الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الموازين:
الموازين جمع ميزان، وهو الذي توزن به الحسنات والسيئات، وقد ورد ذكر الوزن والموازين في آيات كثيرة من القرآن، كقوله تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} 1، وقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} 2، وقوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} 3.
فتدل هذه الآيات وغيرها على إثبات الموازين والوزن يوم القيامة، وأن أعمال العباد خيرها وشرها توزن بالموازين إظهاراً للعدل الإلهي. وأجمع عليه أهل السنة 4، قال أحمد: "والميزان حق توزن به الحسنات والسيئات،
1 سورة الأعراف، الآية (8 ـ 9)
2 سورة الأنبياء، الآية (47)
3 سورة القارعة، الآيات (6ـ 9)
4 انظر: ابن أبي عاصم: السنة (2/ 363)، وابن منده: الإيمان (3/ 224)، والبخاري: الصحيح، ك: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (13/ 547)،وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 608) وما بعدها. وابن حجر: فتح الباري (13/ 548)، والقرطبي: التذكرة (ص: 373) ط. الكليات الأزهرية.
كما شاء الله أن توزن" 1.
وأما الشيخ رشيد فعلى قاعدته في الإيمان بعالم الغيب وما يتعلق به، فإنه يثبت الميزان مع تفويض الكيفية، فيقول: "والأصل الذي عليه سلف الأمة في الإيمان بعالم الغيب أن كل ما ثبت من أخباره في الكتاب والسنة فهو حق لا ريب فيه، نؤمن به ولا نحكم رأينا في صفته وكيفيته، فنؤمن إذاً بأن في الآخرة وزناً للأعمال قطعاً، ونرجح أنه بميزان يليق بذلك العالم يوزن به الإيمان والأخلاق والأعمال، لا نبحث عن صورته وكيفيته، ولا كفتيه
…
" 2.
وفيما يتعلق بالكفتين، يقول الشيخ رشيد: "وأما الميزان فلم يرد وصفه بما وصفوه به من الكفتين واللسان والصنج 3 أحاديث صحيحة
…
" 4.
وهو في هذا متابع لشيخه محمد عبده الذي قال نفس الكلمات في نفس المناسبة 5. ولم يتغير موقف الشيخ رشيد من كفتي الميزان فيما بعد، فها هو يقول: "ومن الأحاديث الغريبة في هذا الباب، "حديث البطاقة" الذي سبقت الإشارة إليه، فقد رواه الترمذي في باب (من يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً 6
…
وجَعْله دليلاً على كون الميزان ذا كفتين غير متعين لإمكان جعل الكلام استعارة مكنية 7، وجعل الكفة ترشيحاً لها
…
" 8.
1 السنة (ص: 73) ت: الأنصاري، وانظر روايات أخرى عن أحمد وغيره عند اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (1/ 178 و186 و175)
2 تفسير المنار (8/ 323)
3 الصنج: مثاقيل توضع في كفة الميزان ويوضع الموزون في الكفة الأخرى.
4 مجلة المنار (5/ 912)
5 وللأسف نسيت الموضع الذي ذكر فيه محمد عبده هذه الكلمات.
6 انظر: الترمذي: السنن: ك: الإيمان، باب: ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ح: 2639 (5، 24) وقال: حسن غريب. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (11/ 175ح:6994)
7 سبق الكلام عن الكناية والمجاز. انظر (ص:409) من هذا البحث.
8 تفسير المنار (8/ 324 ـ 325)
ويقول: "
…
وإذا لم يكن في الصحيحين ولا في كتب السنة المعتمدة حديث صحيح مرفوع في صفة الميزان ولا في أن له كفتين ولساناً فلا تغتر بقول الزجاج أنه مما أجمع عليه أهل السنة
…
" 1.
