المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى ‌ ‌تمهيد … تمهيد: مسألة - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى ‌ ‌تمهيد … تمهيد: مسألة

‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

‌تمهيد

تمهيد:

مسألة "إثبات وجود الله تعالى" لم تكن موضع استدلال في القرآن الكريم، بل كانت هي نفسها دليلاً ـ في هذا الكتاب العزيز ـ استدل به على ألوهية الله تعالى واستحقاقه وحده للعبادة.

فمسألة وجود الله تعالى مسألة بدهية، ونجد هذه البداهة متقررة حتى عند ذوي العقول المنحرفة من المشركين، يقول الله تبارك وتعالى عنهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1 ويقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2، وأما الآيات التي يستدل بها على هذه المسألة وأنها نزلت لإثبات وجود الله تعالى، فليست من ذلك في قليل أو كثير، وإنما نزلت تقريراً لتوحيد الله تعالى وألوهيته وصفاته العليا.

كذلك لم تظهر هذه المسألة في القرون المفضلة التي كانت امتداداً للعصر النبوي الذي كان هو بالأحرى عصر الإيمان بصفات الله وتوحيده، ولم تطرح فيه هذه المسألة على هذا النحو أبداً.

ثم كانت الفلسفة اليونانية وانتقالها إلى عالمنا الإسلامي، ونشأت مباحث محدثة في العلم لم تكن من قبل، ومنها مسألة النقاش والاستدلال

1 سورة الزخرف، الآية (87)

2 سورة لقمان، الآية (25)

ص: 268

على وجود الله تعالى، وكان المتكلمون المسلمون هم الطرف الإسلامي في هذا النقاش.

"وأما في هذا العصر فقد كثرت فيه الملاحدة والمعطلة، وتجددت للكفار على اختلاف فرقهم شبهات جديدة يتوكؤون على مسائل من العلوم العصرية لم تكن معروفة عند الأقدمين، وحدثت للناس آراء ومذاهب في الحياة فيها الحسن والقبيح، والنافع والضار، بل منها ما يفضي إلى فساد العالم وتقويض دعائم العمران، ومثار ذلك كله ذيوع التعاليم المادية وفوضى الآداب وتدهور الأخلاق وتغلب الرذائل على الفضائل.."1. لقد وقف الإنسان في هذا العصر على شيء من الأسباب التي قام عليها نظام الخلق، فكان ذلك فتنة له، وانشغل بهذه الأسباب عن الفكر في خالقها، حتى ملكت عليه نفسه، فأنسته إياها، ودفعت به إلى إنكار خالقه وخالقها تبارك وتعالى.

ولذا فإن علماء المسلمين ـ في هذا العصر أيضاً ـ كانوا مضطرين للخوض في هذه المسألة والجواب على أسئلة المؤمنين الذين شوشت عليهم أفكار وأقوال الملحدين المعطلين.

ولم يلتفت العلماء إلى الرأي القائل بطرح هذه المسألة من مباحث العقيدة لأنها بدهية 2، وخاضوا فيها ولسان حالهم وقالهم، يقول:"لولا كثرة الضعفاء مع كثرة الدخلاء فينا الذين نطقوا بألسنتنا، واستعانوا بعقولنا على أغبيائنا وأغمارنا، لما تكلفنا كشف الظاهر وإظهار البارز"3.

وكان من هؤلاء العلماء الذين تلقوا أسئلة المؤمنين والملحدين، وأجاب عن هذه ورد هذه، وبحث في هذه المسألة: الشيخ محمد رشيد رحمه الله، فنريد أن نعرف منهجه في ذلك.

وقبل هذا نود أن نعرف المنهج الذي سلكه المتكلمون والفلاسفة قديماً في نفس الموضوع.

1 محمد رشيد رضا: تفسير المنار (9/ 309)

2 انظر: عبد الحليم محمود: الإسلام والعقل (ص: 48)

3 محمد جمال الدين القاسمي: دلائل التوحيد (ص: 75) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405هـ.

ص: 269

ثم نرى إن كان الشيخ رشيد قد انتهج منهج أحد الفريقين أو سلك طريقاً آخر.

أولاً: منهج المتكلمين:

ذهب المتكلمون إلى أن مسألة المعرفة نظرية، وبنوا على ذلك نظرية جدلية، ذات مقدمات طويلة، معتاصة، ثم اختلفوا في هذه المقدمات، ولم يتفقوا على شيء منها، فقد ذهبوا إلى أن العالم حادث، ودليل حدوثه حدوث ما فيه من الجواهر والأعراض. قال الرازي 1:"قد عرفت أن العالم إما جوهر أو أعراض، وقد يستدل بكل واحد منها على وجود الصانع، إما بإمكانه أو حدوثه، فهذه وجوه أربعة.."2.

وهذا هو المقصود بالنظر عند المتكلمين، وظاهر أنه نظر عقلي جدلي، وهذا النظر هو اصطلاح لهم، وإلا فإن النظر الذي دعا إليه القرآن، ليس محله القضايا المنطقية الجدلية، وإنما محله الكون والإنسان.

وبعد ما ذكر الرازي القانون السابق طفق يستدل على كل جزئية من جزئياته، وما تفرع منها كذلك، ورغم أن منها ما هو بدهي لا يحتاج إلى إثبات كحدوث العالم بعد أن لم يكن.

