الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستيلاء على بعض بلاد المسلمين، فمن قدر على الفرار من ذلك وجب عليه، فأمرها دائماً دائر على قاعدة ارتكاب أخف الضررين، والظاهر أن يفرق بين قتالهم لأهل العدل فلا تباح الطاعة فيه بحال، وبين قتال غيرهم كأمثالهم من المتغلبين
…
وأما الجهاد الشرعي فيجب مع أئمة الجور، ومنه دفاعهم عن بلادهم إذا اعتدى عليها الكفار
…
" 1.
فيرى الشيخ رشيد أن الحال في دار البغي والجور مرتبطة بارتكاب أخف الضررين ودفع أشد المفسدتين، درءاً للمفسدة وحفظاً للمصلحة الراجحة، والحق أنه يجب طاعة أولي الأمر مطلقاً وإن جاروا وظلموا أوخذوا أموالنا وجلدوا ظهورنا، لأن الخروج عليهم يترتب عليه من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير للسيئات ومضاعفة للحسنات، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل. قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 2، والواجب ساعتئذ الاجتهاد في العمل والتوبة 3.
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 سورة الشورى، الآية (30)
3 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 381) ط. المكتب الإسلامي، التاسعة، وانظر: أدلة وجوب طاعة الإمام: البخاري: الصحيح، ك: الفتن، باب قول النبي (:"سترون بعدي أموراً تنكرونها"، ح: 7052 وما بعده، وك: الأحكام، باب: قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ح: 7137 وما بعده. ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 31 (1834) وما بعده.
المطلب الخامس: تعدد الأئمة:
يرى الشيخ رشيد أن الأصل هو وحدة الإمام، وقال إنه:"أمر إجماعي" 4، إلا أنه يرى أن التعدد جائز في حال اتساع رقعة الدولة
4 الخلافة (ص: 56)
الإسلامية وتباعد الأقطار وتعذر الاتصال، فيكون التعدد حينئذ للضرورة، التي يجب أن تقدر بقدرها، وأن يجتهد في إثباتها، فإن: "بُعْد الشقة بين البلاد وتعذر المواصلات التي يتوقف عليها تنفيذ الأحكام، مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، فلا يصح أن يجعل عذراً دائماً لصدع وحدة الإسلام
…
" 1.
ويرى الشيخ رشيد أن أمام وحدة الإمام واجبات كثيرة، قد فرط فيها المسلمون من قبل، "فأي واجب أقاموا حتى يطالبوا بهذا الواجب" 2، ويقول: "وحدة الإمام تتبع وحدة الأمة، وقد مزقت العصبية المذهبية ثم الجنسية الشعوب الإسلامية بعد توحيد الإسلام إياها بالإيمان برب واحد وإله واحد وكتاب واحد، والخضوع لحكم شرع واحد، وتلقي الدين والآداب بلسان واحد، فأنى يكون لها اليوم إمام واحد وهي ليست أمة واحدة
…
" 3.
لقد خالف الشيخ رشيد هنا الماوردي 4 وتابع صاحب الروضة الندية في هذا التفصيل 5، إن ذلك لا يعني أنه كان مقلداً في مذهبه هنا ـ فقد عرفت موقفه من التقليد ـ إنه كان عارضاً ناقداً يختار من كلام الفقهاء ما يراه مناسباً لحال العصر ولا يتقيد بالتقريرات والحواشي القديمة، التي لا تتناسب مع هذا الزمان، فليست الشريعة محصورة في جلود كتب الحنفية 6.
1 المصدر نفسه (ص: 59)
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 المصدر نفسه (ص: 60)
4 انظر: الأحكام السلطانية (ص: 37 ـ 38)
5 انظر: صديق حسن خان: الروضة الندية (2/ 774) ط. دار الأرقم، بريطانيا، الثانية، 1413هـ.
6 انظر: مجلة المنار (6/ 508)