المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: السنة النبوية: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} 1.

وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} 2.

وقال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ} 3.

ص: 124

‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

المصدر الثاني من مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة: "السنة"4.

ومعناها في اللغة: الطريقة والسيرة، حسنة كانت أو سيئة 5.

1 سورة الحج: الآيات: (52ـ 55)

2 سورة براءة: الآيات (124،125) ونحن الآن لا نقرأ إلا ربع هذه السورة، انظر: الحاكم: المستدرك (2/330) وانظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (7/ 28) وقال: رجاله ثقات.

3 سورة آل عمران: الآية (7)

4 انظر: الخطيب: الفقيه والمتفقه (1/86) وانظر: الشافعي: الرسالة (ص: 103و597) ط. دار الكتب العلمية، ت. أحمد شاكر.

5 انظر: الأزهري: تهذيب اللغة (12/ 298ـ 299 و301و304و306) ، ط. المؤسسة النصرية العامة للتأليف، ت. عبد السلام هارون.

ص: 124

وفي الشرع: ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته 1. أو ما رسم ليحتذى وجوباً أو استحباباً" 2. وعند الأصوليين: هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير 3. وعند الفقهاء: ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حكم هو دون الفرض، فهي ترادف المندوب، والمستحب والتطوع والنافلة والمرغب فيه 4.

والذي نبحث فيه هو معنى السنة عند الأصوليين لأنه هو المناسب لمبحث الاستدلال عند الشيخ رشيد.

السنة وحي من الله تعالى:

أخبر الله تعالى في كتابه أن السنة هي وحي من الله تعالى كالقرآن الكريم، وأن مصدرها هو مصدره ومُنزلها هو مُنزله، تبارك وتعالى. لدينا آيات تنطق بذلك تصريحاً وأخرى تلويحاً، فمن الأولى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} 5، فهذه الآية تدل صراحة على أنه كما ينزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي الجلي المتلو وهو القرآن، فكذلك كان ينزل عليه وحي آخر خفي غير متلو: هو السنة، وهي حجة كالأول 6.

وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 7، فالذكر المنزل هو الوحي المتلو والذكر الآخر ـ المنزل كذلك ـ هو المبين وهو الوحي غير المتلو، وهو السنة 8.

1 انظر: الخطيب: المصدر السابق (1/86)

2 المصدر السابق.

3 انظر: الآمدي: الاحكام (1/127) ط. صبيح بمصر 1387هـ والشوكاني: إرشاد الفحول (ص:33) ط. الحلبي، الأولى: 1356هـ

4 انظر: عبد الغني عبد الخالق: حجية السنة (ص51) وما بعدها. ط. المعهد العالمي، الأولى:1407هـ

5 سورة النجم: الآية (3)

6 انظر: محمد حبيب: السنة ومكانتها في ضوء القرآن الكريم (ص:89) ط. المكتبة البنورية. كراتشي: 1407هـ.

7 سورة النحل: الآية (44)

8 انظر: ابن كثير: التفسير (2/552)

ص: 125

وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} 1، وقال:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} 2، وقال:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} 3.

فتشير هذه الآيات وغيرها إلى أن الله أنزل على رسوله وحيين وأوجب على عباده الإيمان بهما، وتعلمهما والعمل بهما، وهما: الكتاب والحكمة، والكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة باتفاق السلف 4.

ومن الآيات التي تُلَوِّح بهذا المعنى قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 5، فقد ذكر الله في هذه الآية أن جمع القرآن وترتيبه عليه ـ سبحانه ـ فكأن الله تعالى قد تكفل بجمع القرآن وترتيبه والواقع الذي يعرفه كل أحد أن القرآن لم يرتب على الترتيب الذي نزل عليه بل رتب كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بترتيبه، فكأنه رتبه النبي صلى الله عليه وسلم فحقيقة الأمر أن ترتيب القرآن قد تكفل الله به وقام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الترتيب. فلا يمكن الجمع بين هذا التكفل وهذا الترتيب إلا على القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قام به بوحي من الله تعالى وهو الوحي غير المتلو ـ لأنا لا نجد أثراً لذلك بين الدفتين ـ وهو السنة 6.

وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 7، فنسب الله حكم استقبال بيت المقدس إلى نفسه، ولكننا لا نجد آية في المصحف تشير إلى هذا الحكم، فالظاهر

1 سورة النساء: الآية (113)

2 سورة الجمعة: الآية (2)

3 سورة الأحزاب: الآية (34)

4 انظر: الشافعي: الرسالة (ص:32 فقرة 96) وابن القيم: الروح (ص:130) ط. دار الكتاب العربي. الثالثة 1408هـ، والخطيب: الفقيه والمتفقه (1/87)

5 سورة القيامة: الآية (17)

6 انظر: محمد حبيب: مصدر سابق (ص:92)

7 سورة البقرة: الآية: (143)

ص: 126

أن الأمر باستقبال بيت المقدس لم يكن بوحي متلو بل هو بوحي خفي غير متلو وهو حجة واجبة الاتباع وهو السنة 1.

وقال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} 2 وليس خفياً أن هذا الإذن ليس موجوداً في القرآن ومع ذلك فقد نسبه الله تعالى لنفسه، حيث أوضح أنه بإذنه وأمره فلا مناص من القول: إن هذا الإذن كان بالوحي غير المتلو وهو السنة 3.

وقال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} 4. فأين هذه الآية التي أظهر الله بها نبيه على هذا الإفشاء؟ إننا لا نجد في القرآن آية تبين ذلك فظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك بالوحي غير المتلو وهو وحي السنة 5.

فثبت من كل ما سبق أن السنة وحي من الله تعالى وأنها حجة، يجب العمل بها كالقرآن، سواء منها ما كان على سبيل البيان أو على سبيل الاستقلال، وأصبح ذلك ضرورة دينية حتى قال بعض أهل العلم من السلف بكفر من ترك السنة 6. وإنما وقع الخلاف في مسائل ليست من الحجية 7.

وقد تبين لي من خلال سبْر مؤلفات الشيخ رشيد أن له موقفين من السنة: الأول: إيجابي، والآخر: سلبي. وسأتناول هذين الموقفين في مسألتين: الموقف الإيجابي والموقف السلبي، ولدي مسألتان: الموقف الإيجابي ومنه موقفه من أحاديث الآحاد، ثم الموقف السلبي.

1 انظر: محمد حبيب: نفس المصدر (ص94)

2 سورة الحشر: الآية (5)

3 انظر: محمد حبيب: المصدر السابق (ص:95)

4 سورة التحريم: الآية (3)

5 محمد حبيب: مصدر سابق (ص:96)

6 انظر: ابن عبد البر: جامع بيان العلم (ص: 195)

7 انظر: عبد الغني عبد الخالق: مصدر سابق (ص:245ـ 246)

ص: 127

الموقف الأول: موقف الشيخ رشيد رضا الإيجابي من السنة:

أول نقطة في هذا الموقف الإيجابي: أن الشيخ رشيد يعتبر أن الدين الإسلامي له مصدران هما الكتاب والسنة، خلافاً لمن يقول إن الإسلام هو القرآن وحده 1، ويقول: "إن الدين تعليم وتربية كما قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} 2 والتعليم كان للآيات: الكتاب، والحكمة التي هي أسرار التنزيل وفلسفته 3، والتزكية أي التربية كانت بالسنة وهي طريقته في الاهتداء والعمل بالقرآن على الوجه الذي تتحقق به الحكمة منه ولذلك قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} 4، والأسوة به القدوة في سيرته وأعماله

" 5.

ويقول: "وليس في السنة شيء لا أصل له في القرآن، بل كان خُلُق صاحب السنة القرآن، ولكن لا نستغني بالقرآن عن السنة إلا إذا استغنينا عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة لنا، وذلك فسوق عن هدى القرآن وإهمال لنصه

" 6.

1 انظر: مجلة المنار (9/925) وما بعدها، وذلك جواباً لطبيب صديق للشيخ رشيد رضا قال: إن الإسلام هو القرآن وحده، ونشر الشيخ رشيد مقالاته ونشر ردوداً عليها. وقد أتى هذا الطبيب في مقالاته بالعجائب، منها اقتراح تخفيض عدد الصلوات وهيئتها. انظر: مجلة المنار (9/515) ، وردود عليه (6/610 و699) ثم رد له (9/906) . وقد خفف رشيد رضا بلة الطين، بقوله هذا، إلا أن د. محمد مطر الزهراني يرى أنه "زاد الطين بلة" ولم أدري ما وجهه، وقد نقل هذا الكلام عن رشيد رضا بالواسطة من درجتين. انظر: محمد مطر الزهراني: تدوين السنة (ص: 52) ط. مكتبة الصديق، الأولى، 1412هـ.

2 سورة البقرة: الآية (151)

3 نسبة الفلسفة للتنزيل غير سديدة، وكلمة الحكمة قبلها تغني عن هذه.

4 سورة الأحزاب: الآية (21) .

5 مجلة المنار (9/928ـ929) .

6 المصدر السابق (9/929) .

ص: 128

ويعتبر الشيخ رشيد أن السنة وحي من الله تعالى كالقرآن: "

وأعني بالوحي هنا: القرآن

وكذلك الأحاديث النبوية عند من صحت عنده فصدق بالرواية" 1.

ويقرر أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة حياً وميتاً فيقول: "

إن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة في حياته وبعد مماته فيما عُلِم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمر الدين الذي بعثه الله تعالى به كبيانه لصفة الصلوات وعددها والمناسك ولو بالفعل

وغير ذلك من السنن العملية الدينية المتواترة، وكذا أقواله المتواترة التي أُمر بتبليغها في ما تدل عليه دلالة قطعية، وأما غير القطعي رواية ودلالة من سننه فهو محل الاجتهاد.." 2.

ويرد على من يدعي أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تجب في حياته، ولا يجب العمل بعده إلا بالقرآن فيصفهم بأنهم "زنادقة ضالون مضلون يريدون هدم الإسلام بدعوى الإسلام" 3، ويقول: "بل تجب طاعة الرسول كما أطلقها الله تعالى ويجب التأسي به في كل زمان إلى يوم القيامة

" 4.

ومن المواقف البيضاء عند الشيخ رشيد دفاعه القوي عن أبي هريرة ـ محدث الإسلام رضي الله عنه وإني أرجو للشيخ رشيد ثواب هذا الدفاع يوم القيامة. إنه يجب عليّ أن أبرز هذا الدفاع الهام عن هذا المحدث الصحابي الكبير باختصار، لقد كان دفاع الشيخ رشيد عنه في مواجهة النصارى الضالين، الذين يريدون منا ـ نحن المسلمين ـ أن نكذب بالأحاديث المروية بطرق الرواية المضبوطة المتصلة بالسماع ونقل العدول الضابطين، وبينما هم يصدقون بالكذب والروايات التي هي أقرب للشائعات وليس لها سند ولا تقف على عمد، ولا ريب أن غرضهم من الطعن في السنة ـ هو وكما يقول الشيخ رشيد ـ:"الطعن في الشريعة وطرح الثقة بها"5.

