الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: القرآن
ويولي الشيخ رشيد القرآن الكريم عناية خاصة فيشير إلى خصائصه ومكانته بين الكتب الإلهية وما امتاز به عليها وما اشتمل عليه من النور والهدى. فيقول الشيخ رشيد واصفاً هذا الكتاب: "القرآن العظيم، القرآن الكريم، القرآن الحكيم، القرآن المجيد، الكتاب العزيز، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 1 هو كتاب لا كالكتب، هو آية لا كالآيات، هو معجزة لا كالمعجزات، هو نور لا كالأنوار، هو سر لا كالأسرار، هو كلام لا كالكلام
…
" 2.
ولم يتعرض القرآن لما تعرض له غيره من الكتب السابقة من التغيير والتبديل والتحريف، لأن الله تعالى تعهد بحفظ هذا الكتاب ـ ومن أوفى بعهده من الله ـ وفي هذا يقول الشيخ رشيد: "
…
وما كفل تعالى حفظ كتاب من كتبه بنصه إلا هذا القرآن المجيد الذي قال فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 3 وظهر صدق كفالته بتسخير الألوف الكثيرة في كل عصر لحفظه عن ظهر قلب ولكتابة النسخ التي لا تحصى منه في كل عصر، من زمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلى هذا العصر، وناهيك
1 سورة فصلت، الآية (42)
2 الوحي المحمدي: (ص: 136)
3 سورة الحجر، الآية (9)
بما طبع من ألوف الألوف من نسخه في عهد وجود الطباعة بمنتهى الدقة والتصحيح. ولم يتفق ذلك لكتاب إلهي ولا غير إلهي
…
" 1.
ومن خصائص القرآن الكريم أنه الآية الكبرى لنبينا عليه الصلاة والسلام، وإنها لآية مشتملة على آيات كثيرة، عقلية وكونية، لو لم يكن لنبينا صلى الله عليه وسلم غيرها لكفى، وفي ذلك يقول الشيخ رشيد: "
…
فالقرآن في جملته آية علمية، وفي تفصيله آيات كثيرة عقلية وكونية، وهي دائمة لا تزول كما زالت الآيات الكونية كعصا موسى مثلاً، عامة لا تختص ببعض من كان في عصر الرسول كما كانت آية موسى الكبرى خاصة بمن رآها في عصره، وهي أدل على الرسالة من الآيات الكونية
…
فالآية العلمية القطعية لا يمكن المراء فيها، كما يمكن المراء في الآية الكونية، التي هي أمر غريب غير معتاد يشتبه بكثير من الأمور النادرة التي لها أسباب خفية كالسحر وغيره
…
وقد جاء في الفصل الثالث عشر من سفر تثنية الاشتراع أن من أتى بآية أو أعجوبة من نبي أو حالم، وأمر بعبادة غير الله تعالى لا يسمع له بل يجب قتله لأنه تكلم بالزيغ 2 فالآيات الكونية إذاً لا تدل على صدق كل من تظهر على يديه، بل تختلف دلالتها باختلاف أحوال من تظهر على أيديهم
…
" 3.
والقرآن ـ في الحق ـ آية كونية كذلك، لأنه من غير المعتاد "أن من عاش أربعين سنة لم يصدر عنه علم ولا عرفان ولا بلاغة لسان، لا يمكن أن يصدر عنه بعد الاكتهال ما لم يكن له أدنى نصيب منه في سن الشباب"4. وكما يقول الشيخ رشيد: "فظهور أعلى علوم الهداية على لسان أميّ كان ـ هو وقومه ـ أبعد الناس عن كل علم بعبارة أعجزت ببلاغتها قومه كما أعجزت غيرهم، على أنه لم يكن من قبل معدوداً من بلغائهم، أدل
1 تفسير المنار (8/ 14)
2 انظر: سفر التثنية (13/ 1 ـ3) دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
3 تفسير المنار (7/ 388)
4 الوحي المحمدي: (ص: 141)
على كون ذلك موحى به من الله عزوجل من عصا موسى على كون ما جاء به من التوراة موحى به منه تعالى وهي غير معجزة في نفسها، وقد نشأ من جاء بها في دار ملك أربى على سائر ممالك الأرض بالعلوم والشرائع" 1.
وأخيراً فإن القرآن هو الحكم العدل وشاهد الصدق على ما سبقه من الكتب، ومهيمناً عليه، ولا طريق لإثبات صدق وحقية ما سبق من الكتب إلا عن طريقه، فهو ـ أي القرآن ـ "الأصل في معرفة ما أنزل عليهم والمثبت له، ولا طريق لإثباته سواه لانقطاع سند تلك وفقد بعضها ووقوع الشك فيما بقي منها، فما أثبته كتابنا من نبوة كثير من الأنبياء نؤمن به إجمالاً فيما أجمل وتفصيلاً فيما فصل وما أثبته لهم من الكتب كذلك
…
" 2.
1 تفسير المنار (7/ 388)
2 المصدر نفسه (3/ 356)