المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

لا شك أن النبوة ضرورة من ضرورات حياة البشر، لا غنى عنها بحال من الأحوال، فحاجة البشرية إلى النبوة، كحاجة الحياة إلى الروح، وأنهم ـ أي الرسل ـ من الأمم بمنزلة العقول من الأشخاص. قال ابن القيم رحمه الله مبيناً حاجة العباد إلى الأنبياء والرسل: "

ومن ههنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم

فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير

" 1.

وقد ذهب قوم إلى أن البشر يستغنون عن الدين في انتظام شملهم وقوام مدنيتهم وأن الإنسان يمكن أن يصل بعقله إلى ما فيه سعادته من غير وحي إلهي ولا إرشاد سماوي اكتفاء بالعقل والمشاعر والوجدان والإلهام التي وهبها له مدبر الكون 2. ويقولون أيضاً: ها هو ذا الدين الذي يقال أنه جامع الكلمة ورسول المحبة كان سبباً في الشقاق والخلاف 3.

1 زاد المعاد (1/ 69) .

2 انظر: مجلة المنار (1/ 243)

3 انظر: المصدر نفسه (1/ 289)

ص: 682

وقد بين الشيخ رشيد حاجة البشر إلى الرسالة وأجاب عن شبهات المنكرين لهذه الحاجة. قال: "وجه حاجة البشر إلى هداية الأنبياء عليهم السلام في الجملة: أن موضوع رسالتهم المقصود بالذات، أو القصد الأول ثلاثة أمور، لا تستقل معارفهم المكتسبة بحواسهم وعقولهم بها، ولا يذعنون فيها إلا لأمر ربهم وخالقهم:

أحدها: الإيمان بالغيب ورأسه توحيد الله وصفاته وآياته الدالة على كماله وتنزهه عن النقص، وما يجب من عبادته وشكره وذكره الذي هو أعلى ما تتزكى به الأنفس، وتتطهر من أدران مساويها، وتصل إلى الكمال المستعدة له بفطرتها، ويليه الإيمان بملائكته وما يناط بهم من الوحي والنظام في الخلق والأمر ويجب الوقوف في ذلك عند ما ورد به النص....

ثانيها: ما يجب اعتقاده من البعث بعد الموت والحساب والجزاء على الإيمان والأعمال، وهو أكبر البواعث ـ بعد الإيمان بالله ومعرفته ـ على اتباع ما شرعه من اتباع الحق، وإقامة العدل، وأعمال البر والخير والصدود عن أضدادها.

ثالثها: وضع حدود وأصول للأعمال التشريعية المشار إليها لا مجال للآراء والأهواء فيها، لتكون جامعة للكلمة، مانعة من التفرقة، متبعة في السر والعلانية

" 1. ويبين رشيد رضا ـ مُفصِلاً ومؤكداً لهذا المعنى ـ إن حاجة البشر إلى الوحي تظهر في جهتين: الدنيا والآخرة؛ فأما في الدنيا فمن حيث أن الإنسان يعيش في جماعة ـ وقد أودع في كل فرد من أفرادها ما يقتضي التباين والتنازع، ولا يتم لنوع الإنسان ارتقاؤه ولا بقاؤه مع هذه الغرائز المتعارضة، فمن ثم كان محتاجاً إلى إرشاد يوفق بين آثار هذه الغرائز وعوارضها، بما يذهب بتعارضها، ويعرف كل فرد من الأفراد حده، ويجعل له من نفسه وازعاً يوقفه عنده، ولم تكمل له هذه الحاجة إلا بالدين 2. وأما سعادة الآخرة فلا طريق إليها إلا الرسل عليهم السلام فهم أولاً: يخبرون

1 الوحي المحمدي (ص: 48 ـ 50) باختصار.

2 انظر: مجلة المنار (4/ 10 و 140)

ص: 683

بها ويؤكدون ما فطر عليه الإنسان من الإحساس بوقوعها، ثم يبينون السبيل للفوز بنعيمها وسعادتها 1.

وأما كون الدين لم يرفع الشقاق، بل ربما كان سبباً فيه، وهي من الشبه التي يلقيها منكرو الوحي والرسالة، فيجيب عنها الشيخ بقوله: "

نعم كل ذاك قد كان ولكن بعد زمن الأنبياء، وانقضاء عهدهم ووقوع الدين في أيدي من لا يفهمه أو يفهمه ويغلو فيه ولكن لم يمتزج حبه بقلبه، أو امتزج بقلبه حب الدين ولكن ضاقت سعة عقولهم عن تصريفه تصريف الأنبياء

وإلا فقل لنا: أي نبي لم يأت أمته بالخير الجم، والفيض الأعم، ولم يكن دينه وافياً بجميع ما تمس إليه حاجتها في أفرادها وجملتها

وكذلك الرسل عليهم السلام أعلام هداية نصبها الله على طريق النجاة، فمن الناس من اهتدى بها فانتهى إلى غايات السعادة، ومنهم من غلط في فهمها وانحرف عن هديها فانكب في مهاوي الشقاء، فالدين هاد والنقص يعرض لمن دُعوا إلى الاهتداء به

" 2.

إن الرسل دعوا إلى كل خير، وتفاوتت الأمم في إجابة دعواتهم، دعت الرسل للتوحيد فأجابهم بعض وأعرض بعض وضل بعدهم آخرون، ودعوا إلى التآلف فعاش فيه الناس حقبة من الدهر ثم نكصوا على أعقابهم، ولو كان الناس على عهد الأنبياء لما وردت مثل هذه الشبهة على الحاجة إلى الوحي والرسالة.

