الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا
تمهيد
…
تمهيد:
نستطيع أن نقسم الناس ـ حيال نصوص الصفات ـ إلى خمسة أقسام:
الأول: أهل التمثيل الذين يفهمون من الصفات ما تدل عليه اللغة، ويجرونها على ظاهرها، ويجعلون هذا الظاهر من جنس صفات المخلوقين.
الثاني: أهل النفي والتعطيل والتحريف: وهم من يحملها على المجاز ويتأولونها، ويعينون المراد منها، ممن ينفون نصوص الصفات عن ظاهرها نفياً كلياً أو جزئياً.
الثالث: أهل الوقف ويرون السكوت عن الصفات مطلقاً ويتوقفون فيها.
الرابع: أهل التفويض الذين يسكتون عنها بعد نفي إرادة الظاهر.
الخامس: أهل الإثبات والتنزيه، وهم يثبتون الصفات بلا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل 1.
1 هذا التقسيم مستفاد من كلام أهل العلم، وهم مع اختلاف عباراتهم يتفقون حول هذا المعنى. انظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 8) وما بعدها، وابن القيم: الصواعق المنزلة (1/ 245) وما بعدها، والمقريزي: الخطط
وإذا أردنا أن نحدد المواقف بصورة أدق فإننا نستطيع النظر من جهة أخرى، إلى مواقف الناس من الصفات، من حيث رأي الفرق المشهورة، وهم: الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية ومن وافقهم.
أولاً: مذهب الفلاسفة:
يرى الفلاسفة أن الله تعالى واجب الوجود بذاته ـ كما رأينا في الفصل الثاني ـ بناءً على طريقتهم في التقسيم إلى ممكن وواجب ـ ويرون أنه واحد من كل وجه. قال ابن سينا:
"إن واجب الوجود واحد بحسب تَعيُّن ذاته، وإن واجب الوجود لا يقال على كثرة أصلاً"1. وقال: "واجب الوجود لا يشارك شيئاً من الأشياء في ماهية ذلك الشيء،
…
وأما الوجود فليس بماهية لشيء" 2. وقوله: "وأما الوجود فاحتراز لئلا يقال هو مشارك للإنسان في صفة الوجود. وبناءً على ذلك قال ابن سينا: "الأول لا ند له ولا ضد ولا جنس له ولا فصل له ولا إشارة إليه إلا بصريح العرفان العقلي"3. وأيضاً: "الأول معقول الذات قائمها، فهو قيوم بريء من العلائق والعُهَد والمواد، وغيرها مما يجعل الذات بحال زائدة. وقد علم أن ما هذا حكمه فهو عاقل لذاته، معقول لذاته
…
" 4 ولأنه"لا واجب وجود غيره" 5 نفوا عنه الصفات وقالوا إنه عالم بذاته، ليس زائداً على ذاته 6. وله إرادة لا تزيد على ذاته 7. وحتى نستطيع أن نفهم ذلك جاءت الآيات على وجه التمثيل
1 الإشارات (3/ 44)
2 المصدر نفسه (3/ 49 ـ 50)
3 المصدر نفسه (3/ 53)
4 المصدر نفسه (3/ 53)
5 المصدر نفسه (3/ 36)
6 انظر: الغزالي: مقاصد الفلاسفة (ص: 225) ط. دار المعارف، الثانية، ت: سليمان دنيا.
7 انظر: الغزالي: المصدر نفسه (ص: 235)
والتخييل وتشبيه الغائب بالشاهد، ليفهم الجمهور ذلك 1. وصفات الله عندهم سلبية محضة أو إضافية محضة أو مؤلفة منهما، لأن السلوب والإضافات لا توجب كثرة في الذات 2.
