الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رشيد ـ بعد بسطه لها ـ فيقول: "أين هذه النوبة العصبية القصيرة الزمن، المعروفة السبب، التي لا دعوة فيها إلى علم ولا إصلاح اجتماعي، إلا المدافعة عن الوطن عند الضيق التي هي مشتركة بين الإنسان والحيوان، التي لا حجة تدعمها، ولا معجزة تؤيدها، التي اشتعلت بنفخة وطفئت بنفخة أين هي من دعوة الأنبياء
…
إن الأمم التي ارتقت بما أرشدها تعليم الوحي إنما ارتقت بطبيعة ذلك التعليم وتأثيره
…
أين حال تلك الفتاة التي كانت كبارقة خفت (أي: ظهرت وأومضت) ثم خفيت، وصيحة علت ولم تلبث أن خفتت، من حال شمس النبوة المحمدية التي أشرقت فأنارت الأرجاء ولا يزال نورها ولن يزال متألق السناء
…
لا جرم أن الفرق بين الحالين عظيم
…
" 1.
إن المقارنة بين هذه الحالة التي احتجوا بها ـ ومثلها ـ وبين حالة الأنبياء وآثارها، هو كالمقارنة بين الثرى والثريا، أو بين السماء والأرض في العلو والسعة، فالأنبياء قد أتوا بالمعجزات وبإصلاح أحوال أممهم، وأحوال الأنبياء لا تخفى على العقلاء. "أنوار التقوى تتلألأ في وجه صاحب المعجزات، وآثار الصلاح تلوح في وجوه أهل الخيرات
…
" 2.
1 الوحي المحمدي (ص: 92 ـ 93)
2 انظر: ابن الوزير: إيثار الحق (ص: 67)
المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:
تحدث الشيخ رشيد عن معنى الوحي والنبوة عند أهل الكتاب، فنقل تعريفهم لهذين المصطلحين ليقارن بين هذين المفهومين عند المسلمين وأهل الكتاب، فقد نقل عن "قاموس الكتاب المقدس" مع حذفه للشواهد، في معنى كلمة "وحي" ما يلي: "تستعمل هذه اللفظة للدلالة على نبوة خاصة
بمدينة أو شعب" وجاء في جزء (12: 10) "هذا الوحي هو الرئيس" أي: أنه آية للشعب، وعلى العموم يراد بالوحي الإلهام
…
وهو حلول روح الله في روح الكتاب الملهمين
…
" 1.
وأما كلمة "نبي" فقد نقل ما يلي: "النبوة لفظة تفيد معنى الإخبار عن الله وعن الأمور الدينية ولا سيما عما سيحدث فيما بعد، وسمي هارون نبياً، لأنه كان المخبر والمتكلم عن موسى نظراً لفصاحته (خروج: 7: 1) أما أنبياء العهد القديم فكانوا ينادون بالشريعة الموسوية، وينبئون بمجيء المسيح، ولما قلت رغبة الكهنة وقل اهتمامهم بالتعليم والعلم في أيام صموئيل أقام مدرسة الرامة 2، وأطلق عليها تلامذتها اسم "بني الأنبياء" فاشتهر من ثم صموئيل بإحياء الشريعة وقرن اسمه باسم موسى وهارون في مواضع كثيرة من الكتاب، وتأسست أيضاً مدارس أخرى للأنبياء
…
وكان يعلم في هذه المدارس تفسير التوراة والموسيقى والشعر
…
" 3.
ثم انتقد الشيخ رشيد هذه التعريفات، فقال عن تعريفهم للوحي: بأنه حلول روح الله في روح الملهم إنه تحكم، ويلزم منه أن يكونوا آلهة، إذ المسيح لم يكن إلهاً عند النصارى إلا بحلول الروح فيه 4.
وأما تعريفهم للنبوة: "فيؤخذ منه ما يأتي: "أن أكثر أنبياء بني إسرائيل كانوا يتخرجون في مدارس خاصة بهم، يتعلمون فيها تفسير شريعتهم التوراة والموسيقى والشعر، وأنهم كانوا شعراء ومغنين وعزافين على آلات الطرب، وبارعين في كل ما يؤثر في الأنفس ويحرك الشعور والوجدان ويثير رواكد الخيال، فلا غرو أن يكون عزر ونحميا من أعظم أنبيائهم ساقيين من سقاة الخمر لملك بابل "أرتحشستا" ومغنين له
…
فالنبوة على هذا كانت صناعة
1 الوحي المحمدي (ص: 60)
2 الرامة: من قرى بيت المقدس. انظر: ياقوت: معجم البلدان (3/20) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1410هـ.
3 الوحي المحمدي (ص: 61)
4 الوحي المحمدي (ص: 63)
تعلم موادها في المدارس، ويستعان على الإقناع بها بالتخييلات الشعرية والإلهامات الكلامية، والمؤثرات الغنائية والموسيقية، والمعلومات المكتسبة فأين هذا من نبوة محمد الأميّ الذي لم يتعلم شيئاً ولم يقل شعراً، وقد جاء مفرداً بأعظم مما جاءوا به كلهم أجمعون مجتمعاً،
…
" 1.
وكان هذا المفهوم للنبوة سبباً في إنكار الماديين للوحي والأنبياء جميعاً، طالما أن النبوة تعلم في مدارس مع الشعر والموسيقى، فكونها صناعة تنال بالكسب يتنافى مع كونها وحياً من الله تعالى.
1 المصدر نفسه والصفحة.