المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: النار وعذابها: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بوجود النار وهي دار أعدها الله سبحانه لأعدائه ولمن عصاه وخالفه، فهي دار العقوبة في الآخرة. وقد ورد ذكر النار وعذابها في كتاب الله تعالى مرات ومرات، قال تعالى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 1، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 2.

وقد تحدث الشيخ رشيد عن النار وعذابها من خلال تفسيره للآيات ومن خلال مقالاته وأجوبته على قراء مجلته "المنار" فقد قال في تعريفها، عند قوله تعالى:{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} 3 "النار اسم لدار الجزاء المعدة للمشركين والمجرمين، والمثوى: مكان الثواء، والثواء نفسه وهو الإقامة والسكنى

" 4.

وقال أيضاً عند قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ

1 سورة آل عمران، الآية (131)

2 سورة التحريم، الآية (6)

3 سورة الأنعام، الآية (128)

4 تفسير المنار (8/ 68)

ص: 884

غَوَاشٍ} 1 "جهنم اسم لدار العذاب والشقاء، قيل: أعجمي، وقيل: مأخوذ من قولهم: ركية 2 جهنام (بتثليث الجيم وتشديد النون) أي: بعيدة القعر

" 3.

وقال في موضع آخر: "جهنم اسم من أسماء دار الجزاء على الكفر والفسوق والعصيان"4.

وعن الإيمان بهذه الدار ـ أعاذنا الله منها ـ قال الشيخ رشيد: "

نؤمن بها لأنها من عالم الغيب الذي أخبر الله تعالى به، ولا نبحث عن حقيقتها، ولا نقول إنها شبيهة بنار الدنيا، ولا أنها غير شبيهة بها. وإنما نثبت لها جميع الأوصاف التي وصفها الله تعالى بها، كقوله:{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} 5

ولا يسبق إلى الفهم أنها لا توجد إلا بوجود الناس والحجارة، إذ يصح أن يكونوا وقودها بعد وجودها" 6.

ويلاحظ أن مذهب الشيخ رشيد يطرد هنا فيما يتعلق بتفويض الكيفية في كل ما يتعلق بعالم الغيب، وينحى الشيخ رشيد فيه أيضاً ـ مع طرد مذهبه ـ منحى السلامة التي لا يعدلها شيء ـ ليتفادى ـ إذا ما أراد الخوض في الحقائق ـ اعتراض المعترضين الذين كانوا يتحينون الفرص لإقامة الشبهات حول الدين ومسائله، وهو ما كان يتفاداه الشيخ رشيد دائماً ويسعى لإزالته، ويفرح إذا ما وجده في كلام أهل العلم ما يدفعه عن الدين، وهو ما جعله يتخذ الموقف التالي من كلام ابن القيم في مسألة فناء النار على ما أبسطه في المطلب التالي.

1 سورة الأعراف، الآية (41)

2 الركية بالتشديد ـ كقضية ـ هي: البئر. ابن الأثير: غريب الحديث (2/261)

3 تفسير المنار (8/ 419)

4 المصدر نفسه (8/ 338 ـ 339)

5 سورة التحريم، الآية (6)

6 تفسير المنار (1/ 197)

ص: 885

مسألة فناء النار:

خلود الجنة والنار وبقاؤهما بإبقاء الله لهما، وعدم فنائهما، ولا فناء من فيهما، ثابت بالكتاب والسنة، ولا يوجد فرق في النصوص بين خلود الجنة وخلود النار. قال تعالى في الجنة وأهلها:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} 1، وقال تعالى:{وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2، وقال تعالى عن النار وأهلها:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} 3، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} 4، وقد سماها الله تعالى "دار الخلد" فقال:{ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} 5.

وورد في السنة أحاديث تدل على ذلك أيضاً ـ أعني أبدية الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما ـ من دون فرق بينهما ـ منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يؤذن مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار: لا موت، كل خالد فيما هو فيه" 6، ففي هذا الحديث دلالة على خلود الدارين وأهلهما من دون فرق بينهما. وعلى ذلك أجمع السلف وأصحاب الحديث 7.

