الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموبقات 1. وقد نقل الشيخ رشيد عن الإيجي ذلك الحكم، كما نقل الخلاف بين الأشعرية الذين يقولون بأن دليل ذلك السمع مخالفة للمعتزلة الذين يقولون أن دليل ذلك العقل بناءً على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ووجوب رعاية الصلاح والأصلح، لأن صدور الكبائر عنهم عمداً يوجب سقوط هيبتهم من القلوب، وانحطاط رتبتهم في أعين الناس فيؤدي إلى النفرة منهم
…
" 2.
ثم أبدى الشيخ رشيد رأيه في ذلك فقال: "والذي نراه أنه يصح الاستدلال بالعقل على عصمة الأنبياء عليهم السلام ولا يستلزم ذلك القول بقاعدة التحسين والتقبيح العقليين ولا سلب الاختيار عن الله تعالى، وكذلك يستنبط من كثير من الآيات القرآنية ما يدل على نزاهتهم وكونهم قدوة في الخير والفضائل
…
وفي الكتاب والسنة إسناد الذنوب إلى بعض الأنبياء عليهم السلام وما جاز على بعضهم جاز على الآخرين والعلماء يأولون ذلك، وقصارى هذا كله وجوب الاعتماد على الدليل العقلي والتوفيق بينه وبين ما ورد من إسناد الذنوب إليهم
…
" 3.
فالعصمة ثابتة بالعقل وبالنقل، والذي يثبت أيضاً نسبة بعض الذنوب إليهم، ويحتاج هذا إلى الجمع بين ما يظهر من التعارض. فسوف يبين الشيخ رشيد لنا الأدلة العقلية ثم النقلية على وجوب العصمة للأنبياء، ثم يرد ما قد يرد على ذلك من شبهات تقدح ـ بحسب الظاهر ـ فيما قررناه.
1 انظر: عياض: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 126) وانظر: الرازي: عصمة الأنبياء (ص: 27)
2 مجلة المنار (5/ 19 ـ 20)، وقارن مع الإيجي: المواقف (ص: 359)
3 مجلة المنار (5/ 21)
المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:
لقد بنى الشيخ رشيد رحمه الله الدليل العقلي على وجوب ثبوت العصمة للأنبياء على ما بينه من وجه الحاجة إليهم ومن وظائفهم التي بينها
إجمالاً ثم تفصيلاً 1. وقد قسم هذه الوظائف إلى قسمين: نوع في بيان الاعتقادات، ونوع في تهذيب النفس وتزكيتها. قال: "
…
وبديهي أن العمدة في بيان النوع الأول صدق الخبر بحيث لا يحوم حوله الشك والريب، والعمدة في الثاني صدق الخبر كذلك مع حسن الأسوة وصحة القدوة بالمخبر
…
ولا تحصل الثقة القطعية بصدق الخبر إلا إذا كان المخبر معصوماً من الكذب والخطأ في التبليغ، ولا تتم القدوة وتحسن الأسوة إلا إذا كان الإمام المقتدى به بريئاً من النقائص
…
إذاً لا تتم حكمة الله تعالى في إرسال الرسل إلا إذا كانوا بحيث ذكرنا من الصدق والنزاهة
…
ولا يلزم من هذا إيجاب شيء على الله تعالى فيكون حجة للمعتزلة
…
" 2.
وبعد إيراده للدليل العقلي يورد الشيخ رشيد أدلة الكتاب العزيز التي تثبت عصمة الأنبياء، فيقول: "الدليل النقلي على عصمتهم أن الله تعالى ما أرسل المرسلين إلا ليتبعوا ويقتدى بهم وقد أمر باتباعهم كقوله في خاتمهم عليه السلام: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 3، فلو كانوا يخالفون ما يجيئون به من الهدى لكان الله تعالى آمراً بالشيء ناهياً عنه في آن واحد، وهو محال على الله تعالى. ولو فعلوا الفاحشة لكان الله آمراً بها من حيث أمر باتباعهم أمر تشريع، وأمر بالتأسي بالعظماء أمر تكوين بأن أودع ذلك في فطرة الإنسان، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} 4
…
" 5.
وهذا الاستدلال من الشيخ رشيد صحيح، ولكن أرى أنه استدلال عقلي أيضاً، كالأول، والأولى عند الاستدلال بالكتاب العزيز أن يستدل بأدلة مباشرة، كقوله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 6 وكقوله تعالى:
1 انظر: (ص:656) من هذا البحث.
2 مجلة المنار (5/ 47) وقارن مع: الرازي: عصمة الأنبياء (ص: 29)
3 سورة الأعراف، الآية (158)
4 سورة الأعراف، الآية (28)
5 مجلة المنار (5/ 48)
6 سورة الأنعام، الآية (124)