الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: الخلافة والإمامة
المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة
…
تعد الإمامة والخلافة من أهم المسائل الدينية التي تبحث ضمن موضوعات العقيدة، لذا فإن علماء أهل السنة قد عُنوا ببحثها وبيان المنهج الواجب اتباعه فيها. وقد تعرضت الخلافة في عصر رشيد رضا إلى هزة عنيفة، وفي حياته أعلن سقوط آخر خليفة عثماني، وإلغاء هذا المنصب 1، الذي لم يكن له في الحقيقة يوم ألغي أي أثر فعلي. لقد كان لهذا الحدث أثر بالغ في حياة المسلمين واضطربوا لذلك اضطراباً شديداً، وكثرت المناقشات حول هذا الموضوع بين العلماء، وكان رشيد رضا طرفاً هاماً في هذا النقاش، وألف كتاباً مستقلاً في هذا الموضوع، فضلاً عما كتبه في مجلته وتفسيره. ومن خلال هذه الكتابات أحاول ـ بما يسعه المقام ـ أن أبين منهج رشيد رضا في هذا المبحث 2.
المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة:
عرف رشيد رضا الخلافة والإمامة، فقال: "الخلافة والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد، وهو: رئاسة الحكومة
1 انظر: مجلة المنار (23/703 و25/ 257ـ 272)
2 اعتمدت في هذا على كتاب الخلافة لرشيد رضا، وأصل الكتاب ـ كغيره ـ مقالات في المجلة. انظر: مجلة المنار (23/ 729) وما بعدها و (24/ 33) وما بعدها. و (24/ 459، 766)
الإسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا.." 1.
ويرى رشيد رضا أن نصب الإمام واجب عقلاً وشرعاً لا عقلاً فقط، كما قال بعض المعتزلة. قال:"أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام ـ أي توليه على الأمة ـ واجب شرعاً لا عقلاً فقط كما قال بعض المعتزلة.."2.
وأما الأدلة؛ فقد حكى رشيد رضا عن بعض المتكلمين أنه استدل بالإجماع والعقل على هذا الحكم، لكنه اعترض عليه بالغفلة عن الاستدلال بالسنة، فقال:"وقد غفل هو وأمثاله عن الاستدلال على نصب الإمام بالأحاديث الصحيحة الواردة في التزام جماعة المسلمين وإمامهم، وفي بعضها التصريح بأن "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم 3
…
وسيأتي حديث حذيفة المتفق عليه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم له: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"4.." 5.
وقد استدل بعض أهل العلم المثبتين للإمامة بآيات من كتاب الله تعالى على وجوب نصب الإمام 6.
ويبين رشيد رضا أن هذا الواجب هو واجب كفائي، وأن المطالب به هم أهل الحل والعقد 7. وعرف أهل الحل والعقد بأنهم:"زعماء الأمة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليهم، فينتظم به أمرها، ويكون بمأمن من عصيانها وخروجها
1 الخلافة (ص:17) ط. الزهراء للإعلام العربي 1408هـ.
2 المصدر نفسه.
3 الصحيح: ك: الإمارة، ح: 58 (1851)
4 رواه البخاري الصحيح: ك: الفتن، باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، ح: 7084، ومسلم: الصحيح: ك: الإمارة، ح: 51 (1847)[3/ 1475]
5 الخلافة (ص:18)
6 انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 164)
7 الخلافة (ص:19)
عليه.. وإنما تصح المبايعة باتفاقهم، أو اتفاق الرؤساء الذين يتبعهم غيرهم.. " 1. ويمثل رشيد رضا لهؤلاء فيقول:"ومن رؤسائهم في هذا العصر: قواد الجيش، كوزيري الحربية والبحرية وأركان الحرب لهما.."2.ولكن رشيد رضا لا يطلق ذلك بل يقيده ـ في هذا العصر ـ بحزب الأستاذ الإمام، فهم ـ في رأيه ـ أهل الحل والعقد: "لقد وصل الأستاذ الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ إلى مقام الزعامة في هذه الأمة، ومرتبة أهل الحل والعقد في الأمور الدينية والدنيوية.." 3. ويقول:" وهذا الحزب هو الذي يمكنه إزالة الشقاق من الأمة.. فإن موقفه في الوسط يمكنه من جذب المستعدين لتجديد الأمة من الطرفين، وهو الحزب الذي سميناه في المقالة الثالثة من مقالات" مدينة القوانين" بحزب الأستاذ الإمام" 4.
شروط من يختار الخليفة:
ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الذين يختارون الخليفة، هي ثلاثة: العدالة، والرأي والحكمة والعلم. وقال:"لهذه الشروط مأخذ من هدي السلف.."5.