1 مجلة المنار (7/705) .

2 تفسير المنار (9/632ـ 633) .

3 نفس المصدر (9/633) .

4 نفس المصدر والصفحة.

5 مجلة المنار (19/49ـ50) .

ص: 129

دفاع عن أبي هريرة:

لقد وقف الشيخ رشيد لهؤلاء الطاعنين مدافعاً عن محدث الإسلام الصحابي الكبير أبي هريرة رضي الله عنه فقد لخّص شُبههم وأجاب عليها جميعاً وهدفه من ذلك أن يُثبت "أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه راوية عدل وأنه من نوابغ البشر في الحفظ والضبط لما يحفظ

" 1.

لقد لخص هذه المطاعن في ثلاث نقاط:

الأولى: كثرة رواية أبي هريرة، وإنكار بعض الصحابة عليه في ذلك.

الثانية: اتهامه في روايته وخوفه هو نفسه من تكذيب الناس له.

الثالثة: عدم احتجاج بعض الفقهاء بروايته 2.

وقد رد الشيخ رشيد على جميع هذه المطاعن رداً مفصلاً، ولكني سأقتصر على أهمه.

ففيما يتعلق باتهام أبي هريرة في حديثه يقول الشيخ رشيد إن التهم ـ كما في الشرائع لا تثبت إلا بالبينة والدليل ولم يقم دليل واحد على صدق هذه التهمة، وإنما عرض لبعضهم شبه ـ قديماً وحديثاً ـ لكثرة روايته دون غيره من الصحابة، وهذه الشبه تزول إذا زال سببها وهو معرفة سبب كثرة رواياته وهو الموضوع الثاني 3.

أسباب كثرة أحاديث أبي هريرة:

قال الشيخ رشيد: "لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب استخرجناها من عدة روايات:

أحدها: أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وضبط أحواله لأجل أن يستفيد منها ويفيد الناس، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله، وكان أكثر

1 المصدر السابق (19/97)، وانظر: السباعي: السنة (ص: 294) ط. المكتب الإسلامي، بيروت ـ الرابعة ـ 1405هـ.

2 انظر مجلة المنار (19/25) فقد نقل الشيخ رشيد هناك هذه المطاعن.

3 انظر: مجلة المنار (19/37) .

ص: 130

الصحابة لا يجترئون على سؤاله" 1. وهذا ما شهد به النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ـ أعني حرصه على الحديث إذ قال له: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث" 2 واستشهدبه الشيخ رشيد 3.

ثانياً: أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه ولو في الطريق فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة، وشهد له بذلك الصحابة، فقال له ابن عمر:"أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه"4.

الثالث: أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة ويرجع ذلك إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك وبشارته إياه بعدم النسيان 5.

الرابع: أنه كان يحدث بما سمعه هو وما سمعه غيره وكان يتحرى ذلك فكثرت روايته بسبب ذلك، قال الشيخ رشيد: "فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة

" 6.

وعن عدم أخذ بعض الفقهاء بروايته ـ لا سيما الحنفية ـ فيقول الشيخ رشيد: إن هذا غير صحيح فها هي كتب الحنفية في الحديث والفقه تكذب هذه الدعوى، وإنما المروي عن أبي حنيفة أنه يقدم رأي الصحابة على رأيه ـ لا روايتهم ـ إلا نفراً منهم أبو هريرة لأنه كان يهتم بالرواية ونشرها دون

1 مجلة المنار (19/37ـ38) .

2 رواه البخاري: الصحيح: ك. العلم: باب الحض على الحديث، ح: 99 (1/233) مع الفتح، = = وانظر: مجلة المنار (19/38) .

3 مجلة المنار (19/38) .

4 انظر: الترمذي: السنن: ك. المناقب، باب: مناقب أبي هريرة، ح: 3836 (5/684 ـ عطوة) .

5 انظر: الحاكم: المستدرك (3/582) وقال: صحيح الإسناد، وانظر: البخاري: الصحيح: ك. الحرث، باب ما جاء في الحرث، ح: 2350 (5/34ـ35) .

6 مجلة المنار (19/39) .

ص: 131

العناية باستنباط الأحكام أي أنهم يرون أنه كان محدثاً فقط، وأما روايته فكرواية غيره من الصحابة مقبولة عند الجميع 1.

وعن الأحاديث التي كان يخاف أبو هريرة من روايتها فيقول الشيخ رشيد: إن أبا هريرة كان يعلم أن كثيراً من الناس لا يصدقون الروايات التي تستبعد عقولهم وقوعها، وإن كانت جائزة في نفسها فيتوقع أن يكذبوه إذا هو حدّث بها، وهذا هو مراده بقوله:"حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم"2.

ومن النقاط البيضاء في موقف الشيخ رشيد من السنة اشتغاله بها تصحيحاً وتضعيفاً ونشراً لعلومها، فقد أفرد باباً لبيان الأحاديث الموضوعة لا سيما التي اتخذت سنداً لبدعة من البدع 3. وقام الشيخ رشيد بعملٍ لم يكن مألوفاً يومه ذاك وهو الحكم على كل حديث يورده في مجلته أو تفسيره. فيذكر مخرجيه ودرجته ويتكلم على أسانيدها ناقداً لها 4.وكان لهذا المنهج أثر كبير إذ أن ذيوع وانتشار مجلة المنار في العالم الإسلامي كان سبباً في نشر هذه الطريقة وسريانها في جميع الأماكن التي وصلت إليها "المنار".

ومن هذه النقاط البيضاء: دفاع الشيخ رشيد عن المحدثين وثنائه عليهم وعلى طريقتهم، بدءاً من الصحابة كما رأينا دفاعه عن أبي هريرة إلى المؤلفين المتأخرين كالبخاري ومسلم. فيقول: "ولولا أن المحدثين ـ جزاهم الله خيراً ـ اعتنوا بضبط أخبار السلف والبحث في أسانيدها لرأينا في

1 انظر: مجلة المنار (19/47ـ 48)، وتصديقاً لكلام الشيخ رشيد راجع: الزيلعي الحنفي: "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية"(ص:13، 224، 128، 130) ط. دار الحديث بالقاهرة.

2 رواه البخاري: الصحيح: ك. العلم، باب: حفظ العلم، ح: 120 (1/261) مع الفتح.

3 وذلك بدءاً من المجلد الثالث. انظر: مجلة المنار (3/474) .

4 انظر مثلاً: مجلة المنار (2/18 و23 بالحاشية و36، 5/370 و4/11ـ 12 و14/104 و8/911) .

ص: 132

الكتب ألوفاً من هذه الآثار التي لم نر فيها الآن إلا بضعة عشر

" يعني الآثار المكذوبة 1.

ويثني على البخاري ومسلم لشدة تحريهما 2.

ومن المواقف البيضاء كذلك

موقفه من أحاديث الآحاد:

لقد كان الشيخ رشيد رحمه الله تبعاً لشيخه محمد عبده ـ ولكثير من المتكلمين يقول: بأن أحاديث الآحاد 3 الصحيحة السند لا يؤخذ بها في العقائد لأنها ظنية باتفاق العلماء والعقلاء، والله تعالى يقول:{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} 4.

ولكن الشيخ رحمه الله تحوّل عن هذا المذهب، فقد أجاب عن سؤال حول هذه المسألة فقال: "

وقد فهم كثير من الناس من هذا القول ما لم يرده المحققون من قائليه فأخطأوا في فهم المراد، في فهم كلمتي الظن واليقين، فظنوا أن الأحاديث الصحيحة التي رواها الآحاد من الثقات العدول في صفات الباري عز وجل وفي أمور الآخرة لا يجب الإيمان بها شرعاً ولا يضر المسلم تكذيبها، وإن لم يكن عنده شك في صحتها، بناءً على أن

1 مجلة المنار (2/63) .

2 انظر: مجلة المنار (12/696) ، وانظر أيضاً (19/346ـ 348) .

3 الآحاد قسيم المتواتر: وهو ما جمع أربعة شروط: عدد كثير من الرواة أحالت العادة تواطؤهم على الكذب، من أول الإسناد إلى انتهائه، ومستندهم إلى حس، وأن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه.

والآحاد: هو ما فقد شرطاً من هذه الشروط. انظر: القاسمي: قواعد التحديث (ص:146) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1399هـ. وأحمد شاكر: شرح ألفية السيوطي (ص: 46ـ 47) ط. دار المعرفة، بيروت. وأشار ابن الصلاح إلى أن خبر الواحد يدخل في صناعة أهل الحديث دون المتواتر، لأن الأخير ضروري ولا يبحث في إسناده. وتعريف المتأخرين له تبعوا فيه غيرهم ـ يعني الأصوليين ـ. انظر: المقدمة: الموضع السابق، وانظر أيضاً: أحمد عبد الوهاب الشنقيطي: خبر الواحد وحجيته (ص:58) ط. الجامعة الإسلامية، الأولى 1413هـ.

4 سورة النجم، الآية:(28) .

ص: 133

أحاديث الآحاد لا تفيد في نفسها إلا الظن الذي لا يجوز الأخذ به في العقائد لأنه لا يغني من الحق شيئاً، وهذا الظن الذي فهموه من عبارة المتكلمين هو الذي لا يغني من الحق شيئاً، وما أظن أن مسلماً يعتد بعلمه يقول به

" 1.

