المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: التكفير: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: التكفير:

‌المطلب الثاني: التكفير:

التكفير بما دون الشرك من الذنوب هو مذهب الخوارج 3.

وقد لاحظ الشيخ رشيد أن المتأخرين قد تجرأوا على التكفير بما لا يكفر، وحتى بعض المصنفين قد زادوا من هذه الجرأة لدى الناس على تكفير من يخالف مذهبهم 4، ويقرر الشيخ رشيد أن ـ بدعة التكفير قد أحدثها غلاة المبتدعة بتكفيرهم من يخالف بدعتهم وأن مما امتاز به أهل

3 انظر: الأشعري: المقالات (1/168) ط. المكتبة العصرية، بيروت، 1411هـ ت: محيي الدين عبد الحميد.

4 انظر: مجلة المنار (34/ 357) والتفسير (1/ 139 ـ 140)

ص: 235

السنة عدم "تكفير أحد من اهل القبلة" وقد اشتهر أن العمدة عندهم في التكفير هو جحود شيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة ممن نشأ بين المسلمين ولم يكن حديث عهد بالإسلام، أي يجحده عالماً به أو جاهلاً غير معذور بجهله، واشترطوا أيضاً أن يكون غير متأول، فإن من جحد ذلك الشيء بتأويل ظهر له لا يكون كافراً.." 1.

ويفصل الشيخ رشيد هذه المسألة ويبين ما يُكفِّر وما لا يُكفِّر، فيقول: "فالمعنى العام الجامع لكل ما ينافي ملة الإسلام هو تكذيب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس أو تكذيب شيء مما علم المكذب أنه جاء من أمر الدين، وهو قسمان: الأول: المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة، ككون القرآن كلام الله تعالى، وتوحيد الله وتنزيهه عن النقص والولد والشريك في تدبير الكون أو العبادة كالدعاء والذبح والنذر له ألخ. وكون محمد هوخاتم النبيين.. فهذا لا يعذر أحد بجهله إلا من كان حديث العهد بالإسلام لم يمض عليه زمن كاف لتعلم هذه الضروريات منه، ومن كان في حكمه كرجل أسلم في مكان أو بلد ليس فيه من المسلمين من يعلمه ذلك كله وطال عليه الزمن، وهو لا يعلم أن عليه واجبات أخرى ولا أنه يجب عليه الهجرة مثلاً.

والقسم الثاني: ما كان غير مجمع عليه أو مجمعاً عليه غير معلوم من الدين بالضرورة كبعض محرمات النكاح وأحكام المواريث مثلاً مما لا يعرفه إلا العلماء فهذا يعذر من جهله، فإن علم شيئاً منه أنه من دين الله قطعاً صار حكمه حكم القسم الأول بالنسبة إليه.."2.

ومن هذا النص الطويل يظهر أن الشيخ رشيد يذهب إلى أن العذر بالجهل يكون لحديثي العهد بالإسلام، أما من يعيش بين المسلمين وولد لأبوين مسلمين فإنه لا يعذر لجهله بالتوحيد ووقوعه في الشرك إذ أن ذلك هو أصل دين الإسلام.

1 مجلة المنار (14/ 625) .

2 مجلة المنار (34/ 357)

ص: 236

ويرى الشيخ أيضاً العذر بالتأويل فهو كما يقول: لا يكفر "أحداً بخصوصه ما لم أر أو أسمع منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح بالتصريح الذي لا يحتمل التأويل.."1. وكما يظهر أيضاً من قوله: "فإن من جحد ذلك الشيء بتأويل ظهر له لا يكون كافراً" وكما أنه ليس كل جهل عذراً فليس كل تأويل عذراً كذلك.

والشيخ رشيد في موقفه هذا متأثر بعلماء الدعوة في نجد فإنه في ذهابه إلى الاحتياط في التكفير بما لا يكفر، مع تكفيره من أشرك بالله وهو في دار الإسلام، يتبع في الحقيقة علماء نجد الموحدين، وقد نشر رسائل لبعضهم وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إمام نجد في عصره، وقال:"ومنها يعلم ما عليه علماء نجد في مسألة تكفير المخالفين واحتياطهم فيها"2.

