الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام ابن القيم، فقال: "ومنها استحباب مشاورة الإمام رعيته وجيشه استخراجاً لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم، وأمناً لعتبهم، وتعرفاً لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض، امتثالاً لأمر الرب
…
" 1. وممن قال بالاستحباب الحافظ ابن حجر 2، وهو مذهب الماوردي وأبي يعلى، ويدل عليه ظاهر فعلهما 3، فكلاهما لم يورد الشورى بين واجبات الإمام. والندب مذهب الشافعي 4، وأحمد 5، فتبين من ذلك كله أن الحق أن الشورى ليست واجبة بل هي جائزة ومستحبة، ومن قال بالوجوب ـ وأكثرهم من المحدَثين 6 ـ فلا أرى إلا أنهم متأثرون بالدعاية الجديدة والمبادئ الحادثة في نظام الحكم، وأكثرها من فلسفات لا تتعبد بشرع وبنظم لا تقول بوجوب الطاعة والسمع. وعلى رأي المحدَثين القائلين بالوجوب: الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا 7.
1 زاد المعاد (2/ 141) وانظر: أعلام الموقعين (4/ 256)
2 فتح الباري (13/ 341)
3 انظر: الماوردي: الأحكام السلطانية (ص: 51 ـ 52)، وأبو يعلى: الأحكام السلطانية (ص:37)
4 انظر: الأم (5/ 18) ط. الثانية 1393هـ.
5 انظر: المغني والشرح الكبير (11/ 396)
6 انظر: عبد القادر عودة: الإسلام وأوضاعنا السياسية (ص: 194)، محمد أبو زهرة: ابن حزم (ص: 252)، ومحمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة (ص: 438)، وعبد الكريم زيدان: أصول الدعوة (ص: 207)
7 ويصرح رشيد رضا بألفاظ محدثة (كالديمقراطية) وتقييد سلطة الملوك والآراء. انظر: مجلة المنار (1/ 869) وهو ما يدل على تأثره بالأفكار الآتية من أوروبة.
المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:
اعتمد الشيخ رشيد في هذا على ما أورده الماوردي ولخصه، وعلق عليه بعض التعليقات 8، فقال: "وما ذكره من انعزال الإمام بالفسق قد
8 انظر: الماوردي: الأحكام السلطانية (ص: 53 ـ 60)
اختلف فيه، والمشهور الذي حققه الجمهور أنه لا يجوز تولية الفاسق، ولكن طروء الفسق بعد التولية لا تبطل به الإمامة مطلقاً، وبعضهم فصل
…
" 1.
وبين الشيخ رشيد اتفاق العلماء على وجوب الخروج على الإمام بالكفر، وأنهم اختلفوا في الظلم والفسق بتعارض الأدلة، ومنها سد ذريعة الفتنة، والتحقيق المختار أن على الأفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطهما دون الخروج على ولي الأمر بالقوة، وأما أهل الحل والعقد فيجب عليهم ما يرون فيه المصلحة الراجحة حتى القتال 2.
وقال: "وقد استدل من قال يخلع بالكفر دون المعصية بحديث عبادة بن الصامت في المبايعة عند الشيخين 3، قال: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" وقد ذكر الحافظ في شرح قوله: "إلا أن تروا كفراً بواحاً" روايات أخرى بلفظ المعصية والإثم بدل الكفر 4
…
وقال في شرح قوله: "عندكم من الله فيه برهان" أي من نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل
…
" 5.
ولخص الشيخ المسألة بقوله: "وملخصه أن أهل الحل والعقد يجب عليهم مقاومة الظلم والجور والإنكار على أهله بالفعل وإزالة سلطانهم الجائر
1 الخلافة (ص: 48)
2 المصدر نفسه (ص: 33)
3 البخاري: الصحيح، ك: الفتن، باب: قول النبي (: "سترون بعدي أموراً تنكرونها"، ح: 7055 و7056، ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 41 (1709) وما بعده (3/ 1470)
4 انظر: فتح الباري (13/ 10 ـ 11)
5 المصدر نفسه والصفحة.
ولو بالقتال إذا ثبت عندهم أن المصلحة في ذلك هي الراجحة والمفسدة هي المرجوحة
…
" 1. وبذلك يضع الشيخ رشيد ضابطاً لمسألة الخروج هو قياس المصلحة والمفسدة، ويوضح رأي الشيخ رشيد أكثر ما يلي من تقسيمه الدور إلى دار عدل ودار جور.
تقسيم البلاد إلى دار عدل ودار جور:
عرف الشيخ رشيد دار العدل فقال: "
…
دار العدل وهي دار الإسلام التي نصب فيها الإمام الحق، الذي يقيم ميزان العدل، تسمى بذلك إذا قوبلت بدار البغي والجور، وهي ما كان الحكم فيها بتغلب أهل العصبية من المسلمين وعدم مراعاة أحكام الإمامة الشرعية وشروطها
…
، وهاتان الداران قد توجدان معاً في وقت واحد وقد توجد إحداهما دون الأخرى ولكل منهما أحكام
…
" 2.
ويبين الشيخ رشيد أحكام دار العدل فيقول: "أما دار العدل فطاعة الإمام فيها في المعروف واجبة شرعاً، ظاهراً وباطناً، ولا تجوز مخالفته إلا إذا أمر بمعصية لله تعالى ثابتة بنص صريح من الكتاب والسنة دون الاجتهاد والتقليد، ويجب قتال من خرج عليه من المسلمين أو بغى في بلاده الفساد بالقوة، كغيره من القتال الواجب شرعاً، وتجب الهجرة من دار الحرب ودار البغي إلى هذه الدار على من استضعف فيهما فظلم أو منع من إقامة دينه
…
" 3.
ويبين أيضاً بعض أحكام دار الجور والبغي، فيقول: "وأما دار البغي والجور فالطاعة فيها ليست قربة واجبة شرعاً لذاتها، بل هي ضرورة تقدر بقدرها
…
ومن الظلم الموجب للهجرة منها على من قدر إلى دار العدل ـ إن وجدت ـ حمل المتغلبين من يخضع لهم على القتال لتأييد عصبيتهم
1 الخلافة (ص: 49)
2 المصدر نفسه (ص: 50)
3 الخلافة (ص: 50)