المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: الهدى والضلال: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

هذه المسألة هي قلب أبواب القدر ومسائله، وقد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأن الهدى والضلال بيده لا بيد العبد، وأن العبد هو الضال أو المهتدي، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه 1. والهداية مراتب: أولها: الهداية العامة، وهي: هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيم حياتها، وهذه هي أعم المراتب. والثانية: هداية البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده، وهذه المرتبة أخص من الأولى لأنها تتعلق بالمكلفين. والثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء، وهي هداية التوفيق، ومشيئة الله لعبده الهداية وخلقه دواعي الهدى 2. ويشير قوله تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} 3 وقوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} 4 إلى المرتبة الأولى. وألى المرتبة الثانية يشير قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} 5 وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ

1 انظر: ابن القيم: الشفاء (ص: 117)

2 المصدر نفسه.

3 سورة الأعلى، الآية (1ـ 3)

4 سورة السجدة، الآية (7)

5 سورة فصلت، الآية (17)

ص: 607

لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} 1، فقد هداهم تعالى هدى البيان والدلالة فلم يهتدوا فأضلهم عقوبة لهم على ترك الاهتداء، وهذا شأنه سبحانه في كل من أنعم عليه بنعمة فكفرها 2. وأما المرتبة الثالثة، فيشير إليها قوله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} 3 وقوله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4 وهذه المرتبة هي التي أنكرتها المعتزلة 5.

ويقرر الشيخ رشيد رحمه الله كأهل السنة ـ وكما صرحت آيات الكتاب العزيز ـ أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

قال الله تعالى:

{مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 6.

قال الشيخ رشيد: "أي من تعلقت مشيئة الله بإضلاله يضلله،

وإنما إضلاله إياهم اقتضاء سنته في عقول البشر وغرائزهم وأخلاقهم أن يعرض المستكبر عن دعوة من يراه دونه، واتباع من يراه مثله، وإن ظهر له أن الحق معه، وأن يعرض المقلد عن النظر في الآيات والدلائل التي تنصب لبيان بطلان تقاليده وإثبات خلافها

وليس معنى ذلك أن يخلق الله الضلال لمن شاء إضلاله خلقاً، ويجعله له غريزة وطبعاً، ولا أن يلجئه إليه إلجاءً، ويكرهه عليه إكراهاً

{وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي ومن يشأ هدايته واستقامته يجعله على طريق مستقيم، وهو طريق الحق الذي لا يضل سالكه ولا ينجو تاركه، بأن يوفقه لاستعمال سمعه وبصره وعقله في آيات الله المنزلة وآياته المكونة

" 7.

1 سورة التوبة، الآية (115)

2 ابن القيم: الشفاء (ص: 140)

3 سورة الإسراء، الآية (97)

4 سورة الأنعام، الآية (39)

5 انظر: عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: 357)، وانظر: ابن القيم: الشفاء (ص: 141)

6 سورة الأنعام، الآية (39)

7 تفسير المنار (7/ 402 ـ 403)

ص: 608

يعني أن الله تعالى يقدر الهدى والضلال، على وفق مبدأ السببية وارتباط الأسباب بالمسببات.

وقد نقل الشيخ رشيد رضا عن شيخه معنى الهداية ومراتبها، فقال:

"ذكر الأستاذ الإمام أولاً ما قالوه في معنى الهداية لغة من أنها الدلالة بلطف على ما يوصل إلى المطلوب

" 1.

ثم ذكر أنواعها ومراتبها، فقال نقلاً عنه: "ومنح الله تعالى الإنسان أربع هدايات يتوصل بها إلى سعادته:

(أولاها) : هداية الوجدان الطبيعي والإلهام الفطري، وتكون للأطفال منذ ولادتهم....

(الثانية) : هداية الحواس والمشاعر وهي متممة لهداية الأولى في الحياة الحيوانية، ويشارك الإنسان فيها الحيوان الأعجم، بل هو فيها أكمل من الإنسان....

(الهداية الثالثة) : العقل:

وهي العقل الذي يصحح غلط الحواس والمشاعر ويبين أسبابه....

(الهداية الرابعة) :

، أشار القرآن إلى أنواع الهداية التي وهبها الله تعالى للإنسان في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} 2 أي طريقي السعادة والشقاوة والخير والشر. قال الأستاذ الإمام: وهذه تشتمل هداية الحواس الظاهرة والباطنة وهداية العقل وهداية الدين. ومنها قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} 3 أي دللناهم على طريقي الخير والشر، فسلكوا سبل الشر المعبر عنه بالعمى

" 4.

1 تفسير المنار (1/ 62)

2 سورة البلد، الآية (10)

3 سورة فصلت، الآية (17)

4 تفسير المنار (1/ 64)

ص: 609

وإن كان الله تبارك وتعالى قد منح هذه الهدايات الأربع لكل فرد من أفراد الإنسان، إلا أن هناك هداية خامسة، هي هداية خاصة لم تمنح للكافة، بل اختص الله تعالى بها بعض خلقه.

