الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم أقروا به ثم تناقضوا ـ في رأي رشيد رضا ـ عندما أقروا بالعلم وأنكروا الإرادة 1، وفي كلامه الذي نقلته آنفاً رد على القدرية الذين أقروا بالعلم ولكنهم أنكروا حجيته في مسألة القدر 2.
وأما الجبري فإنهم يحتجون بالعلم على الجبر، فيرد عليهم رشيد رضا بقوله: "إن تعلق العلم والإرادة بأن فلاناً يفعل كذا لا ينافي أنه يفعله باختياره، إلا إذا تعلق العلم بأنه يفعله مضطراً كحركة المرتعش، ولكن أفعال العباد اختيارية، أي: بإرادة فاعليها لارغماً عنهم، وبهذا صح التكليف، ولم يكن التشريع عبثاً، وتيبن من هذا أن الجبرية ومن تلا تلوهم ولم يسم باسمهم، قد غفلوا عن معنى الاختيار
…
" 3.
وما ذهب إليه رشيد رضا من إثبات العلم هو الصواب، والعلم هو حجة أهل السنة على القدرية 4. والذين أشار إليهم رشيد رضا بأنهم يقولون بالجبر مع التبرأ من اسمه هم الأشعرية، وقد سبق بيان مذهبهم، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان موقف رشيد رضا من الفرق في القدر.
1 مجلة المنار (12/ 196)
2 انظر: عبد الله: السنة (2/ 438)
3 مجلة المنار (3/ 510ـ 513)، وقارن مع ابن القيم: الشفاء (ص: 60)
4 انظر: عبد الله السنة (2/ 385 ـ 386)
المطلب الثاني: الكتابة:
أثبت رشيد رضا الكتابة الإلهية التي ترتبط مع العلم، في درجة واحدة، فقد عرفها رشيد رضا لغة وشرعاً وبين علاقتها بالعلم ثم بين الحكمة من هذه الكتابة.
عرّف رشيد رضا الكتابة فقال: "الكتابة عبارة عن ضبط العلم بالشيء، والعلم نفسه لا يتعلق بالأشياء تعلق إيجاد وتكوينن وإنما يتعلق بها تعلق انكشاف وإحاطة، فلا إجبار ولا تحتيم، وإنما يكتب الشيء على ما يكون
عليه" 1.ولقد سبق بيان رشيد رضا لوجه كون العلم حجة على القدرية، وما يقال في العلم يقال في الكتابة كذلك.
ويستدل رشيد رضا بآيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكتابة. فمن الآيات التي استدل بها قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 2، قال:"وفي معنى هذه الآية التي نفسرها آيات"3. ثم قال: "جمهور علماء الإسلام على أن هذه الآيات كلها في معنى واحد فسرتها الأحاديث التي نورد أشهرها" 4، ثم أورد بعض الأحاديث، ومنها: حديث "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب ـ فهو عنده فوق العرش ـ: إن رحمتي غلبت غضبي" 5، ومنها: "إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" 6، ومنها: "أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة" 7.
ثم قال: "ومذهب السلف أن تؤمن بالقلم الإلهي واللوح المحفوظ، وما كتب في اللوح من مقادير الخلق وإحصائه جميع ما كان ويكون في هذا العالم من بدء تكوينه إلى يوم القيامة من غير أن نحكم آراءنا وأقيستنا في صفة شيء من ذلك
…
" 8.
وعن حكمة هذه الكتابة يقول: وإذا كان من حكمته أن جعل لهذا
1 مجلة المنار (14/ 424)
2 سورة الأنعام، الآية (59)
3 تفسير المنار (7/ 470 ـ 471)
4 المصدر نفسه.
5 رواه البخاري: الصحيح، ك: بدء الخلق، باب: ما جاء في قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده..} ، ح:3194.
6 رواه مسلم: الصحيح، ك: القدر، ح: 16 (2653)
7 رواه أبو داود: ك: السنة، باب في القدر، ح:4700.
8 تفسير المنار (7/ 470 ـ 471)