ثانياً المعتزلة:
ورغم أن واصل بن عطاء 3 قد جرى في نفيه للصفات على أمر بسيط هو استحالة وجود إلهين قديمين أزليين 4، إلا أن من جاء بعده قد تأثروا بالفلاسفة وركبوا هذه الفكرة واعتمدوا على نفس شبهة الفلاسفة ووصلوا إلى نفس النتيجة، فقالوا: إن الله عالم بذاته قادر بذاته لا بعلم ولا قدرة هي صفات قديمة ومعانٍ قائمة به 5. فالمعتزلة ينكرون كالفلاسفة صفات أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى، وإن كانوا يثبتون أحكام هذه الصفات لذاته تعالى 6، قال عبد الجبار وهو يحكي ما أجمع عليه أصحابه: "أجمعوا على أن الله تعالى واحد
…
فمرادهم أنه واحد في صفاته التي يبين بها عن سائر الموجودات
…
وقالوا: قادر بذاته
…
وقالوا: عليم بذاته.. ليبين من القادر بقدرة" 7. والفرق بين صفة القدرة والعلم لله تعالى وللمخلوق أن الله تعالى "قادر بذاته عالم بذاته
…
بخلاف الإنسان فإنه عالم بعلم وقادر
1 انظر: الغزالي: المصدر نفسه (ص: 250)، وابن تيمية: درء التعارض (1/8 ـ 9)
2 انظر: الشهرستاني: نهاية الإقدام (ص: 182) ت: ألفريد جيوم.
3 هو: واصل بن عطاء البصري الغزال، مؤسس مذهب الاعتزال، كان يجالس الحسن البصري ثم اعتزله بسبب قوله في المنزلة بين المنزلتين، وجلس إليه عمرو بن عبيد وعدد، فقيل لهم معتزلة. انظر: أبو القاسم البلخي: مقالات الإسلاميين (ص: 90)[ضمن مجموعة في فضل الاعتزال]، وعبد الجبار: فضل الاعتزال (ص:234)[ضمن المجموع السابق]، وابن حجر: لسان الميزان (6/ 214) ط. مؤسسة الأعلمي، بيروت، الثانية،1390هـ.
4 الشهرستاني: الملل والنحل (1/ 40) ،
5 وانظر: عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: 195 ـ 196)، وفضل الاعتزال (ص: 347) .
6 انظر: الشهرستاني: نهاية الإقدام (ص: 199)
7 فضل الاعتزال (ص: 146) ط. الدار التونسية.
بقدرة" 1. قال عبد الجبار: "والأصل في ذلك أنه تعالى لو كان يستحق هذه الصفات لمعان قديمة، وقد ثبت أن القديم إنما يخالف مخالفه لكونه قديماً، ثبت أن الصفة التي تقع بها المخالفة عند الافتراق تقع بها المماثلة عند الاتفاق، وذلك يوجب أن تكون هذه المعاني مثلاً لله تعالى، حتى إذا كان القديم تعالى عالماً لذاته وقادراً لذاته وجب في هذا المعاني مثله، ولوَجب أن يكون الله تعالى مثلاً لهذه المعاني
…
لأن الاشتراك في صفة من صفات الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات
…
" 2. وهذه الحجة داحضة، فالعلم صفة قديمة بقدم موصوفها، فهناك قديم وصفته، ولا يلزم من كون الصفة قديمة بقدم موصوفها أن يكون هناك تعدد، وإلا للزم أن تكون صفة الإله إلهاً وصفة الإنسان إنساناً وهو ظاهر البطلان 3. وأما الصفات الخبرية فإن المعتزلة تنفيها وتتأولها لأنها تقتضي التجسيم بزعمهم 4.
ثالثاً: الأشعرية:
كان الأشعرية المتقدمون أكثر إثباتاً للصفات من المتأخرين، فبينما نرى الأشعري يثبت صفات الاستواء والعلو والوجه واليدين والعينين مع العلم والسمع والبصر والكلام 5، اقتصر المتأخرون منهم على صفات سبع هي صفات المعاني، وهي: العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام، واختلفوا في البقاء وأثبتوها أزلية قديمة، زائدة على الذات، ومعانٍ قائمة بذاته، فهو سميع بسمع بصير ببصر مريد بإرادة ألخ 6. ونفوا الصفات
1 شرح الأصول الخمسة (ص: 162 و163)
2 المصدر نفسه (ص: 195 ـ 196)
3 انظر: ابن تيمية: درء التعارض (4/ 190 و227 و5/ 50)
4 انظر: عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: 217)
5 انظر: الإبانة (ص: 20 ـ 22) ت: فوقية حسن، وانظر أيضاً: الباقلاني: التمهيد (ص: 295 و298 ـ299) .
6 انظر: البغدادي: أصول الدين (ص: 90)، والشهرستاني: نهاية الإقدام (ص: 181)، والبيجوري: تحفة المريد (ص: 76) وما بعدها.