الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: أدلة البعث
المطلب الأول: النشأة الأولى
…
بعدما رفض رشيد رضا طريقة المتكلمين في الاستدلال على البعث اتبع طريق القرآن وسار على نهجه في بيان أدلة البعث، كما يلي:
المطلب الأول: النشأة الأولى:
هذا الدليل من أدلة الكتاب العزيز العقلية على وقوع البعث، وقد كرر في القرآن ذكر هذا الدليل، قال تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 1. قال الشيخ رشيد: "هذا تذكير بالبعث والجزاء على الأعمال
…
وهذه الجملة من أبلغ الكلام الموجز المعجز فإنها دعوى متضمنة للدليل بتشبيه الإعادة بالبدء، فهو يقول:{كَمَا بَدَأَكُمْ} ربكم خلقاً وتكويناً بقدرته {عُودُونَ} إليه يوم القيامة
…
" 2. وقال في موضع آخر معلقاً على نفس الآية: "
…
وفيه دليل على إمكان البعث لأنه كالبدء أو أهون على المبدئ بداهة، فكيف وهو القادر على كل شيء بدءاً وإعادة على سواء
…
" 3.
1 سورة الأعراف، الآية (30)
2 تفسير المنار (9/ 375 ـ 376)
3 المصدر نفسه (9/ 567)
وأشار الشيخ رشيد كذلك إلى خاتمة سورة يس، وهي قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ
…
} 1 إذ أنه استدلال بنفس الدليل، وكما يقول الشيخ رشيد:"بأسلوب المناظرة والاستدلال"2. كما أشار أيضاً إلى نفس الدليل في فاتحة سورة (ق) قال: "وفي فاتحة سورة (ق) ومن الرد عليهم في أثنائها {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} 3
…
" 4.
وهذا الدليل الذي استدل به الشيخ رشيد هو من أدلة القرآن العقلية، وقد استدل به الشيخ رشيد على وجهه الصحيح، وتقرير هذا الاستدلال على آيات سورة يس مثلاً، وهو قوله تعالى:{قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 5 وهو في صورة قضية منطقية عقلية هكذا: هذه العظام رميم ولا أحد يحيي العظام وهي رميم، فلا أحد يحيي هذه العظام. ولكن هذه القضية الأخيرة السالبة كاذبة، لأن مضمونها امتناع الإحياء، فبين سبحانه إمكانه من وجوه ببيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال:{يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقد أنشأها من تراب. ثم استدل بعد ذلك بخلقه لما هو أولى وأكبر من خلق الإنسان. وهو خلق السماوات والأرض، فقال:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} 6.
فهذان دليلان في الحقيقة، الأول: خلق المثل، والثاني: خلق ما هو أكبر وأعظم. وقد أشار الشيخ رشيد إلى هذا الاستدلال من سورة يس، التي "تكرر فيها ذكر الحشر والبعث والجزاء بأسلوب المناظرة
1 سورة يس، الآية (78)
2 تفسير المنار (8/ 284)
3 سورة ق، الآية (15)
4 تفسير المنار (8/ 284)
5 سورة يس، الآية (79)
6 سورة يس، الآية (81)، وانظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 33)