ثم عرّف الشيخ رشيد المعنى الصحيح لكلمتي الظن واليقين لغة واصطلاحاً، ثم قال: "إذا فقهت هذا فاعلم أن كل اعتقاد يُستفاد من السماع يطلق عليه في اللغة اسم الظن باعتبار مأخذ لذاته، واسم اليقين إن جزم صاحبه به، وكذا اسم العلم أن مدلوله حقاً. ولكن نفس السماع أي: إدراك الأصوات المحقق لا يسمى ظناً بل علماً. وخبر التواتر إنما يفيد العلم القطعي بضرب من الاستدلال النظري وإن اعتمدوا أنه يفيد الضروري فإن من شروطه أن يخبر كل واحد من المخبرين الكثيرين عن حس، أي مما سمعه بأذنه أو رآه بعينه مثلاً وأن يقوم الدليل أو القرائن على أنهم لم يتواطؤوا على الكذب، وأن يتحقق ذلك في كل طبقة من الطبقات

وقد اختلف العلماء في العدد الذي يحصل بخبره التواتر

ولكنهم اتفقوا على أن آيته حصول العلم الجازم بمدلول الخبر، ومثل هذا العلم كثيراً ما يحصل بخبر الواحد

مثال هذا النوع من خبر الواحد الذي يحصل به الاعتقاد الجازم ـ وإن لم يكن المخبر به متصفاً بعدالة رواة الحديث ـ أكثر ما نسمعه كل يوم ممن نعاشر ونخالط من أصدقائنا ومعاملينا

ومن هذا القبيل كل خبر لا مجال للتهمة فيه، وأما إخبارهم فيما يتهمون فيه فهي التي يرتاب فيها ويحتاج إلى الأدلة والقرائن في تمييز راجحها من مرجوحها، مثال ذلك مدح النفس والدفاع عنها والطعن في الخصوم

فالأخبار في أمثال هذه المسائل يكثر فيها الكذب والخلط؛ إما بالتعمد أو بعدم الضبط

فمن وعى ما ذكرنا وتدبره يعلم منه ما يعلم من نفسه إذ هو فكّر في مصادر علمه، والمصادر التي يحدث بها ويتلقاها من غيره، وهو أن الأصل في أخبار جميع الناس الصدق، وأن

1 مجلة المنار (19/341ـ 343) وانظر الرأي القديم: مجلة المنار (7/ 612 و6/55 و 7/378)، والتفسير (3/292 و 7/606) ورأي محمد عبده: المجلة (7/438) .

ص: 134

الكذب إنما يقع لأسباب عارضة

بل أقول: إن من هذه الأخبار ما يجزم العقل بصدقه وامتناع نقيضه وأعني بالعقل هنا

العقل البشري الذي يبني حكمه على الاختيار ويزنه بميزان رعاية المصالح ودفع المضار، لا عقل واضعي المنطق والفلسفة الذي يجيز وقوع كل ما يمكن تصوره، ويحصر وقوع المحال في اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما

" 1.

وخلص الشيخ رشيد بعد شرح لما سبق واستطراد في علم المصطلح واصطلاحاته إلى أنّ أكثر الأحاديث الاحادية المتفق على صحتها لذاتها كأكثر الأحاديث المسندة في صحيحي البخاري ومسلم، جديرة بأن يجزم بها جزماً لا تردد فيه ولا اضطراب، وتعد أخبارها مفيدة لليقين بالمعنى اللغوي الذي تقدم، ولا شك في أن أهل العلم بهذا الشأن قلّما يشكّون في صحة حديث، فكيف يمكن لمسلم يجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بكذا ولا يؤمن بصدقه فيه؟

وليُعلم أنّي أعني بالمتفق عليه هنا ما لم ينتقد أحد من أئمة العلم متنه ولا سنده فيخرج من ذلك ما انتقده مثل الدارقطني

" 2.

وهذا الذي ذهب إليه الشيخ رشيد هو أحد ثلاثة أقوال في "خبر الواحد" من حيث إفادته العلم أو الظن، وبناءً عليه يؤخذ به في العقائد أو لا؟ الأول: عدم إفادته العلم مطلقاً، والثاني: إفادته العلم مطلقاً، والثالث: إفادته العلم إذا احتف بالقرائن وهذا هو الذي ذهب إليه الشيخ رشيد، وتبعه على ذلك تلامذته من بعده 3، وهذا هو المذهب الصحيح الموافق لما استقر عليه رأي المحدثين وعمل السلف 4. ويعد هذا الموقف من الشيخ

1 مجلة المنار (19/ 342ـ 348) باختصار.

2 مجلة المنار (19/ 348) .

3 انظر: أحمد محمد شاكر: شرح ألفية السيوطي (ص:3ـ5)، والباعث الحثيث (ص:35ـ37) ط. دار الكتب العلمية بدون تاريخ.

4 انظر: أحمد شاكر: المصدرين السابقين: نفس الصفحات، وانظر: ابن الصلاح: المقدمة (ص:43ـ44) ط. مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى 1411هـ =1991م، وابن حجر: النكت (1/374) وما بعدها، ت. د. ربيع المدخلي، ط. الجامعة الإسلامية، الأولى 1404هـ =1984م.

ص: 135

رشيد أيضاً من مواقفه الصحيحة تجاه السنة النبوية لا سيما وهي مسألة ترتب عليها نزاع كبير في إثبات صفات الله تعالى، ولقد خطا الشيخ رشيد خطوة عملية في ذلك فأثبت الصفات الإلهية بهذا النوع من الحديث كما تراه في موضعه إن شاء الله.

وهذه الصورة المشرقة من السنة شابها ما شوّهها واختلط بلونها الأبيض ألوان أخرى ذهبت بنصوعها، بدا الشيخ رشيد فيها مضطرباً فلقد وقع "محيي السنة" 1 في أخطاء فادحة ما كان ليقع فيها مثله، فبينما دافع عن أبي هريرة إلا أنه وقع في غيره من الصحابة أيضاً وهو تميم الداري، كما طعن في غيره من الرواة وبغير حق، بل لمجرد التذرع برد الأحاديث الصحيحة ولو في الصحيحين اللذين أثنى كثيراً على صاحبيهما، وهذه هي الصورة الأخرى لموقفه من السنة والتي اتخذها من طعن بعده في السنة تكئة يتكئ عليها في طعونه نظراً لمكانة الشيخ رشيد العلمية والأدبية. وهو ما أحاول رسمه في الصفحات التالية.

الموقف الثاني: الموقف السلبي من السنة:

لقد قسّم الشيخ رشيد السنة التي ذكرها في قوله "الإسلام هو القرآن والسنة" إلى سنة عملية وهي دين عام لكل زمان ومكان وهي التي تكون من الدين ويجب العمل بها. وإلى سنة قولية وهي ليست "ديناً عاماً" كالأولى لذلك لم يكتبها الصحابة ولم يعتنوا بجمعها بل نُقل عنهم الرغبة عن ذلك2.

ويرى أن أركان الإسلام والإيمان مبيّنة في القرآن والسنة العملية 3،

1 هكذا أطلق عليه محبوه: انظر: رشيد رضا: مقدمة مفتاح كنوز السنة (ص: ن) .

2 انظر: مجلة المنار (9/ 929ـ930 و 12/699)، ورسالة التوحيد (ص:200ـ202) بالحاشية ط. المنار، وقد قلده أبو رية: أضواء (ص:39 و55 و86ـ87 و368 و392) ط. دار المعارف ـ مصر الرابعة.

3 انظر: مجلة المنار (12/699) .

ص: 136

وهي السنة "التي يجب أن تكون أصل القدوة" 1، وهي "ما كان عليه هو وخاصة أصحابه عملاً وسيرة فلا تتوقف على الأحاديث القولية" 2. ويقول: "فالسنة لا يراد بها إلا السيرة والطريقة المتبعة عنه صلى الله عليه وسلم بالعمل

" 3.

ويفرق الشيخ رشيد بين اصطلاحي السنة والحديث: "فإن السنة سيرته صلى الله عليه وسلم وتُعرف من الصحابة بالعمل وبالإخبار كنحو "من السنة كذا" كما كانوا يقولون، والتحديث نقل كلامه كما هو المتبادر، وإن اصطلح المحدثون بعد ذلك على تسمية كل كلام فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وسنة"4. ثم ينعى على المحدثين ذلك فيقول: "ومن العجائب أن يغبى 5 بعض المحدثين أحياناً عن الفرق بين السنة والحديث في عُرف الصحابة الموافق لأصل اللغة فيحملوا السنة على اصطلاحهم الذي أحدثوه بعد ذلك

" 6، ولكن ما مصير هذا العدد الكبير من الأحاديث التي تبدأ بـ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟ يجيب الشيخ رشيد على ذلك بقوله: "وأما الأحاديث التي لم يجر عليها عمل جماعة المسلمين والسواد الأعظم من أهل الصدر الأول، ولا كتبها الراشدون ولا غيرهم من الصحابة ولا دعوا إليها، وإنما انفرد بها بعض الذين صرفوا همتهم إلى جمع الروايات وحفظ الأخبار والآثار ففيها تفصيل ملخصه أنه لا يجب على كل مكلف البحث عنها ولكن في معرفتها مزيد علم، ومن عرف شيئاً منها وصحّ عنده متناً وسنداً بلا معارض أقوى منه وجب عليه أن يقبله ويهتدي به

" 7.

ويقول في موضع آخر: "وليعلم القارئ أن هذا البحث الأصولي

1 نفس المصدر (10/852) .

2 نفس المصدر والصفحة.

3 نفس المصدر (10/853) .

4 نفس المصدر والصفحة.

5 غبا عن الشيء: لم يفطن له، والمصدر: غباوة، وغبى على الشيء: إذا لم يعرفه. (الرازي: مختار الصحاح، ص: 196، مادة غبا) ط. مكتبة لبنان ـ بيروت.

6 مجلة المنار (10/ 853) .

7 مجلة المنار (12/699) .

ص: 137

بمعزل عن مسألة اهتداء المسلم بما صح عنده من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، فتلك الأقوال هي ينابيع الحِكم ومصابيح الظُلَم وجوامع الكلم، ومفخر للأمة على جميع الأمم، بل إن في الأحاديث التي لم تصح أسانيدها من البدائع والحِكم والروائع، والكلم الجوامع ما تتقاصر عنه أعناق العلماء

" 1.

فهذه "الأحاديث القولية" صالحة ـ عند الشيخ رشيد ـ للاهتداء لا للاحتجاج، وللاستشهاد بها مثلاً على قواعد النحو لا في مسائل الدين والفقه.

والدليل الذي ساقه الشيخ رشيد على ذلك هو أن الصحابة لم يكتبوا هذه الأحاديث كما كتبوا القرآن بل رغبوا عن ذلك ونهوا عنه، فيقول: " وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه بل في نهيهم عنه قوِي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث ديناً عاماً كالقرآن. ولو كانوا فهموا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كُتب وضبطوا ما وثقوا به وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة المعروفة للجمهور بجريان العمل بها

" 2.

فقد بنى موقفه هذا على مسألة "كتابة الأحاديث" لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد كتابتها ولم يأمر بها، وكذا الصحابة لم يكتبوها وكانوا ينهون عن كتابتها.

وقد رد الشيخ رشيد كثيراً من الأحاديث الصحيحة بل والمتواترة لكونها قولية، ومنها:

أحاديث نسخ التلاوة كما سبق، " ولو في الصحيحين"3.

وحديث سجود الشمس تحت العرش 4.

1 المصدر السابق (10/854) .

2 مجلة المنار (10/768) وقلده أبو رية: أضواء (ص:23، 46، 51، 77ـ86) .

3 وقد سبق الكلام على تخريجها والجواب على الشيخ رشيد في شأنها (ص:100) .

