الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيات الأنبياء وآية نبينا عليهم الصلاة والسلام. إلا أنني هنا أريد أن أؤكد على ما يشير إليه الشيخ رشيد بقوله إن "الآيات التي أيد الله بها الأنبياء ليست محصورة في الخوارق الكونية
…
" 1.
فعند قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} 2 قال إن معنى الآيات فيها: "الدلائل والبينات من براهين عقلية، نظرية كانت أو علمية أو كونية، كآياته تعالى في الأنفس والآفاق، ومنها معجزات الأنبياء عليهم السلام وأظهرها وأقواها القرآن العظيم من حيث هو دال على صدق النبي الأمي في دعوى الرسالة من وجوه كثيرة
…
" 3.
1 مجلة المنار (11/ 913)
2 سورة الأعراف، الآية (146)
3 تفسير المنار (9/ 199)
المطلب الثاني: أنواع الآيات:
لقد قسم الشيخ رشيد آيات الله تعالى إلى أقسام، فقسمها أولاً إلى: آيات كونية آفاقية ـ أي متعلقة بالكون والآفاق كآيات موسى وآيات المسيح صلى الله تعالى عليهما، وأشار الشيخ رشيد إلى أن هذا النوع من الآيات غايته إخضاع النفوس أمام صاحب الآية، وإن كانت نفس الآية لا تشتمل على بيان أمور الدين ومسائله. وأنها أيضاً قد تشتبه على المؤمنين بها وغير المؤمنين بالسحر والشعوذة 4.
وقسيم هذا النوع عند الشيخ رشيد ـ نوع آخر من الآيات هو أولى وأقوى من تلك وهو الآيات النفسية العلمية ـ وهي كما يعرفها الشيخ: "ما تدل على صدق النبي دلالة حقيقية بالبرهان الذي يجزم العقل بأن صاحبها مؤيد من الله تعالى وموحى إليه ما بلغه ودعا إليه لأنها عبارة عن كون حال
4 مجلة المنار (4/ 372 ـ 373)
النبي وما جاء به يشهدان بأنهما لا يمكن أن يكونا إلا بإمداد إلهي ووحي سماوي، لأنها كحجة من يدعي الطب ويستدل على دعواه بمعالجة المرضى وشفائهم على يده وبالإتيان بكتاب في الطب إذا عمل به الناس تذهب أمراضهم وتحفظ صحتهم
…
" 1.
والفرق بين النوعين من الآيات أن "مدعي الطب إذا استدل على صدقه بأنه يقلب العصا حية ويكشف حيلة مشعوذ يُري الناس الحبال والعصي حيات وثعابين وفعل ذلك لم يكن بين الدليل والمدلول اتصال يربط أحدهما بالآخر
…
" 2.
وهذا هو الفارق بين آية خاتم النبيين وآيات من سبقه من الأنبياء ـ صلى الله تعالى عليهم ـ وهو ما أشار إليه الحديث السابق في قوله: "وإنما كان الذي أوتيته وحياً" وسيأتي مزيد بيان لذلك ـ إن شاء الله ـ.
وأود أن أشير هنا إلى قول الشيخ رشيد في النوع الثاني: "إنها عبارة عن كون حال النبي وما جاء به يشهدان بأنهما لا يمكن أن يكونا إلا بإمداد إلهي" وإلى أن هذا يعني الاستدلال من جهتين:
الأولى: حال النبي: وهو استدلال شخصي، وهو ما استدل به ملك الروم في سؤالاته لأبي سفيان 3.
والثاني: نوعي: وهو المقارنة بين ما جاء به ومعرفة نوعه، مع نوع ما جاء به الأنبياء ـ وهو ما استدل به النجاشي 4 وورقة بن نوفل 5. يقول الشيخ رشيد: "لقد كانت عمدة هذا الرسول عليه الصلاة والسلام في الاستدلال على
1 المصدر نفسه (4/ 373)
2 المصدر نفسه (4/ 373)
3 انظر: البخاري: الصحيح: ك: بدء الوحي، باب: 6، ح: 7 (1/ 42) مع الفتح.
4 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية (1/ 349 ـ 350) ط. دار الفكر، القاهرة.
5 انظر: البخاري: الصحيح: ك: بدء الوحي، باب: 2، ح: 2 (1/ 25 ـ 26) مع الفتح، وفيه أيضاً: استدلال السيدة خديجة بالقسم الأول. وانظر: ابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 125) وما بعدها.
