الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام بما دل عليه العقل من تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين وكونه لا يماثل شيئاً ولا يماثله شيء، فعلم أن جميع ما أطلقوه عليه من الألفاظ الدالة على الصفات.. لا ينافي أصل التنزيه.." 1.
وننتقل من هذا الإثبات الإجمالي إلى تفصيل مذهب الشيخ رشيد في أسماء الله تعالى.
1 تفسير المنار (3/ 201)، وأيضاً: المجلة (15/ 906 ـ 907)، وانظر: التوحيد لابن خزيمة (ص: 27)، وابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 164) وما بعدها.
المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى
أولاً: تعريف الاسم:
الاسم مشتق من السمو ـ على الراجح ـ وكما هو مذهب البصريين، والأصل فيه: سَمَو كـ جَمَل، والجمع: أسماء كقنو وأقناء 2.
والاسم في اصطلاح النحاة هو: "اللفظ الذي وضع دلالة على المعنى"3.
وبمثل هذا التعريف عرّف الشيخ رشيد الاسم فقال: "الاسم هو اللفظ الذي يدل على ذات من الذوات كحجر، وخشب، وزيد، أو معنى من المعاني كالعلم والفرح.."4.
2 انظر: الزجاج: معاني القرآن (1/ 40)، والأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 6ـ16) ط. دار إحياء التراث العربي، (مصورة عن المكتبة التجارية بمصر)
3 السهيلي: "نتائج الفكر في النحو": (ص: 38) ط. دار الرياض للنشر والتوزيع، ت: محمد إبراهيم البنا.
4 تفسير المنار (1/ 40)
ثم ينتقل الشيخ رشيد إلى الكلام على الأسماء الحسنى فيعرفها ويبين أقسامها من حيث دلالتها ومن حيث اشتقاقها، فيقول:"الأسماء جمع اسم؛ وهو اللفظ الدال على الذات فقط أو على الذات مع صفة من صفاتها، سواء كان مشتقاً كالرحمن الرحيم، الخالق الرازق، أو مصدراً كالرب والسلام والعدل.."1.
ثم يقسم أنواع دلالات الأسماء الحسنى قائلاً: "وهذه الأسماء المشتقة كل منها يدل على ذات الله تعالى وعلى الصفة التي اشتق منها معاً بالمطابقة، وعلى الذات وحدها أو الصفة وحدها بالتضمن، ولكل منها لوازم يدل عليها بالالتزام.."2. وهذا الموقف صحيح موافق لما ذهب إليه أهل العلم 3.
ثانياً: الاسم والمسمى (العلاقة بين الاسم والمسمى)
كان السلف رحمهم الله يكرهون الخوض في هذه المسألة ـ وفي كل مسألة لم يرد ذكرها في الكتاب والسنة ـ لأنها من الأمور المحدثة 4.ولكن ـ ولأن البحث فيها لم يتوقف ـ اضطر علماء السنة إلى الخوض فيها وبيان وجه الحق من الأقوال ورد الباطل منها 5.
وقد تعددت الأقوال في هذه المسألة 6 ويمكنني أن ألخصها في ثلاثة أقوال، هي الأقوال الرئيسة في هذه المسألة:
أحدها: أن الاسم هو المسمى: وأن أسماء الله تعالى هي هو. وهو
1 المصدر نفسه (9/ 431)
2 المصدر نفسه (1/ 46)
3 انظر: ابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 162) وقد اطلع عليه رشيد رضا. انظر (ص: 180) من هذا البحث.
4 انظر: الطبري: صريح السنة (ص: 17) ت: بدر المعتوق، ط. دار الخلفاء الأولى 1405هـ.
5 انظر مثلاً: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (2/ 228)
6 انظر: الأشعري: المقالات (1/ 252)، وابن تيمية: مجموع الفتاوى (6/ 186)
قول أهل الحديث وكثير من المنتسبين إلى السنة. مثل اللالكائي 1 والبغوي 2، ومن غيرهم: أبو عبيدة معمر بن المثنى 3.
الثاني: أن الاسم غير المسمى وأسماء الله تعالى غيره. وهو قول الجهمية والمعتزلة وكثير من الزيدية، وكثير من الخوارج.
الثالث: أن الاسم للمسمى: أو الإمساك والتفصيل، وهو القول الحق، وممن قال به: الطبري 4، وأحمد بن حنبل 5، وابن تيمية 6، وابن القيم 7. وأكثر المنتسبين إلى السنة 8.
وهذا القول هو الموافق للكتاب والسنة ولفظهما، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 9 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء.." 10 هو الموافق أيضاً لمنهج أهل السنة والجماعة في موقفهم من الألفاظ والعبارات المجملة، وعدم إطلاقها، والاستفصال عن معناها والتقيد بالألفاظ والتعبيرات الواردة في الكتاب والسنة 11. ويتلخص هذا المذهب في نقطتين:
1 انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 228)، وهو: أبو القاسم هبة الله، ابن الحسن، الحافظ، الإمام، ت 418هـ. السير (17/ 419)
2 معالم التنزيل (1/ 38)، وهو: الحسن بن مسعود الفراء، الإمام العالم، محيي السنة، ت: 516هـ. السير (19/ 439)
3 مجاز القرآن (1/ 16) وهو: من صفرية الخوارج. المقالات (1/ 198) والسير (9/ 445)
4 صريح السنة (ص: 26 ـ27) وهو أبو جعفر محمد بن جرير العالم المجتهد ت: 310هـ. السير (14/ 267)
5 طبقات الحنابلة (2/ 270)
6 مجموع الفتاوى (6/ 206)
7 بدائع الفوائد (1/ 16 ـ17)
8 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (6/ 201)
9 سورة الأعراف، الآية (180)
10 البخاري: ك: المناقب، باب: ما جاء في أسماء رسول الله (، ح: 3532 (6/641)
11 انظر: ابن تيمية: التدمرية (ص:22)، وابن عثيمين: تقريب التدمرية (ص: 52)، وفالح بن مهدي: النحفة المهدية (1/ 136) وما بعدها، وابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 17)
أولاً: التقيد بتعبير الكتاب والسنة وعدم إطلاق ما لم يرد فيهما أو أحدهما.