4 رواه البخاري: الصحيح، ك. بدء الخلق: ب: صفة الشمس والقمر، ح: 3199 (6/342 مع الفتح) وانظر مجلة المنار (19/ 623 و32/ 772) وتفسير المنار (8/ 211) بالحاشية.

ص: 138

وحديث انشقاق القمر 1.

وحديث الذباب 2.

وأحاديث أشراط الساعة، كالمهدي، والدجال، ونزول عيسى 3.

ويعتبر الشيخ رشيد هذا من قبيل رد الرواية لعلة في متنها وإن صحّ ـ بحسب صناعة تعديل الرجال ـ سندها. ومعنى "رد الرواية" كما يقول: "عدم تسليم إسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي

" 4، وليس تكذيباً للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا يستلزم الكفر، وإنما الكلام في رد الرواية لعلة في متنها 5. واستأنس الشيخ رشيد بالأحاديث التي انتقدت على الشيخين لعلة في متنها، فقال: "كتغليط مسلم وغيره لرواية شريك 6 عند البخاري في حديث المعراج 7، وتغليطهم لمسلم في حديث خلق الله التربة يوم السبت 8، وفي حديث

1 انظر: مجلة المنار (30/261 ـ 272 و 30/ 361ـ 376 و 31/ 63) خ: الصحيح: ك: مناقب الأنصار، ب: انشقاق القمر، ح: 6868، وسيأتي الكلام عليه تفصيلاً. انظر:(ص:716)

2 انظر: مجلة المنار (18/458 و29/ 48 ـ 51 و29/ 372) وانظر: البخاري: الصحيح، ك: بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم

"ح: 3320 (6/414 مع الفتح) .

3 وسيأتي الكلام على هذه الأحاديث وتخريجها والجواب على الشيخ رشيد فيها في موضعه إن شاء الله تعالى، في الباب الثالث. وقد قلده أبو رية في كل ذلك: انظر: أضواء (ص:181 ـ 182 و185 و243 و290) ونقل عنه نص كلامه.

4 مجلة المنار (14/624) .

5 المصدر السابق والصفحة.

6 هو: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أبو عبد الله المدني، صدوق يخطئ، وقد اضطرب في حديث= = الإسراء، وإليه توجه انتقاد مسلم. انظر: مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 262 (1/148)، وانظر أيضاً: ابن القيم: زاد المعاد (1/99 و 3/42)، وابن حجر: فتح الباري (13/488ـ494)، وهدي الساري (ص:402) .

7 رواه: البخاري: ك: التوحيد، باب: ما جاء في قوله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ح: 7517 (13/486)، ومسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 262 (1/148) .

8 رواه مسلم: الصحيح، ك: صفات المنافقين، ح: 27 (4/2149) . وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، ولله در أبي هريرة إذ حفظ لنا هذا العِلم والعَلم. ففي هذا الحديث فائدة زائدة على ما في كتاب الله تعالى، فقد أفادنا أن تصميم هذا العالم وتهيئة لبناته قد كان في آخر أيام عالم آخر قبله، ولا يزال الله تبارك وتعالى خالقاً على خلاف ما يقوله المتكلمون. ولولا حفظ أبي هريرة لضاعت هذه الفائدة الكبيرة. انظر: ابن تيمية: درء التعارض ط. دار الكنوز الأدبية، ت: رشاد سالم (8/280) وما بعدها و (ص: 287ـ289)، وانظر أيضاً: محمد عبد الرزاق حمزة: ظلمات أبي رية (ص:151ـ153) ط. السلفية بمصر سنة 1378هـ، وانظر أيضاً: محمد أبو شهبة: دفاع عن السنة (ص:132ـ 134) ط. السنة بمصر، الأولى سنة 1409هـ. وقد قلد أبو رية رشيد رضا: انظر: أضواء (ص:219) .

ص: 139

صلاة الكسوف 1

فإذا جاز رد الرواية التي صحّ سندها في صلاة الكسوف لمخالفتها لما جرى عليه العمل، وجاز رد رواية خلق الله التربة إلخ لمخالفتها للآيات

فأولى وأظهر أن يجوز رد الروايات التي تتخذ شبهة على القرآن من حيث حفظه وضبطه وعدم ضياع شيء منه ـ كالروايات في نسخ التلاوة

ـ ومثلها الرواية في سحر بعض اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم

ومثل هذا وذاك ما خالف الواقع المشاهد كرواية السؤال عن الشمس أين تذهب بعد الغروب.." 2.

واستند الشيخ رشيد في موقفه هذا إلى أمور، منها:

الأول: عدم كتابة الحديث إلا في وقت متأخر وترجيحه لذلك بعد سرد الأدلة معتمداً على ابن عبد البر في الجامع 3.

والسبب الثاني الذي حدا بالشيخ رشيد أن يرد هذه الأحاديث وغيرها، أنها رويت بالمعنى الذي فهمه الرواة، فجاءت مضطربة غير متوافقة وتعارضت فتساقطت، وادعى أن أكثر الأحاديث كذلك رويت بالمعنى 4.

1 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الكسوف، ح: 1 (901) وما بعده (2/ 618) وما بعدها، وانظر: النووي: شرح مسلم (6/198ـ 199)

2 مجلة المنار (14/623) .

3 انظر: مجلة المنار (10/752ـ 768)، وانظر: ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله (ص: 63ـ72) .

4 انظر: تفسير المنار (8/ 210 و 9/506)، وقد قلده أبو رية؛ انظر: أضواء (ص:20 ـ 21 وص: 80 ـ 85) ونقل نص كلام رشيد رضا (ص:86 ـ87) .

ص: 140

والسبب الثالث الذي جعل الشيخ رشيد يتخذ هذا الموقف هو رواية الصحابة الإسرائيليات عن مسلمة أهل الكتاب. وفي هذا السبيل فقد طعن الشيخ رشيد في مسلمة أهل الكتاب بدءاً من الصحابة كتميم الداري ومروراً بالتابعين ككعب الأحبار ووهب بن منبه، بل وتعدى طعنه حتى فيمن أجمع الناس على عدالتهم وقيل في أسانيدهم أنها أصح الأسانيد 1.

لقد روى النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري حديث الجساسة، ولكن الشيخ رشيد لم يسلم ذلك بل زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس معصوماً من تصديق المنافقين والكاذبين 2.

إنني بحاجة ماسة إذاً إلى أن أجيب عن هذه الأصول الثلاثة التي اعتمد عليها الشيخ رشيد في موقفه هذا، وهي: كتابة الحديث، والرواية بالمعنى، ورواية الإسرائيليات. أما الأحاديث التي ردها فسيأتي الكلام على بعضها في مواضع متعددة في هذا البحث، إن شاء الله تعالى.

أولاً: كتابة الحديث:

اعتمد الشيخ رشيد في رده "للسنة القولية" أو "الأحاديث" على عدم الوثوق بها، لأنها كتبت في وقت متأخر، ولم تكتب في العهد النبوي ولم يكتبها الصحابة، مما يدل أيضاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يريدوا أن تكون هذه الأحاديث "ديناً عاماً" كالقرآن إذ أنهم لو فهموا رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: "لأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كُتب وضبطوا ما وثَقُوا به وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به، ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة المعروفة للجمهور بجريان العمل بها

" 3. ويرى الشيخ رشيد أن السنة التي يجب أن تكون أصلاً للقدوة هي ما كان عليه النبي وخاصة أصحابه

1 انظر: تفسير المنار (9/495 ـ496) ، والمجلة (27/ 541 و752 و697 و783 و539 و618) وقلده أبو رية فنقل نصوصاً عنه كاملة، انظر: أضواء (ص: 146 ـ 149 و150 ـ 151 و157 و164 و174 ـ176 و181 و291) ، وستأتي تراجم هؤلاء.

2 وقلده أبو رية، انظر: أضواء (ص:42 ـ43)، وانظر: تفسير المنار (9/495ـ 496)

3 مجلة المنار (10/ 768)، وقارن مع أبي رية:(ص:51) فقد نقل نص كلامه هناك.

ص: 141

عملاً وسيرة، فلا تتوقف على الأحاديث القولية 1. ويحمل الشيخ رشيد على المحدثين الذين "يغبون أحياناً عن الفرق بين السنة والحديث في عرف الصحابة الموافق لأصل اللغة فيحملوا السنة على اصطلاحهم الذي أحدثوه بعد ذلك..2.

ويضيف الشيخ رشيد دليلاً آخر على مذهبه في الأحاديث القولية وهو نهي الصحابة عن رواية هذه الأحاديث 3.

وقد بنى الشيخ رشيد كما رأينا على مسألة عدم كتابة الحديث في وقت متقدم، لا سيما من النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد ثبت أن ذلك وقع وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأملى الحديث عليهم، وأن الصحابة كتبوا ذلك وأمروا به وأن التابعين تابعوهم على ذلك، والأدلة على ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة حديثه والأذن فيها كثيرة، منها:

أولاً: إذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص بكتابة أحاديثه " القولية": فقد كان عبد الله بن عمرو حريصاً على العلم وكان يكتب كل شيء يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه بعض الصحابة عن ذلك، فلجأ عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستوضح منه الحكم الصحيح، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة، وأشار إلى فيه الشريف قائلاً:"أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حقاً" 4، ولا ريب أن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى فيه إشارة إلى كتابة أحاديثه القولية. وكان أبو هريرة رضي الله عنه يشهد لعبد الله بن عمرو بالحفظ ويرجع السبب في ذلك إلى كتابته 5. وبهذه الطريقة تمكن عبد الله بن عمرو من جمع كتب كثيرة من الحديث النبوي.

1 نفس المصدر (10/ 852)

2 نفس المصدر (10/ 853)

3 نفس المصدر (10/ 849)

4 انظر: أحمد: المسند (2/ 12)

5 انظر: البخاري: الصحيح: ك: العلم. باب: 39 كتابة العلم، ح: 113 (1/ 249 مع الفتح)

ص: 142

وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يُكْتَبَ لرجل سأله ذلك، فقال:"اكتبوا لأبي شاة"1. و "كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم كتاباً فيه أحكام الطهارة والصلاة والغنيمة والصدقة وكتاب الجراح والديات وغير ذلك" 2.

ثانياً: علم الصحابة رضي الله عنهم بذلك وعملهم به، ونأخذ على ذلك أمثلة لكبار محدثي الصحابة الذين كانوا يكتبون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم " القولية":

المثال الأول: كان أبو هريرة رضي الله عنه أول الأمر يعتمد على حفظه ويرفض الكتابة 3، إلا أنه سرعان ما عاد وكتب حديثه الذي يحفظه وأصبح يعتمد على هذا المكتوب عند شكه في رواية من مروياته 4. وقد أثنى أبو هريرة رضي الله عنه على حفظ عبد الله بن عمرو وأقر بأنه أحفظ منه بسبب كتابة عبد الله المبكرة. وكتب عن أبي هريرة تلامذته فقد كتب عنه همّام بن منبه صحيفته المشهورة بإملائه 5، وكتبها أيضاً أبو صالح السمّان 6، وكتبها عن أبي صالح الأعمش 7 فقد كتب ألف حديث مما رواه عن أبي هريرة 8. وكتب أيضاً عن أبي هريرة الأعرج 9 وآخرون 10.

