الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً
المطلب الأول: تعريف القدر لغة
…
المطلب الأول: تعريف القدر لغة:
تتكون هذه الكلمة من ثلاثة أحرف أصلية صحيحة تدل على "مبلغ الشيء وكنهه ونهايته" 1، ويتفرع عن هذه المعاني الأصلية معان نوعية مناسبة للمعاني الأصلية:
فالقدْر: مبلغ كل شيء. يقال: قدْره كذا: أي مبلغه وكذلك القَدَر. وقدرت الشيء أقْدِرُه وأَقْدُرُه من التقدير، وقدّرته أقدِّرُه، والقدْر: قضاء الله تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها التي أرادها الله. وهو القَدَر أيضاً 2.
وأما شرعاً، فهو: كما بينت أول الفصل أنه يعني: الإيمان بعلم الله تعالى السابق، وكتابته وإرادته ومشيئته وخلقه لأفعال عباده مع إثبات قدرتهم المؤثرة في هذه الأفعال 3.
1 ابن فارس: معجم مقاييس اللغة (5/ 62)
2 المصدر نفسه (ص: 63)، وانظر أيضاً: الأزهري: تهذيب اللغة (9/ 18 ـ 19)، وابن منظور: لسان العرب (5/ 79)
3 انظر: ابن القيم: شفاء العليل (ص: 55) وما بعدها.
لقد عرف رشيد رضا القدر وكذلك القضاء متتبعاً ورودها هذين اللفظين في القرآن الكريم. ولكنه قبل ذلك أشار إلى ملاحظة هامة هي: أن السلف رحمه الله كانوا يعرفون هذه المسألة بمسألة "القدر" ثم إنها اشتهرت بعد ذلك باسم "القضاء والقدر"1. وإنني على أهمية هذه الملاحظة لم أستطع إلى أول من أدخل هذه الإضافة في التسمية.
ثم بين رشيد رضا معنى القدر ـ والقضاء ـ في القرآن فقال: "القَدْرُ بفتح الدال وسكونها، والمقدار والتقدير، ألفاظ وردت في القرآن بمعنى: جعل الشيء بمقياس مخصوص أو وزن محدود أو وجه معين يجري على سنة معلومة، فهي داخلة في معنى النظام والترتيب
…
" 2. ثم طفق يستدل على ذلك بآيات الكتاب العزيز، ومنها قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} 3، قال: "أي بمقدار معين له نظام" 4. وقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} 5 قال: "أي: بمقدار ما يسعه كل وادٍ من الماء" 6، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} 7، والمعنى ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ: "أي: أن لكل شيء من مخلوقاته سنناً ونواميس ومقادير منتظمة كسنته في حمل الإناث وعقمها، وزيادة علوق الأرحام ونقصها.."8.
ويفعل رشيد رضا نفس الشيء فيما يتعلق بالـ "قضاء" فيتتبع معانيه في الكتاب قائلاً: "ورد القضاء بمعنى الفصل في الحكم في الشيء قولاً أو
1 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (12/ 193)
2 مجلة المنار (12/ 194)
3 سورة المؤمنون، الآية (18)
4 مجلة المنار (12/ 194)
5 سورة الرعد، الآية (17)
6 مجلة المنار (12/ 194)
7 سورة الرعد، الآية (8)
8 مجلة المنار (12/ 194)
فعلاً، وبمعنى الإعلام به، وبمعنى إتمام الشيء وإنهائه" 1، ثم يستدل بآيات الكتاب على هذا، ومنها قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 2 قال: " أي حكم بذلك قولاً في كتابه المنزل على رسوله" 3. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 4 قال: "أي يحكم ويفصل بالفعل" 5. وقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} 6 أي: "الإعلام بذلك والإخبار بوقوعه" 7.
وذكر الشيخ رشيد أن هذا اللفظ ورد بمعنى المشيئة 8، واستشهد بقوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 9 ثم أشار إلى أن هذا المعنى ورد بلفظ الإرادة 10، وتلا قوله تعالى:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 11.
وأما العلاقة بين "القضاء والقدر" فيذهب رشيد رضا إلى أنهما يدلان على معنيين مختلفين، فيرى أن القضاء هو: "
…
تعلق علم الله وإرادته ـ قولان ـ في الأزل لأن الشيء يكون على الوجه المخصوص من الوجوه المكنة، والقدر وقوع الأشياء فيما لا يزال على وفق ما سبق في الأزل" 12.
1 مجلة المنار (12/ 193)، وقارن مع الراغب: المفردات (ص: 674) قضى.
2 سورة الإسراء، الآية (23)
3 مجلة المنار (12/ 193)
4 سورة النحل، الآية (78)
5 مجلة المنار (12/ 193)
6 سورة الحجر، الآية (66)
7 مجلة المنار (12/ 193)
8 المصدر نفسه.
9 سورة البقرة، الآية (117)
10 مجلة المنار (12/ 194)
11 سورة يس، الآية (82)
12 مجلة المنار (3/ 513)، وانظر: تفسير المنار (4/ 195)