الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمدارس الجديدة، ومنها دار العلوم. فالأزهر هو الذي حافظ على اللغة العربية والعلوم الدينية القرونَ المتطاولةَ الماضيةَ، ولم يبق غيره في هذا العهد، فإن المدارس الدينية التي أنشأها المماليك والأيوبيون من قبلهم أغلقت أبوابها، وبقي الأزهر صامداً حتى استطاع أخيراً تلامذة الأفغاني وعلى رأسهم "محمد عبده" أن يحدثوا به من "التغيير" ما عجز عنه أسلافهم، فقد أصبح محمد عبده عضواً في مجلس إدارته، وبمعاونة "كرومر" استطاع أن يحقق نتائج كبيرة في مشروعه ذلك 1. ومهما يكن من شيء فقد بقي الأزهر في هذه الحقبة الجامعة الدينية الوحيدة التي يفد إليها الطلاب من كل فج عميق، إلا أنه لم يجد من أسرة محمد علي الاهتمام الذي وجده غيره من المدارس، وإن كانوا استعانوا بأبنائه في نهضتهم، إلا أنه بدا في ذلك العهد أن الأزهر ليس هذا زمانه 2.
1 انظر: محمد عبد الله عنان: تاريخ الجامع الأزهر (ص:234) وما بعدها، ط. مؤسسة الخانجي، مصر، الثانية 1378هـ
2 انظر المرجع نفسه (ص:229) وما بعدها
المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:
لم تكد تمضي مدة طويلة على دخول العثمانيين الشام حتى تدنت الحركة العلمية فيها تدنياً ظاهراً. وكان التدريس في العهد المملوكي يتم في المساجد والمدارس. إلا أن هذه جميعاً قد تدهورت تدريجياً حتى توقفت تماماً بعد الفتح العثماني، بما في ذلك الجامع الأموي الذي كان يساوي الأزهر في القاهرة إلا أنه ظهر قبله بثلاثة قرون 3.
وفي النصف الثاني من هذا القرن ـ الثالث عشر الهجري ـ بدأت تباشير بعض العلوم الرياضية والطبيعية ـ وكانت ضعفت ضعفاً أشبه بالاندراس ـ تهب على الشام من طريق مصر بسبب الحركة التي بعثها
3 انظر: أكرم حسن العلبي: دمشق (ص:165و175)
عزيزها "محمد علي". لقد تخرج بعض الشاميين في مدارسه 1. وفيما يتعلق بالعلوم الدينية فقد قدم الشاميون إلى الأزهر لتلقي هذه العلوم عوضاً عن تلقيها في جامع بني أمية في حاضرتهم "دمشق".
ورغم أن الدولة العثمانية كانت قد أنشأت المدارس العالية في الآستانة ودخل فيها بعض الشاميين، كما أنها فتحت مدارس رسمية لها بالشام، ولكن في كل ذلك، كان التعليم باللغة التركية، لذلك قل إقبال أبناء العرب عليها 2. ومما زاد الطين بلة، أن الدولة لم تكن تشجع المدارس الخاصة التي كان ينشئها المتحمسون لخدمة بلادهم وأمتهم. مما يجعلها عاجزة عن الاستمرار في أداء مهمتها، فقد اضطر الشيخ حسين الجسر 3 إلى إغلاق مدرسته التي افتتحها في طرابلس، وكان التعليم فيها باللغة العربية، وتعنى بكافة العلوم العربية والشرعية والعصرية، لأن الدولة لم تساعدها.
وأما المطابع فبالرغم من أن المطابع وصلت إلى الشام قبل أن تعرفها مصر، إلا أنها كانت قليلة ونادرة، فلا نجد ذكراً لها في بلاد الشام إلا في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي. وقد أخذ إبراهيم باشا ـ أثناء حملته على الشام ـ مطبعة حملها معه إلى هناك 4. حتى إذا انتهى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي أخذت المطابع تنتشر شيئاً فشيئاً في بلاد الشام.
ولذلك كانت الكتب عزيزة لا يكاد يملكها إلا الموسرون، وأما أصحاب المكتبات الخاصة فهم مع قلتهم بخلاء بها خوفاً من السارقين والعابثين 5.
1 انظر: محمد كرد علي: خطط الشام (4/62) وما بعدها
2 انظر: محمد كرد علي: المرجع السابق (4/62)
3 انظر حكاية هذه المدرسة عند رشيد رضا: المنار والأزهر (ص:139) وستأتي ترجمة الشيخ حسين الجسر ـ إن شاء الله تعالى ـ.
4 انظر: محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية (ص:376)
5 انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها.
وأما الصحافة فلم تكن هذه المهنة تتمتع بحرية كافية فقد كانت الرقابة عليها شديدة، بخلاف مصر التي كانت تتمتع بقدر أكبر من الحرية مما دفع كثيراً من العلماء من المسلمين وغيرهم للرغبة في الهجرة إليها، وإصدار الصحف فيها مما زاد هذه الصحف في مصر حتى وصل إلى "المائة صحيفة"1. ولا يمنع ذلك من وجود صحف في بلاد الشام إلا أنها كانت قليلة الانتشار.
وإذا كان هذا حال المسلمين الثقافي والعلمي هناك، فإن حال الطوائف الأخرى كان أسعد، إذ أنشأت هذه الطوائف المدارس الخاصة بها، لا سيما مدارس الإرساليات التبشيرية وكان التعليم بالعربية وبغيرها من اللغات 2. كما أنهم أيضاً أنشأوا الصحف التي تنطق بلسانهم 3.
1 وقد وجد عدة صحف يصدرها شوام، منها الأهرام، ومنها أيضاً مجلات: كمجلة المنار، وغيرها. وانظر بروكلمان: تاريخ الشعوب (ص:615)
2 انظر: محمد كرد علي: خطط الشام (4/63)
3 انظر: محمد السلمان: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد عبد الوهاب، ط. مكتبة المعلا، الكويت، الأولى، 1409هـ. (ص:142ـ 143) وبروكلمان: تاريخ الشعوب: (614ـ 615)