1 البخاري: الصحيح: ك: العلم: باب كتابة العلم ح: 112 (1/ 248 مع الفتح)

2 انظر: الحاكم: المستدرك (1/394 ـ 395) وأشار إليه الترمذي؛ انظر: الجامع الصحيح (السنن) : كتاب الزكاة: باب ما جاء في زكاة الذهب والورق، ح: 620 (3/ 7) .

3 انظر: أبو خيثمة: العلم (ص: 33) ت: الألباني، ط. المكتب الإسلامي، الثانية 1403هـ =1983م.

4 انظر: ابن عبد البر: جامع بيان العلم (ص: 74)، وانظر: ابن حجر: فتح الباري (1/250) .

5 نشرها أحمد شاكر (ضمن المسند) انظر: مقدمة ج: 16، ط. دار المعارف، وأفردها رفعت فوزي: ط. مكتبة الخانجي، الأولى 1406هـ.

6 هو: ذكوان بن عبد الله مولى أم المؤمنين جويرية، حافظ حجة. السير (5/36) .

7 هو: سليمان بن مهران، شيخ المقرئين والمحدثين، حافظ إمام. السير (6/226) .

8 انظر: مسند علي بن الجعد (ص:80)(عن الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي: 1/98) .ط. شركة الطباعة السعودية، الرياض، الثالثة 1401هـ.

9 هو: عبد الرحمن بن هرمز: الإمام الحافظ الحجة المقرئ. انظر: السير (5/69) .

10 انظر للتفصيل: الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (1/98) .

ص: 143

المثال الثاني: عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يكتب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستخدم مواليه أحياناً للكتابة 1، وكان يحث طلابه على كتابة العلم2، وقد ورد أنه كان ينهى عن الكتابة، فهل يتعارض ذلك مع ما قررته؟ أبداً فإن الذي ورد نهيه عنه هو كتابة آرائه، فعن طاوس 3قال:"إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر فيقول للرجل الذي جاء بالكتاب: "أخبر صاحبك بأن الأمر كذا وكذا، فإنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن" 4. فإذاً كان يكتب الأحاديث دون رأيه وإلا فإنه أمر طلابه بالكتابة فقال:"قيدوا العلم بالكتابة" 5 وروي هذا الأمر بالكتابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً 6 وموقوفاً على عمر 7 وأنس 8 وعبد الله بن عمرو 9.

المثال الثالث: أنس بن مالك رضي الله عنه وكان أنس يجيد الكتابة وقد بعثه أبو بكر إلى البحرين ساعياً 10.

وبما أنه عاش مدة طويلة حتى قارب نهاية القرن الأول، ولم يبق من الصحابة إلا عدد ضئيل جداً، فقد كثُر تلاميذه حتى وصل الرواة عنه إلى مائتي نفس 11، وقد سبق أنه كان يأمر بالكتابة، ويقول:"قيدوا العلم بالكتابة" 12،

1 انظر: ابن سعد: الطبقات (2/283) ط. دار الكتب العلمية، الأولى. وابن حجر: الإصابة (4/332) ط. دار الكتب العلمية، بيروت. (مصورة)

2 انظر: ابن عبد البر: الجامع (ص:72)، وأبو خيثمة: العلم (ص: 34) .

3 هو: ابن كيسان، فقيه قدوة، عالم اليمن، سمع عدداً من كبار الصحابة. السير (5/38ـ39) .

4 انظر: أبو خيثمة: العلم (ص: 11) .

5 ابن عبد البر: الجامع (ص: 72) .

6 ابن عبد البر: الجامع (ص:73)، وانظر: الألباني: الصحيحة (ح: 2026) .

7 ابن عبد البر: الجامع (ص:72) .

8 أبو خيثمة: العلم (ص:29) .

9 ابن عبد البر: الجامع (ص: 73)

10 الذهبي: سير أعلام النبلاء (3/ 268 ـ 269) .

11 الذهبي: السير (3/266) ، ط. مؤسسة الرسالة. بيروت.

12 سبق تخريجه (ص: 126)

ص: 144

وكانت لديه كتب كثيرة، فإذا كثُر الناس عليه أخرجها لهم وقال:"هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتها عنه"1. وكان يملي على طلابه وهم يكتبون 2، وكتب عنه عدد من طلابه في واسط 3، وروى مسلم عنه أنه أعجبه حديث سمعه فقال لابنه: "اكتبه فكتبه" 4.

وهؤلاء الأربعة عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وابن عباس وأنس هم رواة الحديث النبوي المكثرون، يكتبون أحاديثهم ويكتب عنهم طلابهم، هذا وقد كتب أيضاً غيرهم، ولكني اقتصرت على هؤلاء لأنهم أكبر من روى من الحديث النبوي، ولأن المقام لا يحتمل إلا ذكر أمثلة 5.

ثانياً: الرواية بالمعنى:

الحجة الثانية التي بنى عليها الشيخ رشيد موقفه من "السنة القولية" أنها رويت بالمعنى وأن هذه الرواية بالمعنى هي سبب الاضطراب والاختلاف في الأحاديث الواردة، وهو ما أوجب ـ عند الشيخ رشيد ـ تساقطها وعدم الاعتداد بها. فقال: " لاشك في أن أكثر الأحاديث قد روي بالمعنى كما هو معلوم، واتفق عليه العلماء ويدل عليه اختلاف رواة الصحاح في ألفاظ الحديث الواحد حتى المختصر منها، وما دخل على بعض الأحاديث من المدرجات وهي ما يدرج في اللفظ المرفوع من كلام الرواة، فعلى هذا كان يروي كل أحد ما فهمه، وربما وقع في فهمه الخطأ

وربما فسر بعض ما فهمه بألفاظ يزيدها

" 6.

1 الخطيب البغدادي: تقييد العلم (ص: 95ـ 96) ت: يوسف العش.

2 الخطيب: تاريخ بغداد (8/259) .

3 المصدر نفسه والصفحة نفسها.

4 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 54 (1/61 ـ62) عبد الباقي.

5 ولتفصيل ذلك راجع: أبو شهبة: دفاع عن السنة (ص:21)، وأبو زهو: الحديث والمحدثون (ص:119) ط. الأولى، والسباعي: السنة (ص:58)، والأعظمي: دراسات (1/92) وما بعدها، وعبد الغني عبد الخالق: حجية السنة (ص: 421) وما بعدها، وانظر أيضاً: رفيق العظم: التدوين في الإسلام: مجلة المنار (10/743 ـ 752) .

6 تفسير المنار (9/506 و 8/210 و 9/490) .

ص: 145

ولقد كرر أبو رية 1 نفس الكلمات فقال: "إنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كلها مما سموه صحيحاً أو جعلوه حسناً، حديث قد جاء على لفظه ومحكم تركيبه كما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم

" 2. وزاد أبو رية ذكر الأمثلة 3، واستشهد بكلام الشيخ رشيد في تفسيره 4، وأريد هنا أن أجيب وباختصار عن هذه الشبهة فأقول:

أولاً: لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى نشر حديثه وحثّهم على روايته بلفظه فقال: "نضّر الله امرءواً سمع مقالتي فحفظها فوعاها فأداها كما سمعها فرب مُبَلَّغ أوعى من سامع"5.

ولا ريب أن أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كانوا يعظمون أمره ويمتثلونه، ولقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على رجل علّمه دعاءً فقال فيه:"وبنبيك الذي أرسلت" فقال الرجل: "وبرسولك الذي أرسلت" فضربه النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال له: "وبنبيك الذي أرسلت" 6، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك وعملوا به. ونأخذ أمثلة على حرص هؤلاء ومن بعدهم على رواية اللفظ:

أولاً: الصحابة:

المثال الأول: ابن عباس رضي الله عنه حبر الأمة ـ كان من المكثرين 7

1 أضواء البيان (ص:20)

2 أضواء (ص: 20) .

3 انظر: أضواء (ص:82 ـ 85) .

4 أضواء (ص: 86 ـ 87) وقد أكثر أبو رية من الاستشهاد والنقل عن الشيخ رشيد. انظر: محمد أبو شهبة: دفاع عن السنة (ص: 68)، ومقدمة أضواء (ص:35) وما بعدها. ط. دار المعارف بمصر.

5 هذا حديث متواتر وقد أثبت تواتره فضيلة الشيخ العلامة: عبد المحسن العباد في دراسة وافية، انظر له: دراسة حديث "نضّر الله امرءاً سمع مقالتي

".

6 رواه البخاري: الصحيح، ك: الوضوء، باب: فضل من بات على وضوء، ح: 247 (1/ 426) مع الفتح، والرجل هو: البراء بن عازب رضي الله عنه راوي الحديث.

7 انظر: أحمد شاكر: الباعث الحثيث (ص: 187) .

ص: 146

وكان يكتب الحديث، وقال لطلابه:"قيدوا العلم بالكتابة" 1، وكان يحرص على اللفظ فإذا روى حديثاً وشك في ألفاظه بيّن ذلك فقد روى حديث وفد عبد القيس وفيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من الوفد؟ أو من القوم؟ وقال: مرحباً بالقوم أو بالوفد"2.

المثال الثاني: أبو سعيد الخدري رضي الله عنه من المكثرين أيضاً 3، وكان يحرص على اللفظ، فقد سمع أبا هريرة يروي حديثاً فيه:"ذلك لك ومثله معه" فقال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة:"ما حفظت إلا قوله: "ذلك لك ومثله معه" قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "ذلك لك وعشرة أمثاله" 4. ولا تعارض بين الروايتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قالهما وروى كل واحد منهما ما سمعه 5.

وعنه أيضاً في حديث الشفاعة: "ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم)

" 6.

المثال الثالث: ابن مسعود: المقرئ الكبير، كان يحرص على اللفظ كما كان يكتب الحديث 7، فقد روى حديث آخر أهل النار خروجاً وفيه:"فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها" أو: "إن لك عشرة أمثال الدنيا" 8، وفيه أيضاً:"قال فيقول: أتسخر بي (أو: أتضحك بي) وأنت الملك"9.

المثال الرابع: أبو هريرة رضي الله عنه محدث الإسلام، من المكثرين10، كان يحرص على أداء اللفظ وإن شك في لفظين رواهما. ففي

1 سبق تخريجه (ص:126) .

