الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من سقيمها، وهي ما لم يسبق عليه المنار أي من المجلات الدينية، فكانت هي الرائدة وصاحبها المحدث.
وفيما يلي من هذا المبحث سنقف على منهج الشيخ رشيد في محاربة البدع والخرافات من خلال تتبع كلامه حولها.
المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً
تعريف البدعة لغة:
البدعة نقيض السنة، لفظ مشتق من بدع الشيء يبدعه بدعاً: إذ أوجده على غير مثال سابق، وابتدعه وأبدعه بمعنى واحد، واسم الفاعل من أبدع المبدع، ومن ابتدع المبتدع، ومن أسماء الله تعالى البديع، فهو سبحانه بديع السموات والأرض، لأنه أبدعها وأحدثها على غير مثال سابق، كما قال تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1، والبديع: أيضا: الذي ليس قبله شيء والبدع ما كان أولا ولم يسبقه شيء، كما قال تعالى:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} 2، أي: ما كنت أول رسول أرسل إلى أهل الأرض، بل أرسل قبلي رسل كثيرون3.
ويقول لمن أتى بأمر لم يسبقه أحد: أتى ببدعة، ومنه قوله تعالى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} 4 5.
1 سورة البقرة، الآية (117) .
2 سورة الأحقاف، الآية (9) .
3 انظر: الزجاج: معاني القرآن (4/439) .
4 سورة الحديد، الآية (27) .
5 انظر: الجوهري: الصحاح (3/1183)، والأزهري: تهذيب اللغة (2/240)، وابن منظور: لسان العرب (8/7)، والراغب: المفردات (ص: 110/111) .
وقال الشاعر:
فخرت فانتمت قلت أنظريني
…
ليس جهل أتيته ببديع1
فالبدعة: اسم هيئة من الابتداع2، وهي كل ما أحدث واخترع على غير مثال سابق. وهي –بهذا المعنى- تقال في المدح والذم، لأن المراد أنه أتى بشيء مخترع على غير مثال سابق، سواء كان خيرا أو شرا، وإن كان استعمال لفظة البدعة قد غلب على الحدث المكروه في الدين3. فتدور هذه المادة على معنى الإحداث والاختراع.
تعريف البدعة شرعاً:
وفي معنى البدعة الشرعي يوجد اتجاهان، الأول: يعرفها تعريفاً واسعاً فيجعلها تشمل كل ما أحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل منها الحسن والمذموم4. والثاني: يجعل البدعة الشرعية هي الحدث المذموم في الدين مما ليس له أصل في الشرع، ولا تكون إلا مذمومة5. من الفريق الثاني كان الشيخ رشيد رضا، وقد تبع في ذلك الشاطبي في الاعتصام والذي كان معجبا به أيما إعجاب6.
1 انظر: أبو عبيدة معمر بن المثنى: مجاز القرآن (2/212) .
2 انظر: علي محفوظ: الإبداع (ص:85) وانظر: سيبويه الكتاب (4/44-45) .
3 ابن الأثير: النهاية (1/107) .
4 ويعتبر العز بن عبد السلام (ت: 660هـ) على رأس القائلين بالتقسيم. انظر: قواعد الأحكام له (2/172) وما بعدها، ط. المكتبة البخارية الكبرى بمصر، وينسب ذلك –أي القول بالتقسيم- إلى الشافعي رحمه الله. انظر: أبو شامة الباعث (ص: 28) ط. مكتبة المؤيد، الطائف، الأولى، 1412هـ، والغزالي أيضا ممن قال به. انظر: الإحياء (3:2)، وابن الأثير: النهاية (1/97) .
5 وعلى رأس هؤلاء الإمام مالك. انظر: الفروق: للقوافي (4/229) ط. دار إحياء الكتب العربية، والإمام أحمد، انظر: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (1/156 برقم: 317)، وابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم. (2/583)، والشاطبي: الاعتصام (1/188) ط. المكتبة البخارية الكبرى بمصر، وابن الوزير: إيثار الحق (ص:107/109) .
6 انظر: الشاطبي: الاعتصام (1/191) وما بعدها، فقد رفض هذا التقسيم بشدة ورده على أصحابه.