وهذه الهداية الخاصة وهي هداية التوفيق، هي التي افترق الناس فيها، فأثبتها أهل السنة، وأنكرتها المعتزلة والقدرية، وأثبتها كذلك الشيخ رشيد رضا رحمه الله فيقول:

"بقي هنا هداية أخرى وهي المعبر عنها بقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 1 فليس المراد من هذه الهداية ما سبق ذكره، فالهداية في الآيات السابقة بمعنى الدلالة، وهي بمنزلة إيقاف الإنسان على رأس الطريقين؛ المهلك والمنجي، مع بيان ما يؤدي إليه كل منهما، وهي ما تفضل الله به على جميع أفراد البشر. أما هذه الهداية فهي أخص من تلك، والمراد بها إعانتهم وتوفيقهم للسير في طريق الخير والنجاة مع الدلالة، وهي لم تكن ممنوحة لكل أحد كالحواس والعقل، وشرع الدين.

ولما كان الإنسان عرضة للخطأ والضلال في فهم الدين، وفي استعمال الحواس والعقل

كان محتاجاً إلى المعونة الخاصة، فأمرنا الله بطلبها منه في قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 2 فمعنى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} دلنا دلالة تصحبها معونة غيبية من لدنك تحفظنا بها من الضلال والخطأ

" 3.

ثم قال الشيخ رشيد: "هذا الفرق بين معنى الهداية معروف في اللغة، وبه يجاب عن التناقض الظاهري في قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4 وقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 5 وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي

1 سورة الأنعام، الآية (90)

2 سورة الفاتحة، الآية (6)

3 تفسير المنار (1/ 64 ـ 65)

4 سورة الشورى، الآية (52)

5 سورة القصص، الآية (56)

ص: 610

مَنْ يَشَاءُ} 1 فالهداية التي أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم هي الدلالة على الخير والحق، والتي نفاها عنه هي الثانية التي بمعنى الإعانة والتوفيق" 2.

وعند قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} 3 يقرر الشيخ رشيد نفس المعنى، مع زيادة بيان وتوضيح، فيقول: " أي ذلك الهدى إلى صراط مستقيم، وهو ما كان عليه أولئك الأخيار مما ذكر من الدين القويم، والفضل العظيم، هو هدى الله الخاص، الذي هو وراء جميع أنواع الهدى العام كهدى الحواس والعقل والوجدان، لأنه عبارة عن الإيصال بالفعل إلى الحق والخير، على الوجه الذي يؤدي إلى السعادة

" 4.

وبهذا البيان الواضح، يظهر لنا أن الشيخ رشيد، وكما هو مذهب السنة يثبت هذه المرتبة التي تفضل الله بها على عباده، وقد أنكرتها المعتزلة والقدرية.

وكما أن الله تعالى يهدي من يشاء، فإنه يضل من يشاء، ولكن هذا الإضلال ليس على سبيل الجبر، كما هو مذهب الجبرية، بل هو ـ وكما بين الشيخ رشيد ـ من باب ترتب المسببات على الأسباب والمقدمات على النتائج.

"وقد علم مما قررناه أن إسناد الضلال إلى الله تعالى ليس معناه أنه أجبرهم على الضلال إجباراً، وأعجزهم بقدرته عن الهدى فكان ضلالهم اضطراراً لا اختياراً، بل معناه أنهم مارسوا الكفر والضلال وأسرفوا فيهما حتى وصلوا إلى الحد العمه في الطغيان، ففقدوا بهذه الأعمال الاختيارية ما

1 سورة البقرة، الآية (272)

2 تفسير المنار (1/ 64) هامش رقم (1)

3 سورة الأنعام، الآية (88)

4 تفسير المنار (7/ 590)

ص: 611

يضادها من الهدى والإيمان" 1. "والله تعالى يسند الأمور إلى أسبابها تارة وإليه تعالى تعالى تارة من حيث أنه خالق كل شيء وواضع سنن الأسباب والمسببات، ومن هذه الأسباب ما جعله من أفعال المخلوقات الاختيارية على علم، وما جعله بأسباب لا يعلم للخلق اختيار فيها ولا علم، وكل من القسمين يسند إلى سببه تارة وإلى رب الأسباب تارة، والجهة مختلفة معروفة

وجملة القول: أن من سننه تعالى في البشر أن من يتبع هواه في أعماله ويستمر على ذلك ويدمنه الزمن الطويل تضعف إرادته في هواه، حتى تذوب وتفنى فيه، فلا تعود تؤثر فيه المواعظ القولية، ولا العبر المبصرة ولا المعقولة، وهذه الحالة يعبر عنها بالختم والرين والطبع على القلب

وأمثال هذه الأمثال المضروبة لهذه الحالة قد ضل بها الجبرية غافلين عن كونها عاقبة طبيعية لإدمان تلك الأعمال الاختيارية

" 2.

1 المصدر نفسه (9/ 459)

2 تفسير المنار (9/ 636)

ص: 612