ولم يكن تحت تأثير وجود شيخه 3. وقد تابع الشيخ رشيد في ذلك الموقف تلامذة مدرسة الأستاذ الإمام 4. إلا أن أحداً من أنصار السنة لم يتورط في إنكار نزول المسيح، بل إن الشيخ حامد الفقي رد على أحد أعضاء هذه المدرسة، وقد تولى منصب شيخ الأزهر، وكان قد أنكر نزول المسيح كذلك 5.

1 مجلة المنار (28/ 757)

2 المصدر نفسه والصفحة

3 وهذا الموقف قديم أيضاً للشيخ رشيد: انظر: مجلة المنار (5/ 135) و (114/508)

4 منهم الشيخ المراغي: انظر: مجلة الرسالة: العدد 519/ 11 جمادى الآخرة، سنة 11362هـ. 14 يونيو 1943م. السنة الحادية عشرة (ص: 466) ومنهم الشيخ شلتوت: نفس المجلة: العدد (514، 6 جمادى 1362هـ 10 مايو سنة 1943م. السنة الحادية عشرة (ص: 365) وهو الذي رد عليه حامد الفقي، كما يعتبر مؤلَّف خليل هراس، ـ رئيس فرع طنطا ـ دليل على ذلك أيضاً.

5 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص:64)

ص: 862

رابعاً: طلوع الشمس من مغربها:

قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 1. فتشير هذه الآية إلى أنه يأتي يوم لا تقبل فيه التوبة، وهو يوم تظهر فيه بعض الآيات الدالة على اقتراب الساعة، وفي معنى هذه الآية جاء الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال ودابة الأرض" 2، وعليه أكثر المفسرين 3. والمراد: أن كلاً من الثلاثة مستند في أن الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها فأيها تقدم ترتب عليه عدم النفع 4. وإنما كان كذلك لأن ذلك الوقت يكون حكمه في قبول الإيمان والتوبة كحكم يوم القيامة 5.

وأما الشيخ رشيد فيظهر مضطرباً هنا أيضاً، فهو أولاً لا يمنع طلوع الشمس من مغربها عقلاً، فيقول:"وقد كان طلوع الشمس من مغربها بعيداً عن المألوف المعقول، ولا سيما معقول من كانوا يقولون بما تقول به فلاسفة اليونان في الأفلاك والعقول، وأما علماء الهيئة الفلكية في هذا العصر فلا يتعذر على عقولهم أن تتصور حادثاً تتحول فيه حركة الأرض اليومية فيكون الشرق غرباً والغرب شرقاً.."6.

ويقول في تفسير الآية: " وقد روي في أحاديث منها الصحيح المسند والضعيف الذي لا يحتج به وحده بأن هذه الآية التي أبهمت وأضيفت إلى

1 سورة الأنعام، الآية (158)

2 مسلم: الصحيح: ك: الإيمان ح: 249 (1/ 138)

3 انظر: البغوي: التفسير (2/ 144) وابن كثير: التفسير (2/ 184)

4 انظر: الحسيني الهاشمي: شرح المسند (ج: 19/ 24) ط. دار المعارف، مصر.

5 انظر: ابن كثير: النهاية (1/ 222) والتفسير (2/ 195)

6 تفسير المنار (8/ 210)

ص: 863

الرب تعالى لتعظيم شأنها وتهويله هي طلوع الشمس من مغربها

" 1.

وأما الأحاديث فذكر منها الشيخ رشيد حديثين، الأول: حديث أبي هريرة عند البخاري 2: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين {رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 3".

ووصف الشيخ رشيد هذا الحديث بأنه أقوى الأحاديث الواردة في الباب 4، وأورد حديث مسلم الذي صدرت به هذا البحث، وقال: "وهو مشكل مخالف للأحاديث الأخرى الواردة في نزول المسيح بعد الدجال وإيمان الناس به

" 5.

واستطرد قائلاً: "والمشكلات في الأحاديث الواردة في أشراط الساعة كثيرة، أهمها ـ فيما صحت أسانيده واضطربت المتون وتعارضت أو أشكلت من وجوه أخرى ـ أن هذه الأحاديث رويت بالمعنى ولم يكن كل الرواة يفهم المراد منها لأنها في أمور غيبية فاختلف التعبير باختلاف الأفهام

" 6.

