المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

تعد الإمامة والخلافة من أهم المسائل الدينية التي تبحث ضمن موضوعات العقيدة، لذا فإن علماء أهل السنة قد عُنوا ببحثها وبيان المنهج الواجب اتباعه فيها. وقد تعرضت الخلافة في عصر رشيد رضا إلى هزة عنيفة، وفي حياته أعلن سقوط آخر خليفة عثماني، وإلغاء هذا المنصب 1، الذي لم يكن له في الحقيقة يوم ألغي أي أثر فعلي. لقد كان لهذا الحدث أثر بالغ في حياة المسلمين واضطربوا لذلك اضطراباً شديداً، وكثرت المناقشات حول هذا الموضوع بين العلماء، وكان رشيد رضا طرفاً هاماً في هذا النقاش، وألف كتاباً مستقلاً في هذا الموضوع، فضلاً عما كتبه في مجلته وتفسيره. ومن خلال هذه الكتابات أحاول ـ بما يسعه المقام ـ أن أبين منهج رشيد رضا في هذا المبحث 2.

المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة:

عرف رشيد رضا الخلافة والإمامة، فقال: "الخلافة والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد، وهو: رئاسة الحكومة

1 انظر: مجلة المنار (23/703 و25/ 257ـ 272)

2 اعتمدت في هذا على كتاب الخلافة لرشيد رضا، وأصل الكتاب ـ كغيره ـ مقالات في المجلة. انظر: مجلة المنار (23/ 729) وما بعدها و (24/ 33) وما بعدها. و (24/ 459، 766)

ص: 783

الإسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا.." 1.

ويرى رشيد رضا أن نصب الإمام واجب عقلاً وشرعاً لا عقلاً فقط، كما قال بعض المعتزلة. قال:"أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام ـ أي توليه على الأمة ـ واجب شرعاً لا عقلاً فقط كما قال بعض المعتزلة.."2.

وأما الأدلة؛ فقد حكى رشيد رضا عن بعض المتكلمين أنه استدل بالإجماع والعقل على هذا الحكم، لكنه اعترض عليه بالغفلة عن الاستدلال بالسنة، فقال:"وقد غفل هو وأمثاله عن الاستدلال على نصب الإمام بالأحاديث الصحيحة الواردة في التزام جماعة المسلمين وإمامهم، وفي بعضها التصريح بأن "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم 3

وسيأتي حديث حذيفة المتفق عليه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم له: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"4.." 5.

وقد استدل بعض أهل العلم المثبتين للإمامة بآيات من كتاب الله تعالى على وجوب نصب الإمام 6.

ويبين رشيد رضا أن هذا الواجب هو واجب كفائي، وأن المطالب به هم أهل الحل والعقد 7. وعرف أهل الحل والعقد بأنهم:"زعماء الأمة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليهم، فينتظم به أمرها، ويكون بمأمن من عصيانها وخروجها

1 الخلافة (ص:17) ط. الزهراء للإعلام العربي 1408هـ.

2 المصدر نفسه.

3 الصحيح: ك: الإمارة، ح: 58 (1851)

4 رواه البخاري الصحيح: ك: الفتن، باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، ح: 7084، ومسلم: الصحيح: ك: الإمارة، ح: 51 (1847)[3/ 1475]

5 الخلافة (ص:18)

6 انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 164)

7 الخلافة (ص:19)

ص: 784

عليه.. وإنما تصح المبايعة باتفاقهم، أو اتفاق الرؤساء الذين يتبعهم غيرهم.. " 1. ويمثل رشيد رضا لهؤلاء فيقول:"ومن رؤسائهم في هذا العصر: قواد الجيش، كوزيري الحربية والبحرية وأركان الحرب لهما.."2.ولكن رشيد رضا لا يطلق ذلك بل يقيده ـ في هذا العصر ـ بحزب الأستاذ الإمام، فهم ـ في رأيه ـ أهل الحل والعقد: "لقد وصل الأستاذ الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ إلى مقام الزعامة في هذه الأمة، ومرتبة أهل الحل والعقد في الأمور الدينية والدنيوية.." 3. ويقول:" وهذا الحزب هو الذي يمكنه إزالة الشقاق من الأمة.. فإن موقفه في الوسط يمكنه من جذب المستعدين لتجديد الأمة من الطرفين، وهو الحزب الذي سميناه في المقالة الثالثة من مقالات" مدينة القوانين" بحزب الأستاذ الإمام" 4.

شروط من يختار الخليفة:

ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الذين يختارون الخليفة، هي ثلاثة: العدالة، والرأي والحكمة والعلم. وقال:"لهذه الشروط مأخذ من هدي السلف.."5.

