الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداً لله وشريكاً له وولياً من دونه
…
" 1.
وهذه الأنداد تنقسم إلى قسمين ـ بحسب اعتقاد الناس فيهم ـ قسم يتصرف وحده، وقسم إنما هو واسطة وشفيع 2.
ويقسم الشيخ رشيد الشرك في الألوهية إلى قسمين: أكبر: وهو: "التوجه إلى غيره من عباده المكرمين كالملائكة والرسل والصالحين، وإلى ما وضع للتذكير بهم من الأصنام والقبور وغيرها
…
" 3. وإلى شرك أصغر: وهو: "الرياء وحب اطلاع الناس على عبادتكم والثناء عليكم بها والتنويه بذكركم فيها
…
" 4.
ويقودنا هذا البيان من الشيخ إلى معرفة سبب الشرك ومنشئه.
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 تفسير المنار (2/ 68)
3 المصدر نفسه (8/ 375)
4 المصدر نفسه والصفحة.
المطلب الثالث: منشأ الشرك:
نستطيع أن نقول أن الغلو هو سبب كل شرك وبدعة وقع فيهما أهل الأديان جميعاً. فهو الذي أهلك الأمم قبلنا، ومن جهته دخل الشرك في دين التوحيد 5.
قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ
…
} 6
5 انظر: ابن تيمية: قاعدة جليلة (ص: 77)، واقتضاء الصراط المستقيم (1/ 289) ت: ناصر العقل، والرد على البكري (ص: 104 ـ 105) ، والجواب الباهر (ص: 12) ، وابن القيم: إغاثة اللهفان (1/ 166، 131)، والمقريزي: تجريد التوحيد (ص: 23)، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 56)، سليمان بن عبد الله: تيسير العزيز الحميد (ص: 314، 345)
6 سورة المائدة، الآية (77)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"1.
وهذا النهي عام عن جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال 2.
قال الشيخ رشيد عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 3: "الغلو الإفراط وتجاوز الحد في الأمر، فإذا كان في الدين فهو تجاوز حد الوحي المنزل إلى ما تهوى الأنفس، كجعل الأنبياء والصالحين أرباباً ينفعون ويضرون بسلطة غيبية لهم فوق سنن الله في الأسباب والمسببات الكسبية، واتخاذهم لأجل ذلك آلهة يعبدون فيدعون من دون الله أو مع الله تعالى، سواء أطلق عليهم لقب الرب والإله كما فعلت النصارى أم لا
…
" 4.
ويقول الشيخ أيضاً مبيناً نتيجة الغلو في الدين: "ومن أهل الأديان من انتهى به الغلو في الدين إلى الخروج منه، ولذلك قال الله تعالى:{لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 5 ومن هؤلاء الغالين من عظم رؤساء الدين من الأنبياء والصلحاء تعظيم إطراء فزعم أنهم عند الله كالحجاب والوزراء عند السلاطين، يتوسلون إليه بإيذاء من يغاضبهم أو يناصبهم أو يقصر في تعظيمهم وينفع من يتقرب منهم ويتخذهم شفعاء أو نصراء
…
" 6.
وأول شرك وقع في الأرض كان بسبب الصالحين، كما قال تعالى ـ حكاية عن قوم نوح ـ {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَاّ خَسَاراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا
1 ابن ماجه: السنن، ك: المناسك، باب: قدر حصى الرمي، ح: 3029، وصححه ابن تيمية على شرط مسلم: الاقتضاء (1/ 289)
2 ابن تيمية: اقتضاء الصراط (1/ 289)
3 سورة المائدة، الآية (77)
4 تفسير المنار (6/ 488 ـ 489)
5 سورة المائدة، الآية (77) وسورة النساء، الآية (171)
6 مجلة المنار (3/ 663)
سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً
…
} 1فإن هؤلاء ـ يغوث ويعوق ونسراً ـ كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم، كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم 2.
ثم إن هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح صارت في العرب بعد ذلك، فكانت ود في كلب بدومة الجندل، وسواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع 3.
قال الشيخ رشيد ـ بعد نقله لبعض هذه الروايات ـ: "ومعنى قول إبليس وحيه ووسوسته، وكانت العبادة لهم توسلاً بهم واستشفاعاً وتقرباً إلى الله وذبائح تذبح لهم منذورة أو غير منذورة وطوافاً بتماثيلهم ونحو ذلك مما يفعل الآن كثير من أهل الكتاب ومن اتبع سننهم من المسلمين شبراً بشبر وذراعاً بذراع
…
فإن المسلمين لا يتخذون للأنبياء والصالحين صوراً ولا تماثيل يعظمونها ويطوفون بها ويذبحون عندها وإنما استبدلوا القبور المشيدة وما يضعونه عليها بالتمثيل
…
" 4.
وقال: "ومنه تعلم أن أصل بلية الشرك الغلو في تعظيم الصالحين وتعظيم ما يذكر بهم أو ينسب إليهم، وقد ينسى المذكر بهم فيعتقد أنه ينفع ويضر بنفسه
…
" 5.
ومن هذا يتضح أن الشيخ رشيد يرى أنه لا فرق بين من عبد الصور
1 سورة نوح، الآيات (21، 22، 23، 24)
2 انظر: الطبري: التفسير (29/ 98 ـ 99) ط. الباجي الحلبي بمصر.
3 انظر: البخاري: الصحيح، ك: التفسير، باب: تفسير سورة نوح، ح: 4920 (8/ 535) مع الفتح.
4 تفسير المنار (8/ 146)
5 مجلة المنار (16/ 431)