2 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 24 (17)[1/47]

3 انظر: أحمد شاكر: الباعث (ص:187) .

4 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 299 (182)[1/163ـ 164]

5 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح:(312)(189)[1/ 176]

6 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 306 (185)[1/172]

7 انظر: مصطفى الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (1/125ـ 126) .

8 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 308 (186)[1/173]

9 مسلم: نفس الموضع السابق.

10 انظر: أحمد شاكر: الباعث (ص: 187) .

ص: 147

حديث شعب الإيمان روى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة

" 1، وقد سبق تمسكه بما سمعه في حديث الشفاعة بينما تمسك أبو سعيد بما سمعه أيضاً.

المثال الخامس: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من المكثرين، وكان أشد الناس حرصاً على لفظ الحديث، وكان يغضب غضباً شديداً إذا تغير لفظ الحديث، ونأخذ له روايتين:

الأولى: سمع ابن عمر عبيد بن عمير 2 يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافقين كمثل الشاة الرابضة 3 بين الغنمين"، فقال ابن عمر:"ويلكم لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة 4 بين الغنمين" 5. فقد سمى ابن عمر الرواية بالمعنى كذباً.

الثانية: روى ابن عمر حديث أركان الإسلام فقال: "بني الإسلام على خمس: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج" فقال رجل مستفهماً: الحج وصيام رمضان؟ قال: "لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم"6. فقد رفض ابن عمر مجرد التقديم والتأخير في الألفاظ.

المثال السادس: أنس بن مالك رضي الله عنه من المكثرين 7، وكان يتقي مع ذلك الحديث عن النبي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعمّد عليّ كذباً

1 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 58 (35)[1/63]

2 هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أبو عاصم المكي، ولد على عهد النبي (ـ قاله مسلم ـ، وعدّه غيره في كبار التابعين، وكان قاصّ أهل مكة، مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمر. التقريب (ص: 651) .

3 الرابضة: ربوض الغنم والبقر مثل بروك الإبل وبابه جلس. مختار الصحاح (ص: 97، مادة ربض) .وانظر: ابن الأثير: النهاية (2/ 185) ط. المكتبة العلمية، بيروت.

4 العائرة: أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع (انظر: ابن الأثير النهاية 3/328)

5 انظر: أحمد: المسند (8/16) ت: أحمد شاكر، وصحح إسناده. ط. دار المعارف.

6 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 19 (16)[1/45]

7 انظر: أحمد شاكر: الباعث الحثيث (ص: 187) .

ص: 148

فليتبوأ مقعده من النار" 1، وكان إذا روى حرص على اللفظ، فقد روى حديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه (أو قال: لجاره) ما يحب لنفسه"، فقد تردد أنس في اللفظ فبيّن ذلك من حرصه على أداء اللفظ كما سمعه 2.

المثال السابع: أبو بكرة رضي الله عنه روى حديث الكبائر فقال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثاً) الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور (أو: وقول الزور)

" 3، وذلك أيضاً من الحرص على أداء ما سمع، وقد رواه أنس بلا تردد 4.

وقد انتقل هذا المنهج للتابعين فقد تبعوا فيه الصحابة، ولنضرب لذلك ثلاثة أمثلة:

المثال الأول: أبو حازم 5 عن سهل بن سعد؛ فقد روى عنه أبو حازم مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف

" قال مسلم: " لا يدري أبو حازم أيهما قال" 6.

المثال الثاني: أبو الزبير 7 عن جابر؛ فقد قال ابن جريج 8: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يُسأَل عن المُهلِّ؟

1 انظر: مسلم: الصحيح: المقدمة، ح: 2 (2)[1/10]

2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 71و 72 (45)[1/67ـ 68]

3 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 143 (87)[1/91]

4 مسلم: الصحيح، ك: كتاب الإيمان، ح: 144 (88)[1/92]

5 هو: سلمة بن دينار، روى عن سهل بن سعد وأبي أمامة، إمام قدوة. السير (6/96) .

6 مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 373 (219)[1/198ـ 199]

7 هو: محمد بن مسلم بن تدرس، إمام حافظ، مولى حكيم بن حزام، روى عن جابر، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وغيرهم. السير (5/380) .

8 هو: عبد الملك بن عبد العزيز، الإمام العلامة الحافظ شيخ الحرم، صاحب التصانيف، وأول من دوّن العلم بمكة، حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر عنه، ونافع مولى ابن عمر. السير (6/325) .

ص: 149

فقال: سمعت (ثم انتهى، فقال: أراه يعني) النبي صلى الله عليه وسلم...." 1، فقد احتاط أبو الزبير للسماع.

المثال الثالث: الأسود 2 عن عائشة، فقد قال الأسود:" عن عائشة أن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا قام من الليل فدخل إلى أهله فألم بهم ثم اضطجع، ولم تقل: نام. فإذا جاء المؤذن وثب، ولم تقل: قام. ثم أفاض على نفسه، ولم تقل: اغتسل" 3.

ويشهد الأعمش 4 شهادة عامة لهذا الجيل فيقول: " كان هذا العلم عند أقوام لأن يخر من السماء أحب إليهم من أن يزيد فيه واواً أو ألفاً أو دالاً"5.

فإذا وصلنا إلى عصر المؤلفين نجد مالك بن أنس رحمه الله يحترز من تبديل لفظ بآخر كالذي والتي ونحوهما 6، وكذلك أحمد يقول: حدثنا يزيد بن هارون 7 وعباد بن عباد المهلبي 8 قالا: أخبرنا هشام، قال عباد: ابن زياد عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي مرفوعاً: "ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن طال عهدها، قال عباد: "وإن قدم عهدها"" 9، فقد أشار أحمد إلى اختلاف شيخيه في ملاحظتين أحدهما في الإسناد والأخرى في المتن وذكر لفظهما.

1 مسلم: الصحيح، ك: الحج، ح: 16 (1183)[2/840]

2 هو: ابن يزيد بن قيس النخعي، تابعي مخضرم، إمام قدوة، روى عن معاذ بن جبل وبلال وابن مسعود وعائشة وحذيفة وغيرهم. السير (4/50) .

3 الخطيب: الكفاية (ص: 174) .ط. دار الكتب العلمية (مصورة عن ط. الهند) بيروت 1409هـ.

4 سبقت ترجمته (ص:125) .

5 الخطيب: الكفاية (ص: 178) .

6 نفس المصدر والصفحة.

7 هو: ابن زادي، إمام قدوة، شيخ الإسلام، كان رأساً في العلم. السير (9/ 358) .

8 هو: ابن حبيب، إمام حافظ ثقة، حدث عن هشام بن عروة وجماعة. السير (8/294) .

9 أحمد: المسند (1/ 201) ط. الميمنية (مصورة المكتب الإسلامي) .

ص: 150

ومسلم رحمه الله يقول: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو معاوية. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة 1 حدثنا أبو معاوية 2 ووكيع 3 ح وحدثنا ابن نمير 4، حدثنا أبي 5 جميعاً عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة 6، عن مسروق 7عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من ضرب الخدود أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية" ثم قال مسلم: هذا حديث يحيى، وأما ابن نمير وأبو بكر فقالا:"وشق ودعا" بغير ألف" 8، فأنت ترى مسلماً أيضاً يحترز من الألف في الرواية، وهكذا صنع مسلم في كل كتابه، يبين اختلاف الرواة في الألفاظ وفي المتون والأسانيد.

وهذا أبو داود 9، رحمه الله، يقول:" وقد روى حديثاً عن شيخين: عمرو بن مرزوق 10، ومحمد بن المثنى 11، فيبين اختلاف ألفاظهم، ولفظ الحديث: "ولولا أن يقول الناس" فقال: قال ابن المثنى: أن يقولوا. وبلفظ: "لقد أراك الله خيراً" فقال: "ولم يقل عمرو: لقد" 12.

1 هو عبد الله بن محمد الكوفي ـ واسطي الأصل ـ ثقة حافظ مصنف (ابن حجر: تقريب التهذيب، ص: 540) ط. دار العاصمة، الأولى 1416هـ

2 هو محمد بن خازم ـ بمعجمتين ـ الضرير الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش (تقريب، ص: 840)

3 هو ابن الجراح أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة (تقريب، 1037)

4 هو محمد بن عبد الله بن نمير: ثقة حافظ فاضل من العاشرة (تقريب 866)

5 هو عبد الله بن نمير الكوفي أبو هشام ثقة حافظ من أهل السنة من كبار التاسعة (تقريب 553)

6 هو الهمداني الكوفي ثقة من الثالثة، روى له الجماعة (تقريب: 544ـ 545)

7 هو ابن الأجدع بن مالك، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية (تقريب: 935)

8 انظر: الصحيح، ك: الإيمان، ح: 165 (103)[1/99] وانظر أيضاً: ك: الإيمان ح: 185 (117)[1/109]

9 هو السجستاني، صاحب السنن: سليمان بن الأشعث من كبار العلماء (تقريب: 404)

10 هو الباهلي، أبو عثمان البصري ثقة فاضل من صغار التاسعة (تقريب: 745)

11 هو العنزي، أبو موسى ثقة ثبت من العاشرة (تقريب: 892)

12 أبو داود: السنن، ك: الصلاة، أبواب: الأذان، باب: كيف الأذان، ح: 506) .ط. دار الحديث، سورية ت: الدعاس.

ص: 151

ثانياً: أن من كان يروي بالمعنى منهم ـ كان يقرن ذلك بما يدل عليه ـ إذا كان شاكاً في اللفظ ـ كأن يقول: نحواً من ذا قريباً من ذا 1، احتياطاً في الأداء.

فهذا ما كان من الصحابة والتابعين عند رواية الحديث النبوي في الرواية بالمعنى وفي غير المتعبد بلفظه، ويتبعون ذلك بقول يفيد احتياطهم في روايته وينبهون أثناء سياق الحديث على موضع السهو أو التردد، بما لا تجده لأمة من الأمم في أي عصر من العصور، ويتضح ذلك بأدنى نظر في أي من كتب الرواية. وبناء على ذلك فإن كل ما كتبه المستشرقون ـ في الكتابة والرواية بالمعنى ـ وكذا من تبعهم من المسلمين ـ يصبح لا قيمة له. 2.

ثالثاً: أن اختلاف ألفاظ الحديث التي تتوارد على معنى واحد لا يرجع إلى الرواية بالمعنى وحدها، بل كان لمجالسه صلى الله عليه وسلم المتعددة بتعدد الأزمنة والأمكنة والحوادث، والسامعين والمستفتين والمتخاصمين والمتغاضبين، والوافدين والمبعوثين، أثر في ذلك كبير، فكانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم تختلف في ذلك، إيجازاً وإطناباً، ووضوحاً وخفاءً، وتقديماً وتأخيراً، وزيادة ونقصاً، بحسب ما يقتضيه الحال ويدعو إليه المقام 3.