ولم يقف الشيخ رشيد عند إثبات الحاجة إلى الوحي والرسالة، إذ قد يقال:"إن الحاجة إلى الشيء لا تستلزم وقوعه، وكذا إمكانه وعدم استحالته عقلاً لا يقتضي حصوله" 3، فذهب الشيخ رشيد ليثبت أيضاً وقوع الوحي والرسالة، بالأدلة والبراهين، بما لا يدع مجالاً للشك في وقوعها 4.

1 انظر: المصدر نفسه (4/ 142 ـ 147) باختصار.

2 مجلة المنار (1/ 289)

3 انظر: الوحي المحمدي (ص: 88)

4 الوحي المحمدي (ص: 90) وما بعدها، واتكأ في ذلك على كلام لشيخه محمد عبده. انظر: رسالة التوحيد (ص: 107 ـ 108) ط. دار إحياء العلوم.

ص: 684

العقل والوحي:

ومن الشبهات التي يطلقها الملحدون بين حين وآخر ويلبسون بها على الأغرار والدهماء دعوى كفاية العقول البشرية عن الرسل ـ لا سيما بعد رقيها في سلم الحكمة والمعرفة في الاستقلال بوضع ما يكفل سعادة الإنسان، لا سيما وقد قررنا أن معرفة الله تعالى أمر فطري 1، وإن بعض الحكماء المفكرين قد ارتقوا في المعارف العقلية إلى حيث أقاموا البراهين على وجود الله تعالى وحكمته وعلمه، ووجوب تعظيمه وشكره، بل قد قرر بعضهم وجوب بقاء النفس بعد الموت، وقد أثبت التاريخ أن من هؤلاء من وضع أصولاً للفضائل والشرائع، والآداب التي تكفل سعادة الإنسان.

هكذا يعرض الشيخ رشيد هذه الدعوى ثم يجيب عليها بقوله: "

نعم لكل ذلك أصل يثبته التاريخ الماضي، ويشهده العصر الحاضر، ولكن بين هداية الأنبياء وحكمة الحكماء وعلومهم فروقاً في مصدر كل منها، وفي الثقة بصحته، وفي الإذعان لحقيقته، وفي تأثيره في أنفس جميع طبقات المخاطبين. فحكمة الحكماء وعلومهم آراء بشرية ناقصة؛ وظنون لا تبلغ من عالم الغيب إلا أنه موجود مجهول، وهي عرضة للتخطئة والخلاف، ولا يفهمها إلا فئة مخصوصة من الناس، وما كل من يفهمها يقبلها، ولا كل من يقبلها ويعتقد صحتها يرجحها على هواه وشهواته، إذ لا سلطان لها على وجدان العالم بها، فلا يكون لها تأثير الإيمان وإسلام الإذعان والتعبد، لأن النوع البشري يأبى طبعه وغريزته أن يدين ويخضع خضوع التعبد لمن هو مثله في بشريته، وإن فاقه في علمه وحكمته، وإنما يدين لمن يعتقد أن له سلطاناً غيبياً عليه، بما يملكه من القدرة على النفع والضر بذاته دون الأسباب الطبيعية المبذولة لجميع الناس بحسب سنن الكون ونظامه.." 2. ولقد وجد ـ على طول التاريخ وعرضه ـ حكماء وفلاسفة و "عقلاء" دعوا الناس إلى الفضيلة والحكمة، ولكنهم ذهبوا أثراً بعد عين،

1 انظر: (ص:266) من هذا البحث.

2 الوحي المحمدي (ص: 54)

ص: 685

ولم يستجب لهم من الناس إلا أفذاذ أو أفراد، ثم ذهبت معهم دعوتهم، فاتخذت لنفسها مكاناً معهم في أجداثهم، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً؟.

وأين علوم الأنبياء من علوم الحكماء؟ لقد أتى الأنبياء بعلوم وحقائق مات بحسرتها الفلاسفة، وما بلغوا شيئاً منها، وما أتوا إلا بجهالات وسفسطات. يقول الشيخ رشيد: "

فمن أعظم مزايا الوحي الدينية على العلمية الكسبية أن جميع طبقات المؤمنين بها يذعنون لها بالوازع النفسي التعبدي، فبذلك تكون عامة ثابتة لا مجال للخلاف والتفرق فيها، ما دام الفهم لها صحيحاً، والإيمان بها راسخاً، ولذلك نرى الشعوب التي ساء فهمها للدين وتزلزل إيمانها به أو زال، لا ينفعها من دونه علوم العلماء ولا حكمة الحكماء، وقد ارتقت العلوم والحكمة في هذا العصر، وعم انتشارها بما لم يعرف مثله في عصر آخر، وهم لا يذعنون في أنفسهم لإرادة ملك أو أمير، ولا لرأي عالم نحرير، ولا فيلسوف شهير، ولا مشرع خبير، بل صاروا إلى فوضى في الأخلاق والآداب والاجتماع، واستباحة الأموال والأعراض، وكذا الدماء لم يعهد لها في البشر نظير، صارت بها الأمم والدول عرضة لفتنة في الأرض وفساد كبير

" 1.

وبهذا يبطل رشيد رضا كل الشبه التي قد توجه إلى عدم حاجة البشر إلى الوحي، ويثبت أن هذه الحاجة كانت شديدة، وأننا اليوم بحاجة إلى هداية الأنبياء ـ ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد إذن من الرجوع إلى هديه والاهتداء برسالته، وهو ما ألف رشيد رضا كتابه "الوحي المحمدي" من أجله.

1 الوحي المحمدي (55ـ 56)

ص: 686