وتوقف رشيد رضا عند شرط العلم فقال: "ومن ظن أن كل من يوصف بالعلم والوجاهة تنعقد ببيعتهم الإمامة ويجب على الأمة اتباعهم فيها، فقد جهل معنى الحل والعقد ومعنى الجماعة ومعنى الإجماع.."6. وأود هنا أن أذكر بموقف رشيد رضا من مسألة الإجماع وأهله، قد تبين لي هناك أنه هو الذي لا يعرف معنى الإجماع ولا أهله 7. وأما أهل العلم الذين يقصدهم

1 المصدر نفسه (ص: 19ـ 20)

2 المصدر نفسه، وانظر: تفسير المنار (5/ 181)

3 الخلافة (ص: 67)

4 المصدر نفسه (ص: 70)

5 المصدر نفسه (ص:23)

6 الخلافة (ص: 25)

7 انظر: (ص: 143) من هذا البحث.

ص: 785

رشيد رضا فهم أصحاب العلم " الاستقلالي المعبر عنه بالاجتهاد" 1، لا حزب حشوية الفقهاء الجامدين" فإن هؤلاء " يعجزون عن جعل القوانين العسكرية والمالية والسياسية مستمدة من الفقه التقليدي ويأبون القبول بالاجتهاد المطلق في كل المعاملات الدنيوية، ولو فوض إليهم أمر الحكومة على أن ينهضوا بها لعجزوا قطعاً.." 2. وهم ـ أي أصحاب الفقه الاستقلالي:"حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل"3. وطبعاً هم حزب الأستاذ الإمام.

الشروط المعتبرة في الخليفة:

ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الخليفة سبعة، وهي: العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الأعضاء، والشجاعة والرأي والنسب 4. وكما توقف عند شرط العلم في المختارين للإمام، فقد توقف عند شرط النسب في الإمام، فقال: إنه قد ثبت الإجماع عليه، قال: "أما الإجماع على اشتراط القرشية فقد ثبت بالنقل والفعل، رواه ثقات المحدثين، واستدل به المتكلمون، وفقهاء مذاهب السنة كلهم، وجرى عليه العمل بتسليم الأنصار وإذعانهم لبني قريش ثم إذعان السواد الأعظم من الأمة عدة قرون حتى إن الترك الذين تغلبوا على العباسيين وسلبوهم السلطة بالفعل لم يتجرأ أحد منهم على ادعاء الخلافة ولا التصدي لانتحالها.. وما ذلك إلا لأن الأمة مجمعة على ما ذكر.." 5. ويستدل رشيد رضا لهذا الشرط بالسنة، فيقول: "وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة مستفيضة في جميع كتب السنة، وقد أخرجوها في كتب الأحكام وأبواب الخلافة أو الإمارة والمناقب وغيرها.."6. ويذكر رشيد رضا من هذه الأحاديث

1 الخلافة (ص:24)

2 المصدر نفسه (ص: 72)

3 المصدر نفسه (ص:69)

4 المصدر نفسه (ص: 25ـ 226)

5 الخلافة (ص: 27)

6 المصدر نفسه.

ص: 786

قوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" 1، ويقول:" وحسبنا من قوة حديث "الأئمة من قريش" من حيث الرواية قول الحافظ في فتح الباري عند ذكره في "المناقب" من صحيح البخاري ما نصه: "قد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابياً" 2.... فمن علم هذا لا يلتفت إلى ما ذكره بعض أهل هذا العصر من تأويل تلك الأحاديث والبحث في أسانيد بعضها

" 3، هذا من حيث الراوية، وأما من حيث الدراية فبين رشيد رضا الحكمة من اشتراط هذا الشرط فيقول؛ بعد أن نقل آراء بعضهم: "فحكمة جعله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خلافة نبوته فيها ـ يعني قريش ـ وسببه: أمران: الأول: كثرة المزايا التي تنتشر بها الدعوة، وتكون ـ بسبب طباع البشر ـ سبباً لجمع الكلمة، ومنع المعارضة، والمزاحمة أو ضعفها، وكذلك كان، فإن الناس أذعنوا لهم على تنازلهم وكثرة من لم يقم بأعباء الخلافة منهم ولا أخذها بحقها

والثاني: أن تكون إقامة الإسلام متسلسلة في سلاسل أول من تلقاها ودعا إليها ونشرها حتى لا ينقطع اتصال سيرها المعنوي والتاريخي، فإن الحقوق الخاصة من الملل والأمم وليدة التاريخ

" 4.

والذي دفع رشيد رضا إلى الوقوف عند هذا الشرط ـ وهو ما صرح به ـ محاولة البعض تصحيح خلافة بني عثمان ـ بينما يرى رشيد رضا أنها خلافة بالتغلب ـ وسيأتي بيان رأيه فيها ـ وشيء آخر لم يصرح به، وهو ما وقع في نفوس البعض من ملوك ذاك العهد وتطلعهم لشغل هذا

1 روي هذا اللفظ عن عدد من الصحابة. انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 122 ـ 123)، والهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 191 ـ 192)، وترجم البخاري بلفظ: الأمراء من قريش، إذ لم يصح على شرطه: الصحيح، ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، والمعنى ثابت في أحاديث أخرى في الصحيحين: انظر: البخاري: ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، ح: 7139 7140، ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 1818 وما بعده.

2 انظر: فتح الباري (6/ 613)

3 الخلافة (ص: 28)

4 الخلافة (ص: 30)

ص: 787