ثانياً: منهج الفلاسفة:

وافق الفلاسفة المتكلمين في "نظرية المعرفة" وإن كانوا خالفوهم في الطريق. فقد سلك الفلاسفة طريقاً آخر هو طريق الإمكان والوجوب، فقد قسموا العالم إلى ممكن وواجب بدلاً من قديم وحادث، قال ابن سينا: "ما

1 تقدمت ترجمته (ص: 341)

2 المحصل (ص:337) ط. دار التراث، وانظر أيضاً الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر (ص: 81 ـ 83) ، ط. الجامعة الإسلامية، والباقلاني: التمهيد (ص: 43)، والبغدادي: أصول الدين (ص: 68)، والإيجي: المواقف (ص: 266)، والبيجوري: شرح جوهرة التوحيد (ص: 48) ومصطفى صبري: موقف العقل (2/ 165) وما بعدها، وانظر أيضاً: ابن تيمية: النبوات (ص: 72 و77) ط. دار العلم، بيروت. ودرء التعارض (7/ 311)

ص: 270

حقه في نفسه الإمكان فليس يصير موجوداً من ذاته، فإنه ليس وجوده من ذاته أولى من عدمه من حيث هو ممكن، فإن صار أحدهما أولى فلحضور شيء أو غيبته. فوجود كل ممكن هو من غيره" 1. ثم قال:"إما أن يتسلسل ذلك إلى غير نهاية فيكون كل واحد من آحاد السلسلة ممكن في ذاته، والجملة متعلقة بها، فتكون غير واجبة أيضاً وتجب بغيرها"2. ففي الفقرة الأولى أشار إلىأن الممكن لا يوجد إلا لعلة تغايره. وتقريره أن الممكن إما أن تحتاج ذاته في أن تكون موجودة إلى غيرها أو لا تحتاج، والثاني باطل لاستحالة الترجيح بلا مرجح. إذن الأول حق. وفي الفقرة الثانية يريد إثبات واجب الوجود لذاته. وتقرير الكلام بعد ثبوت احتياج الممكن إلى الغير ـ أن ذلك الغير إما واجب وإما ممكن. والكلام في ذلك الممكن كالكلام في الممكن الأول، فأما أن ينتهي إلى واجب أو يدور 3 أو يتسلسل 4 إلى غير نهاية فتبين أن سلسلة الممكنات ـ على فرض وجودها ـ محتاجة إلى شيء خارج عنها 5. وهذه الطريقة كما هو ظاهر هي عقلية نظرية جدلية، ومبنية على مقدمات منطقية أعقد وأطول من مقدمات المتكلمين في مسألة "حدوث العالم" وهي مع ذلك أشد فساداً منها وأسوأ لازماً 6.

1 الإشارات والتنبيهات (3/ 20 ـ 21) .

2 المصدر نفسه.

3 الدور: هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه، فإذا قيل إن ممكناً هو (أ) متوقف وجوده على ممكن آخر هو (ب) ثم قيل إن (ب) الذي يتوقف وجود (أ) عليه متوقف في وجوده على (أ) آل الأمر إلى أن (أ) متوقف في وجوده على نفسه. ومعنى توقف وجوده على نفسه أن وجوده من ذاته ووجود الممكن من ذاته مستحيل كما هو الفرض. انظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (1/ 31) والجرجاني: التعريفات (ص: 94)

4 التسلسل: هو ترتيب أمور غير متناهية وأقسامه أربعة. انظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (1/ 33) وما بعدها، والجرجاني: التعريفات (ص: 49)

5 انظر: الطوسي: شرح الإشارات حاشية الإشارات والتنبيهات، وانظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (1/ 28) وما بعدها.

6 وانظر لتفصيل نقد هذه الطريقة: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 8) وما بعدها، والنبوات (ص: 73 ـ84) ، ومنهاج السنة (1/ 96) ط. جامعة الإمام، الأولى، 1406هـ، ت: رشاد سالم.

ص: 271

وهدفنا فيما يلي إن شاء الله الوقوف على تقرير الشيخ رشيد لأدلة المعرفة: الفطرية والنظرية، ومنهجه في تقريرها والاستدلال بها في معرفة الله تبارك وتعالى.

وإذا كان المتكلمون يذهبون إلى أن معرفة الله تعالى نظرية، وينكرون المعرفة الفطرية الضرورية 1، فإن أهل السنة من السلف فمن بعدهم يذهبون إلى أن معرفة الله تعالى فطرية، وهم مع ذلك لا ينكرون النظر وأهميته في معرفة الله تعالى، ولكنهم يقولون بالنظر الشرعي الذي أمر به الله تعالى، لا النظر الجدلي الذي اخترعه المتكلمون وأطلقوا عليه هذا الاسم من باب المغالطة.

فلدينا ـ إذن ـ مذهبان في المعرفة: مذهب المعرفة الفطرية، ومذهب المعرفة النظرية.

ويعرض الشيخ رشيد هذين المنهجين ويجمع بينهما، قائلاً:"إن المسألة فطرية في الحقيقة، وإن إقامة الأنبياء والحكماء الحجج عليها هي لإصلاح فطرة من عرضت لهم الشبه فيها، كما تعرض في غيرها من الأمور الفطرية والضرورية،.. لذلك قال الله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..} 2 فأشار أولاً إلى أن الإيمان به أمر ثابت في الفطرة لا موضع للشك فيه، ثم ذكر بعض صنعه الدال على قدرته وانفراده بالتأثير والتدبير وهو كونه فاطر السماوات والأرض، أي: شق وفصل بعضها من بعض.."3.

على أن النظر الذي يؤيده الشيخ رشيد رضا، مخالف لنظر المتكلمين وموافق للنظر القرآني، كما سوف يتبين إن شاء الله.

1 انظر: عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص:48 و 52 ـ 54) ط. مكتبة وهبة، الأولى 1384هـ ت: عبد الكريم عثمان.

2 سورة إبراهيم، الآية (10)

3 مجلة المنار (7/ 139)

ص: 272