الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينزل فيقتله بباب لد
…
"1.
وبطريق الاستقراء يمكن تقسيم هذه الأشراط إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما وقع منها وانتهى، والثاني: ما وقع ولكنه لم يتم بعد ولم يستحكم، والثالث: ما لم يأت بعد.
ويمكن أيضاً أن تقسم إلى كبرى، وهو ما كان قريباً من قيام الساعة، كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، وطلوع الشمس من مغربها
…
ألخ. وإلى صغرى: وهو ما يكون قبل ذلك ومنه ما ورد في حديث جبريل المشار إليه آنفاً وغيره 2.
1 انظر: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (2/ 178)، وانظر أيضاً: عبد الغني المقدسي: الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 189 ـ 192) ت: أحمد بن عطية الغامدي، ط. العلوم والحكم، الأولى، سنة 1414هـ، والموفق ابن قدامة: لمعة الاعتقاد (ص: 19) ت: بدر البدر، ط. دار ابن الأثير، الثانية، 1416هـ.
2 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 83 ـ 85)
المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:
لم يكن للشيخ رشيد بد من إثبات أشراط للساعة ـ جملة ـ لورود ذلك في القرآن الكريم، وبناءً عليه أثبتها فقال:"إن للساعة أشراطاً ثبتت في الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} 3". وعرف الشيخ رشيد الأشراط بقوله: "الأشراط جمع شَرَط بفتحتين، كأسباب جمع سبب، وهي العلامات والأمارات الدالة على قربها، وأعظمها بعثة خاتم النبيين
…
لأن بعثته صلى الله عليه وسلم قد كمل بها الدين، كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 4،
…
وما بعد الكمال إلا الزوال
…
" 5.
3 سورة محمد، الآية (18)
4 سورة المائدة، الآية (3)
5 تفسير المنار (9/ 483)
والحق أنه لم يثبت الشيخ رشيد من علامات الساعة إلا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما سوى ذلك من العلامات الصغرى والكبرى فلم يكن لها نصيب من القبول عند الشيخ رشيد.
لقد ادعى أن روايات الفتن وأشراط الساعة مشكلة ومتعارضة. فأما الإشكال الذي أبداه على العلامات الصغرى، فهو أن ما ورد منها من الأمور المعتادة التي تقع بالتدريج لا يُذّكر بقيام الساعة ولا تحصل به الفائدة التي من أجلها أخبر الشارع بقرب قيام الساعة ـ يعني لأنها أصبحت من الأمور المعتادة المألوفة ـ 1. وأما الأشراط الكبرى الخارقة للعادة فوجه الإشكال فيها عند الشيخ رشيد أن العالم بها يكون في مأمن من قيام الساعة قبل وقوعها كلها فهو مانع أيضاً من حصول تلك الفائدة، فالمسلمون المنتظرون لها يعلمون أن لها أشراطاً تقع بالتدريج، فهم آمنون من مجيئها بغتة في كل زمن، وإنما ينتظرون قبلها ظهور الدجال والمهدي والمسيح عليه السلام ويأجوج ومأجوج، وهذا الاعتقاد لا يفيد الناس موعظة ولا خشية ولا استعدادً لذلك اليوم ولا لتلك الساعة، فما فائدة العلم به إذن؟ هذا ما قاله الشيخ رشيد رضا 2.
وأريد هنا أن أرد على هاتين الشبهتين عند الشيخ رشيد، وذلك قبل أن أتناول تفصيل ما أورده في أشراط الساعة الكبرى ـ وقد خص منها بالذكرـ الدجال والمهدي، وطلوع الشمس من مغربها، وسوف أتحدث عن كل ذلك تفصيلاً إن شاء الله.
فأقول أولاً: إن الشيخ رشيد تناقض هنا، فإنه: قد أثبت أشراطاً للساعة، وخص بالذكر منها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فما أورده من الإشكال في الأشراط الأخرى وارد على ما أثبته، ومهما كان جوابه فهو جوابنا.
ثانياً: إنّ ما استشكله الشيخ رشيد غير مشكل، لأن ما أورده في الأشراط الصغرى من كونها أموراً صارت معتادة لا تذكر بالآخرة، ـ وهو
1 تفسير المنار (9/ 488)
2 المصدر نفسه (9/ 489)
الحكمة من تقديم الأشراط ـ ليس صحيحاً على إطلاقه هذا، فإن من الناس من يوفقه الله تعالى للاعتبار، فإذا رأى من أشراط الساعة شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تنبه من غفلته وقام من رقدته، وأصلح من شأنه، لا يألو جهداً في التوبة ولا يتوانى في الحوبة، كالمريض إذا ظهر له قرب أجله فإنه يسارع في الإحسان، وينظر لنفسه وورثته وأصحاب الحقوق عنده، وينقطع عن الدنيا إلى الآخرة. ومنهم من طبع الله على قلبه وتمكنت منه الغفلة فهو على حد قوله تعالى:{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1.
وأما الأشراط الكبرى وخوف الشيخ رشيد أن تتعارض مع ما تقرر من عدم علم أحد بالساعة إلا الله تعالى، ومن أن العالم بهذه الأشراط يكون في مأمن من الساعة، فالجواب عنه أيضاً من وجوه:
أحدها: أن يقال فيه ما قيل فيما قد سبق من صنفي الناس، فمنهم حي القلب، العالم الذي ينفعه ذلك، ومنهم دون ذلك.
الثاني: أن الله تعالى ورسوله قد أخبرا مع وجود الأشراط وظهور العلامات أن الساعة لا تكون إلا بغتة، كما قال تعالى:{لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} 2، فالعلم بأشراطها لا يورث العلم بوقوعها، ومع أن السنة قد بينت أن الساعة تكون في آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا تكون في يوم آخر ولا ساعة أخرى، إلا أنها كذلك قد بينت أنها لا تكون إلا فجأة. ومما يؤيد هذا الوجه اختلاف أهل العلم في بعض الأشراط والعلامات هل وقعت أم لا، كاختلافهم في الدخان 3، والمهدي هل هو عمر بن عبد العزيز أم
1 سورة هود، الآية (34)
2 سورة الأعراف، الآية (187)
3 انظر: أبا عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، ت: رضاء الله المباركفوري (5/ 995 ـ 1002) مع التعليق. وأيضاً: (5/ 1003 ـ 1009) مع تعليق المحقق، وانظر: عمر سليمان الأشقر: اليوم الآخر: القيامة الصغرى (ص: 221) وما بعدها، دار النفائس، السادسة 1415هـ.