ومن هذا الاحتياط والتثبت ننتقل إلى فتوى الشيخ رشيد في نازلة حادثة، وهي: التجنس بجنسية غير إسلامية، وقد أفتى فيها الشيخ بالكفر والردة.

المسألة الأولى: التجنس:

التجنس نازلة من النوازل أي من الحوادث التي لم تكن على عهد السلف، وقد وقع ما يشبه حكمها في الأندلس ثم في بلاد نجد ثم وقعت في العصر الحديث ودار حولها الجدل 3.

وأما معنى التجنس لغة: فالجنس هو كل ضرب من الشيء، فالبُر مثلاً جنس من أجناس الحبوب، ويجمع على أجناس وجنوس. والجنس أعم من

1 المصدر نفسه (2/ 462)

2 انظر: مجلة المنار (27/ 505 و 585 وأيضاً 32/ 545) والرسالة المشار إليها: في الدرر السنية (1/ 466) وما بعدها.

3 محمد بن عبد الله السبيل: مجلة المجمع الفقهي (2/ 4/103)، والشاذلي النيفر: المصدر نفسه (2/ 4/ 197)

ص: 237

النوع، فالحيوان جنس والإنسان نوع منه 1.

ويطلق الجنس في اصطلاح عصري على نوع بشري خاص يقابله نوع آخر لكل منهما مميزات خاصة عرقية أو اجتماعية تفرق بين صنف وصنف. وبناءً على ذلك: فالجنسية هي الصفة التي تلحق بالشخص من جهة انتسابه لشعب أو أمة.. مثل تونسي أو عربي.

فالجنسية هي هوية قانونية لكل دولة 2، وتكتسب هذه الهوية إما بالأصالة كالنسب والولادة، أو بالاكتساب الناشئ عن طلب التجنس 3، والتجنس هو: طلب انتساب إنسان إلى جنسية دولة من الدول، وموافقتها على قبوله في عداد رعاياها، وينشأ عن ذلك التجنس خضوع المتجنس لقوانين الدولة التي تجنس بجنسيتها وقبوله لها طوعاً أو كرهاً والتزام الدفاع عنها في حال الحرب، بما أنه أصبح أحد مواطنيها، ويترتب على تجنسه خضوعه لنظام هذه الدولة في المواريث وسائر الأحكام 4.

والتعريف القانوني للجنسية هو أنها "رابطة سياسية وقانونية تنشئها الدولة بقرار منها تجعل الفرد تابعاً لها أي: عضواً فيها" 5، والفرق ـ عند القانونيين ـ بين الجنسية ـ بمعناها الاصطلاحي ـ والجنس هو أن الجنسية تفيد انتساب الشخص إلى دولة معينة ـ وهو انتساب سياسي قانوني كما سبق ـ أما الجنس فيفيد انتساب الشخص إلى سلالة بشرية معينة 6.

والجنسية علاقة تعاقدية بين الدولة والفرد، فعلى الدولة واجب حماية

1 محمد الشاذلي النيفر: المصدر السابق والصفحة.

2 محمد الشاذلي النيفر: المصدر السابق (2/ 4/ 171)

3 أ. د. صوفي أبو طالب: الوجيز في القانون الدولي الخاص (ص: 161) ط. دار النهضة العربية، بيروت 1972م.

4 انظر: محمد الشاذلي النيفر: المصدر السابق (2/ 4/169) وصوفي أبو طالب: الوجيز (ص: 67)

5 د. صوفي أبو طالب: المصدر السابق (ص: 67)

6 المصدر نفسه (ص: 70)

ص: 238

الأفراد الداخلية تحت جنسيتها، وعلى الأفراد ـ في مقابل ذلك واجب الطاعة واحترام القوانين، والمساهمة في التكاليف العامة التي تفرضها الدولة، كالخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ويكون تعبير الأفراد عن إرادتهم في هذا العقد صريحاً فيما إذا طلب الفرد جنسية دولة ما، وقد يكون ضمنياً في حالة سكوته عندما تعرض عليه الجنسية بخيار الرد "لأن السكوت في معرض الحاجة بيان" وقد يكون التعبير مفترضاً كما في حالة عديمي الإرادة كالطفل 1.