نبوته ورسالته: نفسَه وما جاء به من النور والهدى كالطبيب الذي يستدل على إتقانه صناعة الطب بما بيديه من العلم والعمل والنجاح فيها" 1.
ويقسم الشيخ رشيد آيات الله تعالى أيضاً ـ وبشكل عام ـ إلى نوعين: الأول: الآيات الجارية على سننه تعالى العامة المطردة في نظام الخلق والتكوين، وهي أكثرها، وأظهرها وأدلها على كمال قدرته وإرادته وإحاطة علمه وحكمته وسعة فضله ورحمته" 2.
والنوع الثاني: "الآيات الجارية على خلاف السنن المعروفة للبشر وهي أقلها، وربما كانت أدلها عند أكثر الناس على اختياره عزوجل في جميع ما خلق وما يخلق وكون قدرته ومشيئته غير مقيدتين بسنن الخلق التي قام بها نظام العالم، فالسنن مقتضى حكمته وإتقانه لكل شيء خلقه، وقد يأتي بما يخالفها لحكمة أخرى من حكمه البالغة
…
" 3.
وفيما يخص النوع الثاني ـ وهو ما جاء على خلاف السنن ـ فإن الشيخ رشيد يقسمه أيضاً إلى حقيقي وصوري. فالحقيقي هو "آيات الله تعالى الحقيقية التي نسميها المعجزات هي فوق هذه الأعمال الصناعية الغريبة، لا كسب لأحد من البشر، ولا صنع لهم فيها، وإن ما أيد الله به رسله منها لم يكن بكسبهم ولا عملهم ولا تأثيرهم حتى ما يكون بدؤه بحركة إرادية يأمرهم الله تعالى بها
…
" 4.
وأما القسم الصوري: فهو الأعمال الصناعية "فإن منها ما له أسباب مجهولة للجمهور، وإن منها لما هو صناعي يستفاد بتعليم خاص، وإن منها لما هو من خصائص قوى النفس في توجيهها إلى مطالبها وفي تأثير أقوياء الإرادة في ضعفائها
…
" 5.
1 مجلة المنار (4/ 374)
2 الوحي المحمدي (ص: 206)
3 المصدر نفسه والصفحة.
4 الوحي المحمدي (ص: 209 ـ 200)
5 الوحي المحمدي (ص: 209)
وأخيراً يقسم الشيخ رشيد آيات الأنبياء إلى معجزات كونية، كآيات موسى، وروحانية كآيات المسيح صلى الله تعالى عليهما، ويفرق بينهما بأن الأولى منها لا تحتمل أن تكون بسبب من الأسباب المعروفة بين الناس كالرياضة وتوجيه الإرادة أو خواص المادة، وإن الثانية: على كونها خارقة للعادات الكسبية وعلى خلاف السنن المعروفة للناس ـ إلا أنها قد يظهر فيها أنها على سنة الله في عالم الأرواح 1.
على أن هذه الفروق قد لا تسلم للشيخ رشيد ـ وهولم يسبق إليها ـ على أنه كان يعرض هذا في مقام المناظرة وإقامة الحجة على أهل الكتاب ـ والغلبة يومئذ لهم ـ وفي سياق إثبات الوحي المحمدي وعلوه وتفوقه على غيره.
وأما كون بعضها من قوى النفس، وكما سبق أن أشرت فهذا من أثر فلسفة الشيخ محمد عبده في رشيد رضا، فإن الفلاسفة يقولون: إن معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق السحرة: هي قوى أنفس، فأقروا من ذلك بما يوافق أصولهم من قلب العصا حية دون انشقاق القمر ونحو ذلك فإنهم ينكرونه 2.
إثبات معجزات الأنبياء بالقرآن:
أشار الشيخ رشيد إلى حقيقة هامة وهي "أنه لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء في هذا العصر بحجة لا يمكن لمن عقلها ردها، إلا هذا القرآن العظيم، وما ثبت فيه بالنص الصريح منها
…
" 3.
وهذه الحقيقة التي أشار إليها الشيخ رشيد ترد على شبهتين أدتا إلى إنكار المعجزات ودلالتها على النبوة: الأولى منهما: أن التواتر غير متوافر
1 المصدر نفسه (ص: 221 ـ 224) بتصرف واختصار.
2 انظر: ابن تيمية: الفرقان (ص: 42) ط. المعارف، وسيأتي إنكار رشيد رضا لانشقاق القمر وشبهته في ذلك.
3 الوحي المحمدي (ص: 229 ـ 230)