رابعاً: وإذا أردنا أن نتبين حقيقة الأمر وننظر في الأمثلة التي ضربها هؤلاء لنا جدلاً، فسنجد العجب، إن هذه الأمثلة هي الأدلة على الاختلاف الناتج عن الرواية بالمعنى، والذي حدا بهم إلى رفض السنة، وسأعتمد على أبي رية فإنه ذكر أمثلة كثيرة لذلك 4.

1 انظر: أحمد: المسند (5/ 245) ت: أحمد شاكر، والخطيب: الكفاية (ص: 205)

2 ولقد أطلت في هذه المسالة لأني لم أجد من كتب فيها على نحو ما كتب مصطفى الأعظمي عن " الكتابة والتدوين" في "دراسات في الحديث النبوي" وتستحق هذه المسالة " الرواية بالمعنى" بحثاً كهذا فأرجو أن ينتدب لهذا إخواني في كلية الحديث الشريف.

3 انظر": أبو زهو: الحديث والمحدثون (ص:207) ، ط. مطبعة مصر، الأولى، 1378هـ. وقد خصص أبو زهو فصلاً للرد على دعوى الشيخ رشيد، انظر له: نفس المصدر (ص: 220ـ 242) وكذا أبو شهبة، انظر له: دفاع عن السنة (ص: 195)

4 انظر: أضواء (من ص: 82ـ 94)

ص: 152

المثال الأول: وهو حديث رواه مسلم: جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخر الحديث يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أفلح إن صدق". وفي رواية: "أفلح وأبيه إن صدق"، وفي ثالثة:"دخل الجنة وأبيه إن صدق"1. هذا هو حجم الاختلاف الذي أقاموا عليه الدنيا: "أفلح إن صدق" أفلح وأبيه إن صدق" " ودخل الجنة وأبيه إن صدق".

المثال الثاني 2: حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: وتقدم رجل بقوله: يا رسول الله: أنكحنيها ولم يكن معه من المهر غير بعض القرآن، فقال له صلى الله عليه وسلم:"أنكحتكها بما معك من القرآن"، وفي رواية:"زوجتكها بما معك من القرآن"، وفي رواية:"زوجتكها على ما معك"، وفي رابعة:"قد ملكتكها بما معك"3. هذا الاختلاف: زوجتكها، ملكتكها، أنكحتكها، بما معك على ما معك..؟!.

لقد تأسف هؤلاء على أن السنة رويت بالمعنى فأدت الرواية إلى هذا الاختلاف الشنيع، ولم تروَ باللفظ كما روي القرآن بلفظه، كما أنها لم تكتب كما كتب، هذا ما يقولونه 4، ولكن القرآن أيضاً وقع فيه مثل ما نقموه على السنة، فمتى جمع القرآن؟ 5. وماذا يقولون في اختلاف القراءات العشر المروية، بل إن القراءات أكثر من عشر بكثير 6. ما قولهم في قراءة:

1 انظر: مسلم: الصحيح: ك: االإيمان، ح:(8 و9و10 11، 12)(1/40 42)

2 انظر: أبو رية: أضواء (ص:91)

3 انظر: البخاري: الصحيح، ك: النكاح، باب: إذا كان الولي هو الخاطب، ح: 5132، وك: فضائل القرآن: باب: القراءة عن ظهر قلب، ح: 5030، ومسلم: الصحيح: ك: النكاح، ح: 77 (2/ 1041) وابن ماجه: السنن: ك: النكاح: باب: صداق النساء، ح: 1889 (1/ 608)

4 انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (10/ 766) وأبو رية: أضواء (ص:20و76)

5 لم يجمع القرآن في زمن النبي (في مصحف واحد، وأول جمع بهذا المعنى كان في عهد الصديق، ثم الجمع الأكبر في عهد عثمان رضي الله عنهم، انظر: ابن أبي داود: المصاحف ط. مؤسسة قرطبة، مصر. (ص:5) وما بعدها، ود. لبيب السعيد: المصحف المرتل (ص:32) وما بعدها، ط. دار المعارف، بمصر.

6 انظر: ابن الجزري: النشر في القراءات العشر (1/ 88) وما بعدها، ط. مكتبة القاهرة بمصر.

ص: 153

{فتثبتوا} بدلاً من {فَتَبَيَّنُوا} 1، و {ننسأها} بدلاً من {نُنْسِهَا} 2، وقراءة {لا تقتلوهم} و {لا تقاتلوهم} 3، و {إِثْمٌ كَبِيرٌ} و {إثم كثير} {وَلَوْلا دَفْعُ} {ولولا دفاع الله} 5، و {وَسَارِعُوا} مع القراءة من دون الواو 6، وقراءة {لامَسْتُمُ} بالألف والقراءة بدونها 7، وقراءة {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} و {هل تستطيع ربَّك} 8، و {أنا اخترتك} و {أنّا اخترناك} 9، إلى غير ذلك من أوجه الخلاف في القراءة، هل يدل ذلك على الرواية بالمعنى وعلى الاختلاف، وهل يقولون في القرآن مثل ما قالوه في السنة؟.

الرواية عن أهل الكتاب:

الحجة الثالثة التي اتكأ عليها الشيخ رشيد في موقفه من السنة " القولية" هي رواية الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم عن مسلمة أهل الكتاب، وفي هذا السبيل طعن في مسلمة أهل الكتاب بدءاً من الصحابة كتميم الداري

1 قرأ حمزة والكسائي، بالثاء المثلثة بعدها باء موحدة بعدها مثناة فوقية، والباقون بباء موحدة بعدها مثناة تحتية فنون. انظر:(البنا: الإتحاف 1/ 518) ط. عالم الكتب. والكليات الأزهرية، الأولى 1407هـ.

2 قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بفتح النون والسين بعدها همزة ساكنة، وقرأ الباقون: بضم النون وكسر السين بلا همز (البنا: الإتحاف: 1/411)

3 قرأ حمزة والكسائي وخلف بغير ألف، والباقون: بالألف (البنا: 1/ 433)

4 قرأ حمزة والكسائي: بالثاء المثلثة، والباقون: بالباء الموحدة (البنا:1/ 437)

5 قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب بكسر الدال وألف بعد الفاء، والباقون: بفتح الدال وسكون الفاء (البنا: المرجع السابق 1/ 446)

6 قرا نافع وابن عامر وأبو جعفر بغير واو، والباقون بالواو (البنا1/ 488)

7 قرأ حمزة والكسائي وخلف بدون ألف، والباقون: بإثباتها (البنا1/ 1/ 531)

8 قرأ الكسائي بتاء الخطاب ونصب {ربك} ، على التعظيم، والباقون: بياء الغيب، ورفع:{ربك} على الفاعلية. (البنا: الإتحاف 1/ 545)

9 قرأ حمزة بفتح الهمزة وتشديد النون في {أنّا} وقرأ {اخترتك} بنون مفتوحة وبعده ألف ضمير المتكلم، والباقون: بتخفيف النون في {أنا} و {اخترتك} بالتاء مضمومة من غير ألف على لفظ الواحد (البنا: 2/ 245)

ص: 154

رضي الله عنه 1، ومروراً بالتابعين، ككعب الأحبار 2، ووهب بن منبه 3، ومن دون هؤلاء من الرواة، ولو عدَّلهم أهل الأرض، ولو كانت من أصح الأسانيد.

ويحسن أولاً أن أنقل نصوصا في ذلك من كلام الشيخ رشيد، إنه يقول: "إن بعض الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم، وما كل مسلم مؤمن صادق، وما كانوا يفرقون في الأداء بين ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره، وما بلغهم عنه بمثل سمعت وحدثني وأخبرني، ومثل عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال، أو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل المحدثون من بعد عند وضع مصطلح الحديث 4. وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتى كعب الأحبار وأمثاله، والقاعدة عند أهل السنة: أن جميع الصحابة عدول فلا يخل جهل اسم راو منهم

1 هو تميم بن أوس بن خارجة الفلسطيني الداري، وفد سنة تسع فأسلم، حدث عنه النبي (، بقصة الجساسة في أمر الدجال، وله عدة أحاديث، وكان عابداً تلاءً لكتاب الله. حدّث عنه ابن عباس وأنس بن مالك وآخرون، جمع القرآن على عهد النبي (. وقال قتادة في قوله تعالى: {ومن عنده علم الكتاب} قال سلمان وابن سلام وتميم الداري. انظر ابن جرير: التفسير (13/177)، والذهبي: السير (2/ 442) وما بعدها، وقد قلد أبو رية رشيد رضا في الطعن فيه. انظر: أضواء (ص: 181 ـ 182) ونقل نص كلامه هناك.

2 هو: كعب بن ماتع الحِمْيَري اليماني، العلامة الحبر، ثقة مخضرم، كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي (، قدم المدينة من اليمن في عهد عمر، فجالس الصحابة فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء. حدّث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس وهو من قبيل رواية الصحابي عن التابعي، وهو نادر عزيز. توفي بحمص غازياً في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: السير (3/489 ـ 494)، وابن حجر: تقريب التهذيب (ص: 812) .

3 هو: وهب بن منبه بن كامل، الإمام العلامة الأخباري القصصي، اليماني الصنعاني، أخو همام ومعقل وغيلان، ولد في زمن عثمان وأخذ عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد والنعمان بن بشير وغيرهم. له علم غزير في الإسرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب. وروايته للمسند قليلة وهو ثقة. انظر: السير (4/544 ـ556)، وابن حجر: التقريب (ص: 1045) .

4 هذا الكلام والخلط يدل على مقدار علم الشيخ رشيد بعلم الحديث روايته ودرايته.

ص: 155

بصحة السند، وهي قاعدة أغلبية وليست مطردة، فقد كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقون..1، ولكن البلية في الرواية عن مثل كعب الأحبار

"2. وقال في الكلام على أشراط الساعة: “من رواة هذه الأخبار وهب بن منبه وقد جرحه بعضهم، وأخوه همام 3، وقد وثقه الجمهور، وهما من رواة الإسرائيليات، ككعب الأحبار، وحديث أبي هريرة الذي هو أقواها 4 رواه البخاري في التفسير 5، عن إسحاق 6 ـ غير منسوب ـ عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه ـ وعبد الرزاق على إمامته في هذه الصناعة قد جرحه بعض أئمتهم حتى بالكذب 7، ورواه مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن المدني 8، مولى الحرقة عن أبيه 9، عن أبي هريرة، والعلاء ممن جرحوه من رجال مسلم، ضعفه يحيى بن معين، وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم الرازي هو صالح الحديث أنكر من حديثه أشياء..10" وكل هؤلاء الرواة ضعفهم الشيخ رشيد في حديث واحد من أحاديث أشراط الساعة ليسقطه.

