الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين الساعة والقيامة في القرآن:
ويلاحظ رشيد رضا الفرق بين استعمال القرآن وتعبيره بالقيامة والساعة، فيقول: " الغالب في استعمال القرآن التعبير بيوم القيامة عن البعث والحشر الذي يكون بعد الموت الذي يكون فيه الحساب وما يتلوه
…
والتعبير بالساعة عن الوقت الذي يموت فيه الأحياء في هذا العالم ويضطرب نظامه ويخرب بما يكون فيه من الأهوال يتلو بعضها بعضاً، فالساعة هي المبدأ والقيامة هي الغاية، ففي الأولى الموت والهلاك، وفي الآخرة البعث والجزاء، وبعض التعبيرات في كل منها يحتمل حلوله محل الآخر في الغالب، وفي المعنى المشترك الذي يعم المبدأ والغاية.." 1. وقال أيضاً:"وحيث يذكر قيام الساعة كآيات سورة الروم الثلاثة 2، وآية غافر: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 3، فالمتبادر منه غايتها يوم البعث والحساب والجزاء.. وحيث يذكر التكذيب بها أو المماراة فيها فالمراد المعنى العام لكل ما وعد الله به، وأوعد من أمر مبدئها وغايتها، وحيث يذكر اقتراب الساعة أو مجيئها وإثباتها ولا سيما إذا قرن ببغتة فالمتبادر منه مبدأ القيامة وخراب العالم الذي نعيش فيه ومن هذا القبيل السؤال عنها فإن السؤال يكون عن أول الأمر المنتظر.."4.
1 تفسير المنار (9/ 462ـ 463)
2 يعني قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} الآية: 12، وقوله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الآية: 14، وقوله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} الآية: 55.
3 الآية: (46)
4 تفسير المنار (9/ 464)
المطلب الثاني: علم الساعة:
دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى استأثر بعلم وقت الساعة فلا يعلم أحد متى الساعة إلا الله وحده، قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 1. قال الشيخ رشيد: "قل أيها النذير إن علم الساعة عند ربي وحده ليس عندي ولا عند غيري من الخلق شيء منه ـ وهذا ما يدل عليه لفظ "إنما" من الحصر، كما قال تعالى في الآية التي فسر بها النبي صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} 2، أي عنده لا عند أحد سواه، ومثله قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} الآية 3، أي يرد إليه وحده لا إلى غيره، وأشبه الآيات الدالة على استئثار علم الله تعالى بالساعة بآية الأعراف؛ آيتان: آية الأحزاب 4.. وآية أواخر النازعات وما بعدها: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا، إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} 5، أي: إلى ربك وحده من دونك ودون سائر خلقه منتهى أمر الساعة الذي يسألونك عنه.." 6.
وأما ما ورد من قرب الساعة فهو حق مقتبس من القرآن ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ ويستشهد بآيات، كقوله تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} 7، وقوله تعالى:{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} 8، قال: " وفي التعبير عن قربه بلعل وعسى ما يناسب عدم إطلاع الله لرسوله على وقته. ولا شك أن قرب ذلك اليوم الذي مقداره من مبدئه إلى غايته خمسون ألف سنة مناسب له، ولما تقدم من عمر الدنيا وما بقي منه، والقرب والبعد من الأمور
1 سورة الأعراف: الآية (187)
2 سورة لقمان، الآية (34)
3 سورة فصلت، الآية (47)
4 يعني قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} الآية (63) .
5 سورة النازعات، الآيات (43 ـ 46)
6 تفسير المنار (9/ 465)
7 سورة الشورى، الآية (17)
8 سورة الإسراء: الآية (51)
النسبية والمراد قربها بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا ولا يعلمه إلا الله تعالى
…
" 1.
ورغم حسم الكتاب العزيز لهذا الأمر ـ مسألة وقت قيام الساعة ـ إلا أن اليأس من ذلك لم يتمكن من البعض، فقد حاول بعضهم تحديد عمر الدنيا بناء على ظنون وأوهام 2، فما هو موقف الشيخ رشيد من هؤلاء؟
رد الشيخ رشيد بشدة هذه المحاولات لأنها تكذيب لآيات القرآن الناطقة بأن الساعة من علم الغيب. قال: " وما جاء في الآثار من أن عمر الدنيا سبعة آلاف سن مأخوذ من الإسرائيليات التي كان يبثها زنادقة اليهود والفرس في المسلمين حتى رووه مرفوعاً، وقد اغتر بها من لا ينظر في نقد الروايات إلا من جهة أسانيدها حتى استنبط بعضهم منها ما بقي من عمر الدنيا، وللجلال السيوطي 3، في هذا رسالة في ذلك قد هدمها عليه الزمان، كما هدم أمثالها من التخرصات والأوهام.."4.
ونقل عن الآلوسي قوله: "وأخرج الجلال عدة أحاديث في أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وذكر أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة.، وإذا لم يظهر المهدي على رأس المائة التي نحن فيها ينهدم جميع ما بناه فيها كما لا يخفى.." ثم قال الشيخ رشيد معلقاً: "وقد مضت المائة التي كان فيها مؤلفه برأسها وذنبها وهي المائة الثالثة عشرة من الهجرة ثم مضى زهاء نصف المائة التي بعدها وهي الرابعة عشرة إذ نكتب هذا البحث في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف، ولم يظهر
1 تفسير المنار (9/4470)
2 آخر هذه المحاولات كتاب: "عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام" لمؤلفه: أمين محمد جمال، وأتى فيه بالعجائب. ط. مكتبة المجلد العربي، مصر، الرابعة، 1417هـ =1997م.
3 هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، إمام حافظ مؤرخ أديب، له نحو 600 مصنف، انظر: الزركلي: الأعلام (3/301 ـ 302)
4 تفسير المنار (9/470)
المهدي، فانهدم ولله الحمد ما بناه السيوطي عفا الله تعالى عنه من الأوهام التي جمعها كحاطب ليل.." 1. ثم نقل الشيخ رشيد عن الحافظ ابن حجر في الفتح نقلاً طويلاً في مسألة عمر الدنيا 2 ثم قال:"وأقول هذا كلام المحققين، فالذين حاولوا تحديد عمر الدنيا ومعرفة وقت قيام الساعة إرضاء لشهوة الإتيان بما يهم جميع الناس لم يشعروا بأنهم يحاولون تكذيب آيات القرآن الكثيرة الناطقة بأن الساعة من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به، وأنها تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.."3.
وهذا الموقف السديد من الشيخ رشيد في مسألة علم وقت الساعة وعمر الدنيا يحمد له، لا ريب، ولكن الشيخ رشيد تجاوز هذا الموقف وامتد به الحبل إلى أن اتخذ موقفاً غير سديد من "أشراط الساعة" المروية بالأحاديث الصحيحة، امتداداً لموقفه من مسألة علم الساعة وعمر الدنيا، وردها بناء على نفس السبب وهو: عدم علم الساعة لأحد سوى الله تعالى. وهو ما نراه في المبحث التالي.
1 تفسير المنار (9/471) وانظر: السيوطي: الكشف في مجاوزة هذه الأمة الألف (ضمن الحاوي للفتاوي 2/86)
2 انظر: تفسير المنار (9/471ـ 4476) وقارن مع: ابن حجر: فتح الباري (11/ 350) وما بعدها.
3 تفسير المنار (9/ 482) . وقد سبق الطبريُّ السيوطيَّ في محاولة تحديد عمر الدنيا اعتماداً على روايات زائفة. انظر: فتح الباري (8/514) والطبري: التاريخ (1/ 10)