1 سورة النساء، الآية (57)

2 سورة التوبة، الآية (100)

3 سورة النساء، الآية (168 ـ 169)

4 سورة الأحزاب، الآية (64 ـ 65)

5 سورة فصلت، الآية (28)

6 البخاري: ك: الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، ح: 6544 (11/ 414) مع الفتح.

7 انظر: الصابوني: عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص: 66) ت: بدر البدر، وابن تيمية: مجموع الفتاوى (3/ 304، 8/ 380، 12/ 45، 14/ 348، 18/ 307) ، ودرء التعارض (1/ 227 ـ 228، 1/ 38، 1/ 304 ـ 305)، وابن القيم: اجتماع الجيوش (ص:91) ط. السلفية، وطريق الهجرتين (ص: 254 ـ 255) ت: عبد الله الأنصاري، وزاد المعاد (1/ 66 ـ 68) ت" الأرناؤوط.

ص: 886

وقد نسب القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله تعالى ـ واشتهر ذلك بين الناس 1، وقد بحث هذه النسبة عدد من الباحثين، وأثبتوا بالأدلة وقوف الشيخين ابن تيمية وابن القيم في صف أهل السنة في هذه المسألة كغيرها من المسائل 2.

ولكن ما موقف الشيخ رشيد في هذه المسألة؟ وهل تبع فيها ما اشتهر عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية ـ الذين لم يعرف مذهب السلف إلا عن طريقهما؟ وإن كانت لم تصح نسبة هذا القول إليهما كما سبق، أو خالفهما اتباعاً للأدلة كما هو منهجه في عدم التقليد لأحد كائن من كان؟

لقد نقل الشيخ رشيد كلام ابن القيم في حادي الأرواح بطوله، وأعلن إعجابه به لسببين: الأول: ما في كلام ابن القيم من "دقائق المعرفة بالله تعالى وفهم كتابه، والغوص على درر حكمه وأحكامه وأسراره في أقداره، والإفصاح عن سعة رحمته وخفي لطفه وجليل إحسانه" 3، ويقرر الشيخ رشيد أن أحداً لم يسبق ابن القيم ولم يلحقه فيه أحد. وقال:"فنسأله سبحانه أن يكافئه على ذلك أفضل ما يكافئ العلماء العاملين، والعارفين الكاملين وأن يحشرنا وإياه في ثلة المقربين"4. والسبب الثاني في إعجاب الشيخ رشيد بكلام ابن القيم وهو أهم من الأول: أنه يزيل شبهة عن الدين،

1 انظر: الصنعاني: رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص: 63) ، ط. المكتب الإسلامي.

2 انظر في ذلك: د. جابر الحربي: كشف الأستار. ط" دار طيبة بمكة، وبكر أبو زيد: ابن القيم حياته وآثاره (ص: 148) ط. المكتب الإسلامي، وانظر أيضاً: محمد علي ناصر الفقيهي، وأحمد بن عطية الغامدي: مقدمة الصواعق المنزلة لابن القيم (1/ 12 ـ 20) ط. الجامعة الإسلامية.

3 تفسير المنار (8/م 98) وانظر أيضاً: مجلة المنار (22/ 315)

4 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 887

وهي: "قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم، وأكثر البشر يعذبون عذاباً شديداً دائماً لا ينتهي أبداً بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادً، مع قولهم ـ ولا سيما المسلمين منهم ـ أن الله تعالى أرحم الراحمين وأن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزءاً صغيراً من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه، راجين رحمته خائفين عقابه،

فما أعظم ثواب ابن القيم علىاجتهاده في شرح هذا القول المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وإن خالفهم الجمهور

" 1.

هذا السبب هو أهم ما جعل الشيخ رشيد يشيد بقول ابن القيم وهو إزالته لشبهة بعض الناس على الدين، وهو من أهداف الشيخ رشيد الهامة.