وسأكتفي بإحالة القارئ على كتب التاريخ ليحكم بنفسه على هؤلاء

1 وهذا وهم عجيب أيضاً يدل على مدى علم الشيخ رشيد، وقد قلده أبو رية، ونقل عنه نص كلامه، انظر: أضواء (ص: 356ـ 359) فقد عقد فيه فصلاً كاملاً عن هذا الموضوع، كله من كلام الشيخ رشيد في التفسير. وانظر: الأعظمي: منهج النقد (ص:110)

2 تفسير المنار (9/ 506ـ 5-7)

3 أخو وهب بن منبه، محدث متقن، صاحب الصحيفة الشهيرة عن أبي هريرة، وقد سبق الحديث عنهاـ ثقة. انظر: السير (5/ 311ـ 313) والتقريب (ص: 1024)

4 يريد حديث طلوع الشمس من مغربها. انظر: تفسير المنار (8/ 210ـ 211)

5 باب: {لا ينفع نفساً إيمانها} ح: 4636، وسيأتي الكلام عليه في موضعه.

6 هو ابن نصر أو ابن منصور. انظر: ابن حجر: هدي الساري (241)

7 عبد الرزاق هو ابن همام بن نافع، عالم اليمن الثقة الحافظ، صاحب التصانيف والمصنف الشهير، كان يتشيع. السير (9/ 563ـ 580) والتقريب (ص: 607)

8 هو ابن يعقوب المدني صدوق ربما وهم. ابن حجر: التقريب (ص: 761)

9 هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، مولى الحرقة ثقة من الثالثة (تقريب/ص: 605)

10 تفسير المنار (8/ 211) بالحاشية

ص: 156

الذين طعن فيهم الشيخ رشيد، وأكتفي في الرد على هذه المسألة الأساسية، وهي رواية الصحابة عن مسلمة أهل الكتاب لأن في كلام الشيخ رشيد ومن تبعه اتهام للصحابة بالغفلة وبعدم الفطنة والتمييز.

الحكمة من رواية الصحابة الإسرائيليات:

لقد قال الله تعالى مخاطباً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومخبراً عن أهل الكتاب: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1، وقد أدب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وعلمهم المنهج في الرواية عن أهل الكتاب فقال لهم:"إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"2. أفبعد هذا يجوز لأحد أن يتهمهم بالبلاهة والسذاجة وعدم التمييز وبتصديق الكاذبين؟؟!

وفي ضوء الآية السابقة والحديث نستطيع القول: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستمعون لحكايات كعب ووهب ونحوهما، لا على سبيل التصديق بل على سبيل الاعتبار والاتعاظ، وليحمدوا الله تعالى على ما أنعم عليهم من الكتاب والحكمة، وبضدها تتبين الأشياء، والضد يظهر حسنه الضد، وتنقض عرى الإسلام إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3.

1 سورة آل عمران: الآية (78)

2 انظر: أبو داود: السنن: ك: العلم، باب: رواية حديث أهل الكتاب، ح:3644. وانظر أيضاً البخاري: الصحيح: ك: التوحيد: باب ما يجوز من تفسير التوراة..ح: 7542 (13/ 525 مع الفتح)

3 سورة يوسف: الآية (111)

ص: 157

هل رجع الشيخ رشيد رضا عن هذه الآراء:

إن سبب إثارة هذه المسألة ما ذكره الشيخ مصطفى السباعي 1 رحمه الله وهو من معاصري الشيخ رشيد؛ فقد قال عنه: "أما السيد رشيد رضا رحمه الله فيظهر أنه كان في أول أمره متأثراً بوجهة أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله وكان مثله في أول الأمر قليل البضاعة من الحديث، قليل المعرفة بعلومه، ولكنه منذ استلم لواء الإصلاح

كثرت بضاعته من الحديث وخبرته بعلومه

لقد أدْرَكْتُه رحمه الله في آخر حياته، وكنت أتردد على بيته فأستفيد من علمه وفهمه للشريعة، ودفاعه عن السنة ما أجد من حق تاريخه عليّ أن أشهد بأنه كان من أشد الناس أخذاً بالسنة (القولية) وإنكاراً لما يخالفها في المذاهب الفقهية" 2.

وفي هذا النص مسائل: الأولى: أن قلة بضاعة الشيخ رشيد في علم الحديث رواية ودراية قد صرح بها هو نفسه فقال: "

وصفت (بمحيي السنة) على ضعف حفظي للرواية، وقلة حظي من الدراية" 3. وأما تخريجه للأحاديث فقد كان يعتمد فيها على كتاب "مفتاح الصحيحين" المطبوع المشهور، وقد اشتهر الشيخ رشيد بذلك وساعده على ذلك عدم اشتغال الأزهريين بالحديث وتبحرهم في المذاهب الفقهية والكلامية 4.

وأما رجوع الشيخ رشيد عن آرائه في السنة ـ وإن كنت أرجوه ـ إلا أنني لم أجد عليه دليلاً إلا قول الدكتور السباعي المتقدم.

ولكن يوجد أدلة على ثبات الشيخ رشيد على هذه النظرية، فقد ظل

1 هو: مصطفى بن حسني أبو حسان السباعي عالم إسلامي مجاهد ولد بحمص، وتعلم بها وبالأزهر، وحصل على شهادة الدكتوراه من الأزهر، وعمل أستاذاً بكلية الحقوق بدمشق. ت: = = 1384هـ. =1967م. الزركلي: العلام (7/ 231)

2 السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (ص: 30)

3 مقدمة مفتاح كنوز السنة (ص: ق) و (ص: س) .

4 انظر: السباعي: السنة (ص: 30)، ورشيد رضا: مقدمة مفتاح كنوز السنة (ص: ق) .

ص: 158

يردد هذه الآراء حتى في المجلدات الأخيرة من المنار 1، ومع ذلك فإني أرجو أن أكون قد أخطأت نصاً أو أسأت فهماً لكلام الشيخ رشيد رحمه الله.

وأما أخذ الشيخ رشيد بالسنن القولية كما حكى الدكتور السباعي فلا يتعارض مع نظريته تلك، فإنه يقول بجواز الاهتداء بالسنن القولية. وقد سبق بيان ذلك 2.

أثر هذا الموقف للشيخ رشيد:

لقد كانت المكانة العالية التي تبوأها الشيخ رشيد في العالم الإسلامي وانتشار مجلته " المنار" ونشره لمذهب السلف الذي جعل المسلمين يلتفون حول مجلته، كل ذلك جعل رأي الشيخ رشيد في السنة ينتشر بين الناس الذين اطلعوا على مجلته وآرائه.

وأسوأ أثر لهذه الآراء هو الكتاب الذي أصدره "محمود أبو رية" حول السنة، وأعلن فيه رفضه لها جميعها وطعنه فيها وفي رواتها وناقليها. والحقيقة أن دعوى البحث والجد التي أعلنها أبو رية في مقدمة كتابه هي دعوى كاذبة. إن أبا رية لم يفعل شيئاً مما ادعاه هناك، وكل ما فعله أبو رية هو قراءة مجلة المنار، وجمع أقوال الشيخ رشيد رضا المتناثرة فيها، وزاد عليها سوء الظن وسوء الفهم، فكانت النتيجة هي:"أضواء على السنة المحمدية". لقد كان أبو رية، يردد بلا فهم ولا وعي كلام الشيخ رشيد رضا، ولقد نقل أبو رية عن الشيخ رشيد في كتابه ستة وعشرين مرة أو تزيد 3، وكانت هذه النقول تطول حتى تبلغ صفحات من مؤلفات الشيخ رشيد لا سيما التفسير والمجلة. لقد وصل الأمر إلى أن عقد فصلاً كاملاً

1 انظر: مجلة المنار (28/474، 29/42، 48 وما بعدها و 104 و509 وما بعدها و34/ 361 و35/64 وما بعدها) .

2 انظر (ص:120) من هذا البحث.

3 اعتمدت في عد هذه المرات على طبعة "أضواء

" الرابعة التي طبعت في دار المعارف في مصر.

ص: 159

بعنوان "المنافقون من الصحابة" لم يكتب فيه كلمة واحدة، بل كان عبارة عن نقل عبارات لرشيد رضا مع عزوها إلى صفحاتها 1 وفي كل مرة ينقل فيها عن رشيد رضا يسبق اسمه بعبارات المديح والثناء، كالمحدث الفقيه

والمحدث الكبير، وشيخ المحدثين 2.

ولقد كانت هذه الملاحظة ـ أعني كثرة النقل عن رشيد رضا ـ محط انتقاد الذين قرظوا كتاب أبي رية؛ وكان جوابه: "أما الملاحظة الثانية التي لاحظها الدكتور الفاضل 3 فكانت بلسانه.. أنك قد أكثرت من النقل عن السيد رشيد رضا رحمه الله وهذه الملاحظة سمعتها من غيره من كبار العلماء - وما لاحظه دكتورنا ومن معه - هو حق لا أماري فيه، وجوابي..أن هذا السيد يعتبر في هذا العصر من كبار أئمة الفقه المجتهدين عند أهل السنة الذين يعتد برأيهم ويوثق بعلمهم

، وأنه بلا منازع شيخ محدثي أهل السنة في عصرنا

"4.

لقد قلد أبو رية رشيد رضا في كل آرائه في السنة: في تقسيمها 5، وفي شبهات هذا التقسيم 6، وفي الطعن في الصحابة 7، وزاد عليه طعنه في أبي هريرة 8، وعبد الله بن سلام 9 رضي الله عنهما، وطعن في الأحاديث التي طعن فيها 10وزاد عليها، وقد نقل كلام الشيخ رشيد في

1 انظر: أضواء (من ص: 356 ـ 359)، ولكن ليس هذا رأي رشيد في الصحابة. انظر: المجلة (28/ 503) و (ص:720) من هذا البحث وما بعدها.

2 أضواء (ص: 174 وص: 201 وص: 219) .

3 يعني: د. "طه حسين" الذي قرظ له أضواءه ويصفه أبو رية بـ: "نصير العلم والدين". انظر: أضواء (المقدمة ص: 7) .

4 أضواء (ص: 35) .

5 انظر: أضواء (ص: 392) .

6 انظر: أضواء (ص:20 ـ 21 و 23 و25 و46 و80 ـ 85 و 164 و 181 و 398) .

7 انظر: أضواء (ص: 164، 174 ـ 176 و 181) .

8 أضواء (ص: 219 ـ220) .

9 المصدر نفسه (ص: 150 ـ151) .

10 انظر: المصدر نفسه (ص: 82 ـ 85 و 89 ـ94 و 185 و 290و 241ـ 243)

ص: 160