المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

اعتقاد الجلال والجمال

"1.

وأما اسم الآب، فإنه لا يليق بالله تعالى لاشتماله على معان باطلة، كطلبه للولد بمقتضى شهوته لا محبته 2.

1 المصدر السابق (1/ 51)

2 المصدر نفسه (1/ 12)

ص: 258

‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

وأما التعريف الشرعي للربوبية، فقد عرّفه الشيخ رشيد بقوله:"هو انفراده تعالى بالخلق والتقدير والتدبير والتشريع الديني"3.

وهذا التعريف دلت عليه نصوص الكتاب العزيز، قال تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 4 أي: "ألا إن لله الخلق فهو الخالق المالك لذوات المخلوقات، وله فيها الأمر وهو التشريع والتكوين والتصرف والتدبير.."5.

وأما التقدير، فيدل عليه قوله تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 6 وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 7 أي: "بسنن ثابتة، وتقدير منظم لم يكن شيء منه جزافاً"8.

وأما التدبير، فيدل عليه قوله تعالى:{يُدَبِّرُ الأَمْرَ} 9 أي: "..يدبر أمر ملكه، بما اقتضاه علمه من النظام وحكمته من الأحكام

والتدبير في أصل اللغة التوفيق بين أوائل الأمور ومباديها، وأدبارها وعواقبها، بحيث

3 الوحي المحمدي (ص: 170)

4 سورة الأعراف، الآية (54)

5 محمد رشيد رضا: تفسير المنار (8/ 454) ط. دار المعرفة، بيروت الثانية.

6 سورة الفرقان، الآية (2)

7 سورة القمر، الآية (49)

8 محمد رشيد رضا: تفسير المنار (8/ 447)

9 سور: يونس، الآية (3) والرعد، الآية (2) والسجدة، الآية (5)

ص: 258

تكون المبادي مؤدية إلى ما يريد من غاياتها

" 1.

وأما التشريع الديني، فدل عليه آيات في كتاب الله؛ منها:

قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 2 وقوله تعالى: {.. وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 3 قال الشيخ رشيد: "إن الآية قررت وحدانية الألوهية ووحدانية الربوبية.. وأما وحدانية الربوبية فهي قوله {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} فالرب هو السيد المربي الذي يطاع فيما يأمر وينهى، والمراد هنا من له حق التشريع والتحليل كما ورد في حديث عدي بن حاتم 4.."5.

ومثله قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 6 "أي: اتخذ اليهود أحبارهم وربانيهم، والنصارى قسوسهم ورهبانهم أرباباً غير الله وبدون إذنه بإعطائهم حق التشريع الديني لهم وبغير ذلك مما هو حق الرب تعالى"7.

واشتراط "الديني" هام جداً، وكذا اشتراط أن يكون "بغير إذنه تعالى" حتى يكون شركاً، فإن من التشريع ما ليس شركاً لأنه ليس دينياً، وما ليس شركاً لأنه بإذنه تعالى ورضاه.

ويفصل الشيخ رشيد هذا فيقول: "لأن التحريم 8 حق للرب الخالق للعباد وللأقوات جميعاً، فمن انتحله لنفسه فقد جعل نفسه شريكاً له تعالى، ومن أذعن لتحريم غير الله وأطاعه فيه فقد أشركه معه سبحانه وتعالى..

1 رشيد رضا: تفسير المنار (11/ 295)

2 سورة الشورى، الآية (21)

3 سورة آل عمران، الآية (64)

4 انظر: الترمذي: السنن: ك: تفسير القرآن، سورة براءة، ح: 3095 (5/278)

5 تفسير المنار (3/ 326 ـ 327)

6 سورة التوبة، الآية (31)

7 تفسير المنار (10/ 364)

8 يعني والتحليل أيضاً.

ص: 259

وأما منع بعض الناس من بعض هذا الثمر لسبب غير التشريع الديني فلا شرك فيه، وقد يوافق بعض أدلة الشرع فيكون منعاً شرعياً أي تحريماً كمنع الطبيب بعض المرضى من أكل الخبز أو الثمر لأنه يضره.. والتحريم ليس تشريعاً من الطبيب بل الله تعالى هو الذي حرم كل ضار وإنما الطبيب معرف للمريض بأنه ضار.. وكذلك منع السلطان من صيد بعض الطير في بعض الأحوال للمصلحة العامة.. ولكن مثل هذين ليس تحريماً ذاتياً لما ذكر يدوم بدوامه بل مؤقت بدوام سببه ولا هو مبني على أن للسلطان أن يحرم شيئاً بمحض إرادته وإنما هو مكلف شرعاً بصيانة المصالح ودرء المفاسد، فإذا أخطأ في اجتهاده بشيء من ذلك وجب على الأمة الإنكار عليه وعليه الرجوع إلى الحق" 1.