ولأن الجنسية بناءً على ما سبق تفرض على الفرد أن يلتزم أحكام دولة جنسيته فقد أفتى الشيخ رشيد وآخرون بأن الداخل تحت جنسية غير إسلامية كفرنسا وغيرها هو كافر كفر ردة، خارج عن الملة ولا يدفن في مقابر المسلمين 2. وزاد الشيخ رشيد على غيره من المتقدمين أنه بنى على ذلك أصلاً في مسألة استحلال الحرام، فإن الشيخ يرى أن من فَعَل الحرام فِعْل الحلال والمباح أي بغير حرج ولا مبالاة، وهو يعتقد أنه حرام شرعاً ولو لم يكن مجمعاً عليه، فإن كان المستحل متأولاً بنص أو قاعدة شرعية اعتقد بها أنه حلال شرعاً لم يحكم بردته وإلا كان مرتداً 3. وهذا التأصيل في الحقيقة هو أكبر من أصل المسألة ـ مسألة التجنس ـ لذا فإنني سأناقش المسألتين كلاًّ على حدة.

مستند الشيخ رشيد في كفر المتجنس:

استند الشيخ رشيد في حكمه على المتجنس بالكفر إلى أن "قبول المسلم لجنسية ذات أحكام مخالفة لشريعة الإسلام خروج من الإسلام فإنه ردّ له، وتفضيل لشريعة الجنسية الجديدة على شريعته، ويكفي في هذا أن يكون عالماً بكون تلك الأحكام التي آثر غيرها عليها هي أحكام الإسلام

"4.

1 المصدر نفسه (ص: 84 ـ 85)

2 مجلة المنار (25/ 28) وأيضاً (33/ 224 و 34/ 357)

3 المصدر نفسه (25/24)

4 المصدر نفسه (25/ 27)

ص: 239

وأيضاً:"..إن المسلم الذي يقبل الانتظام في سلك جنسية يتبدل أحكامها بأحكام القرآن فهو ممن يتبدل الكفر بالإيمان، فلا يعامل معاملة المسلمين، وإذا وقع من أهل بلد أو قبيلة وجب قتالهم عليه حتى يرجعوا.."1.

واستدل الشيخ رشيد من القرآن بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} 2. قال الشيخ رشيد: "الطاغوت مصدر الطغيان ومثاره، ويدخل فيه كل ما خالف ما أنزله الله، وما حكم به رسول صلى الله عليه وسلم فإنه جعل مقابلاً له هنا وفي آيات أخرى، ومنه بعض أحكام القانون الفرنسي كإباحة الزنا والربا، دع ما يستلزمه اتباع أي جنسية سياسية غير إسلامية من قتال المسلمين وسلب بلادهم منهم.." 3.

والشيخ رشيد لا يفرق هنا بين حالة وحالة مع أنه فرق في الحكم بغير ما أنزل الله، وعذر هناك بالإكراه والاضطرار، ولم ير أن الشخص في مسألة الجنسية يكون مضطراً ولا يكون مختاراً 4 وهذا لا يسلم له.

كما ذكرت ـ قبلاً ـ أن آخرين معاصرين للشيخ أفتوا بمثل ما أفتى به منهم الشيخ علي محفوظ 5، والشيخ يوسف الدجوي 6، واستندوا إلى مثل ما استند إليه الشيخ رشيد 7.

1 المصدر نفسه (25/ 29)

2 سورة النساء، الآية (60)

3 مجلة المنار (25/ 27)

4 المصدر نفسه (25/28)

5 من كبار علماء الأزهر: فقيه واعظ، له مؤلفات. الأعلام (4/323) ومعجم المؤلفين (7/175)

6 مدرس من علماء الأزهر: فقيه مالكي، مفتي مجلة الأزهر، له مؤلفات. الأعلام (8/216) ومعجم المؤلفين (13/272)

7 انظر: مجلة المجمع الفقهي (2/ 4/ 149و155)

ص: 240

وإذا كان "التجنس بجنسية دولة غير إسلامية" نازلة من النوازل، فإننا ـ مع ذلك ـ لا بدّ أن نجد لها حكماً في كتاب الله ـ وكما يقول الشافعي رحمه الله "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها" 1. فيقول الله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 2.

