الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن هذه المدرسة لم تلبث إلا قليلاً حتى أغلقت بسبب عدم مساعدة الدولة لها 1. ثم انتقل الشيخ للدرس على شيخه حسين الجسر.
لقد اكتسب الشيخ رشيد كثيراً من معارفه بقراءاته الشخصية وجهوده الذاتية وتوجيه بعض العلماء له. لقد كان شديد العناية بمطالعة كتب الأدب والتصوف وكان أعجب كتب التصوف عنده كتاب الإحياء للغزالي. ولقد طالعه الشيخ رشيد كله وأكثر مراجعته وأعاد قراءة أبوابه عوداً على بدء، ثم صار يقرأه للناس، وكان لهذا الكتاب أكبر الأثر في دين الشيخ رشيد وأخلاقه، وأما ما فيه من أخطاء فقد استطاع الشيخ رشيد ـ لا سيما بعد اشتغاله بعلم الحديث ـ أن يتقي هذه الأخطاء ويعالج ما علق منها برأسه شيئاً فشيئاً 2. ثم بعد هجرته إلى مصر ووقوفه على كتب شيخ الإسلام ومدرسته تحول تدريجياً لمذهب السلف3.
1 نفس المصدر والصفحة.
2 نفس المصدر (ص 140) .
3 وسوف يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:
ونظراً للحالة السياسية والعلمية في الشام فقد كان طبيعياً أن يرحل رشيد رضا إلى مصر، لقد كانت رحلة الشيخ رشيد رضا من طرابلس الشام عام 1898م إلى مصر رمز عزيمته القوية في التصدي للدور الكبير الذي التزم به طيلة حياته. لقد كان وراء رحلته من سوريا إلى مصر عوامل وظروف متشابكة. يتعلق بعضها بالدولة العثمانية عامة وولاية سوريا خاصة. ويتعلق بعضها الآخر بظروفه الشخصية وأوضاع أسرته. لقد اضطرت الدولة العثمانية لاتخاذ سياسة متشددة فيما يتعلق بسوريا، نظراً لحساسية هذه الولاية بالنسبة للدولة إذ إنها الطريق إلى العاصمة العثمانية ومن دخلها أصبح بوسعه تهديد الدولة في عاصمتها. كما أنها تشكل بوابة الدولة إلى ولاياتها
في الشرق العربي، وطريق الوصول إلى الحجاز، ونظراً كذلك لعدم تجانس الولاية في انتماءات أهلها الدينية وولاءاتهم السياسية1. ونتيجة لما سبق فقد وقفت السلطة العثمانية من ولاية سوريا موقفاً خاصاً اتسم بالحساسية المفرطة تجاه ما يكتب أو ينشر في صحافتها أو فيما يتصل بعلاقات الأفراد والجماعات واتصالاتهم الخارجية، وتشددت في مراقبة ما يصدر فيها من مطبوعات. كما راقبت سلوك من تشتبه فيهم من أبنائها خشية إقامة علاقات مع جهات أجنبية. كل ذلك أشعر أبناءها دون سواهم من أبناء الولايات العربية الأخرى بوطأة المراقبة الحكومية لعلاقاتهم ومطبوعاتهم مما دفع بعضهم للتفكير بالهجرة 2.
قال الشيخ رشيد: "عزمت على الهجرة إلى مصر لما فيها من حرية العمل واللسان والقلم، ومن مناهل العلم العذبة الموارد، ومن طرق النشر الكثيرة المصادر، وكان أعظم ما أرجوه من الاستفادة في مصر: الوقوف على ما استفاده الشيخ محمد عبده من الحكمة والخبرة وخطة الإصلاح التي استفادها من صحبة السيد جمال الدين، وأن أعمل معه وبإرشاده في هذا الجو الحُر
…
" 3.
وبعد أن حصل الشيخ على موافقة والديه سافر سراً إلى الإسكندرية 4. فمما سبق نستطيع أن نتعرف على أسباب هجرة الشيخ رشيد إلى مصر. إنه عزم على القيام بمهمة إصلاحية متعاوناً مع الشيخ محمد عبده، وللاستفادة من ملازمة هذا الأخير لجمال الدين الأفغاني، فيقول: "لئن فاتني لقاء المعلم الأول، فلن يفوتني لقاء المعلم الثاني
…
" 5.
1 انظر: أحمد بركات: محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية (ص 24ـ27) دار عمار الأردن ـ ط الأولى 1409هـ 1989م.
2 انظر: رشيد رضا: المنار والأزهر (ص 191) فقد بين هناك سبب هجرته. وانظر أيضاً: أحمد بركات: مرجع سابق (ص 26ـ27) . وانظر: مجلة المنار (21/ 377) .
3 المنار والأزهر (ص 191) .
4 المرجع السابق (ص 192ـ193) ، وتاريخ الأستاذ الإمام (ص 1/998) .
5 مجلة المنار (21/377)، وتلاحظ استعمال الشيخ رشيد لمصطلحات الفلاسفة فإنهم يطلقون "المعلم الأول" على أرسطو. انظر: طاش كبرى زادة: مفتاح السعادة (1/ 293 و294)
كان وصول الشيخ رشيد إلى الإسكندرية في 8 رجب 1315هـ ـ 3 يناير 1897م، وبعد سياحة له في الوجه البحري استغرقت أسبوعين، انتقل إلى القاهرة حيث حل ضيفاً على الشيخ "محمد عبده"1. وكان الشيخ محمد عبده هو الشخصية الوحيدة في مصر التي يعرفها رشيد رضا قبل هجرته. لقد سبق له التعرف عليه واللقاء به والاجتماع إليه أثناء فترة نفيه إلى بيروت (24 ديسمبر 1882 ـ 1885م) على أثر أحداث حركة عرابي 2. ولم يغادر رشيد رضا مصر من ذلك الحين إلا سنة 1326هـ ـ 1908م زائراً لوطنه سوريا وقد تعرض هناك للاعتداء مرتين 3.
وفي رمضان 1327هـ ـ1909م زار الأستانة 4، وفي عام 1913م زار الهند 5، وفي عام 1920م زار دمشق 6. لقد أصبحت مصر هي الوطن للشيخ رشيد، وعاش فيها حياته وأصدر فيها مجلته "المنار" المجلة المنقطعة النظير، في سعة الرواج وبعد الأثر واستقطاب أهل العلم والرأي. لقد كانت "المنار" صدى هموم العالم الإسلامي في القضايا المصيرية كالتساؤل حول سر تقدم الغرب وتأخر الشرق، وكالثورة على الاحتلال الأجنبي، وحول متطلبات الحياة العصرية.
1 انظر: تاريخ الأستاذ الإمام (1/998) .
2 المصدر نفسه (1/995) .
3 انظر: مجلة المنار (11/706ـ716) .
4 انظر: مجلة المنار (12/ 956ـ 959) و (13/ 145ـ150) .
5 انظر: المصدر السابق (16/ 77ـ80 و104 ـ106) كما أنه زار الحجاز حاجاً انظر: المصدر نفسه (19/307ـ310) .
6 انظر المصدر نفسه (21/377 ـ382) .