فإذن ـ ما يقرره السلطان من سياسة ليس شركاً ـ لأنه بإذن الله تعالى والسلطان "ظل الله في الأرض" 2 وأما إنكار الأمة عليه، فله نظام دقيق في الشريعة، وتوزيع على الأمة فيجب على العلماء ما لا يجب على العامة من ذلك3.

العلاقة بين الربوبية والإلهية:

وبين الربوبية والإلهية علاقة وثيقة، هي علاقة المقدمة بالنتيجة، والربوبية تستلزم الإلهية، والإلهية تتضمن الربوبية، لذلك فإننا كثيراً ما نستدل بالآيات التي نصبها الله تعالى على وحدانيته على غير ما وضعت له وهو وجوده تعالى وربوبيته وإلا فإن هذه الأخيرة لم تكن محلاً للاستدلال في القرآن الكريم كما سوف ترى.

يقول الشيخ رشيد: "لأن الربوبية والألوهية متلازمان، فالآيات الدالة

1 تفسير المنار (8/ 135)

2 انظر: ابن أبي عاصم: السنة (2/ 492) وحسنه الألباني. ط. المكتب الإسلامي، الأولى 1401هـ.

3 انظر: في تفصيل هذه المسألة: ابن تيمية: الحسبة (65و 66 80و 81 ـ ضمن مجموع الفتاوى جـ 28)

ص: 260

على أن الرب واحد، دالة أيضاً على أنه الإله وحده.." 1 "وتوحيد الربوبية دال على وجوب توحيد العبادة للرب وحده" 2 ويقرر الشيخ رشيد أن توحيد الربوبية هو البرهان الأعلى لتوحيد الألوهية 3 ويبين ذلك قائلاً:"..فإذا كان تعالى هو الخالق المقدر وهو السيد المالك المدبر، وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وفضل بعض المخلوقات على بعض ولكنها بالنسبة إليه على حد سوى، فكيف اسفه نفسي وأكفر ربي بجعل المخلوق المربوب مثلي رباً لي.."4.

ويحاول الشيخ رشيد إبراز هذه العلاقة في كل مناسبة تسمح وعند كل فرصة تسنح.

ففي فاتحة الكتاب، وعند تفسير قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 5 يقول: "إن عبادة الله تعالى هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لألوهيته، واستعانته هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لربوبيته، أما الأول فظاهر لأنه الإله الحق فلا يعبد بحق سواه، وأما الثاني: فلأنه هو المربي للعباد الذي وهب لهم جميع ما تكمل به تربيتهم الصورية والمعنوية. ومن هنا تعلم أن إيراد ذكر العبادة والاستعانة بعد ذكر اسم الجلالة الأعظم، واسم الرب الأكرم، إنما هو لترتبهما عليهما من قبيل ترتيب النشر على اللّف.

والاستعانة بهذا المعنى ترادف التوكل على الله وتحل محله، وهو كمال التوحيد والعبادة الخالصة. ولذلك جمع القرآن بينهما في مثل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} 6.

1 تفسير المنار (7/ 301)

2 تفسير المنار (9/ 204) وانظر: الوحي المحمدي (ص: 170)

3 المصدر السابق (8/ 245)

4 المصدر السابق، الموضع نفسه.

5 سورة الفاتحة: الآية (5)

6 سورة هود: الآية (123)

ص: 261

فهذه الاستعانة هي ثمرة التوحيد واختصاص الله بالعبادة.. إذا تدبرت هذا فهمت منه نكتة من نكت تقديم العبادة على الاستعانة، وهي أن الثانية ثمرة للأولى، ولا ينافي هذا أن العبادة نفسها مما يستعان عليه بالله.. فالعبادة تكون سبباً للمعونة من وجه، والمعونة تكون سبباً للعبادة من وجه آخر.. فكل منهما سبب ومسبب وعلة ومعلول، والجهة مختلفة فلا دور في المسألة" 1.

العلاقة بين الربوبية وسائر الصفات:

وننتقل من هذه العلاقة بين الربوبية والإلهية والتلازم والتضمن إلى العلاقة بين الربوبية وسائر الصفات الإلهية.

فإنه وإن كانت الربوبية صفة من صفات الله تعالى إلا أنها ـ كما يقول: رشيد رضا ـ هي التي ربما يرجع إليها معنى الصفات جميعاً 2.

وتحتمل صفة الربوبية أن تكون صفة ذات، على معنى أنه السيد والمالك، أو صفة فعل على أنه تعالى المبلغ كل ما أبدعه حد كماله 3.