وتوقف رشيد رضا عند شرط العلم فقال: "ومن ظن أن كل من يوصف بالعلم والوجاهة تنعقد ببيعتهم الإمامة ويجب على الأمة اتباعهم فيها، فقد جهل معنى الحل والعقد ومعنى الجماعة ومعنى الإجماع.."6. وأود هنا أن أذكر بموقف رشيد رضا من مسألة الإجماع وأهله، قد تبين لي هناك أنه هو الذي لا يعرف معنى الإجماع ولا أهله 7. وأما أهل العلم الذين يقصدهم
1 المصدر نفسه (ص: 19ـ 20)
2 المصدر نفسه، وانظر: تفسير المنار (5/ 181)
3 الخلافة (ص: 67)
4 المصدر نفسه (ص: 70)
5 المصدر نفسه (ص:23)
6 الخلافة (ص: 25)
7 انظر: (ص: 143) من هذا البحث.
رشيد رضا فهم أصحاب العلم " الاستقلالي المعبر عنه بالاجتهاد" 1، لا حزب حشوية الفقهاء الجامدين" فإن هؤلاء " يعجزون عن جعل القوانين العسكرية والمالية والسياسية مستمدة من الفقه التقليدي ويأبون القبول بالاجتهاد المطلق في كل المعاملات الدنيوية، ولو فوض إليهم أمر الحكومة على أن ينهضوا بها لعجزوا قطعاً.." 2. وهم ـ أي أصحاب الفقه الاستقلالي:"حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل"3. وطبعاً هم حزب الأستاذ الإمام.
الشروط المعتبرة في الخليفة:
ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الخليفة سبعة، وهي: العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الأعضاء، والشجاعة والرأي والنسب 4. وكما توقف عند شرط العلم في المختارين للإمام، فقد توقف عند شرط النسب في الإمام، فقال: إنه قد ثبت الإجماع عليه، قال: "أما الإجماع على اشتراط القرشية فقد ثبت بالنقل والفعل، رواه ثقات المحدثين، واستدل به المتكلمون، وفقهاء مذاهب السنة كلهم، وجرى عليه العمل بتسليم الأنصار وإذعانهم لبني قريش ثم إذعان السواد الأعظم من الأمة عدة قرون حتى إن الترك الذين تغلبوا على العباسيين وسلبوهم السلطة بالفعل لم يتجرأ أحد منهم على ادعاء الخلافة ولا التصدي لانتحالها.. وما ذلك إلا لأن الأمة مجمعة على ما ذكر.." 5. ويستدل رشيد رضا لهذا الشرط بالسنة، فيقول: "وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة مستفيضة في جميع كتب السنة، وقد أخرجوها في كتب الأحكام وأبواب الخلافة أو الإمارة والمناقب وغيرها.."6. ويذكر رشيد رضا من هذه الأحاديث
1 الخلافة (ص:24)
2 المصدر نفسه (ص: 72)
3 المصدر نفسه (ص:69)
4 المصدر نفسه (ص: 25ـ 226)
5 الخلافة (ص: 27)
6 المصدر نفسه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" 1، ويقول:" وحسبنا من قوة حديث "الأئمة من قريش" من حيث الرواية قول الحافظ في فتح الباري عند ذكره في "المناقب" من صحيح البخاري ما نصه: "قد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابياً" 2.... فمن علم هذا لا يلتفت إلى ما ذكره بعض أهل هذا العصر من تأويل تلك الأحاديث والبحث في أسانيد بعضها
…
" 3، هذا من حيث الراوية، وأما من حيث الدراية فبين رشيد رضا الحكمة من اشتراط هذا الشرط فيقول؛ بعد أن نقل آراء بعضهم: "فحكمة جعله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خلافة نبوته فيها ـ يعني قريش ـ وسببه: أمران: الأول: كثرة المزايا التي تنتشر بها الدعوة، وتكون ـ بسبب طباع البشر ـ سبباً لجمع الكلمة، ومنع المعارضة، والمزاحمة أو ضعفها، وكذلك كان، فإن الناس أذعنوا لهم على تنازلهم وكثرة من لم يقم بأعباء الخلافة منهم ولا أخذها بحقها
…
والثاني: أن تكون إقامة الإسلام متسلسلة في سلاسل أول من تلقاها ودعا إليها ونشرها حتى لا ينقطع اتصال سيرها المعنوي والتاريخي، فإن الحقوق الخاصة من الملل والأمم وليدة التاريخ
…
" 4.
والذي دفع رشيد رضا إلى الوقوف عند هذا الشرط ـ وهو ما صرح به ـ محاولة البعض تصحيح خلافة بني عثمان ـ بينما يرى رشيد رضا أنها خلافة بالتغلب ـ وسيأتي بيان رأيه فيها ـ وشيء آخر لم يصرح به، وهو ما وقع في نفوس البعض من ملوك ذاك العهد وتطلعهم لشغل هذا
1 روي هذا اللفظ عن عدد من الصحابة. انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 122 ـ 123)، والهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 191 ـ 192)، وترجم البخاري بلفظ: الأمراء من قريش، إذ لم يصح على شرطه: الصحيح، ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، والمعنى ثابت في أحاديث أخرى في الصحيحين: انظر: البخاري: ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، ح: 7139 7140، ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 1818 وما بعده.
2 انظر: فتح الباري (6/ 613)
3 الخلافة (ص: 28)
4 الخلافة (ص: 30)