المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تعريف الإله - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: تعريف الإله

‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

‌المطلب الأول: تعريف الإله

المطلب الأول: تعريف الإله

لقد وقع خطأ كبير – وكان له أثر بعيد – في معنى الإله، وأقول – وبكل لأسى – إن هذا الخطأ لم يقع فيه عامة الناس فقط، بل وقع فيه النظار في علم العقائد على طريقة الفلسفة والكلام والجدل، ومنشأ هذا الخطأ هو الغفلة عن مدلول ألفاظ القرآن الكريم واستعمالها بلوازم معناها، وسبب آخر: هو امتلاء الرؤوس بالأفكار والنظريات والاصطلاحات الفلسفية الحادثة1.

لقد وقع الخلط بين معنى "الرب" و"الإله". هذا ما بينه الشيخ رشيد رحمه الله وبين معنى "الإله" الذي تدل عليه ألفاظ القرآن ولغة العرب، فقال مبينا منشأ هذا الخطأ:

"

ومنشأ هذا الخطأ هو الغفلة عن مدلول ألفاظ القرآن في اللغة العربية، واستعمالها بلوازم معناها العرفية كلفظ "الإله" فإن معناه في اللغة: المعبود مطلقا لا الخالق ولا المدبر لأمر العالم كله ولا بعضه، ولم يكن

1 محمد رشيد رضا: تفسر المنار (9/112-113) بتصرف.

ص: 467

أحد من العرب الذين سموا أصنامهم وغيرها من معبوداتهم آلهة يعتقدون أن اللات أو العزى أو هبلاً خلق شيئا من العالم أو يدبر أمرا من أموره، وإنما تدبير أمور العالم يدخل في معنى لفظ الرب،

ولذلك يحتج القرآن عليهم في مواضع بأن غير الخالق المدبر لا يصح أن يكون إلهاً يعبد مطلقا وهو معنى قول بعض المحققين إنه يحتج بما يعترفون به من توحيد الربوبية، على ما ينكرونه من توحيد الألوهية

فإن الإله في هذه اللغة هو المعبود بالذات أو بالواسطة وإن كان مصنوعاً

"1.

فيقرر الشيخ رشيد أن الإله هو المعبود مطلقا، أي بحق أم بغير حق، وكل معبود هو إله- وليس معناه الخالق. ~أو القادر على الاختراع. ويكرر الشيخ رشيد هذا المعنى كثيرا.

فعند قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} 2.

قال: "الرب هو السيد والمالك والمدبر المربي، والإله هو المعبود، أي: الذي يتوجه إليه الإنسان عند الشعور بالحاجة إلى ما يعجز عنه بكسبه ومساعدة الأسباب له، فيدعوه لكشف الضر أو جلب النفع، ويتقرب إليه بالأقوال والأعمال التي يرجى أن ترضيه وبالنذر له والذبح باسمه أو لأجله، سواء كان الرجاء فيه خاصا به أو مشتركا بينه وبين معبود آخر هو فوقه أو دونه

"3.

وفي هذا النص أيضا يقرر الشيخ رشيد معنى الإله مفرقا بينه وبين معنى الرب، إذ أنه المعبود المتقرب إليه والملتجأ إليه، وحده أو مع غيره. فهذا هو معنى الإله مطلقا.

1 تفسير المنار (9/112-113) وقارن مع: ابن تيمية: درء التعارض (1/174)، وابن القيم: مدارج السالكين (3/19)، والمقريزي: تجريد التوحيد (ص:8)، ومحمد بن عبد الوهاب: كشف الشبهات (ص:219) ضمن الجامع الفريد.

2 سورة الأعراف، الآية (54) .

3 تفسير المنار (8/444-445) .

ص: 468

ويقول في موضع آخر: "ظاهر ما حكاه الله تعالى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن قومه كانوا يتخذون الأصنام آلهة لا أربابا ويتخذون الكواكب أرباباً آلهة، فالإله هو المعبود، فكل من عبد شيئا فقد اتخذه إلهاً

فإن العبادة هي التوجه بالدعاء وكل تعظيم قولي أو عملي

"1.

وإذا كان ذلك صحيحا فكيف يدخل الشرك في عبادة الله تعالى؟ هذا ما يبينه الشيخ محمد رشيد بقوله: "والأصل في اختراع كل عبادة لغيره تعالى أمران:

أحدهما: أن بعض ضعفاء العقول رأوا بعض مظاهر قدرته تعالى في بعض خلقه فتوهموا أن ذلك ذاتي لهذا المخلوق.... ووثنية هؤلاء هي الوثنية السافلة.

ثانيهما: اتخاذ بعض المخلوقات ذات الخصوصية في مظاهر النفع والضر وسيلة إلى الرب الإله الحق، تشفع عنده وتقرب إليه

"2.