وترتبط الصفات الإلهية بعلاقات التضمن والالتزام، فبينما تدل كل صفة على نفسها وعلى الذات بالمطابقة، فإنها تدل على الصفات الأخرى باللزوم.

فالسميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده، بالتضمن ويدل على اسم "الحي" وصفة الحياة بالالتزام. 4.

1 تفسير المنار (1/ 60ـ 61) وقارن مع: ابن القيم: إغاثة اللهفان (1/ 27) ت: حامد الفقي، ومحمد بن عبد الوهاب: الدرر السنية (2/64ـ 65)

2 تفسير المنار (1/51)

3 انظر: البيهقي: الاعتقاد (ص: 67) ت: أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق، بيروت، الأولى 1401هـ

4 ابن القيم: مدارج السالكين (1/ 30)

ص: 262

وإذا كان ذلك، فإن الأصول التي ترجع إليها سائر معاني الأسماء والصفات اربعة: صفتان للذات، وصفتان للفعل. قال رشيد رضا:" وبتعبير أظهر أو أصح: اثنان منهما لا يتعلقان بتدبير الخلق واثنان منهما يتعلقان به "1.

فأما الذاتيان فهما "الحي القيوم" وأما الفعليان فهما الرب والرحمن الرحيم 2.

وتدل صفتا الربوبية والرحمة على "أن الله تعالى هو المالك المدبر لأمور العالم كلها 3. والمالك صفة ذات.

ويشرح الشيخ رشيد دلالة صفتي الربوبية والرحمة على صفات الأفعال فيقول: "وأما دلالة صفتي الربوبية والرحمة على جميع معاني صفات الأفعال الإلهية فظاهر، فإن رب العباد هو الذي يسدي إليهم كل ما يتعلق بخلقهم ورزقهم وتدبير شؤونهم من فعل دلت عليه أسماؤه الحسنى، كالخالق البارئ المصور القهار الوهاب الرزاق، الفتاح القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم الرقيب المقيت الباعث الشهيد المحصي المبديء المعيد المحيي المميت المقدم المؤخر المغني المانع الضار النافع وأمثالها.."4.

وهكذا فإذا كانت صفات الجلال والجمال أخص باسم "الله" فإن صفات الفعل والقدرة والتفرد بالضرر والنفع والعطاء والمنع وتفرد المشيئة وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم الرب تبارك وتعالى 5.

الإجماع على توحيد الربوبية:

ورغم هذا الارتباط الوثيق بين الربوبية والألوهية وبين الربوبية وسائر

1 تفسير المنار (1/ 72)

2 المصدر نفسه (ص: 73)

3 المصدر السابق (1/ 74) وانظر: ابن القيم: مدارج السالكين (1/34)

4 تفسير المنار (1/75)

5 ابن القيم مدارج السالكين (1/33)

ص: 263

الصفات، حتى إن الربوبية هي البرهان الأعلى للألوهية، والدليل الأول عليها، إلا أن الإجماع وقع عل هذه"المقدمة" دون النتيجة، والدليل دون المدلول.

فاجتمع الخلق جميعاً على الإقرار بربوبية الله تعالى، وافترقوا في ألوهيته، والعجب الذي لا ينقضي هو من هذه التفرقة بين المقدمة ونتيجتها، والإقرار بالدليل دون المدلول.

يقول تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ..} 1.

ويقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2.

ويقول تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 3، وأيضاً:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} 4.

ويوجد لدينا قانون عقلي مستقر متى فهم على وجهه الصحيح، وصل بنا إلى عقيدة التوحيد، وعليه فإن الشرك والوثنية تكون وليدة ضرب من الغفلة أو الكسل العقلي وهذا القانون العقلي هو قانون السببية، وهو يعني ببساطة: أنه لا يوجد شيء من لا شيء 5.

ويقرر الشيخ رشيد رحمه الله تعالى هذه الحقائق في مواضع كثيرة، أقتصر على بعضها. يقول: "أكثر الناس قد أرشدتهم الفطرة ـ أو هداهم النظرـ إلى أنه لا بد لهذا الكون المحكم الصنع البديع الإتقان من فاعل

1 سورة العنكبوت: الآية (61)

2 سورة العنكبوت: الآية (29)

3 سورة الزخرف، الآية (87)

4 سورة يونس، الآية (31)

5 انظر: عبد الله دراز: الدين (ص: 83ـ 85)

ص: 264

مدبر له، ثم أخطأوا في تعيينه لما عنّ لهم من الشبه في ذلك، فبعضهم زعم أنه الشمس أو كوكب آخر، وتخيل بعضهم أن صانع العالم هو جوهر النار.. وبعضهم أسند الألوهية إلى بعض الحيوانات، ومنهم من ارتقى به هذا الوهم فأضافها إلى بعض البشر، إلى غير ذلك من النحل التي لا تحصى.."1.