وهذه الشبهة التي لازمت الشيخ رشيد على امتداد حديثه عن أشراط الساعة، وعمدته أن هذه الأحاديث رويت بالمعنى، وقد بحثت هذه الشبهة في التمهيد، ولكني أجيب هنا على ما استشكله في هذا الحديث بأن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج

1 المصدر نفسه (8/ 209)

2 ك: الرقاق، باب: 40، ح: 6506 (11/ 360) مع الفتح.

3 سورة الأنعام، الآية (158)

4 تفسير المنار (8/ 210)

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 864

الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من مغربها، وعلى كل حال فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى في إثرها 1. وقيل في قصة الدجال لا ينفع إيمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه 2.

والمقصود أن الشيخ رشيد متردد ومضطرب في إثبات هذه الآية لورودها في القرآن، واستشكاله الأحاديث التي رويت فيها، وخشيته أن تكون رويت عن كعب الأحبار، ولذلك فإنه يضع هذه الآية في سلك المتشابهات، وحمل التعارض بين الروايات على ما أشار إليه من الرواية بالمعنى 3.

وقد بينت أنه لا تعارض بين الروايات وأنها متفقة، ومتعددة المخرج، وإنما التردد من الشيخ رشيد سببه موقفه العام من أشراط الساعة وطعنه في أحاديثها كما سبق أن بينت.

خامساً: خروج الدابة

ومن الآيات التي تكون قبل الساعة، وورد ذكرها في القرآن، خروج الدابة، قال تعالى:{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} 4 كما جاءت في السنة، وقد سبق ذكر بعض الأحاديث، ومنها أيضاً حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال ستاً

" وذكر فيها دابة الأرض 5. ونقل الإجماع على صحة خروج الدابة 6.

1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (11/ 361)

2 المصدر نفسه (11/ 362)

3 تفسير المنار (8/ 211) وهنا أيضاً طعن الشيخ رشيد في الرواة بغير بينة، كعبد الرزاق بن همام الصنعاني، والعلاء بن عبد الرحمن، كما أنه طعن في حديث سجود الشمس، وقد بحث ذلك عند بيان موقفه من السنة. انظر (ص:106) من هذا البحث.

4 سورة النمل، الآية (82)

5 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 129 (4/ 2267) عبد الباقي.

6 انظر: الكتاني: نظم المتناثر (ص: 147)

ص: 865

والدابة خلق عظيم يخرج من بعض بقاع الأرض، وهي من دوابها وليست بإنسان، لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فتكتب بين عينيه (مؤمن) وتسم الكافر وتكتب بين عينيه (كافر)1.

وقد تكلم الشيخ رشيد ـ جواباً لسؤال حول الآية ـ عن الدابة، وذلك في المجلد العاشر من المجلة 2، فقال: "هذه الآية مما أخبر الله به عن المستقبل البعيد، فهي من أنباء الغيب التي تؤخذ بالتسليم ما لم يكن ظاهرها محالاً فتحمل على خلاف الظاهر بالتأويل، كما هي القاعدة 3، وكلام الدواب ليس محالاً في نظر العقل

".

ولكن هذا الكلام متقدم ـ كما هو ظاهرـ على كلامه السابق في الأشراط الأخرى، ولم أجد له في الدابة غير هذا الموضع، إلا ما ذكره مع طلوع الشمس ـ وقد سبق ـ فهل ثبت الشيخ على رأيه في الدابة، لوروده في القرآن، فخصها بالإثبات لذلك، أو تأولها كما أولها غيره؟ 4.

1 انظر: ابن كثير: التفسير (3/ 374 ـ 376) ، ولوامع الأنوار (2/ 146)، والبرزنجي: الإشاعة (ص: 174 ـ 176)

(ص: 289)

3 كان هذا في موقفه القديم من قانون التأويل. وانظر: (ص:347) من هذا البحث.

4 تأولها القرطبي: التذكرة (ص: 786) ومحمد فريد وجدي: دائرة المعارف (4/ 14)

ص: 866