حكم التجنس:

في ضوء الآية السابقة لا نستطيع أن نعطي المتجنسين بجنسيات الكفر حكماً واحداً، لأن حال المكره أو المضطر غير حال الراضي أو المختار، فمن المسلمين من دخل في جنسيات الكفر مكرهاً غير راضٍ بها كحال المسلمين الذين دخلوا في حكم الاتحاد السوفياتي قسرياً، وكالذين يفرون من الموت في دار الخوف إلى دار الأمان فراراً بدينهم وأرواحهم، فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يختارون هذه الجنسية حباً لها ورضى بها، وتفضيلاً لقانونها على شريعة الإسلام 3.

ولقد سلك الشيخ رشيد هذا المسلك في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، ففرق بين حال الاختيار وحال الاضطرار، وهما من باب واحد أي الحكم بغير ما أنزل الله والتحاكم، فليكن الأمر هنا كذلك، طرداً للباب

1 الشافعي: الرسالة (ص:20) ط. دار الكتب العلمية. بيروت/ ت: أحمد شاكر.

2 سورة النحل، الآيات (106ـ 110)

3 انظر: محمد بن عبد الله السبيل: مجلة المجمع الفقهي (2/4/ 164) ومحمد الشاذلي النيفر: المصدر نفسه (2/4/237)

ص: 241

وعملاً بأدلة الكتاب والسنة التي تقرن بين الحالين وتجيز للمضطر والمكره ما لا تجيز للراضي المختار 1.

وفي كل حال هناك أمور لا تجوز بحال كقتال المسلمين في صفوف الجنسية الجديدة، فإن قتل المسلم لا مندوحة فيه بحال 2.

وعلى هذا تحمل فتاوى المتقدمين 3.

المسألة الثانية: الاستحلال:

بعد بيان حكم "التجنس" قعّد الشيخ رشيد رضا قاعدة بناها على حكم التجنس، وهي قاعدة "الاستحلال العملي" لقد أشار رشيد رضا إلى قاعدة أهل السنة وما أجمعوا عليه من عدم التكفير بالمعاصي العملية إذا لم تجحد أو تستحل وإن كانت مجمعاً عليها من الدين بالضرورة 4. وأشار في ذلك إلى قول صاحب الجوهرة: فلا نكفر مسلماً بالوزر 5.

كما أشار أيضاً إلى قوله:

" ومن لمعلوم ضرورة جحد من ديننا يقتل كفراً ليس حد" 6

ثم قال: "فإن هذه القاعدة وقع فيها اللبس والاشتباه حتى بين المشتغلين بالعلم، وفي أحد فروعها وهو استحلال الحرام فإنه إذا كان من المجمع عليه من الدين بالضرورة كان ردة بلا خلاف، ولكن بعض المشتغلين بقشور العلم والمجادلين في ألفاظ الكتب من يظنون أن الجحد والاستحلال من أعمال القلب فجاحد الصلاة ومستحل شرب الخمر والزنا عندهم هو من يعتقد أن وجوب الصلاة وتحريم الخمر والزنا ليسا من دين الإسلام، فلا الصلاة فريضة

1 انظر: مجلة المنار (25/ 28) وأيضاً (7/ 577) والتفسير (6/ 405)

2 محمد الشاذلي النيفر: المصدر السابق (2/4/ 332ـ 333)

3 انظر: محمد بن عبد الله السبيل: المصدر السابق (2/4/135) والشاذلي النيفر: المصدر نفسه (2/ 4/ 197) .

4 انظر: مجلة المنار (25/ 23)

5 انظر: جوهرة التوحيد (مع شرح البيجوري)(ص: 228)

6 المصدر السابق (ص:242)