وعن العرب يقول: "ولم يكن أحد من العرب الذين سموا أصنامهم وغيرها من معبوداتهم آلهة يعتقد أن اللات أو العزى أو هبلاً خلق شيئاً من العالم أو يدبر أمراً من أموره، وإنما تدبير أمور العالم يدخل في معنى لفظ الرب. والشواهد على هذا في القرآن كثيرة ناطقة بأنهم كانوا يعتقدون ويقولون: إن خالق السماوات والأرض ومدبر أمورهما هو الله تعالى، وأن آلهتهم ليس لها من الأمر والخلق والتدبير شيء"2.

ويقول مستشهداً بالقرآن على ذلك: "وتشهد لهذا آيات القرآن الكثيرة. اقرأ إن شئت قوله تعالى في مشركي العرب {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 3، وقوله تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 4 وفي هذا المعنى آيات كثيرة.. فالشرك في العبادة هو الذي كان فاشياً في الأمم بألوان مختلفة وأسماء متعددة وصور متنوعة فجاء القرآن ينعى عليهم هذا ويحاجهم فيه ويمحو شبههم في آيات تعد بالمئات، وكان هذا أهم أصول الدين وأركانه.. وإن كانت الكتب التي بين أيدينا قلما تبحث في هذا النوع من التوحيد، وما أزاله من الشرك"5. ويتعجب من الرازي ـ وهو من هو

1 مجلة المنار (2/ 404)

2 تفسير المنار (9/ 112)

3 سورة الزخرف، الآية (9)

4 سورة يونس، الآية (31)

5 مجلة المنار (2/ 630)

ص: 265

في علم الكلام 1 ـ أذ يخطئ في فهم هذا المعنى، "معنى الإله"، فيقول تعليقاً على كلام نقله له:"أقول: من العجب أن يقع إمام النظار في علم العقائد على طريقة الفلسفة والكلام في مثل هذا الخطأ في أسئلته وأجوبته، والتناقض في كلامه ومنشأ هذا الخطأ: الغفلة عن مدلول ألفاظ القرآن الكريم في اللغة العربية واستعمالها بلوازم معناها العرفية كلفظ "الإله" فإن معناه في اللغة المعبود مطلقاً لا الخالق ولا المدبر لأمر العالم كله ولا بعضه.."2.

وهذا تحقيق دقيق من الشيخ رشيد رحمه الله وهو موافق فيه لأهل السنة، ومؤيد فيما ذهب إليه من هذا الإجماع على الربوبية بالبحوث والاكتشافات العلمية التي تؤكد أنه قد وجدت أمم بلا حضارة وبلا أدب وبلا ثقافة ولكنها لم تكتشف أمة بلا معبود 3.

أثر هذه الصفة على العبد:

لكل اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته أثر من العبودية يترتب عليها، فكل اسم من أسمائه الحسنى وصفة من صفاته العليا مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين 4، فما هو حظ العبد من صفة الربوبية يقول الشيخ رشيد: "وأما حظ العبد من وصف الله بالربوبية فهو أن يحمده تعالى عليه ويشكره له باستعمال نعمه التي تتربى بها القوى الجسدية والعقلية فيما خلقت لأجله، فليحسن بتربية نفسه.. وألا يبغي كما بغى فرعون فيدعي أنه رب الناس وكما بغى فراعنة كثيرون ولا يزالون

1 هو محمد بن عمر بن الحسين الرازي، فيلسوف متكلم نظار على مذهب الأشعرية. انظر: وفيات الأعيان (4/248) وطبقات الشافعية (8/81 ـ 96) ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر. ت: محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو. والأعلام (6/313)

2 تفسير المنار (9/ 112)

3 انظر: عبد الله دراز: الدين (ص: 113)

4 انظر: ابن القيم: مفتاح دار السعادة (2/ 105) ، ط. مكتبة الأوس بالمدينة النبوية، والفوائد (ص: 80) ط. دار الكتاب، بيروت.

ص: 266

يبغون بجعل أنفسهم شارعين يتحكمون في دين الناس بوضع العبادات التي لم ينزلها الله تعالى، وبقولهم هذا حلال وهذا حرام من عند أنفسهم أو من عند أمثالهم، فيجعلون أنفسهم شركاء لله في ربوبيته. قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 1 وفسر النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً بمثل هذا" 2.

1 سورة الشورى، الآية (21)

2 تفسير المنار (1/ 52 ـ 53)

ص: 267