فبين الشيخ هنا أن دخول الشرك في العبادة من هاتين الجهتين، التعظيم، والواسطة. وأن الأولى هي عبادة بعض المخلوقات نفسها كوثنية: من يعبد الكواكب أو النار لذاتها، وهي وثنية متأخرة سافلة، والثانية: وثنية من يعبدها أو يعبد الأنبياء أو الملائكة لتقربه إلى الله زلفى، وهي وثنية أرقى من تلك، ومثالها وثنية العرب زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الذي ذهب إليه الشيخ رشيد في معنى "الإله" من أنه "المعبود" هو الصحيح بإجماع أهل العلم. فمن عبد شيئاً فقد اتخذه إلهاًُ من دون الله3. فتوحيد الألوهية: هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد، كالدعاء والرجاء والخوف والخشية

إلخ4.

1 المصدر نفسه (7/568) .

2 تفسير المنار (7/568) .

3 انظر: المقريزي: تجريد التوحيد (ص:5)، ومحمد بن عبد الوهاب: الدرر السنية (2/103-104) .

4 محمد بن عبد الوهاب: المصدر السابق (2/67-68) .

ص: 469

فيقوم هذا التوحيد على صرف جميع العبادات لله تعالى والإخلاص له فيها، فتوحيد الله معناه: اعتقاد أنه إله واحد لا شريك له والتوجه إليه وحده بالعبادة1. يقول الشيخ رشيد: "فالإله الحق هو الذي يعبد بحق وهو واحد، والآلهة التي تعبد بغير حق كثيرة جداً، وهي غير آلهة في الحقيقة ولكن في الدعوة الباطلة التي يثيرها الوهم"2.

فمعنى قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 3 – كما يقول الشيخ رشيد -: "

وإلهكم الحق الحقيق بالعبادة إله واحد لا إله مستحق لها إلا هو، فلا تشركوا به أحداً"4.

والشرك في الألوهية أو في العبادة -معناه- وكما يقول الشيخ رشيد: "عبادة غير الله تعالى بالدعاء ونحوه

"5.

وفي معنى قوله تعالى: {

إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 6: قال: "كائنين من دون الله

أو: حال كونهم متجاوزين بذلك توحيد الله وإفراده بالعبادة

سواء اعتقد المشرك أن هذا المتخذ ينفع ويضر بالاستقلال – وهو نادر – أو اعتقد أنه ينفع ويضر بإقدار الله إياه وتفويضه بعض الأمر إليه

"7.

ويقرر الشيخ رشيد أن هذا المعنى لتوحيد الألوهية هو المراد من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 8، فيقول: "فالتوحيد الخالص من شوائب الشرك والوثنية هو غاية ما يرتقي إليه عرفان البشر،

1 محمد خليل هراس: دعوة التوحيد (ص:11) .

2 تفسير المنار (3/23) .

3 سورة البقرة، الآية (163) .

4 تفسير المنار (2/55) .

5 مجلة المنار (11/943) .

6 سورة المائدة، الآية (116) .

7 تفسير المنار (7/261) .

8 سورة الذاريات، الآية (56) .

ص: 470

وهو المراد من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} على القول بأن اللام للغاية، وهو لا يقتضي حصوله لكل فرد منهم

"1.

ويبين الشيخ رشيد أهمية هذا التوحيد، وأثره في النفس فيقول: "إن عقيدة التوحيد القرآني هي أعلى المعارف التي ترقي الإنسان إلى أعلى ما خلق مستعدا من الكمال الروحي والعقلي والمدني، وقد صرح كثير من العلماء الإفرنج بأن سهولة فهم هذه العقيدة وموافقتها للعقل والفطرة هما السبب الأكبر لقبول الأمم لها

قد كان توحيد المسلمين الأولين لله ومعرفتهم به وحبهم له وتوكلهم عليه هو الذي أزكى أنفسهم وأعلى هممهم وكمّلهم بعزة النفس وشدة البأس وإقامة الحق والعدل، ومكنهم من فتح البلاد وسياسة الأمم

"2.

ولكن –ومع الأسى أيضا – إن وضوح هذه العقيدة وسهولتها قد طمسته فلسفة المتكلمين حتى في معاهد التعليم الكبرى، يقول الشيخ رشيد: "أليس من البلاء أن يكون فساد التعليم الإسلامي قد أفضى بالمسلمين إلى إخفاء عقيدة التوحيد بالإعراض في بيانها عن آيات القرآن النيرة الواضحة إلى اصطلاحات علماء الكلام المعقدة؟

"3. ويضرب الشيخ رشيد مثالاً على ذلك بتفسير التوحيد بأنه نفي الكموم الخمس: الكم المتصل، والكم المنفصل في صفاته تعالى، والكم المنفصل في أفعاله

ثم يقول: "إن هذه الكموم الخمسة فلسفة كلامية ما أنزل الله بها في كتابه من سلطان

"4.