وما أدري ما السبب الذي جعل الشيخ رشيد يتخذ هذا الموقف المتشدد من الكفتين ولِمَ لم يجرِ عليهما قاعدته في تفويض الكيفية التي يكررها دائماً؟ إنهما كفتان تسعان السماوات والأرض فليست إذن كالمعهودة في الدنيا 2.
ومهما يكن من شيء فإن الكفتين ثابتتان في السنة فقد روى أحمد 3، والترمذي 4، وابن ماجه 5، حديث البطاقة الذي أشار إليه الشيخ رشيد، وفيه: "فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة
…
"، فثبت بهذا أن للميزان كفتين كما ثبت بغيره من الأحاديث 6.
وأما الحكمة من وزن الأعمال، فيقول الشيخ رشيد: "أنه يكون أعظم مظهر لعدل الرب تبارك وتعالى، أي ولعلمه وحكمته وعظمته في ذلك اليوم العظيم
…
" 7.
وقد اختلف أهل العلم فيما هو الموزون؟ فذهب بعضهم إلى أنه الأعمال نفسها وبعضهم إلى أنه الكتب التي كتبت فيها الأعمال، وبعضهم
1 تفسير المنار (8/ 322)
2 انظر: القرطبي: التذكرة (2/ 378)
3 المسند (2/ 213)
4 سبق تخريجه قريباً.
5 السنن (2/ 1437، ح:4300)، والحاكم: المستدرك (1/ 47) وصححه وافقه الذهبي. وصححه أحمد شاكر كما سبق في حاشية رقم (5)(ص:803) وكذلك الألباني: الصحيحة (ح: 135) .
6 انظر: ابن أبي عاصم: السنة (2/ 362)، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 610) ت: الأرناؤوط.
7 تفسير المنار (8/ 321و 324)
إلى أنه صاحب العمل 1، والذي دلت عليه السنة أن العمل يوزن لقوله صلى الله عليه وسلم:"والحمد لله تملأ الميزان" الحديث 2. ودلت أيضاً على أن صاحب العمل يوزن كما في إحدى روايات حديث البطاقة، وفيها "توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة" 3، كذا قوله صلى الله عليه وسلم في ساقي ابن مسعود "والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد" 4، وغيرها من الأحاديث كما دل حديث البطاقة على وزن السجلات التي كتبت فيها الأعمال.
وأما الذي اختاره الشيخ رشيد فهو أن الأعمال هي التي توزن، واستدل بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن"5.
وهل توزن أعمال الكفار؟ اختلف في ذلك أهل العلم، على قولين 6. والذي رجحه الشيخ رشيد هو أن أعمال الكفار توزن، قال: "وما من كافر إلا وله حسنات ولكن الكفر يحبطها فتكون هباءً منثوراً، وهي تحصى مع السيئات وتضبط بالوزن الذي به يظهر مقدار الجزاء وتفاوتهم فيه
…
إذ من
1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/548)
2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الطهارة، ح: 1 (223)[1/ 203]
3 انظر: أحمد: المسند (2/ 221)، وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (10/ 82)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (6/ 23، ح: 7066)
4 انظر: أحمد: المسند (1/420) وقال الهيثمي: فيه عاصم بن أبي النجود وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح. مجمع الزوائد (9/289) ، وله شواهد هناك.
وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (12/ 39، ح: 3991)، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب برقم:(920)، وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبي يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة. مجمع الزوائد (9/ 288 ـ 289)
5 الترمذي: ك: البر، باب: ما جاء في حسن الخلق، ح: 2002، وقال: حسن صحيح، وح: 2003، وقال: غريب (4/ 362 ـ 363)
6 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 548)، والقرطبي: التذكرة (2/ 373)
المتفق عليه والمجمع عليه أن عذاب الكفار متفاوت ولا يعقل أن يكون عذاب أبي جهل كعذاب أبي طالب لولا الخصوصية، والله تعالى يقول:{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} 1
…
"2.
1 سورة النساء، الآية (40)
2 تفسير المنار (8/ 320)