ص: 242

ولا الزنا حرام. وفي هذا الظن من التناقض والتهافت ما هو صريح، فإن فرض المسألة: أن الذي يستحل مخالفة ما يعلم أنه من الدين علماً ضرورياً غير قابل للتأويل سواء كان فعلاً أو تركاً يكون به مرتداً عن الإسلام، والعلم: الاعتقاد القطعي، فكيف يفسر الاستحلال بعدم الاعتقاد، وهو جمع بين النقيضين" 1. ثم قال معرفاً الجحد:" إن حقيقة الجحد هو إنكار الحق بالفعل، واشترط أن يكون المنكر معتقداً له بالقلب.. قال الراغب في مفردات القرآن 2 الجحود: نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه، يقال: جحد جحوداً وجحداً، قال عزوجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} 3، وحسبنا الآية نصاً في الموضوع.."4. ثم قال: " وكذلك الاستحلال أو الاستباحة أن يفعل الشيء فعل الحلال والمباح أي بغير حرج ولا مبالاة وهو يعتقد أنه حرام شرعاً ولو لم يكن مجمعاً عليه، فإن كان المستحل متأولاً لنص أو قاعدة شرعية اعتقد بها أنه حلال شرعاًلم يحكم بردته، وإلا كان مرتداً، ويصدق في ادعائه الجهل بحرمته إلا إذا كان مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة" 5.

ثم وجه رشيد رضا حكمه هذا بقوله:"والوجه في ذلك أن الإسلام هو الإذعان بالفعل لما علم أنه من دين الله في جملته هو الإيمان، إذا الاعتقاد القلبي وحده لا يكون به المعتقد مسلماً ولا يكون الاعتقاد إيماناً حتى يكون نازعاً، ولهذا قالوا بترادف الإيمان والإسلام فيما يصدقان عليه وإن اختلفا في المفهوم.."6.

هذا هو تصوير مذهب الشيخ رشيد رضا في هذه المسألة، وخلاصته: أنه يكفر من فعل المعاصي واستحلها عملاً بها وإن كان يعتقد أنها محرمة

1 مجلة المنار (25/23ـ 24)

2 المفردات (ص: 187)

3 سورة النحل: الآية (14)

4 مجلة المنار (25/24)

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 243

في الشرع، واحتج بآية سورة النحل وبمذهب من جعل الإيمان والإسلام يتواردان على حقيقة واحدة، وإن اختلف مفهومهما، أما الآية: فمعناها أنهم جحدوا بالآيات في ظاهر الأمر ظلماً من أنفسهم وعلواً واستكباراً عن اتباع الحق، ولم يقروا بها والحال أنهم تيقنوا أنها من عند الله 1. أي أنهم رفضوا الدخول في الإيمان أصلاً لهذا السبب.

وأما القياس الذي ذهب رشيد رضا من الاتفاق على كفر من جحد معلوماً من الدين بالضرورة، فهو كما قال: متفق عليه 2، ولكن قياسه ذلك غير صحيح فإنه قياس مع الفارق بين المستحل وغيره، فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تابعة لها، فمعنى "يستحله": لا بد أن يضمن معنى يعتقده أو نحو ذلك، والاعتقاد والاستحلال بهذا المعنى لا يعرف من الشخص بمجرد العمل، فإن العاملَين قد يكونا فعلا المعصية الواحدة ولكل واحد منهما حكم، باعتبار الاستحلال وعدمه. فمعتقد حل الزنا يكفر ولو لم يزنِ. والزاني لا يكفر بزناه وإن تكرر ما لم يستحله، والاستحلال لا يعرف بمجرد الفعل ولا بد في معرفته من أن يعرب عنه لسانه 3. ولا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً 4.

1 انظر: الزجاج: معاني القرآن (4/1114) ط. عالم الكتب، الأولى 1408هـ، وابن كثير: التفسير (3/345)، وأبو السعود: إرشاد العقل السليم (6/ 275) ط. دار إحياء التراث، بيروت. والجمل: الفتوحات الإلهية (3/ 301) ط. دار إحياء التراث، بيروت، وصديق حسن خان: فتح البيان (7/ 71)

2 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (11/ 405)

3 استفدت هذا من مناقشة مع فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد وابنه وتلميذه أستاذي الدكتور عبد الرزاق العباد. وانظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:317)

4 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:316 ـ 317)

ص: 244

المسألة الثالثة: الحكم بغير ما أنزل الله:

