الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه
نطقت آيات الكتاب العزيز بزيادة الإيمان، قال تعالى:{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} 1 وقال: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} 2 وتدل هذه لآيات أيضاً على النقصان لأن ما زاد كان قبل الزيادة ناقصاً، وكل ما كان قابلاً للزيادة فهو قابل للنقصان.
وهذا القول ـ زيادة الإيمان ونقصانه ـ هو قول أهل السنة والجماعة، ويروى عن الصحابة، فقد قال أبو هريرة:"الإيمان يزداد وينقص" 3، وقال عمر ابن حبيب 4:"الإيمان يزيد وينقص" 5، وممن قال به من الأئمة: مالك 6، والشافعي 7، وأحمد 8، وهو قول الثوري وابن عيينة 9 وابن
1 سورة الأنفال، الآية (2)
2 سورة آل عمران، الآية (183)
3 انظر: الآجري: الشريعة (ص: 111)، وعبد الله بن أحمد: السنة (1/ 314)
4 أبو حفص القاضي القاصّ المكي نزيل اليمن، ثقة حافظ. التقريب (ص410ـ عوامة) .
5 انظر: ابن أبي شيبة: الإيمان (ص: 20)، وعبد الله بن أحمد: السنة (1/ 315) وعمر بن حبيب:
6 انظر: الآجري: الشريعة (ص: 117)
7 انظر: البيهقي: مناقب الشافعي (1/ 385)
8 عبد الله بن أحمد: السنة (1/ 307)
9 هو سفيان بن عيينة: ابن أبي عمران، الإمام الكبير حافظ عصره أبو محمد الهلالي، الكوفي، ولد سنة 107هـ وتوفي سنة 198هـ وله 91سنة. السير (8/454)
جريج ووكيع 1 2 والبخاري 3 وقد لقي أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار كلهم متفقون على أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص 4.
فأهل السنة متفقون على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
رأي الشيخ رشيد:
ولقد قرر الشيخ رشيد مذهب أهل السنة في ذلك، فيبين في أكثر من موضع أن الإيمان يزيد وينقص واستدل على ذلك بآيات القرآن المصرحة بذلك، وبالأحاديث الصحيحة المشيرة إلى هذا المعنى.
فعند قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} 5 قال: "أي: إذا تليت عليهم آياته المنزلة على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم زادتهم إيماناً أي: يقيناً في الإذعان وقوة في الاطمئنان، وسعة في العرفان، ونشاطاً في الأعمال، ويطلق الإيمان في عرف الشرع على مجموع العلم والاعتقاد والعمل بموجبه"6.
ويستدل الشيخ رشيد بالسنة على هذا فيقول: "وفيما رواه البخاري ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحيهما شواهد صريحة في ذلك ومن أهمها أحاديث أقل الإيمان المنجى في الآخرة 7 وحديث "الإيمان بضعة
1 هو ابن الجراح بن مليح، كان من بحور العلم، وأئمة الحفظ، ولد سنة 129هـ وتوفي آخر سنة 196هـ. السير (9/140)
2 انظر: الآجري: الشريعة (ص:117)، وأبو عبيد: الإيمان (ص: 24)، وعبد الله بن أحمد: السنة (1/310 ـ 311)
3 انظر: الصحيح: ك: الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه (1/ 127) مع الفتح.
4 انظر: اللالكائي: شرح الأصول (1/ 193)، وصحيح البخاري: ك: الإيمان، باب: قول النبي "بني الإسلام على خمس"، وانظر أيضاً: فتح الباري (1/ 61) ط. الريان.
5 سورة الأنفال، الآية (2)
6 تفسير المنار (9/ 590)
7 يعني حديث "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.." انظر: البخاري: الصحيح: ك: الإيمان، باب (15) : تفاضل أهل الإيمان، ح: 22 (1/ 91 مع الفتح) وأيضاً: ح: 44 (1/127)
وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" 1، ولهذا حمل الناس زيادة الإيمان على زيادة العمل اللازم له، وبعضهم على زيادة ما يتعلق به الإيمان الذي فسروه بالتصديق القطعي، والحق أن الإيمان القلبي نفسه يزيد وينقص أيضاً، فإن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مؤمناً بإحياء الله للموتى لما دعاه أن يريه كيف يحييهم {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} 2 فمقام الطمأنينة في الإيمان يزيد على ما دونه من الإيمان المطلق قوة وكمالاً
…
" 3.
والذي ذهب إليه الشيخ رشيد من أن الإيمان القلبي نفسه يزيد وينقص هو الحق، وهو ما يشعر به كل فرد من نفسه. "فمن يقول إن الإيمان النفسي لا يزيد ولا ينقص فقد نظر إلى الاصطلاحات اللفظية لا إلى نفسه في إدراكها وشعورها وقوتها في الإذعان وضعفها"4.
ويبين الشيخ رشيد بعض أوجه هذه الزيادة، وهي العلم التفصيلي، فمن كان علمه تفصيلياً كان إيمانه أشد ممن عنده علم إجمالي. وضرب الشيخ لذلك مثالين:
الأول: الإيمان بتوحيد الله تعالى فهو لا يكمل إلا بمعرفة أنواع الشرك الظاهر والباطن التي تنافيه أو تنافي كماله.
الثاني: الإيمان بعلم الله تعالى المحيط بالمعلومات وحكمته التي قام بها نظام الأرض والسماوات، علماً إجمالياً، لا يوزن إيمانه بإيمان ذي العلم التفصيلي بسنن الله في الكائنات وعجائب صنعه فيها 5.
1 البخاري: الصحيح: ك: الإيمان، باب: أمور الإيمان، ح: 9 (1/ 67)، ومسلم: ك: الإيمان، ح: 35 و 58 و59 (1/ 63)
2 سورة البقرة، الآية (26)
3 تفسير المنار (9/ 591)
4 نفس المصدر (4/ 240)، وانظر: أبو عبيد: الإيمان (ص: 25)
5 تفسير المنار (9/ 591) وقارن مع ابن تيمية: الإيمان (ص: 221) وما بعدها.
قال الشيخ رشيد: "وجملة القول أن زيادة الإيمان ثابتة بنص هذه الآية وآيات أخرى كقوله تعالى في سورة آل عمران في وصف الذين استجابوا لله والرسول إذا دعاهم إلى القتال بعدما أصابهم القرح {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 1 وفي معناه قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} 2 وعطف التسليم هنا يؤيد كون المراد به إيمان القلب لا العمل
…
" 3 يعني أن الزيادة كانت فيما في القلب لا في العمل كما قال بعضهم.
ويكون الشيخ رشيد بذلك قد وافق السلف في مسألة زيادة الإيمان ونقصه، وقد استدل بما استدلوا به من الكتاب والسنة 4.
1 سورة آل عمران، الآية (173)
2 سورة الأحزاب، الآية (22)
3 تفسير المنار (9/592) وانظر أيضاً (4/ 240) وما بعدها و (11/ 85 ـ 86) ومجلة المنار (9/ 196 ـ 204)
4 انظر: أبو عبيد: الإيمان (ص: 24)، وابن أبي شيبة: الإيمان (ص: 50)، وابن تيمية: الإيمان (ص: 215)