ولكن هل يعني ذلك أن الشيخ رشيد يقول بفناء النار؟ يبدو من كلام الشيخ رشيد ـ كما بدا من كلام ابن القيم ـ الميل إلى هذا القول. فها هو يقول منتقداً قول الجمهور: "الذين حملوا الخلود والأبد اللغويين في القرآن على المعنى الاصطلاحي الكلامي، وهو عدم النهاية في الواقع ونفس الأمر، لا بالنسبة إلى تعامل الناس وعرفهم في عالمهم كما يقصد أهل كل لغة في أوضاع لغتهم. فالعرب كانت تستعمل الخلود في الإقامة المستقرة غير المؤقتة

ولا يتضمن ذلك استحالة الانتقال والنقل،

ويعبرون بالأبد عما يبقى مدة طويلة كما صرح به الراغب

ويقول أهل القضاء وغيرهم في زماننا: حكم على فلان بالسجن المؤبد أو الأشغال الشاقة المؤبدة ـ وهو لا ينافي عندهم انتهاءها بعفو السلطان مثلاً

" 2.

ويقول أيضاً مفسراً الخلود في آية الأنعام: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} 3 "والخلود المكث الطويل غير الموقت كمكث أهل

1 تفسير المنار (8/ 99)

2 تفسير المنار (8/ 98 ـ 99)

3 سورة الأنعام، الآية (128)

ص: 888

الوطن في بيوتهم المملوكة لهم فيه. أي: تثوون فيها ثواء خلود أو مقدرين الخلود موطنين أنفسكم عليه، إلا ما شاء الله تعالى مما يخالف ذلك، فكل شيء بمشيئته، وهذا الجزاء يقع باختياره فهو مقيد بها، فإن شاء أن يرفعه كله أو بعضه عنكم أو عن بعضكم فعل لأن مشيئته نافذة في كل شيء

ولكن هل يشاء شيئاً من ذلك أم لا؟ ذلك مما يعلمه هو سبحانه حق العلم وحده ولا يعلمه غيره إلا بإعلامه

" 1.

يقول الشيخ رشيد ـ رداً على من انتقده في ميله هذا ـ "

إننا قد بينا غير مرة في المنار أن المعتمد عندنا في التفسير وأصول الدين وفروعه ظواهر النصوص مجتمعة، وفي اختلاف العلماء ما كان عليه جمهور السلف إن علم بالنقل الصحيح، وإننا إذا أوردنا في المنار أقوالاً أخرى، فإنما نقصد بذلك دفع بعض الشبهات عن الدين أو تقريب بعض مسائله

وعلى هذه القاعدة جرينا في تفسير آية الأنعام

" 2.

فما هو إذن موقف الشيخ رشيد الأخير؟ يرى الشيخ رشيد أن ابن القيم توقف في هذه المسألة، ولم يرجح أحد القولين على الآخر، وبناءً على ذلك يتخذ الشيخ رشيد نفس الموقف، وهو التوقف أيضاً وتفويض الأمر لله تعالى وأن مشيئته تعالى في ذلك مجهولة 3، ويذكر الشيخ رشيد في هذه المناسبة أيضاً توقفه في آية المائدة {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 4 فإن ظاهر هذه الآية جواز مغفرة الشرك، فإن قيل: إن الله تعالى بين أنه لا يغفر الشرك قال الشيخ رشيد: "قلنا إنما يدل هذا على أن العقاب على الشرك حتم مقضي ولكنه لا يدل على أنه سرمدي"5.

1 تفسير المنار (8/ 68) وأريد أن أشير هنا إلى موقف قديم للشيخ رشيد من تأويل الخلود ورفضه. انظر: تفسير المنار (1/ 364)

2 مجلة المنار (22/ 316)

3 انظر: المصدر نفسه والصفحة.

4 سورة المائدة، الآية (118)

5 مجلة المنار (22/ 316)

ص: 889

فالشيخ رشيد متوقف في مسألة فناء النار وانتهاء عذاب المشركين وغفرانه، ولا ريب أنه تبع في ذلك ما اشتهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذان لم يعرف مذهب السلف إلا عن طريقيهما، فأصبح يتابعهما شبراً بشبر وذراعاً بذراع. والحق أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لم يثبت عنهما صراحة إلا القول بالأبدية كما ذكرت قبل قليل.

ص: 890