وأحسن ما عرفت به البدعة شرعا ما قاله ابن رجب الحنبلي رحمه الله حيث عرّف البدعة وبين المراد منها فقال: "المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وإن كان بدعة لغة"1.
فبناءا على تعريف ابن رجب لا تكون البدعة إلا مذمومة، ولا يكون منها شيء حسناً أو مستحباً، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"وكل بدعة ضلالة"2. قال شيخ الإسلام: "هذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع.."3.
وقد ذهب الشيخ رشيد رحمه الله إلى هذا المعنى في تفسير البدعة، فلقد عرّف البدعة فقال: "البدعة في اللغة الفعلة المبتدعة المستحدثة، فإن كانت في الدين فهي شرع لم يأذن به الله، وافتراء على اللهو وهي ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين في عهده من العبادات
…
وأما غير الدينية المحضة فهذه منها حسن وهو النافع الذي لا مفسدة فيه، ومنها سيئ وهو الضار وما يترتب عليه فساد مثلاً، وكل منهما درجات فتعتريها الأحكام الخمسة
…
، وأما البدعة الدينية المحضة فهي لا تكون إلا قبيحة ضلالة، ودليل الكلية4 ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول على المنبر:"أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن أفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"5
…
" 6.
1 جامع العلوم والحكم (ص:252) .
2 سيأتي تخريجه.
3 اقتضاء الصراط المستقيم (2/583) .
4 القضية الكلية في المنطق هي: القضية التي تستغرق موضوعها، لأن الحكم فيها واقع على جميع أفراد الموضوع في حالة الإيجاب، ومسلوب عن جميع الموضوع في حالة السلب. انظر: جميل صليبا: المعجم الفلسفي (2/239) .
5 رواه مسلم: الصحيح، ك: الجمعة، ح: 43 (687) .
6 مجلة المنار (32/273) وانظر أيضا (18/305) .
وقال في موضع آخر: "
…
إن لكلمة البدعة إطلاقين: إطلاقا لغويا بمعنى الشيء الجد الذي لم يسبق له مثل، وبهذا المعنى يصح قولهم: إنها تعتريها الأحكام الخمسة، ومنه قول عمر رضي الله عنه في جميع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح:"نعمة البدعة" وإطلاقا شرعيا دينيا بمعنى ما لم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجيء به من أمر الدين كالعقائد والعبادات والتحريم الديني
…
"1.
ويجيب الشيخ رشيد على حديث "من سن في الإسلام سنة حسنة" الحديث2، بأنه من الإطلاق الأول، كأمور الزراعة والمعاش والحرب....إلخ، قال:"وقوله في الإسلام معناه في عهد الإسلام المقابل لعهد الجاهلية"3.
ويجيب عن قول ابن مسعود رضي الله عنه "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" 4 بأنه غير مرفوع، فلا حجة فيه، ولأنه في معنى الإجماع، وهو لا يكون إلا عن دليل، وليس معناه الابتداع في الدين لكل أحد أو لكل جماعة5.
فتبين لنا من هذا أن الشيخ رشيد رحمه الله يميل إلى الاتجاه الثاني
1 المصدر نفسه (27/660) ، وانظر أيضا (2/103-104، 14/256) .
2 مسلم: الصحيح، ك: العلم، ح: 15 (1017)(4/2059) .
3 مجلة المنار (32/273) وانظر أيضا (28/660 و2/103-104) ، والحديث المشار إليه ورد على سبب هو تصدق رجل من المسلمين ثم متابعة المسلمين له في ذلك. والظاهر أن ذلك ليس من البدع الشرعية بمعنى أنها طريقة مخترعة في الدين، وإنما هذه سنة لغوية، وهي سنة حسنة لها أصل في الدين فإن هذا الرجل ليس أول من تصدق على الإطلاق، ولكن أوليته إضافية، فهذه سنة حسنة لها أصل في الدين فليست في معنى البدعة المذمومة. وانظر: علي محفوظ: الإبداع (ص:120121) .
4 اثر موقوف على ابن مسعود: رواه أحمد: المسند (5/211) ح:3200، ت: أحمد شاكر، وهو في مجمع الزوائد:(1/177-178)، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله موثقون. وصنيع الهيثمي يدل على أنه في الإجماع. فقد أورده تحت باب "الإجماع".
5 مجلة المنار (27/660)