ثانياً: الاستفصال عن معنى "الغير" إذ هو مجمل يجب التفصيل فيه 1.
فإذا كان المقصود أن الاسم الذي هو اللفظ الدال على المعنى، غير هذا المعنى وهو الشيء الموجود في العيان، بحسب اللفظ والوضع اللغوي، فصحيح 2.
وإن كان المراد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسماً أو سماه خلقه بأسماء من عندهم، فهذا هو الباطل وهو قول الجهمية، وهو مرادهم بأن الاسم غير المسمى، وهو قول فاسد لأن أسماء الله من كلامه وكلامه غير مخلوق فأسماؤه هي منه وهي غير مخلوقة، سمى بها نفسه 3.
قال ابن القيم رحمه الله: "..منشأ الغلط في هذا الباب من إطلاق ألفاظ مجملة محتملة لمعنيين صحيح وباطل فلا ينفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني وتنزيل ألفاظها عليها، ولا ريب أن الله تبارك تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال المشتقة أسماؤه منها فلم يزل بأسمائه وصفاته وهو إله واحد له الأسماء الحسنى والصفات العلى وأسماؤه وصفاته داخلة في مسمى اسمه.. وبلاء القوم من لفظة الغير فإنها يراد بها معنيان: أحدهما: المغاير لتلك الذات المسماة بالله، وكل ما غاير الله مغايرة محضة
1 انظر: ابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 17) ، ومختصر الصواعق (2/ 420)
2 ابن القيم: المصدر السابق (1/ 16)، وشفاء العليل (ص: 390 ـ 391) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1407هـ، وابن حجر: فتح الباري (11/ 225)، والسهيلي: نتائج الفكر (ص: 39) .
3 ابن القيم: المصدر السابق (1/ 17)، وانظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: 7 ـ 8)،وابن القيم: شفاء العليل (ص: 457)، وانظر أيضاً: د. محمد بن خليفة التميمي: معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى (ص: 390ـ 391) ط. دار إيلاف، الأولى 1417هـ، وعبد الله بن صالح الغصن: أسماء الله الحسنى (ص: 33 ـ 34) ط. دار الوطن، الأولى 1417هـ.
بهذا الاعتبار فلا يكون إلا مخلوقاً، ويراد به مغايرة الصفة للذات إذا خرجت عنها فإذا قيل: علم الله وكلام الله غيره بمعنى أنه غير الذات المجردة عن العلم والكلام كان المعنى صحيحاً ولكن الإطلاق باطل.."1.
وبهذا التفصيل يزول الإشكال ويتبين الصواب، فأسماء الله من كلامه وكلامه غير مخلوق، ولا يقال هو غيره ولا هو هو.
ويؤيد مذهب السلف علماء النحو، إذ يقول إمامهم وهو سيبويه 2 في كتابه الشهير:"هذا باب اللفظ للمعاني" 3 وهو معنى قول السلف: الاسم للمسمى.
وأما الشيخ رشيد رضا فيوافق مذهب السلف في هذه المسألة فيقرر أنه بحسب الوضع اللغوي فإن الاسم غير المسمى فيقول: "فالاسم غير المسمى في اللغة وقد أخطأ من نسب إلى سيبويه غير هذا"4.
وقد نقلت قبل قليل عن سيبويه ما يوضح مذهبه في ذلك.
ويفرق الشيخ رشيد بين المعاني المشتبهة ويبين ما فيها من الإجمال فيقول: "الاسم هو اللفظ الذي ينطق به لسانك ويكتبه قلمك، كقولك: شمس أو زيد أو مكة، والمسمى هو الكوكب المعروف أو الشخص المعين أو البلد المحدد.. ولفظ "اسم" اسم لهذا النوع من اللفظ الذي يدل على الجواهر والأعراض دون الأحداث التي تسمى في النحو أفعالاً.."5.
ويُخَطِّئُ الشيخ رشيد ـ تبعاً لابن القيم ـ من قال إن الاسم عين المسمى، فهذا "لم يقله نحوي ولا عربي قط"6.
ويبين الشيخ رشيد وجه الشبهة عند من قال: إن الاسم هو المسمى
1 بدائع الفوائد (1/ 17 ـ 18) وانظر أيضاً: شفاء العليل (ص: 457)
2 هو: إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر. السير (8/ 351)
3 الكتاب (1/ 24) ط. الهيئة العامة للكتاب، ت: عبد السلام هارون.
4 تفسير المنار (1// 42) وقارن مع ابن القيم: بدائع الفوائد (1/ 16)
5 المصدر نفسه (1/ 40)
6 المصدر نفسه (1/ 40ـ 41) وقارن مع ابن القيم: بدائع الفوائد (ص:17)