1 تفسير المنار (9/108) وقارن مع ابن تيمية: مجموع الفتاوى (6/40-41) وانظر: عبد الرحمن بن حسن: فتح المجيد (ص:19-20) ط. دار الكر، 1409هـ، ت: حامد الفقي.

2 الوحي المحمدي (ص:174) .

3 مجلة المنار (33/124) .

4 المصدر نفسه والصفحة. والكم هو المقدار، وهو ما قبل القياس. وقال: إنه عرض يقبل لذاته القسمة والمساواة واللامساواة والزيادة النقصان، وهو: إما متصل، وإما منفصل. فالمتصل هو: الذي يوجد لأجزائه بالقوة حد مشترك تتلاقى عنده وتتحدد به كالنقطة للخط، والمنفصل هو: الذي لا يوجد لأجزائه بالقوة ولا بالفعل حد مشترك، كالعدد، فإنك إذا انتقلت من عدد إلى آخر يليه لم تجد بينهما حداً مشتركاً، بخلاف النقطة في الخط فإنها مشتركة بين قسميه. انظر: جميل صليبا: المعجم الفلسفي (ص:240/241) .

ص: 471

ويدل على أهمية هذا التوحيد أن مسائله أكثر المسائل تكراراً في القرآن الكريم، وأن ما يذكره الله تعالى فيه من دلائل ربوبيته إنما هو للاستدلال على ألوهيته.

يقول الشيخ رشيد: "لذلك كان أكثر المسائل تكراراً في القرآن مسألة توحيد الله عز وجل في ألوهيته بعبادته وحده، واعتقاد أن كل ما سواه من الموجودات سواء في كونهم ملكاً وعبيداً به، لا يملكون من دونه نفعاً ولا ضراً لأحد ولا لأنفسهم إلا فيما سخره الله من الأسباب المشتركة بين الخلق

"1.

ويقرر الشيخ رشيد أن توحيد الألوهية هو الأساس الأعظم للدين فيقول: "ثم ذكر الأساس الأعظم للدين وهو: توحيد الألوهية، بتخصيص الخالق سبحانه بالعبودية، وقوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 2 وقرن ذلك بالتذكير بآياته الكثيرة الدالة عليه في السماوات والأرض وما بينهما ثم ذكر ما يقابل هذا التوحيد مقابلة التضاد، وهو الشرك باتخاذ الأنداد والاعتماد فيه على تقليد الآباء والأجداد

"3.

ومما يدل على مكانة هذا التوحيد كذلك – أنه أول شيء دعا إليه الرسل جميعاً، فكانت دعوتهم دائماً تبدأ بقولهم: {

اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4 يقول الشيخ رشيد: "وبدء الدعوة بالأمر بعبادة الله تعالى وحده هو سنة جميع المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ

1 الوحي المحمدي (ص: 170) .

2 سورة البقرة، الآية (163) .

3 تفسير المنار (1/108) .

4 انظر: سورة هود، الآية (50 و61 و84) .

ص: 472

اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1 فكان كل رسول يبدأ دعوته بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وذلك أن جميع تلك الأمم كانت تؤمن بأن الله خالق الخلق وهو ربهم ومدبر أمورهم، وإنما كان كفرهم الأعظم بعبادة غير الله تعالى بالدعاء الذي هو ركن العبادة الأعظم في وجدان جميع البشر، وبغير الدعاء والاستعانة من العبادات العرفية كالتقرب إلى المعبود بالنذور وذبح القرابين أو الطواف أو التمسح به

لما كانوا كذلك احتج على دعوتهم إلى توحيد الله تعالى بالتعبير بلفظ "رب" مضافا إليهم فقالوا: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}

يعني: إذا كان ربكم هو الذي خلقكم وخلق من قبلكم

فيجب أن تعبدوه وحده ولا تشركوا بعبادته أحداً

"2.

ويقول أيضا: "وأما تكرار توحيد الربوبية –وهو انفراده تعالى بالخلق والتقدير والتدبير، فليس لإقناع المشركين بربوبيته تعالى فقط – بل أكثره لإقامة الحجة على بطلان شرك العبادة

"3.

وما ذهب إليه الشيخ هو الحق، فتوحيد الربوبية هو الذي اتفقت عليه الخلائق مؤمنها وكافرها، وتوحيد الألوهية مفرق الطرق بين المؤمنين والمشركين ولهذا كانت كلمة الإسلام "لا إله إلا الله" فتوحيد الإلهية هو المطلوب من العباد، وأما المشركون فكانوا مقرين بربوبية الله تعالى، لذلك احتج عليهم بها دائما كما في قوله تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 4.

وعموماً: فهو تعالى يحتج على منكري الإلهية بإثباتهم الربوبية5.

1 سورة النحل، الآية (36) .

2 تفسير المنار (1/184) .

3 الوحي المحمدي (ص: 170) .

4 سورة النمل، الآية (59-60) .

5 انظر: المقريزي: تجريد التوحيد (ص: 8 و9) .

ص: 473