لم يتبع رشيد رضا في هذه المسألة أسلوب التعميم كما فعل في مسألة "التجنس" بل إنه هنا فصل تفصيلاً. وقبل أن أبين مذهب رشيد رضا في هذه المسألة، أود أن أشير إلى ملاحظة تتعلق بمسألتنا، وبغيرها من مسائل هذا الباب، وهي مسألة الأسماء كالكفر والظلم والفسق وتحديد معانيها ومدلولاتها. يرى رشيد رضا أن هذه الأسماء الثلاثة تتوارد على حقيقة واحدة في كتاب الله كما أنها ترد بمعاني مختلفة. بينما اصطلح علماء الأصول والفروع على التعبير بلفظ الكفر عن الخروج من الملة وما ينافي دين الله الحق، دون لفظي الظلم والفسق. وإن كان القرآن يطلق لفظ الكفر على ما ليس بكفر في اصطلاحهم كما أنه يطلق لفظي الظلم والفسق على ما هو كفر في عرفهم 1. كما أنه يشير إلى أن لفظ الفسق هو أعم هذه الألفاظ، فكل كافر وكل ظالم فاسق ولا عكس 2.

وفيما يتعلق بمسألتنا يتحدث رشيد رضا عن الآيات التي هي الأصل فيها، وهي قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 3. فيقول إن هذا الكلمات الثلاث "وردت بمعانيها في أصل اللغة موافقة لاصطلاح العلماء. ففي الآية الأولى كان الكلام في التشريع وإنزال الكتاب مشتملاً على الهدى والنور والتزام الأنبياء وحكماء العلماء العمل والحكم به والوصية بحفظه. وختم الكلام ببيان أن كل معرض عن الحكم به لعدم الإذعان له، رغبة عن هدايته ونوره، مؤثراً لغيره عليه، فهو الكافر به، وهذا واضح لا يدخل فيه من لم يتفق له الحكم به أو من ترك الحكم به عن جهالة ثم تاب

1 انظر: تفسير المنار (6/ 403)

2 نفس المصدر (6/ 405) ولقد فصل شيخ الإسلام هذا المعنى جداً. انظر: ابن تيمية: الإيمان (ص:55 وص: 58) وما بعدها.

3 سورة المائدة، الآيات (44 و45 و47)

ص: 245

إلى الله

وأما الآية الثانية فلم يكن الكلام فيها في أصل الكتاب الذي هو ركن الإيمان وترجمان الدين، بل في عقاب المعتدين على الأنفس أو الأعضاء بالعدل والمساواة، فمن لم يحكم بذلك فهو الظالم في حكمه كما هو ظاهر. وأما الآية الثالثة فهي في بيان هداية الإنجيل وأكثرها مواعظ وآداب وترغيب في إقامة الشريعة على الوجه الذي يطابق مراد الشارع وحكمته لا بحسب ظواهر الألفاظ فقط، فمن لم يحكم بهذه الهداية ممن خوطبوا بها فهم الفاسقون بالمعصية والخروج عن محيط تأديب الشريعة

" 1.

وبناء على ذلك يخلص الشيخ رشيد رضا إلى الحكم الذي يراه صحيحاً في هذه المسألة، وهو تفصيل الأحوال، فيقول: "فالذين يتركون ما أنزل الله في كتابه من الأحكام من غير تأويل يعتقدون صحته فإنه يصدق عليهم ما قاله الله تعالى في الآيات الثلاث أو في بعضها، كل بحسب حاله: فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا غير مذعن له لاستقباحه إياه وتفضيل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعاً. ومن لم يحكم به لعلة أخرى فهو ظالم إن كان في ذلك إضاعة الحق أو ترك العدل والمساواة فيه، وإلا فهو فاسق فقط، إذ لفظ الفسق أعم هذا الألفاظ

2 وهذا التفصيل في الحكم هو المذهب الموافق للسلف 3 فلا نستطيع أن نصدر حكماً واحداً على الجميع أو في جميع الأحوال.

1 تفسير المنار (6/ 404 ـ 405)

2 المصدر نفسه.

3 انظر: ابن القيم: مدارج السالكين (1/366 ـ 337) وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:446) ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الثالثة، 1408هـ ومحمد بن إبراهيم: تحكيم القوانين (ص:9 ـ 10) ط. الجامعة الإسلامية، ومحمد الأمين الشنقيطي: أضواء البيان (2/104)

ص: 246